الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الأولى
صور من تكريم الله لأهل الجنة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
وأول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد النون، ثم يُنحر لهم ثور الجنة، ثم يشربون عليه من عين تسمى سلسبيلًا.
قال ابن حجر رحمه الله: «والنون هو الحوت، والزيادة هي القطعة المنفردة المعلقة في الكبد، وهي في غاية اللذة، حتى إنه قيل إنها أهنأ طعام وأمرأه»
(1)
. اهـ
(1)
. فتح الباري (7/ 273).
روى مسلم في صحيحه من حديث ثوبان قال: جاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد، وجاء فيه: ثم سأل: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: «زيادة كبد النون» ، قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: «ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها» ، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: «من عين فيها تسمى سلسبيلًا»
(1)
.
قال القرطبي رحمه الله: «نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم، فليس أكلهم عن جوع، ولا شرابهم عن ظمأ، ولا تطيبهم عن نتن، وإنما هي لذات متوالية، ونعم متتابعة»
(2)
.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْتَئِسُوا أَبَدًا» ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} [الأعراف:43]
(3)
.
وفي رواية للبزار: «النَّوْمُ أَخُو المَوْتِ، وَلَا يَنَامُ أَهْلُ
(1)
. برقم 315.
(2)
. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي (7/ 180).
(3)
. برقم 2837.
الْجَنَّةِ»
(1)
.
قال بعض أهل العلم: «أهل الجنة لا يموتون، ولا ينامون لكمال حياتهم، وكثرة لذاتهم، وتوالي نعيمهم ومسراتهم» .اهـ
قال تعالى: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42)} [الصافات:40 - 42]. وقال تعالى: {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)} [المعارج:35].
"والإكرام هو التعظيم والتوقير والتبجيل، وهو من أعظم ما تتوق إليه نفوس ذوي الهمم، كما أن الصَّغار والذل من أعظم ما تنفر منه نفوسهم، والإكرام الموعود يحصل لأهل الجنة من كل جهة"
(2)
،
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي: «قد أكرم بعضهم بعضًا، وأكرمتهم الملائكة الكرام، وصاروا يدخلون عليهم من كل باب، ويهنئونهم ببلوغ أهنأ الثواب، وأكرمهم أكرم الإكرام، وجاد عليهم بأنواع الكرامات، من نعيم القلوب، والأرواح، والأبدان»
(3)
.
1 -
ومن صور إكرام الله لأهل الجنة ما ذكره الله تعالى بقوله: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)} [مريم:85].
(1)
. كشف الأستار عن زوائد البزار (4/ 193) برقم 3517، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (3/ 74 - 78) برقم 1087، ورجح بعضهم إرساله.
(2)
. الوعد الأخروي. شروطه وموانعه، للدكتور عيسى السعدي (1/ 177).
(3)
. تفسير ابن سعدي ص 670.
قال بعض المفسرين: المتقون هم الذين اتقوا الشرك والمعاصي والبدع، يحشرهم الله إلى موقف القيامة مكرمين مبجلين معظمين، والمقصود بالوفد هم القادمون ركبانًا على نجائب من نور من مراكب الدار الآخرة، وهم قادمون على ربهم إلى دار كرامته ورضوانه
(1)
.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ركبانًا يؤتون بنوق من الجنة، عليها رحائل من الذهب، وسروجها وأزمتها من الزبرجد
(2)
، فيحشرون عليها»
(3)
.
قال القرطبي رحمه الله: «وقيل: إنما قال وفدًا لأن من شأن الوفود عند العرب أن يقدموا بالبشارات، وينتظرون الجوائز، فالمتقون ينتظرون العطاء والثواب»
(4)
.
2 -
أنهم يساقون على النجائب زمرًا، قال ابن كثير رحمه الله: «أي جماعة بعد جماعة، المقربون ثم الأبرار ثم الذين يلونهم، كل طائفة مع من يناسبهم، الأنبياء مع الأنبياء، والصديقون مع أشكالهم، والشهداء مع أضرابهم، والعلماء مع أقرانهم، وكل صنف مع صنف، كل زمرة تناسب بعضها بعضًا، حتى إذا وصلوا
(1)
. انظر: تفسير ابن كثير رحمه الله (9/ 296)، والشيخ ابن سعدي ص 472.
(2)
. الزبرجد: وهو نوع من أنواع الأحجار الكريمة المعدنية القيمة، خضراء اللون.
(3)
. تفسير القرطبي (13/ 515).
(4)
. تفسير القرطبي (13/ 515).
إليها فتحت الأبواب لهم إكرامًا وتعظيمًا، وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} [الزمر:73]»
(1)
.
3 -
أن الله يرفع ذرية المؤمن إلى درجته في الجنة وإن لم يبلغوا عمله، إكرامًا له ولتقر عينه بهم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)} [الطور:21].
4 -
تحقيق رغباتهم ولو كانت من أمور الدنيا، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يومًا يحدث:«أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ: أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ» - أي جمعه. قال الشراح: لم يكن بين البذر ونجاز أمر الزرع كله حتى الجمع إلا قدر لمح البصر، «فيقول الله تعالى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ»
(2)
.
5 -
كلام الرب معهم، ورضاه عنهم، وهو من أعظم مظاهر الإكرام، قال تعالى:{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} [يس:58]. قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي: وفي هذا كلام الرب تعالى
(1)
. تفسير ابن كثير رحمه الله (12/ 155 - 162) بتصرف.
(2)
. برقم 7519.
لأهل الجنة وسلامه عليهم
(1)
.
وقال تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة:8]. «فأهل الجنة راضون بما أعطاهم ربهم - جل وعلا -، حتى إن أدناهم يرى أنه لم يعط أحد مثل عطائه»
(2)
.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الجَنَّةِ .. الحديث» . وفيه: «فَإِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ، قَالَ اللَّهُ: هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ، فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَتَقُولَانِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا وَأَحْيَانَا لَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ»
(3)
.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: ومَا لَنَا لا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا
(1)
. تفسير ابن سعدي، ص 819 - 820.
(2)
. الوعد الأخروي. شروطه وموانعه، د. عيسى السعدي (1/ 181).
(3)
. برقم 188.
أَسْخَطُ عَلَيْكُم بَعْدَهُ أَبَدًا»
(1)
.
6 -
ومنها أن الله يكرمهم بكشف الحجاب ورؤيتهم له سبحانه، روى مسلم في صحيحه من حديث صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل»
…
وَزَادَ: ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]
(2)
.
قال ابن حجر رحمه الله تعليقًا على حديث: «وما بين القوم وما بين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه» : «كأن المؤمنين إذا تبوؤا مقاعدهم من الجنة لولا ما عندهم من هيبة ذي الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل، فإذا أراد إكرامهم حفهم برأفته، وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر إليه سبحانه، ثم وجدت في حديث صهيب المتقدم في تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ما يدل على أن المراد برداء الكبرياء في حديث أبي موسى الحجاب المذكور في حديث صهيب، وأنه -سُبْحَانَهُ- يكشفه لأهل الجنة إكرامًا لهم»
(3)
.
قال ابن كثير رحمه الله في تعليقه على حديث: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ
(1)
. صحيح البخاري برقم 6549، وصحيح مسلم برقم 2829.
(2)
. برقم 181.
(3)
. انظر فتح الباري (13/ 433) باختصار.
(1)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. النهاية في الفتن والملاحم (2/ 304 - 305).