الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحبه ينفر عنه، ويشفق منه، ويستعيذ بالله عز وجل= فإنه لا يضُرُّ، بل ولا يضرُّه عروضُ الشبهة إذا [2/ 371] كان عند عروضها يتألم ويتأذى وتشقُّ عليه، ويبادر إلى طردها عن نفسه مستعيذًا بالله عز وجل. وإنما يضرُّه أن يأنس بها، وتستقرَّ في نفسه، وتَبِيض، وتُفرخ، حتى يصدق عليه اسم «مرتاب» . هذا هو الذي تدل عليه النصوص، والذي لا يسع الناسَ غيرُه، و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
و
معيارُ الإيمان القلبي: العمل
. ولهذا كان السلف يقولون: «الإيمان قول وعمل» ، ولا يذكرون الاعتقاد؛ وكانت المرجئة تقول:«الإيمان قول» . ثم منهم من يوافق أهل السنة على اشتراط الاعتقاد، ومنهم من لا يشترطه في اسم الإيمان، ولكن يشترطه للنجاة، وهذا قول الكرَّامية. ومنهم من لا يشترطه في اسم الإيمان، ولا في النجاة، وهؤلاء هم الغلاة.
وقال الله عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 14 - 15].
وفي «الصحيحين»
(1)
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : «الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان» . وفي رواية مسلم: «أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق» .
وذكر الله عز وجل في سورة التوبة المنافقين ثم قال: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} إلى أن قال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [102 - 105].
وفي «الصحيحين»
(2)
من حديث أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «آية المنافق ثلاث ــ زاد مسلم: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ــ إذا حدَّث كذبَ، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» . وفيهما
(3)
من حديث عبد الله بن عمرو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أربع [2/ 372] مَن كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعَها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذبَ، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فَجَر» .
وفي «تذكرة الحفاظ» (ج 2 ص 53)
(4)
: عن سفيان الثوري أنه قال: «خلافُ ما بيننا وبين المرجئة ثلاث: يقولون: الإيمان قول لا عمل، ونقول: قول وعمل. ونقول: يزيد وينقص، وهم يقولون: إنه لا يزيد ولا ينقص. ونحن نقول: النفاق، وهم يقولون: لا نفاق» .
أقول: كأنهم في قولهم: «النطق بالشهادتين هو الإيمان» يشترطون أن يقع
(1)
البخاري (9) ومسلم (35).
(2)
البخاري (33) ومسلم (59).
(3)
البخاري (34) ومسلم (58).
(4)
(2/ 473) تحقيق المعلمي.
النطق من قائليه طوعًا ولا يكذِّبوا أنفسهم فيه إذا خلا بعضهم إلى بعض. ثم يقولون: إن المنافقين الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ينطقون تقيةً ويكذبون أنفسهم إذا خلوا، فهذا هو النفاق. فأما من يقول طوعًا ولا يكذب نفسه إذا خلا، فهو مؤمن وإن كان في نفسه شاكًّا مرتابًا، بناءً على جحدِهم اشتراطَ الاعتقاد في الإيمان. وأهل السنة يقولون: هذا نفاق، إذ شرط الإيمانُ عندهم الاعتقاد.
وبالجملة، فلا أرى عاقلًا لقوله يقول: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، إلا على أحد أوجه:
الأول: أن يكون يخصُّ لفظَ الإيمان القلبي بالتصديق الذي لا يعتدُّ بما دونه، فهو بمنزلة النصاب. فكما أن نصاب الذهب في حق الأغنياء بالذهب واحد لا يزيد ولا ينقص وإن تفاوتوا في الغنى بالذهب، فكذلك يقول هذا: إن الإيمان الذي هو نصاب التصديق لا يزيد ولا ينقص، وإن تفاوت الخلق في التصديق. أو قل: إنه بمنزلة زكاة الفطر، وهي صاع لا يزيد ولا ينقص، وإن كان من الناس من يعطي صاعين أو مائةً أو ألفًا أو أكثر من ذلك.
الثاني: أن يكون عنده أن الإيمان قول فقط. وهذا إن فسَّر القول بالشهادتين وقال: إنه لا يكفي للنجاة، فهو قول الكرامية. وإن فسَّره بهما وقال: إنه يكفي، فهو قول غلاة المرجئة. وإن فسَّره بالاعتراف اللساني بربوبية الله عز وجل، وقال: إنه لا يكفي للنجاة ولجريان أحكام الإسلام، فهو قريب من الأول. وإن قال: إنه يكفي لذلك فهو أشدُّ من قول غلاة المرجئة.
[2/ 373] الثالث: أن يزعم أن الإيمان هو القول والاعتقاد الذي لا يقينَ فوقه. ولا أرى هذا إلا قاضيًا على نفسه وغالب الناس بعدم الإيمان. والله المستعان.