الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة السابعة والثلاثون
فوائد من حديث أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما عند بعثهما إلى اليمن
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..
فقد روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي بردة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف
(1)
، قال: واليمن مخلافان، ثم قال:«يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا» . وفي رواية: «وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلفَا»
(2)
.
فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبًا من صاحبه أحدث به عهدًا، فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبًا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه وإذا هو جالس، وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه،
(1)
. أي: أقليم، وكانت جهة معاذ العليا إلى صوب عدن، وكان من عمله الجند، وله بها مسجد مشهور إلى اليوم، وكانت جهة أبي موسى السفلى.
(2)
. صحيح مسلم برقم 1733.
فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه، قال: لا أنزل حتى يُقتل، قال: إنما جيء به لذلك، فانزل، قال: ما أنزل حتى يُقتل، فأمر به فقُتل، ثم نزل فقال: يا عبد الله! كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوقه تفوقًا
(1)
، وفي رواية: قائمًا وقاعدًا، وعلى راحلتي
(2)
، قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي
(3)
.
من فوائد الحديث:
1 -
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا بعث أحدًا في أمر أوصاه بالوصية التي تناسب المهمة التي أُرسل فيها.
2 -
ينبغي للداعي إلى الله أن يلتزم في دعوته بالتيسير على الناس ويجتنب التعسير وما فيه مشقة عليهم، ولا يتحقق ذلك إلا بأن يكون الداعي ممن رزقه الله الفقه في الدِّين، وتحلى بالصبر والحلم، واستعمل الرفق.
3 -
ينبغي للداعي إلى الله تبشير الناس بما يسرهم، فذلك أدعى لقبول الحق والانقياد له.
(1)
. أتفوقه تفوقًا: أي ألازم قراءته ليلًا ونهارًا، شيئًا بعد شيء، وحينًا بعد حين، مأخوذ من فواق الناقة، وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر، ثم تحلب .. هكذا دائمًا. فتح الباري (8/ 62).
(2)
. صحيح البخاري برقم 4345.
(3)
. صحيح البخاري برقم 4342، وصحيح مسلم برقم 1733.
4 -
بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا وأبا موسى ولم يكن لهما أمير، إذ لم يكن معهما ثالث يأمرانه، فلهذا أمرهما صلى الله عليه وسلم أن يتطاوعا فيطيع هذا مرة، ويطيع الآخر مرة أخرى؛ لأن ذلك جالب للمودة والتعاون على البر والتقوى، ونهاهما عن الاختلاف؛ لأنه سبب إلى أضداد ذلك.
5 -
هدي الصحابة حين يلقى بعضهم بعضًا فيتذاكرون الإيمان والأعمال، وينتفع بعضهم من بعض، واستشارة بعضهم لبعض لاستصلاح النفوس وتربيتها.
«6 - أن أبا موسى كان عالمًا فطنًا حاذقًا، ولولا ذلك لم يوله النبي صلى الله عليه وسلم الإمارة، ولو كان فوض الحكم لغيره لم يحتج إلى توصيته بما وصاه به.
7 -
تولية أميرين على البلد الواحد، وقسمة البلد بين أميرين.
8 -
كراهية سؤال الإمارة والحرص عليها، ومنع الحريص عليها منها.
9 -
إكرام الضيف والزائر، فقد جاء في الحديث:«فقرَّب إليه الوسادة» .
10 -
المبادرة إلى إنكار المنكر، وإقامة الحد على من وجب عليه»
(1)
.
(1)
. فتح الباري لابن حجر رحمه الله (12/ 275) باختصار.
11 -
سرعة الاستجابة والتنفيذ لأمر الله ورسوله، فإن معاذًا رفض أن ينزل حتى يُقام عليه الحد فورًا.
12 -
أن المرتد حكمه القتل إذ لم يتب، قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»
(1)
.
13 -
«أن المباحات يؤجر عليها بالنية إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة أو المندوبة، أو تكميلًا لشيء منهما»
(2)
.
14 -
أن العبادات من قراءة القرآن، وقيام الليل .. وغيرها من العبادات من أعظم الزاد المعين على نشر الدعوة، وتعليم الناس الخير.
15 -
مراجعة الحفظ من القرآن ليلًا ونهارًا، والقيام به في صلاة الليل؛ لأنه سريع التفلت، وأبو موسى الأشعري هو الذي روى حديث:«تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا»
(3)
؛ ولذلك كان أبو موسى الأشعري يلازم المراجعة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. صحيح البخاري برقم 6922.
(2)
. فتح الباري لابن حجر رحمه الله (12/ 275).
(3)
. صحيح البخاري برقم 5050، وصحيح مسلم برقم 800.