المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقدمةفى فضل السفر وآدابه وأذكاره - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌المقدمةفى فضل السفر وآدابه وأذكاره

وسميتُه "إرشاد النَّاسِك، إِلى أَعمال المنَاسِك "(1) وهو الجزءُ التَّاسع من الدِّين الخالِص. ويشتمل على مقدمة وأَحد عشر مقصداً وخاتمة. أَسأَل الله تعالى أَن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وسبباً للفوز بجنَّاتِ النَّعِيم، وأَن ينفع به النَّفْع العَمِيم. إِنه على ما يشاءُ قدير، وهو حَسْبى ونِعَم الوكيل.

‌المقدمة

فى فضل السفر وآدابه وأذكاره

السَّفَر وإِن كان فيه مشَقَّةٌ علَى النَّفس، ففيه فوائدٌ دُنيوية وأُخروية جَلِيلة " روى " أَبو هريرة أَنَّ النبي صلى

الله عليه وسلم قال: (سَافِرُوا تَصِحُّوا واغْزُوا تستغنُوا). أَخرجه أَحمد. وفى سنده ابن لهيعة متكلم فيه، لكن حسنه السيوطى وصححه المناوي (2). {1}

كان فى السَّفَر الصِّحَّة لِمَا فيه من الحَرَكة والهواءِ الطَّلْق اللَّذين يعودان علَى البَدَن بالنَّفْع. وعن أَبى هريرة رضى الله عنه أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِنْ خارج يخرجُ من بيتِهِ إلَاّ بِبَابه رايتان راية بيد ملَك وراية بيد شيطان. فإِنْ خَرَجَ لِمَا يحب اللهُ عز وجل اتبعه الملَك برايته فلم يَزَل تحت راية الملَك حتى يرجع إلى بيِته. وإن خرج لِمَا يُسخط الله اتبعه الشَّيطان برايته. فلم يَزَل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته). أخرجه أحمد والبيهقى والطبرانى فى الأوسط بسند جيد (3). {2}

(1) الناسك: العابد. والمناسك: جمع منسك بفتح السين وكسرها، وهو العبادة ومكانها وزمانها. وتسمى أفعال الحج كلها مناسك.

(2)

انظر ص 53 ج 5 الفتح الربانى.

(3)

انظر ص 54 منه. والمراد براية الملك أنه فى رعاية الله تعالى وحفظه من الشيطان ومن كل سوء وكونه تحت راية الشيطان كناية عن تسلطه عليه وارتكابه مالا يرضى الله.

ص: 6

هذا ويطلب ممن عزم على السَّفَر التحلِّى بآداب. المذكور منها هنا تسعة:

(1)

أن يُوصى بما يحتاج إلى الوصيَّة به، ويُشْهِد علَى وصيته ويستحل كل من بينه وبينه معاملة ويسترضى والديه وشيوخه ومن يندب إلى بره واستعاطفه. ويتوب إلى الله ويستغفره من جميع الذنوب ويهتم بتعلم ما يحتاج إليه في سفره فإن كان حاجا أو معتمراً تعلم مناسك الحج والعمرة.

(2)

ومنها أن يستشير فى السفر من يعلم منه النصيحة والشفقة والصلاح والاستقامة، لقوله تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (1)، ثم يستخير الله تعالى فيصلِّى ركعتين من غير الفريضة ويدعُو بدُعاء الاستخارة، لقول جابر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُعَلِّمنا الاستخارةَ كما يعلِّمنا السورةَ من القرآن يقول: (إذَا هَمّ أَحدكم بالأَمر فَلَيركَعْ ركعتين من غير الفريضة ثم ليَقُل: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُك بعِلْمكَ وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسأَلُكَ من فَضْلك العَظيِم، فإِنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِر، وتَعْلَم ولَا أَعْلَم، وأَنتَ عَلَاّم الغُيُوب. اللَّهُمَّ فإِن كنتَ تَعْلَم أَنَّ هَذَا الأَمَر " يُسُمِّى ما يُريد " خَيْرٌ لى في دِينى ومَعَاشِي ومَعَادِى وعاقبةِ أَمرِى فاقْدُرْهُ لى ويَسِّرْهُ وبارك لى فيه، اللَّهُمَّ وإِن كُنْتَ تَعْلَمه شَرًّا لى فى دِينى ومَعَاشِى وعاقبةِ أَمرِى، فاصْرِفْنى عنه واصْرِفْهُ عنِّى، واقْدُر لى الخيرَ حيث كان، ثم رَضِّنى به. أَخرجه السبعة إِلَاّ مُسْلِماً وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (2). {3}

(3)

ويُستحبُّ أَن يكون السَّفَر يوم الخميس، لقول كعب بن مالك رضي الله عنه: قَلَّمَا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا أَراد

(1) سورة آل عمران، الآية 159.

(2)

انظر ص 46 ج 5 الفتح الربانى. وص 32 ج 3 فتح البارى (التطوع مثنى مثنى - التهجد بالليل) وص 197 ج 8 النهل العذب (الاستخارة) وص 76 ج 2 مجتبى وص 215 ج 1 - سنن ابن ماجه، وص 348 ج 1 تحفة الأحوذى.

ص: 7

سَفَراً إِلَاّ يوم الخميس. أَخرجه أَحمد والبخارى وأَبو داود بسند جيد (1){4} .

وذلك لأَن يوم الخميس يَوْمٌ مُبَارَكٌ تُرْفَعُ فيه أَعمال العباد إلى الله تعالى.

(4)

ويُستحبُّ لمريد السَّفَر أَن يطلب الوصيَّةَ والدُّعَاءَ من أهل الخير والصَّلاح، لحديث أَبى هريرة رضي الله عنه:(أَنَّ رَجُلاّ جاءَ إِلى النبى صلى الله عليه وسلم يُريد سفراً فقال: يا رسول الله أَوْصِنى قال: أُوصِيكَ بتَقْوَى الله والتكبير على كل شَرَفٍ. فَلَمَّا ولَّى الرَّجُلُ قالَ النَّبى صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ ازْوِ لُه الأَرض وهَوِّن عليه السَّفَر). أَخرجه أَحمد والترمذى وحسنه وأَخرج ابن ماجه صدره (2). {5}

وعن أَنس بن مالك رضى الله عنه ـ قال (جاءِ رَجُلٌ إِلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إِنِّى أُرِيُد سفراً فَزَوِّدْنى فقال: زَوَّدَكَ الله التَّقوى، قال: زِدْنى. قال: وغفَر ذنبك. قال: زِدْنى بأَبى أَنت وأُمى، قال: ويَسَّرَ لكَ الخير حيثما كُنت). أَخرجه النسائى والحاكم والترمذى وحسنه (3){6}

(5)

ويُستحبُّ للمُقِيم تَوْدِيع المسافر، لقول قَزَعة: قال لى ابن عمر: هَلُّم أُوَدِّعْكَ كما وَدَّعنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وأَمانَتَكَ وخواتيِمَ عملك). أَخرجه أَحمد وأَبو داود. وكذا أَحمد والترمذى من حديث سالم بن عبد الله وقال: هذا حديث حسن صحيح (4){7}

(1) انظر ص 59 ج 5 الفتح الربانى، وص 70 ج 6 فتح البارى (من أحب إلى السفر يوم الخميس) وص 35 ج 3 سنن أبى داود (فى أى يوم يستحب السفر؟ ).

(2)

انظر ص 59 ج 5 الفتح الربانى، وص 91 ج 2 سنن ابن ماجه (فضل التكبير فى سبيل الله) وص 244 ج 4 تحفة الأحوذى. (الشرف) بفتحتين: المكان المرتفع. وزى الأرض: طيها وتقريب البعيد.

(3)

انظر ص 244 ج 4 تحفة الأحوذى (ما يقول إذا ودع إنساناً).

(4)

انظر ص 59 ج 5 الفتح الربانى، وص 34 ج 3 سنن ابى داود (الدعاء عند = الوداع)، وص 244 ج 4 تحفة الأحوذى، وأستودع الله دينك، أى طلب من الله حفظ دينك، والمراد بالمانة الأهل ومن يخلفه والمال الذى عند الأمين. والخواتيم: جمع خاتم وهو ما يختم به العمل.

ص: 8

(6)

ويُستحبُّ لمريد السَّفَر السَّلَام علَى إِخْوانه وتوديعهم، لحديث أَبي هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:(إِذا أَراد أَحدكم سَفَراً فَلْيُسَلِّم على إِخوانه فإِنهم يزيدونه بدعائهم إلى دعائه خيراً). أَخرجه الطَّبرانى فى الأَوسط وفيه يحيى بن العلاء البُجَلى ضعيف (1){8} .

وعن أَبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَراد أَن يُسَافِرَ فَلْيَقُلْ لمنْ يَخْلُف: أَسْتَوْدِعكُم الله الذى لا تضيع ودائعه). أَخرجه ابن السنى (2){9}

(7)

ويُستحبُّ لمريد السَّفَر أَن يُصَلِّى ركعتين قبل خروجه، لقول عبد الله بن مسعود:(جاءَ رجُل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إِنِّى أُريد أَن أَخرج إِلى البحرَيْنِ في تجارة. فقال: صَلِّ ركعتين) أَخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون (3){10}

(8)

ويُستحبُّ له اتخاذ رفيق يأْنَسُ به ويتعاون معه على مشاقّ السَّفَر، لحديث ابن عمر (أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الوَحْدَةِ:(أَن يَبِيتَ الَّرجُل وحده أَو يُسَافر وحده). أخرجه أحمد وحسنه السيوطى (4){11}

(1) انظر ص 210 ج 3 مجمع الزوائد (ما يفعل إذا أراد السفر).

(2)

انظر ص 152 تحفة الذاكرين. ودائع الله: الأمور التى فوض أربابها أمرها إلى الله تعالى.

(3)

انظر ص 283 ج 2 مجمع الزوائد (الصلاة إذا أراد سفراً).

(4)

انظر ص 63 ج 5 الفتح الربانى.

ص: 9

وعن عمرو بن شعيب عن أَبيه عن جده (عبد الله بن عمرو) أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (الَّراِكبُ شيطانٌ والَّراكِبَانِ شيطانان والثلاثة ركب).

أَخرجه الإِمامان والأَربعة إلَاّ النسائى بسند حسن وصححه ابن خزيمة والحاكم (1){12}

وحكمة النَّهْى عن ذلك أَن الواحد لو مات فى سَفره قد لا يجد من يقوم بشأْنه، وكذا الإِثنان إِذا ماتا أَو إِذا مات أَحدهما لا يجد الآخر من يعينه بخلاف الثلاثة، ففى الغالب أَنه لا يخشى عليهم شئٌ من ذلك. وهذا زجر أَدب وإِرشاد، لما يخشى على الواحد من الوحشة، وليس بحرام. ومحله إذا لم يَدْعُ إِلى الانفراد داع كالتجسس وتعرُّف أَحوال العدو فإِنه يجوز، لقول جابر رضي الله عنه: نَدَبَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير (الحديث) أخرجه البخارى (2){13}

(9)

ويُستحبُّ للمُقِيم توصية المسافر بالدُّعاءِ له فى مواطن الخير، لقول عمر رضى الله عنه:(استأْذَنْتُ النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة، فَأَذِنَ لى وقال: لا تَنْسَنَا أُخَىّ من دعائك). أَخرجه أَبو داود والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح والحاكم وصححه (3){14}

(1) انظر ص 211 ج 4 زرقانى الموطأ (الوحدة فى السفر .. ) وص 64 ج 5 الفتح الربانى، وص 36 ج 3 سنن أبى داود (الرجل يسافر وحده) وص 90 ج 2 تيسير الوصول (الرفقة - السفر) والمراد بالراكب المسافر وحده ولو ماشياَ، سمى لأنه أشبه الشيطان فى المخالفة (والثلاثة ركب) أى هم الذين يستحقون أن يسموا ركباً لكونهم محفوظين من الشيطان.

(2)

انظر ص 84 ج 6 فتح البارى (السير وحده - الجهاد).

(3)

انظر ص 161 ج 8 المنهل العذب (الدعاء) وص 275 ج 4 تحفة الأحوذى.

ص: 10