الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ! اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ
كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ! اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ»
(1)
.
ومن
فوائد قصة أصحاب الأخدود:
«1 - أن الله سبحانه وتعالى قد يسلط أعداءه على أوليائه، فلا تستغرب إذا سلط الله الكفار على المؤمنين، فقتلوهم، وحرقوهم،
(1)
. صحيح مسلم برقم 3005.
وانتهكوا أعراضهم، فالله تعالى له في هذا حكمة، قال تعالى:{ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد:4]. والمصابون من المؤمنين أجرهم عند الله عظيم، رفعة لدرجاتهم، وتكفيرًا لسيئاتهم، وهؤلاء الكفار المعتدون أملى لهم الله مكرًا بهم، واستدراجًا لهم، وسيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، والباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل لإخوانهم، قال تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)} [إبراهيم:42].
2 -
أن هؤلاء الكفار لم يأخذوا على المسلمين بذنب إلا شيئًا واحدًا، وهو أنهم يؤمنون بالله العزيز الحميد، وهذا ليس بذنب، بل هذا هو الحق، ومن أنكره فهو الذي يُنكر عليه"
(1)
.
3 -
لعن الله للكافرين الظالمين، وهو معنى قُتل: أي لعن، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمه الله.
4 -
أن النار أعظم ما يعذب به، ولذا حرم في الإسلام التعذيب بالنار، فلا يعذب بالنار إلا ربها
(2)
.
(1)
. تفسير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ص 130 - 131 بتصرف.
(2)
. تفسير جزء عم وأحكامه وفوائده للشيخ عبدالرحمن البراك رحمه الله ص 132.
قال القرطبي رحمه الله: «قال علماؤنا: أعلم الله عز وجل المؤمنين من هذه الأمة في هذه الآية ما كان يلقاه من وَحَّدَ قبلهم من الشدائد يؤنسهم بذلك، وذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلاقون من الأذى والآلام والمشقات التي كانوا عليها، ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره وتصلبه في الحق وتمسكه به، وبذله نفسه في حق إظهار دعوته، ودخول الناس في الدين، مع صغر سنه، وعظيم صبره، وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نُشر بالمنشار، وكذلك كثير من الناس لما آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان في قلوبهم صبروا على الطرح في النار ولم يرجعوا عن دينهم، والصبر على ذلك لمن قويت نفسه وصلب دينه أوْلى.
روى الترمذي في سننه من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»
(1)
.
وروى ابن ماجه في سننه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم أَنْ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ»
(2)
.
(1)
. برقم 2174، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي (2/ 234) برقم 1766.
(2)
. برقم 4034، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجه (2/ 374) برقم 3259.
ولقد امتحن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل والصلب والتعذيب الشديد، ولم يلتفتوا إلى شيء من ذلك، ويكفيك قصة عاصم وخبيب وأصحابهما وما لقوا من الحروب والمحن والقتل والأسر والحرق»
(1)
.
أن الشرائع السابقة ليست فيها رخصة للمكره على التكلم بالكفر، وكان من محاسن ديننا الحنيف الرخصة للمكره على التكلم بالكفر، قال تعالى:{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]، وقال تعالى:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] ".
أن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، ولذلك تعرض أنبياء الله للقتل على أيدي اليهود وغيرهم من الكفرة الفجرة كيحيى وزكريا وغيرهم، قال تعالى:{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)} [آل عمران:181].
روى الترمذي في سننه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي
(1)
. الجامع لأحكام القرآن (22/ 191 - 193).
دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»
(1)
(2)
.
8 -
حلم الله العظيم على عباده، فمع أنهم قتلوا أولياءه وأحبابه وأحرقوهم بالنار، إلا أنه يدعوهم إلى التوبة، قال الحسن البصري رحمه الله:«انظروا إلى هذا الكرم والجود! قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة»
(3)
، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج: 10].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
. برقم 2398، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2)
. تفسير جزء عم وأحكامه وفوائده للشيخ عبدالرحمن البراك رحمه الله ص 130 - 136.
(3)
. تفسير ابن كثير رحمه الله (14/ 312).