الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهو ضلال، واستكبار، وإن كان عن جهل فهو قصور، والواجب أن يتعلم الإنسان ويعرف. نسأل الله لنا ولهم الهداية»
(1)
.
(2)
.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: «من الممتنع أن يُسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرًا، ولا يكون كافرًا، بل هو كافرٌ مطلقًا، إما كفر عمل، وإما كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية من رواية طاوس وغيره يدل أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة.
أما القسم الأول وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع:
أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حُكم الله ورسوله، وهو معنى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، واختاره ابن جرير: أن ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشرعي، وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم.
(1)
. شرح رياض الصالحين، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (2/ 261 - 263).
(2)
. انظر: رسالة تحكيم القوانين، للشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية سابقًا ص 1.
الثاني: أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقًّا، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه، وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس من الحكم بينهم عند التنازع، إما مطلقًا أو بالنسبة إلى ما استجد من الحوادث التي نشأت عن تطور الزمان، وتغير الأحوال، وهذا أيضًا لا ريب أنه كُفرٌ؛ لتفضيله أحكام المخلوقين على حكم الحكيم الحميد.
الثالث: أنه لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله، فهذا كالنوعين اللذين قبله، في كونه كافرًا الكفر الناقل عن الملة، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة والمعاندة لقوله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
الرابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلًا لحكم الله ورسوله، فضلًا عن أن يعتقد كونه أحسن منه، لكن اعتقد جواز الحكم بما يُخالف حكم الله ورسوله، فهذا كالذي قبله يصدق عليه ما يصدق عليه، لاعتقاده جواز ما عُلم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه.
الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع
ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ولرسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعدادًا، وإمدادًا وإرصادًا، وتأصيلًا، وتفريقًا، وتشكيلًا، وتنويعًا، وحكمًا، وإلزامًا، ومراجع، ومستندات، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين.
السادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر، والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم، وأجدادهم، وعاداتهم التي يسمونها سلموهم يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به، ويحملون على التحاكم إليه عند النزاع بقاء على أحكام الجاهلية، وإعراضًا ورغبة عن حكم الله ورسوله، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما القسم الثاني من قسمي الحكم بغير ما أنزل اللَّه:
فهو مروي عن ابن عباس وذلك في قوله رضي الله عنه في الآية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] كفر دون الكفر، وقوله أيضًا: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه؛ وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغيرها
ومجانبة الهدى.
وهذا، وإن لم يخرجه كفره من الملة، فإنه معصية عظمى أكبر من الكبائر، كالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، واليمين الغموس
…
وغيرها، فإنها معصية لم يسمها كفرًا، نسأل الله أن يجمع المسلمين على التحاكم إلى كتابه، انقيادًا ورضاءً، فإنه ولي ذلك والقادر عليه»
(1)
.
من مفاسد الحكم بغير ما أنزل اللَّه:
استحقاق غضب الله وسخطه، وحلول عقابه بمن خالف أمره ونهيه، وتحاكم إلى غيره.
إذا عاش الناس في ظل الدساتير، والقوانين الوضعية، فإن الحوادث والجرائم تكثر بشكل مذهل وبنسبة عظيمة متزايدة عامًا بعد عام، وهذا ما يلمس واضحًا من واقع أرقام الإحصائيات الرسمية للجرائم والجنايات في الأقطار والبلاد العاملة بتلك الأنظمة والقوانين.
انعدام الأمن، والفوضى في تلك المجتمعات المطبقة للقوانين الوضعية، فالسارق لا تقطع يده، والقاتل لا يقتل، وشارب الخمر لا يجلد، وفي الحديث: «يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ!
(1)
. انظر: رسالة تحكيم القوانين، للشيخ محمد بن إبراهيم ص 1 وما بعدها باختصار، بشرح الشيخ سفر الحوالي.
خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ - ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ»
(1)
(2)
.
انتشار الفقر، وغلاء الأسعار، ونزع البركات، فتحكيم الشريعة الإسلامية أمن للناس في أوطانهم، وبركة في أرزاقهم، قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ} [الأعراف: 96].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. سنن ابن ماجة برقم 4019، وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجة (2/ 370) برقم 3246.
(2)
. نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، لجماعة من المختصين (10/ 4447 - 4448).