المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة السابعة والعشرونمن أحكام الرضاع - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ١٠

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولىصور من تكريم الله لأهل الجنة

- ‌الكلمة الثانيةشرح حديث: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا

- ‌الكلمة الثالثةشرح حديث: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ

- ‌الكلمة الرابعةالاعتزاز بالدِّين

- ‌الكلمة الخامسةتأملات في سورة الانشقاق

- ‌الكلمة السادسةتأملات في سورة البيِّنة

- ‌الكلمة السابعةمن فضائل يوم عرفة

- ‌الكلمة الثامنةمن فضائل أيام التشريق

- ‌الكلمة التاسعةمن مقاصد الحج وحِكمه

- ‌الكلمة العاشرةمِنْ فَضَائِلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

- ‌الكلمة الحادية عشرةالأشهر الحرم

- ‌الكلمة الثانية عشرةصفة الصلاة على الجنازة

- ‌الكلمة الثالثة عشرةمسائل تتعلق بصلاة الجنازة

- ‌الكلمة الرابعة عشرةتأملات في قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ…} الآيات

- ‌الكلمة الخامسة عشرةمن خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم (1)

- ‌الكلمة السادسة عشرةمن خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم (2)

- ‌الكلمة السابعة عشرةمن خصائص الأنبياء عليهم السلام

- ‌الكلمة الثامنة عشرةمن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (1)

- ‌الكلمة التاسعة عشرةمن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية (2)

- ‌الكلمة العشرونمن خصائص جزيرة العرب

- ‌الكلمة الواحدة والعشرونالهدية

- ‌الكلمة الثانية والعشرونالإيثار

- ‌الكلمة الثالثة والعشرونأسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الكلمة الرابعة والعشرونصفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلْقِية

- ‌الكلمة الخامسة والعشرونالمزاح - مشروعيته وآثاره

- ‌الكلمة السادسة والعشرونالمحرمات في النكاح

- ‌الكلمة السابعة والعشرونمن أحكام الرضاع

- ‌الكلمة الثامنة والعشرونالرقابة الذاتية في الوقت المعاصر

- ‌الكلمة التاسعة والعشرونالإسراء والمعراج

- ‌الكلمة الثلاثوندعاء القنوت

- ‌ الضوابط للدعاء المشروع في قنوت الوتر

- ‌الكلمة الواحدة والثلاثونالغناء (2) والشِّيلات والمؤثِّرات الصَّوتية

- ‌الكلمة الثانية والثلاثونالأناشيد الإسلامية

- ‌الكلمة الثالثة والثلاثونوصايا لقمان الحكيم

- ‌الكلمة الرابعة والثلاثونالتمثيل

- ‌الكلمة الخامسة والثلاثونفضل الجهاد في سبيل اللَّه

- ‌الكلمة السادسة والثلاثونقصة أصحاب الأخدود

- ‌ فوائد قصة أصحاب الأخدود:

- ‌الكلمة السابعة والثلاثونفوائد من حديث أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما عند بعثهما إلى اليمن

- ‌الكلمة الثامنة والثلاثوندروس وعبر من غزوة أحد

- ‌الكلمة التاسعة والثلاثونمفطرات الصيام

- ‌الكلمة الأربعونفضل الصيام في شهر شعبان

- ‌الكلمة الواحدة والأربعونالوقف

- ‌الكلمة الثانية والأربعونمن فضائل مصر

- ‌الكلمة الثالثة والأربعونمن فضائل المسجد الأقصى

- ‌الكلمة الرابعة والأربعونالألعاب المنتشرة بين الناس وحكم مشاهدتها

- ‌الكلمة الخامسة والأربعونالجوائز والمسابقات في الشريعة الإسلامية

- ‌الكلمة السادسة والأربعونبطاقات التعامل التجاري والاقتراض من البنوك

- ‌الكلمة السابعة والأربعونألفاظ يُنهى عنها

- ‌الكلمة الثامنة والأربعونزيادة الإيمان ونقصانه

- ‌الكلمة التاسعة والأربعونالحكم بغير ما أنزل الله

- ‌أما القسم الأول وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع:

- ‌الكلمة الخمسونالصوفية وخطرها على بلاد الإسلام

الفصل: ‌الكلمة السابعة والعشرونمن أحكام الرضاع

‌الكلمة السابعة والعشرون

من أحكام الرضاع

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..

فهذه كلمة مختصرة عما يحرم نكاحه من النساء بسبب الرضاع، أردت بها التنبيه على ما سواها، ومن أراد التفصيل فعليه الرجوع إلى كتب الفقهاء.

قال تعالى في سياق المحرمات من النساء: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23]. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»

(1)

. وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة: «إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّحِمِ»

(2)

.

(1)

. صحيح البخاري برقم 2645، وصحيح مسلم برقم 1447.

(2)

. صحيح البخاري برقم 5100، وصحيح مسلم برقم 1447 واللفظ له.

ص: 233

«والرضاع حكمه حكم النسب في النكاح والخلوة المحرمة، وجواز النظر، وتثبت هذه الأحكام بشرطين:

الشرط الأول: أن تكون خمس رضعات فأكثر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِن الْقُرْآن: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ

(1)

، وهذا من نسخ التلاوة دون الحكم.

الشرط الثاني: أن تكون الخمس رضعات في الحولين، لقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233]. فدلت الآية الكريمة على أن الرضاع المعتبر ما كان في الحولين، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ»

(2)

،

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ»

(3)

.

ومعناه: أنه لا يحرم من الرضاع إلا ما وصل إلى الأمعاء ووسعها، فلا يحرم القليل الذي لم ينفذ إليها ويوسعها، ولا يحرم إلا ما كان قبل الفطام، أي ما كان في زمن الصغر، وقام

(1)

. صحيح مسلم برقم 1452.

(2)

. صحيح البخاري برقم 2647، وصحيح مسلم برقم 1455.

(3)

. سنن الترمذي برقم 1152، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء برقم 2150.

ص: 234

مقام الغذاء»

(1)

.

«قوله: في الحولين هذا شرط آخر، يعني: أن تكون الرضعات الخمس كلها في الحولين من ولادة الطفل، فإذا ولد في الواحد من محرم عام عشرين، فينتهي وقت الرضاع في الواحد من محرم عام اثنين وعشرين، فما دام في الحولين فالرضاع مؤثر، وإذا انتهت الحولان فالرضاع غير مؤثر، والدليل قول الله تبارك وتعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233]. فقالوا: تمام الرضاعة في حولين، وما زاد فهو خارج، وما دونهما ناقص عن تمام الرضاعة؛ ولأن الحولين حدٌّ فاصل بيِّن قاطع، فكان أولى بالاعتبار من سواه.

وظاهر كلام المؤلف: أن الرضاع في الحولين مؤثر، سواء فطم الصبي أم لم يفطم، حتى لو فرض أنه فطم في سنة، وفي السنة الثانية كان يأكل الخبز والجبن وكل شيء ورضع فالرضاع يؤثر، ولو كان لا يتغذى باللبن، فإنه ما دام في الحولين فرضاعه مؤثر.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن العبرة بالفطام، فما كان قبل الفطام فهو مؤثر ولو كان بعد الحولين، وما كان

(1)

. الملخص الفقهي (2/ 435 - 436).

ص: 235

بعد الفطام فليس بمؤثر ولو في الحولين، واستدل رحمه الله بالأثر والنظر، أما الأثر فالحديث المعروف:«لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ»

(1)

،

ولم يقل: وكان قبل الحولين، وأما النظر فلأنه إذا كان يتغذى بغير اللبن - يعني بالطعام المعروف - فأي فرق بين من كان في الحولين ومن بعد الحولين؟! فكلا الطفلين لا يحتاج إلى اللبن، ولو رضع أربع مرات إلى صباح ثلاثين من ذي الحجة من السنة الثانية، ولما هلَّ محرم رضع الخامسة، فهو يؤثر أو لا يؤثر على قول من يرى أن العبرة بالحولين؟ لا يؤثر، فأي فرق بين هذه وبين قبل ساعة؟! ثم أي فرق بين طفل فطم للحول الأول، وصار يأكل الطعام وآخر يأكل الطعام في السنة الثالثة؟! لا فرق.

فالقول الراجح أن العبرة بالفطام، سواء كان قبل الحولين أو بعد الحولين، فلو فرض أن هذا الطفل نموه ضعيف، وصار يتغذى باللبن حتى تم له ثلاث سنوات، ففي السنة الثالثة رضاعه مؤثر على القول الراجح، وأما على قول من قال: العبرة بالحولين فرضاعه غير مؤثر، ولو فرضنا أن طفلًا فطم لأول سنة، وصار يأكل الطعام وأرضعناه في السنة الثانية، فهل الرضاع محرِّم أو غير محرم؟ على القول بأنه لا يؤثر إلا في الحولين فهو مؤثر، وعلى القول الثاني الذي رجحناه غير مؤثر،

(1)

. تقدم تخريجه ص 234.

ص: 236

المهم يشترط في الرضاع المحرم أن يكون في وقت معين، إما في الحولين على ما مشى عليه المؤلف، وإما قبل الفطام على القول الراجح»

(1)

. اهـ

«ولكن يبقى النظر ما هي خمس الرضعات؟ أهي خمس مصات؟ أو خمسة أنفاس؟ أو خمس وجبات؟

بعضهم قال: خمس مصات لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ، وَلَا الْمَصَّتَانِ»

(2)

، فعلق الحكم بالمص، وعلى هذا يمكن أن يثبت الرضاع في خلال ثلاث دقائق؛ لأنه إذا مص ثم بلع، ثم مص ثم بلع، ثم مص، خمس مرات ثبت الرضاع.

وبعضهم يقول: بل خمسة أنفاس، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لَا تُحَرِّمُ الإِمْلَاجَةُ وَالإِمْلَاجَتَانِ»

(3)

،

والإملاج إدخال الثدي في فم الصبي، فما دام الثدي في فمه فلو مص مئة مرة فهو واحدة، وعلى هذا إذا مص ثم بلع ثم مص ثم بلع ثم مص ثم بلع في نفس واحد ثم أطلق الثدي ثم عاد، تكون الثانية هي الرضعة الثانية.

وبعضهم يقول: خمس وجبات، كما يقول: خمس أكلات، فلا بد من زمن يقطع اتصال الثانية بالأولى، أما ما دام في حجر

(1)

. الشرح الممتع على زاد المستقنع (13/ 177 - 178).

(2)

. صحيح مسلم برقم 1450.

(3)

. صحيح مسلم برقم 1451.

ص: 237

المرأة فإنها رضعة واحدة، كما تقول: هذه أكلة، هذا غداء، هذا عشاء، وما أشبه ذلك، فالعشاء ليس كل لقمة ترفعها إلى فمك، بل مجموع اللقم، وكذلك الغداء فليس كل تمرة تبلعها تكون غداء، إنما الغداء مجموع الأكل، وعليه فالمراد بالرضعة الفعلة من الرضاع التي تنفصل عن الأخرى، وأما مجرد فصل الثدي فهذا لا يعتبر رضعة في الحقيقة، فمثلًا لو أرضعته أول النهار الساعة الثامنة، ثم الساعة التاسعة، ثم الساعة العاشرة، ثم الحادية عشرة، ثم الثانية عشرة، فهذه خمس رضعات، فلو أرضعته في مكان واحد، وامتص الثدي ثم أطلقه يتنفس، ثم عاد ورضع، ثم أطلقه ليتنفس، ثم عاد خمس مرات لكنها في جلسة واحدة فلا يؤثر على هذا القول.

فإذا قال قائل: أيهما أرجح؟ قلنا: الأصل عدم التأثير، ولا نتيقن التأثير إلا بخمس وجبات؛ لأن الأصل أنه لا يؤثر، فنأخذ بالاحتياط، والاحتياط ألا يؤثر إلا خمس وجبات، لا خمس مصات، ولا خمس أنفاس، وهذا اختيار شيخنا عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله، وهو ظاهر اختيار ابن القيم.

فإذا قال قائل: لماذا لا نجعل المصَّات هي الأحوط؟ قلنا: هذا مشكل؛ لأننا إذا احتطنا من جهة، أهملنا من جهة أخرى، فمثلًا هذه طفلة رضعت خمس مصات، فإذا احتطنا، وقلنا: إن بنت المرضعة تكون أختًا للراضع يحرم عليه نكاحها،

ص: 238

أتانا أمر آخر ضد هذا الاحتياط، وهي أننا إذا قلنا: إنها أخته لزم من ذلك أن يخلو بها، ويسافر بها، وتكشف وجهها له، والاحتياط ألا تفعل، وهي لا تفعل هذا إلا إذا قلنا: إن الرضاع مؤثر، فكذلك لا تحتاط من جهة إلا أهملت من جهة أخرى، فنرجع إلى الأصل وهو عدم التأثير، ولذلك كان هذا القول هو المتمشي على القواعد والأصول»

(1)

.

«ولو وصل اللبن إلى جوف الطفل بغير الرضاع، فحكمه حكم الرضاع، كما لو قطر في فمه أو أنفه أو شربه من إناء ونحوه، أخذ ذلك حكم الرضاع؛ لأنه يحصل به ما يحصل بالرضاع من التغذية، بشرط أن يحصل من ذلك خمس مرات.

وأما ما ينشره الرضاع من الحرمة، فمتى أرضعت امرأة طفلًا دون الحولين خمس رضعات فأكثر، صار المرتضع ولدها في تحريم نكاحها عليه، وفي إباحة نظره إليها وخلوته بها، ويكون محرمًا لها، لقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]. ولا يكون ولدًا لها في بقية الأحكام، فلا تجب نفقتها عليه، ولا توارث بينهما، ولا يعقل عنها، ولا يكون وليًّا لها؛ لأن النسب أقوى من الرضاع، فلا يساويه إلا فيما ورد فيه النص وهو التحريم، وما يتفرع عليه من المحرمية والخلوة.

(1)

. الشرح الممتع على زاد المستقنع، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (13/ 431 - 432).

ص: 239

ويصير المرتضع ولدًا لمن ينسب لبنها إليه بسبب حملها منه، أو سبب وطئه لها بنكاح أو شبهه، للحوق نسب الحمل به في تلك الأحوال، والرضاع فرع عنه، فيكون المرتضع ولدًا له في الأحكام المذكورة في حق المرضعة فقط، وهي تحريم النكاح، وجواز النظر والخلوة والمحرمية دون بقية الأحكام.

ويكون محارم من نسب إليه اللبن، كآبائه، وأولاده، وأمهاته، وأجداده، وجداته، وإخوانه، وأخواته، وأولادهم، وأعمامه، وعماته، وأخواله وخالاته -يكونون محارم للمرتضع، ويكون محارم المرضعة - كآبائها وأولادها وأمهاتها وأخواتها وأعمامها ونحوهم، محارم للمرتضع.

وكما تثبت الحرمة على المرتضع تنتشر كذلك على فروعه من أولاده، وأولاد أولاده دون أصوله وحواشيه، فلا تنتشر الحرمة على من هو أعلى منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته، كما لا تنتشر إلى من هو في درجته من حواشيه وهو إخوانه وأخواته»

(1)

.

ومثاله: لو ارتضع زيد من خديجة، فإن أبا زيد وإخوان زيد وأعمام زيد لا علاقة لهم بأمه من الرضاع، إنما الذين لهم علاقة هم أبناؤه فقط، وعلى ذلك تباح المرضعة لأبي

(1)

. الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان (2/ 435 - 438) بتصرف.

ص: 240

المرتضع وأخيه من النسب، يعني أخو المرتضع من النسب وأبو المرتضع من النسب تباح لهم أمه من الرضاعة، وكذلك أمه وأخته من النسب لأبيه وأخيه -يعني من الرضاع، فيجوز لأبيه من الرضاع أن يتزوج بأمه وأن يتزوج بأخته من النسب، وهذا الحكم محل إجماع على عدم انتشار المحرمية في أصول الرضيع؛ لأن الحديث قصر المحرمية على الرضيع فقط، ومن رضع من لبن امرأة موطوءة بعقد باطل أو بزنى، صار ولدًا للمرضعة فقط؛ لأنه لما لم تثبت الأبوة من النسب لم تثبت من الرضاع وهو فرعها.

ولبن البهيمة لا يحرم، فلو ارتضع طفلان من بهيمة لم ينشر الحرمة بينهما، واختلف في لبن المرأة إذا در لها لبن بدون حمل وبدون وطء تقدم، ورضع منه طفل.

فقيل: لا ينشر الحرمة؛ لأنه ليس بلبن حقيقة، بل رطوبة متولدة؛ ولأن اللبن ما أنشز العظم، وأنبت اللحم، وهذا ليس كذلك.

القول الثاني: أنه ينشر الحرمة، واختاره الموفق وغيره، وهذا ما تفتي به اللجنة الدائمة، سُئلت اللجنة: يقول السائل: لو أن شابة لم تتزوج ولم يُعقد عليها أرضعت طفلًا في السنتين الأُوليين من عمره رضاعًا مشبعًا تجاوز الخمس رضعات، هل

ص: 241

يُحرم حليبها وتصبح أمًّا له، أم أنه يشترط العقد الشرعي على المرضعة قبل الإرضاع؟

الجواب: إذا درت على الطفل لبنًا، ورضع الطفل خمس رضعات فأكثر في الحولين، فبذلك تصير أمًا له من الرضاع، ولو لم تتزوج، على الصحيح من قولي العلماء»

(1)

.

«ويثبت الرضاع بشهادة امرأة مرضية في دينها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إذا كانت معروفة بالصدق، وذكرت أنها أرضعت طفلًا خمس رضعات، فإنه يقبل قولها على الصحيح، ويفرق بينهما إذا تزوجها»

(2)

.

روى البخاري في صحيحه من حديث عقبة بن الحارث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عقبة ابن الحارث أن يفارق امرأته لما ذكرت الأمة السوداء أنها أرضعته

(3)

.

وإن شك في وجود الرضاع، أو شك في كماله خمس رضعات وليس هناك بينة، فلا تحرم، لأن الأصل عدم الرضاع

(4)

.

(1)

. فتوى اللجنة الدائمة برقم 25191.

(2)

. الفتاوى (34/ 52).

(3)

. برقم 2640.

(4)

. الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان (2/ 438).

ص: 242

«مسائل في الرضاع:

المسألة الأولى: هل يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة، أو من النسب فقط؟

المحرمات بالمصاهرة من جهة الرضاع أربعة: أم الزوجة، وبنت الزوجة، وأب الزوج، وابن الزوج من الرضاع، يعني أب الزوج من الرضاع، وأم الزوجة من الرضاع، وبنت الزوجة من الرضاع، هذه الأربع نساءهن فقط المحرمات بالمصاهرة، فهل يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة، أو ما يحرم من النسب فقط؟

المسألة فيها خلاف، مثال للمسألة: هل يحرم على أب الإنسان من الرضاع زوجته، أو هل تحرم زوجة الإنسان على أبيه من الرضاع أو لا تحرم؟

ذهب جمهور أهل العلم وحكى إجماعًا أنه يحرم، واستدلوا بالعمومات كقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]. فإن أم الزوجة من الرضاع أم فتحرم، فتدخل في التحريم.

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلى أنها لا تحرم، واستدلوا على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا

ص: 243

يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»

(1)

. فلا تدخل في ذلك المصاهرة. والأحوط القول الأول.

المسألة الثانية: رضاع الكبير، والمقصود بالكبير من تجاوز السنتين، اختلف العلماء في تأثير رضاع الكبير على ثلاثة أقوال:

1 -

القول الأول: وهو مذهب الجماهير، أنه لا يؤثر مهما كانت الظروف.

2 -

القول الثاني: أن رضاع الكبير يؤثر مطلقًا.

3 -

القول الثالث: أن رضاع الكبير يؤثر عند الحاجة الماسة، وإذا دعت إليه الضرورة، وهو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واستدلوا على ذلك بالقصة المشهورة: أن سالمًا مولى أبي حذيفة لما كبر شق على أبي حذيفة أن يدخل بيته، فاستفتوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ»

(2)

. فدل هذا الحديث على أنه إذا دعت الحاجة كما في حديث سالم، فإنه يجوز أن يرضع الكبير ويؤثر.

والراجح القول الأول، وأن الحديث خاص بسالم مولى أبي

(1)

. سبق تخريجه ص 233.

(2)

. صحيح مسلم برقم 1453.

ص: 244

حذيفة وسهلة بنت سهيل، وليس عامًّا للأمة، وهذا ما قاله غالب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورجحه جمهور أهل العلم»

(1)

(2)

.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

. انظر فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 193 - 194).

(2)

. شرح د. أحمد الخليل، موجود على موقع الشيخ.

ص: 245