المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الثامنة عشرةمن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (1) - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ١٠

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولىصور من تكريم الله لأهل الجنة

- ‌الكلمة الثانيةشرح حديث: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا

- ‌الكلمة الثالثةشرح حديث: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ

- ‌الكلمة الرابعةالاعتزاز بالدِّين

- ‌الكلمة الخامسةتأملات في سورة الانشقاق

- ‌الكلمة السادسةتأملات في سورة البيِّنة

- ‌الكلمة السابعةمن فضائل يوم عرفة

- ‌الكلمة الثامنةمن فضائل أيام التشريق

- ‌الكلمة التاسعةمن مقاصد الحج وحِكمه

- ‌الكلمة العاشرةمِنْ فَضَائِلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

- ‌الكلمة الحادية عشرةالأشهر الحرم

- ‌الكلمة الثانية عشرةصفة الصلاة على الجنازة

- ‌الكلمة الثالثة عشرةمسائل تتعلق بصلاة الجنازة

- ‌الكلمة الرابعة عشرةتأملات في قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ…} الآيات

- ‌الكلمة الخامسة عشرةمن خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم (1)

- ‌الكلمة السادسة عشرةمن خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم (2)

- ‌الكلمة السابعة عشرةمن خصائص الأنبياء عليهم السلام

- ‌الكلمة الثامنة عشرةمن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (1)

- ‌الكلمة التاسعة عشرةمن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (2)

- ‌الكلمة العشرونمن خصائص جزيرة العرب

- ‌الكلمة الواحدة والعشرونالهدية

- ‌الكلمة الثانية والعشرونالإيثار

- ‌الكلمة الثالثة والعشرونأسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الكلمة الرابعة والعشرونصفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلْقِية

- ‌الكلمة الخامسة والعشرونالمزاح - مشروعيته وآثاره

- ‌الكلمة السادسة والعشرونالمحرمات في النكاح

- ‌الكلمة السابعة والعشرونمن أحكام الرضاع

- ‌الكلمة الثامنة والعشرونالرقابة الذاتية في الوقت المعاصر

- ‌الكلمة التاسعة والعشرونالإسراء والمعراج

- ‌الكلمة الثلاثوندعاء القنوت

- ‌ الضوابط للدعاء المشروع في قنوت الوتر

- ‌الكلمة الواحدة والثلاثونالغناء (2) والشِّيلات والمؤثِّرات الصَّوتية

- ‌الكلمة الثانية والثلاثونالأناشيد الإسلامية

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثونوصايا لقمان الحكيم

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثونالتمثيل

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثونفضل الجهاد في سبيل اللَّه

- ‌الكلمة السادسة والثلاثونقصة أصحاب الأخدود

- ‌ فوائد قصة أصحاب الأخدود:

- ‌الكلمة السابعة والثلاثونفوائد من حديث أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما عند بعثهما إلى اليمن

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثوندروس وعبر من غزوة أحد

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثونمفطرات الصيام

- ‌الكلمة الأربعونفضل الصيام في شهر شعبان

- ‌الكلمة الواحدة والأربعونالوقف

- ‌الكلمة الثانية والأربعونمن فضائل مصر

- ‌الكلمة الثالثة والأربعونمن فضائل المسجد الأقصى

- ‌الكلمة الرابعة والأربعونالألعاب المنتشرة بين الناس وحكم مشاهدتها

- ‌الكلمة الخامسة والأربعونالجوائز والمسابقات في الشريعة الإسلامية

- ‌الكلمة السادسة والأربعونبطاقات التعامل التجاري والاقتراض من البنوك

- ‌الكلمة السابعة والأربعونألفاظ يُنهى عنها

- ‌الكلمة الثامنة والأربعونزيادة الإيمان ونقصانه

- ‌الكلمة التاسعة والأربعونالحكم بغير ما أنزل الله

- ‌أما القسم الأول وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع:

- ‌الكلمة الخمسونالصوفية وخطرها على بلاد الإسلام

الفصل: ‌الكلمة الثامنة عشرةمن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (1)

‌الكلمة الثامنة عشرة

من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (1)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد

«فإن معرفة ما خص الله به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأخلاق والفضائل مما يزيد الإيمان به ومحبته وتعظيمه، وذلك موجب لكمال الانقياد له والاتباع، ولن يؤمن عبد حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وعلامة حب العبد للرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزله المنزلة التي أنزله الله إياها، فيعظم أقواله، ويقدمها على قول كل أحد، ويقدم طاعته على هوى نفسه وشهواتها"

(1)

.

ومن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم:

1 -

أن الله أخذ الميثاق على النبيين أن يؤمنوا به وينصروه: قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ

(1)

. الضياء اللامع من الخطب الجوامع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (5/ 144).

ص: 145

ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)} [آل عمران:81].

قال ابن كثير رحمه الله: «فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين، وهو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر لكان هو واجب الطاعة، المقدم على الأنبياء كلهم؛ ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء، لما اجتمعوا ببيت المقدس، وكذلك هو الشفيع في المحشر في إتيان الربِّ جل جلاله لفصل القضاء بين عباده، وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له، والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين، حتى تنتهي النوبة إليه، فيكون هو المخصوص صلوات الله وسلامه عليه»

(1)

. وفي الحديث: «لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي»

(2)

.

2 -

أن التوراة والانجيل بشَّرتا به وبأصحابه: قال اللهُ تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ

(1)

. تفسير ابن كثير (3/ 101).

(2)

. مسند الإمام أحمد (23/ 349) برقم 15156، وشرح السنة للبغوي (1/ 270) برقم 126، وحسنه محقِّقا شرح السنة، الأرناؤوط والشاويش.

ص: 146

الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف:157].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشَّروا أممهم ببعثه، وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم»

(1)

.

روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث عطاء بن يسار قال: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا

(2)

لِلْأُمِّيِّينَ

(3)

، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ

(4)

فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ

(5)

بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا»

(6)

.

(1)

. اليسير في اختصار تفسير ابن كثير رحمه الله ص 716.

(2)

. حرزًا: بكسر الحاء وسكون الراء، أي حصنًا.

(3)

. الأميين: هم العرب.

(4)

. السخاب: معناها رفع الصوت بالخصام.

(5)

. قال الحافظ في الفتح (4/ 343): أي ملة العرب، ووصفها بالعوج لما دخل فيها من عبادة الأصنام، والمراد بإقامتها أن يخرج أهلها من الكفر إلى الإيمان.

(6)

. برقم 2125.

ص: 147

وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الفتح:29].

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره هذه الآية: «هذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أنهم يكونون قليلًا ثم يزدادون ويكثرون، فكان النبي صلى الله عليه وسلم حين بدأ بالدعاء إلى دينه ضعيفًا، فأجابه الواحد بعد الواحد حتى قوي أمره، كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفًا، فيقوى حالًا بعد حال حتى يغلظ ساقه وأفراخه، فكان هذا من أصح مثل، وأوضح بيان»

(1)

.

3 -

أن اللَّه حجب الشياطين عن السموات لبعثه: قال تعالى عن لسان الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)} [الجن:8 - 9].

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان الجن يسمعون الوحي فيستمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرًا، فيكون ما سمعوا حقًّا، وما زادوه باطلًا، وكانت النجوم لا يُرمى بها قبل ذلك، فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم كان أحدهم

(1)

. تفسير القرطبي رحمه الله (19/ 345).

ص: 148

لا يأتي مقعده إلَّا رمي بشهاب يحرق ما أصاب، فشكوا ذلك إلى إبليس، فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث، فبث جنوده، فإذا هم بالنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بين جبلي نخلة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض»

(1)

.

4 -

أن اللَّه أراه جبريل عليه السلام في صورته التي خُلق عليها: قال تعالى: {وَلَقَدْ رَأَىهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)} [التكوير: 23].

روى الإمام مسلم من حديث مسروق قال: كنت عند عائشة رضي الله عنها، قال: قلت: أَلَيس اللهُ يَقُولُ: {وَلَقَدْ رَأَىهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)} وَقَالَ: {وَلَقَدْ رَأَىهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} ، قَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ، سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ»

(2)

.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَأَىهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)} يعني: ولقد رأى محمدٌ جبريلَ رضي الله عنه الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح {بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء وهي المذكورة في قوله تعالى في سورة النجم: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ

(1)

. (4/ 284) برقم 2482، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(2)

. برقم 177.

ص: 149

أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} [النجم: 5 - 10].

والدليل أن المراد بذلك جبريل عليه السلام والظاهر - والله أعلم - أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الإسراء؛ لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤية وهي الأولى، وأما الثانية، وهي المذكورة في قوله:{وَلَقَدْ رَأَىهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)} [النجم: 13 - 16]. فتلك إنما ذُكرت في سورة النجم، وقد نزلت بعد الإسراء

(1)

.

5 -

ومن خصائصه رحلة الإسراء والمعراج: وما حصل فيها من أحداث، وكذلك إمامته بالأنبياء في بيت المقدس، قال تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء: 1].

قال ابن كثير رحمه الله: «يمجد تعالى نفسه، ويعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره، ولا ربَّ سواه، فقد أسرى بعبده محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه في جنح الليل من المسجد الحرام وهو مسجد مكة، إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس الذي [بإيلياء] معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام؛ ولهذا جُمعوا له هنالك كلهم، فأمهم في محلتهم ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس

(1)

. تفسير ابن كثير رحمه الله (14/ 271).

ص: 150

المقدَّم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين"

(1)

.

روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «

وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى رضي الله عنه قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ

(2)

جَعْدٌ

(3)

، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ

(4)

، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيمَ رضي الله عنه قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ رضي الله عنه قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ، يَعْنِي: نَفْسَهُ، فَحَانَتِ الصَّلاةُ، فَأَمَمْتُهُمْ

»

(5)

.

6 -

ومن خصائصه القرآن الكريم الذي نزل عليه مفرقًا في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والأحداث: قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)} [الإسراء: 88]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت: 41 - 42].

روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث

(1)

. تفسير ابن كثير رحمه الله (8/ 373 - 374).

(2)

. أي: خفيف اللحم، النهاية في غريب الحديث (3/ 72).

(3)

. جعد: فيها معنيان، أحدهما هو اكتناز الجسم، والثاني جعودة الشعر، والأول أصح. شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 397).

(4)

. شنوءة: هي قبيلة معروفة سموا بذلك من قولك: رجل فيه شنوءة، أي تقزز، وهو التباعد من الأدناس. شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 397).

(5)

. برقم 172.

ص: 151

أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ، إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ

(1)

، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(2)

.

قال النووي رحمه الله: «معناه أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم، ولم يشاهدها إلا من حضرها بحضرتهم، ومعجزة نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن المستمر إلى يوم القيامة مع خرق العادة في أسلوبه وبلاغته، وإخباره بالمغيبات، وعجز الجن والإنس عن أن يأتوا بسورة من مثله مجتمعين أو متفرقين في جميع الأعصار، مع اعتنائهم بمعارضته، فلم يقدروا وهم أفصح القرون، مع غير ذلك من وجوه إعجازه المعروفة»

(3)

.

7 -

ومن خصائصه أنه خاتم النبيين وآخر النبيين بعثًا: قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)} [الأحزاب: 40].

قال ابن كثير رحمه الله: «هذه الآية نص في أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم،

(1)

. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أي أن معجزتي التي تحديت بها: الوحي الذي أُنزل عليَّ وهو القرآن، لما اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أُوتي من تقدمه، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اختص بها دون غيره. فتح الباري (9/ 6).

(2)

. صحيح البخاري برقم 4981، وصحيح مسلم برقم 152 واللفظ له.

(3)

. شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 364).

ص: 152

وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي، ولا ينعكس»

(1)

.

روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ، أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ»

(2)

.

8 -

ومن خصائصه أن شرعه مؤبد إلى يوم القيامة، وناسخ لجميع الشرائع قبله: قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85]، وقال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48]. قال السيوطي: «استدل بهذه الآية على أن شرعه صلى الله عليه وسلم ناسخ لكل شرع قبله»

(3)

.

روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ

(1)

. تفسير ابن كثير رحمه الله (11/ 175 - 176).

(2)

. برقم 523.

(3)

. الخصائص الكبرى للسيوطي ص 354.

ص: 153

بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»

(1)

.

والخصائص كثيرة، وإنما ذكرت بعضًا منها للتذكير، ومن أراد التوسع فليراجع الكتب التي كُتبت في ذلك

(2)

.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

. برقم 153.

(2)

. مثل: كتاب الخصائص الكبرى للسيوطي رحمه الله، شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته، وفضائله وخصائصه لابن كثير رحمه الله، والجامع في الخصائص للشيخ موسى العازمي.

ص: 154