المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقصد الثانى: فى شروط الحج - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌المقصد الثانى: فى شروط الحج

فيما يُستقبل فقد غُفِرَ لك ما مَضَى). أخرجه الطبرانى فى الكبير والبزار واللفظ له. وقال: وقد رُوِى هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسنَ من هذا الطريق. قال المنذرى فى الترغيب: وهى طريق لا بأْس بها رواتها كلهم موثقون. ثم قال: ورواه ابن حبان فى صحيحه (1){41}

(6)

الحث على الحج: قد ورد فى التحذير من ترك المستطيع الحج أَو تأْخيره ما فيه مُزْدَجر لمن اتَّعَظَ واعتبر، (روى) أَبو أُمامة أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال:(من لم يحبسه مرضٌ أَو حاجةٌ ظاهرةٌ أَو سلطانٌ جائر فلم يحجَّ فليمُتْ إِنْ شَاءَ يهودِيًّا وإِنْ شَاءَ نصرانيًّا). أَخرجه أَحمد فى الإيمان والدارمى والبيهقى وقال: وهذا وإن كان إِسناده غير قوى فله شاهد من قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه (2){42}

يُشِيرُ إِلى قول عمر رضى الله عنه: لقد هَمَمْتُ أَن أَبعث رَجَالاً إِلى أَهل الأَمصار فلينظروا كل مَنْ كان له جَدَةٌ ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين. أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح (3){4}

‌المقصد الثانى: فى شروط الحج

للحج شروط ثمانية، وهى الإِسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والعلم بافتراضه لمن أَسلم فى دار الحرب، والاستطاعة، والوقت، وعدم الجماع قبل الوقوف بعرفة. وهى أَربعة أَنواع:

(الأَول) ما هو شرط فرض وصحة، وهو اثنان:

(ا) الإِسلام فلا يفترض الحج ولا يصح من كافر أَصلى على الصحيح

(1) انظر ص 274 ج 3 مجمع الزوائد (فضل الحج)، وص 110 ج 2 الترغيب.

(2)

انظر ص 79 ج 2 تحفة الأحوذى، وص 28 ج 2 سنن الدارمى (من مات ولم يحج) وص 334 ج 4 سنن البيهقى والإيمان كتاب للإمام أحمد غير المسند.

(3)

انظر ص 79 ج 2 تحفة الأحوذى. و (جدة) بكسر ففتح، المال والغنى.

ص: 24

عند غير مالك؛ لأَنه غير مخاطب بأَداء فروع الإِسلام كالصلاة والحج. ولا يجوز أَمره بالأَداء بشرط تقديم الإيمان؛ لأَنه أَصل فلا يكون تبعاً. وعليه فلا يعذب على تركه عذاباً زائداً على عذاب الكفر عند الحنفيين. وقالت الشافعية والحنبلية: يُعَذَّب وإِن لم يطالب بأَدائه فى الدنيا. وأَما مَنْ لم يعتقد افتراضه فهو معاقب اتفاقاً على تركه الاعتقاد (وقالت) المالكية: الإِسلام شرط صحة فقط؛ لأَن الكافر مخاطب بفروع الشريعة عندهم على المعتمد. وعليه فيعذب على ترك الحج عذاباً زائداً على عذاب الكفر.

هذا، ومن حج ثم ارْتَدَّ ثمَّ أَسلم لا يلزمه إعادة الحج عند الشافعى. وقال الحنفيون ومالك: يلزمه إعادته لأَن وقته العمر، فلمَّا حُبط بالردة ثم أَدرك وقته مسلماً لزمه إِعادته كما يلزمه إعادة فرض أَداه فارتد ثم أسلم فى الوقت.

(ب) والعقل: فلا يفترض ولا يصح الحج من مجنون اتفاقاً، لأنه غير مكلف وليس من أَهل العبادة، وكذا المعتوه وهو ناقص العقل.

حج الصبى والرقيق:

(النوع الثانى من الشروط) ما هو شرط للافتراض والإجزاءِ وهو البلوغ والحرية، فلا يفترض الحج على صبىّ لعدم تكليفه، ولا على عَبْدٍ ولو مأْذوناً له فى الحج ولو بمكة، لعدم ملكه الزَّاد والرَّاحِلة.

ولو حجَّ الصَّبى والعبد صَحَّ حَجُّهما ولا يجزئهما عن حجة الإسلام، لقول جابر بن عبد الله رضى الله عنهما: حَجَجْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساءُ والصِّبيان فلَبَّيْنَا عن الصِّبيان ورمينا عنهم. أخرجه أحمد. وفى سنده أَشعث بن سِوار وثَّقه بعضهم وضَّعفه الأكثر (1){43}

(1) انظر ص 30 ج 11 الفتح الربانى.

ص: 25

(وقال) السائب بن يزيد رضى الله عنه: حجَّ بى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع وأَنا ابن سبع سنين. أخرجه أحمد والبخارى والترمذى وصححه (1){44}

وقال: قد أَجمع أَهل العلم على أَن الصبى إِذا حجّ قبل أَن يُدْرِك فعليه الحج إِذا أَدرك. وكذلك المملوك إذا حجّ فى رِقِّهِ ثم أُعتق فعليه الحج إِذا وجد إلى ذكل سبيلاّ أهـ.

(وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (أَيَّما صبىّ حجَّ ثم بلغ الحنث فعليه أَن يحجّ حجةٌ أُخرى، وأَيَّما عبدٍ حجَّ ثم أُعتق فعليه أَن يحج حجة أُخرى). أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح (2){45}

(وقال) ابن عباس: أَيَّما مملوك حج به أَهله فمات قبل أَن يُعتق فقد قضى حجهّ. وإِنْ عَتق قبل أَن يموت فليحجج. وأَيَّما غلامٌ حجَّ به أَهله فمات قبل أَن يُدْرِكَ فقد قضَى حجته وإِن بلغ فيلحجَّ. أخرجه الشافعى (3){5}

دل ما ذكر على أَن حج الصبى ولو غير مميز صحيح منعقد. ويحرم الولى عن غير المميز ويجرده من المخيط ويلبى عنه ويطوف به ويَسْعَى، ويقف به بعرفة ويرمى عنه. وبه قال الأَئمة الأَربعة والجمهور.

(1) انظر ص 30 منه، وص 51 ج 4 فتح البارى (حج الصبيان) وص 112 ج 2 تحفة الأحوذى. و (حج بى) مبنى للمفعول عند أحمد والبخارى. وعند الترمذى: حج بى أبى.

(2)

انظر ص 205 ج 3 مجمع الزوائد (حج الصبى قبل البلوغ .. ).

(3)

انظر ص 290 ج 1 بدائع المنن.

ص: 26

(فائدة) إذا بلغ الصبىّ أَو عَتق العبد يوم عرفة أَو قبله غير مُحْرِمَيْنِ فَأَحْرَمَا وَوَقَفَا بعرفة وأَتَمَّا المناسك أَجْزَأَهُمَا عن حجَّةِ الإِسلام إِجماعاً. وإِن بلغ الصبىّ وعتق العبد وهما مُحْرِمان وأَتما المناسك أَجزأَهما عن حجَّةِ الإِسلام عند الشافعى وأحمد؛ لأنهما وَقَفَا بعرفة وهما أَهل له فأَجزأَهما كما لَوْ أَحْرَمَا حينئذ. وقال مالك: لا يجزئهما، واختاره ابن المنذر. وقال الحنفيون: لا يجزئ العبد. أَمَّا الصبى فإِن جَدَّدَ الإِحرام بعد البلوغ وقبل الوقوف بعرفة أَجزأَه وإِلَاّ فَلا؛ لأَن إِحرامهما لم ينعقد واجباً فلا يجزئ عن الواجب كما لو بقيا على حالهما. وإذا بلغ الصبىّ وعتَق العبد بعد الوقوف بعرفة فعادا إليها قبل طلوع فجر يوم النحر أَجزأَهما عن حجة الإسلام عند الشافعى وأَحمد؛ لأَنهما أَدركا الوقوف وهما أَهل للوجوب، (وقال) أَبو حنيفة ومالك: لا يجزئهما عن حجة الإسلام كما تقدم. وإِن لم يعودا إلى عرفة أَو عادا بعد طلوع فجر يوم النحر لم يجزئهما عن حجة الإسلام اتفاقاً، ويتمان حجهما تطوعاً، لفوات الوقوف المفروض، ولا دم عليهما؛ لأنهما حَجَّا تطوعاً بإِحرام صحيح، فأَشبها البالغ الذى يحج تطوعاً.

حج من أسلم فى دار الحرب:

(الثالث) ما هو شرط لافتراض الحج فقط، وهو اثنان:

(أ) العلم بافتراض الحج: بإِخبار رَجُلَين، أَو رَجُل وامرأَتَين، أَو واحد عَدْل - فى حق من أَسلم فى دار الحرب. فلو أَسلم حربى فى دارهم ولم يعلم بافتراض الحج وهو مستطيع ثم علم فقيراً لا يلزمه. ولو أَسلم فى دارنا لزمه الحج وإِن لم يعلم بافتراضه، لأَنه لا يعذر بجهله.

وهو شرط وجوب وصحة عند مالك، فلا يجب الحج ولا يصح من حربى أَسلم فى دارهم ولم يعلم بافتراضه.

ص: 27

(ب) الاستطاعة: وهى شرط لافتراض الحج إجماعاً. وتتحقق بأُمور منها.

(1)

القُدْرَة على الزَّاد الذى يصح به بَدَنه. فمن اعتاد نحو اللحم إِذا قدر على خُبز وجُبن لا يعدّ مستطيعاً والمعتبر نفقة الوسط.

(2)

القُدْرَة على الرَّاحِلة المختصة به لمن لا يمكنه المشْى بلا مشَقَّة لبعده عن مكة. والمراد بالراحِلة المركب سواءٌ البرى والبحرى والهوائى كالطائرات. ودليل ذلك حديث قتادة عن أَنس رضى الله عنه أَنه لما نزل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} قيل يا رسول الله، ما السبيل؟ وقال: الزَّاد والراحلة. أَخرجه الدار قطنى والحاكم وصححه والبيهقى؛ وقال: المحفوظ عن قتادة عن الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلاً (1){46}

أما الزَّاد فهو أَن يملك ما يكفيه ويكفى من يعوله حتى يرجع. وأَما الرَّاحِلة فيشترط أَن تبلغه مقصوده ذهاباً وإياباً سواء أَكانت ملكه أم مؤجرةٌ بأُجرةٍ معتدلة يَقْدِرُ على دفعها بلا غُبن. ولا تتحقق الاستطاعة بإِعارةِ الزَّادِ والرَّاحِلة ولا إباحتهما. فلو بَذَل الابن لأَبيه الزَّاد والراحلة وأَباحَهُما له لا يلزمه الحج ولا يلزمه قبول ما بذله؛ لأنَّ شرط الفرضية لا يلزم تحصيله عند عدمه.

هذا، ويُشْتَرط فيهما أَن يكونا فاضِلَيْن عن نفقَتِه ونَفَقَةِ مَنْ تلزمه نفقته حتى يعود، وعن حوائجه الأصلية؛ فلا تثبت الاستطاعة بثياب يلبسها ومتاع يحتاجه ودار يسكنها ولو كبيرة تفضل عنه بخلاف دار

(1) انظر ص 254 سنن الدار قطنى، وص 442 ج 1 مستدرك، وص 330 ج 4 سنن البيهقى (الرجل يطبق المشى ولا يجد زاداً ولا راحلة فلا يجب عليه الحج).

ص: 28

لا يسكنها وضيعة يملكها فإنه يلزمه بيعها ليحج من ثمنها. وهذا مذهب الحنفيين والشافعى وأحمد (وقالت) المالكية: الاستطاعة: هى إمكان الوصول إمكاناً عادياً مع الأمن على النفس والمال بلا مشَقَّة فادِحَة ولو بلا زَادٍ وراحلةٍ لذى صنعة تقوم به وقدر على المشى. فيقوم مقام الزاد الصنعة الكافية كخياطة وحلاقة وطب. ويقوم مقام الراحلة القدرة على المشى؛ فلا يجب الحج على غير المستطيع إلَاّ أنه إذا تكلفه صَحَّ ووقع فَرْضاً.

هذا. ومن الاستطاعة عند غير الحنفيين أُمُورٍ خمسة:

(1)

عدم المانع الحسىّ الذى يمنع عن الذهاب إلى الحج، كالحبس والخوف من سلطان يمنع الناس من الخروج إلى الحج.

(2)

خلو المرأة من عدة مطلقها؛ لأن المعتدة من طلاق ولو رَجْعِيًّا عليها ملازمة البيت الذى كانت فيه وقت الفرقة، فلا تخرج منه ليلاً ولا نهاراً ولون بإِذن الزوج إلا لضرورة لقوله تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (1). وقال أحمد: لها أن تخرج إلى الحج فى عدةٍ الطلاق البائن دون الوفاة؛ لأن لزوم المنزل واجب فى عدة الوفاة دون عدة البائن. وأما معتدة الرجعى فكالزوجة.

(3)

أَمْن الطريق.

(4)

وجود زَوْجٍ أَو مَحْرَمٍ مُكَلَّفٍ أَو مُرَاهِق غير فاسق مع المرأَة.

(5)

صِحَّة البَدَنِ من الآفاتِ المانعة من القيام بما لابُدَّ منه. وهذه عند الحنفيين شروط للزوم أَداءِ الحج على المختار، وهو رواية عن أحمد، فإِن فَقَد بعضها مع تحقق شروط الافتراض، لا يلزمه الأَداءَ بنفسه بل يلزمه إحجاج الغير عنه أَو الإيصاء به عند الموت. وهناك بيان الثلاثة الأَخيرة:

(1) انظر ص سورة الطلاق، من الآية 1.

ص: 29

1 -

أمن الطريق: يُشْتَرَط للزومِ أَداءِ الحجِّ أَمْنُ الطريق على نفسِه ومالِه، بأَن يكونَ الغالب فيه السَّلَامة ولو بالرِّشْوة. وقتلِ قطاع الطريق بعض الحجاج عُذر يُسقط لزوم الحج. وهل ما يؤخذ فى الطريق من نحو المكس والكوشان عُذر؟ المعتمد ـ لا ـ عند الحنفيين؛ لأن أمْن الطريق شرط للزوم الأَداءِ عندهم. فيلزم المستطيع الإِيصاءَ عند خوف الطريق؛ لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما سُئل عن الاستطاعة فَسَّرَها بالزَّاد والرَّاحِلة؛ فلو كان أَمْنُ الطريق منها لذكَره. ومحل الخلاف فى لزوم الإيصاءِ إِذا مات قبل حصول الأمن وإِلَاّ لزم اتفاقاً.

(وقالت) المالكية والشافعية: أَمْن الطريق شرط وجوب وهو من أَسباب الاستطاعة وما يؤخذ من المكس ونحوه عذر يسقط الحج إَن تَعَدَّدَ أَو أُجْحِفَ بصاحِبِه وإِلَاّ فلَا عند المالكية. وعند الشافعية يُعَدّ عذراً وإِن قَلَّ المأْخوذ. وإِما الخفارة فجائزة وتوزع بحسب ما يخفر من الأمتعة. أَما الدال على الطريق فإِنه يأْخذ على الرءُوس. وهو رواية عن أحمد. وقيل: إِن كان فى الطريق عدو يطلب خفارة لا يلزمه الحج وإن كانت يَسِيرة لأَنها رِشْوَة. وقيل: إِن كانت لا تُجْحِف بماله لَزِمه الحج لإمكان بذلها (1). وإِذا كان لابُدَّ للحاجِّ من اجتيازِ البحر جازَ له ركُوبه إِن غلبت السلامة وإلَاّ فلا. فإِن كان هائجاً لا يجوز ركوبه لا لحج ولا لغيره حتى يَهْدَأَ (لقول) أَبى عمران الجونى: حدثنى بعض أَصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ بَاتَ فوق بيتٍ ليس له إِجَّار فوقع فمات فقد بَرِئَتْ منه الذمة، ومن ركب البحر

(1) انظر ص 168 ج 3 مغنى.

ص: 30

عند ارتجاجه فمات فقد بَرِئَتْ منه الذمة. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (1){47}

2 -

حج المرأة: يشترط للزُوم حَجِّهَا وجُود زَوْجٍ أَو محرمٍ مُكَلَّفٍ أَو مُرَاهِق غير فاسِق معها؛ لأَنها يَحْرُمُ عليها أَن تُسَافِر بلَا محرَم أَو زَوْج، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تُسَافِر امرأَة إِلَاّ ومعها ذُو محرم. وجاءَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فقال: إِنِّى اكتتبت فى غزوة كذا وكذا وامرأَتى حاجَّة قال فارجع فحجّ معها. أَخرجه الشافعى والشيخان وأحمد. وهذا لفظه (2){48}

والأَحاديث فى هذا كثيرة وهى تشمل كل سفرٍ ومنه الحج. والمحرم كل من حرمُ عليه نكاح المرأَة على التأْبيد بسبب مُباح لحرمتها (3) كالأَب والابن والأَخ وابن الأَخ ونحوهم. فليس من المحرم:

(1)

زوج أُخت المرأَة وعمتها وخالتها وأُمها إِذا فارق هذا الأُم قبل الدخول ـ فإن حُرمة من ذكر ليست على التأْبيد.

(ب) وكذا مَنْ يحرم على التأْبيد لا لسبب مباح كوطءِ الشبهة فإِنه لا يوصف بالإِباحة، ولا غيرها من الأَحكام. فلا يحلُّ للمرأَةِ الخروجَ للحجِّ إذا لم يكن معها محرم أَو زَوْج، ولا يجوزُ لها الخروج عند الحنفيين

(1) انظر ص 27 ج 11 الفتح الربانى. و (الإجار) بكسر الهمزة وشد الجيم: السور يرد الساقط، والمراد بالذمة العهد، لأن لكل واحد عهداً من الله تعالى بالحفظ، فإذا القى بيده إلى التهلكة انقطع عنه ذلك العهد. و (الارتجاج) الاضطراب.

(2)

انظر ص 290 ج 1 بدائع المنن، وص 53 ج 4 فتح البارى (حج النساء) وص 109 ج 9 نووى مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره) وص 38 ج 11 الفتح الربانى.

(3)

و (لحرمتها) خرج به المرأة الملاعنة فإنها حرام على الملاعن على التأييد تغليظاً عليهما لا لحرمتها فلا يحل سفرها معه.

ص: 31

وأَحمد مع امرأَة أَ! وأَكثر أَو رفقة مأْمونين؛ لأَّن خوف الفتنة قائم حينئذ (وقالت) المالكية: لها أن تخرج مع رِفْقَةٍ مأْمونة إِذا كان بينها وبين مكة يوم وليلة (وقالت) الشافعية: لها أَنتخرج مع نسوة ثقات ولو بعدت المسافة (وقيل): لها الخروج مع امرأَة حرة مسلمة ثقة، مستدلين:

(أ) بما روى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أَن عمر رضى الله عنه أَذِنَ لأَزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى الحج، فبعث معهن عثمان ابن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما. أَخرجه البخارى

والبيهقى (1){6}

(ب) وبظاهر قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فإِن لفظ الناس يتناول الذَّكَر والأُنثى، والاستطاعة تتحقق بوجود الزَّاد والرَّاحلة؛ ولأَنَّ الغرض من وجُودِ المحرم أَو الزَّوْج معها الأَمن عليها، وهو يحصل بجماعة النساء وبالرفقة المأْمونة.

(وأجاب) الأَوَّلُون:

(أ) بأَن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف محرمان لأُمهات المؤمنين.

(ب) وبأَن الآية لا تتناول النساءَ حال عدم وجود الزوج والمحرم معها؛ لأَن المرأَة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها فتحتاج إلى من يعاونها على ذلك، وليس هذا لغير الزوج المحرم فلم تكن مستطيعة عند عدمهما. ومعلوم أَن خوف الفتنة عند اجتماعهن غير مأْمون.

(فائدة) لا يلزم الزوج، ولا المحرم السفر مع المرأَة إِذا لم يُوجَد غيره عند الحنفيين ومالك، وهو الصحيح عند أَحمد والشافعى؛ لأَن فى الحج

(1) انظر ص 51 ج 4 فتح البارى (حج النساء) وص 326 ج 4 سنن البيهقى.

ص: 32

مشقة شديدة فلا تلزم أَحداً لأَجل غيره، كما لا يلزمه أَن يحجّ عنها إذا كانت مريضة. وإذا مات محرم المرأَةِ فى الطريق، قال أَحمد: إِذا تباعدت مضت فحجَّت لأَنه لابُدَّ لها من السفر بلا محرم فمضيها إلى الحج أَوْلَى إذا كان فرضاً. أَمَّا إِذا كان تطوعاً وأَمكنها الإِقامة فى بلد فهى أَوْلَى من سفرها بلا محرم. وليس للرجل منع امْرَأَتِه من حجة الإسلام عند الحنفيين وأَحمد، وهو الصحيح عن الشافعى؛ لأَنه فرض فليس له منعها منه. ويُسْتَحَبُّ أَن تستأْذِنه فإِن أَذن وإِلَاّ خرجت بلا إِذْنِه. فأَمَّا حج التطوع فله منعها منه إجماعاً، وليس له منعها من الحج المنذور؛ لأَنه واجب عليها فأَشبه حجة الإسلام. والأَصَحّ عند الشافعية أَنَّ له مَنْعَها عن الحج الفرض لكونه على التراخى، ولما روى نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى امْرَأَةٍ لها زَوْج ولها مال ولا يِأْذَن لها فى الحج: ليس لها أَن تَنْطَلِقَ إِلَاّ بإذن زَوْجِهَا. أخرجه الدار قطنى، وفيه العباس بن محمد بن مُجاشِع. حاله غير معروف (1){49}

(وأجاب) الجمهور بأَنه محمول على حجّ التطوع جمعاً بين الأدِلَّةِ.

3 -

الحج عن الغير: تقدم أَن صِحَّةَ البدَنِ مَّما تتحقَّق به الاستطاعة فهى شرطٌ لوجوب الحجِّ عند أَبى حنيفة ومالك والشافعى وأَحمد فى رواية، فالْمُقْعَد والزَّمِن والمفلوج والمريض والشيخ الكبير الذى لا يثبت على الراحلة بنفسه ومقطوع الرِّجْلَين والأَعمى وإِن وَجَدَ قائداً عند أَبى حنيفة، لا يجب عليهم الحج ولا يلزمهم إِحجاجُ الْغَيْرِ عنهم ولا الإيصاء به عند الموت. (وقال) أبو يوسف ومحمد وأحمد فى رواية: صِحَّةُ البَدَنِ شرطٌ لِلزُوم أَداء

(1) انظر ص 257 سنن الدار قطنى.

ص: 33

الحج، فلا يلزم المقْعَد ومَنْ معه الأداء بأَنفسهم، وعليهم إِنابة غيرهم ليحجَّ عنهم إِن كانوا مستطيعين، ويجزئُهم حجه إِنْ دام العجز إلى الموت، فإِنْ زال حَجُّوا بأَنفسهم. ومحل الخلاف إذا لم يقدر من ذكر على الحج وهو صحيح، فإِنْ قدر ثم عجز قبل الخروج تقرر فى ذمته فيلزمه إحجاج غيره عنه من منزله اتفاقاً. ودليل ذلك حديث ابن عباس رضى الله عنهما أَن امْرَأَةٌ مِن خَثْعَم قالت: يا رسول الله، إِنَّ فريضةَ اللهِ على عِبادِه فى الحجِّ أَدركَتْ أَبى شَيْخاً كبيراً لا يستطيُع أَن يَثْبُتَ على الرَّاحِلة، أَفأَحُجَ عنه؟ قال: نَعَمْ. وذلك فى حجَّةِ الوَداع. أخرجه مالك والشافعى والشيخان وأبو داود والنسائى. وأخرج نحوه الدارمى (1){50}

وقال الترمذى: وقد صَحَّ عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب غير حديث، والعمل على هذا عند أهل الْعِلم. وبه يقول الثورى وابن المبارك والشافعى وأحمد وإسحاق، يرون أَن يُحَجَّ عن الميت. وقال مالك: إذا أَوْصَى أن يَحُجَّ عنه حُجَّ عنه. وقد رخَّص بعضهم أن يُحَجَّ عن الحىّ إذا كان كبيراً وبحال لا يقدر أن يحجَّ، وهو قول ابن المبارك والشافعى (2)، وهو أَيضاً قول أحمد وابن حبيب المالكى والمختار عند الحنفيين، فيجوز عندهم الحج عن الْغَيْر سواءٌ أَوجب عليه الحج حال الصِّحَّة أم حال العجز بأَن قدر على الإنابة، وحاصِل مذهبهم أنه تجوز النيابة فى نفل الحج مطلقاً. ولا تجوز فى فرضه إلَاّ بشَرْطِ العجز المستمر إلى الموتِ ويقع عن المحجوج عنه. ويُشْترط النِّيَّة عن المحجوج عنه، ويندب ذكره فى التلبية، بأَن

(1) انظر رقم 86 ص 101 ج 1 تكملة المنهل (الرجل يحج عن غيره) وباقى المراجع بهامش 2 ص 106 منه.

(2)

انظر ص 113 ج 2 تحفة الأحوذى (الحج عن الشيخ الكبير والميت).

ص: 34

يقول النائب: لَبَّيْكَ عن فلان، وأَن يكون النائب حُرَّا ذكَراً بالغاً، عالماً بالمناسِك قد حج عن نفسه. ويُكْرَه إِنابة العبد والمرأَة، ومَنْ لم يحج عن نفسِه، وليس للنائب أن يوكل غيره فى الحج عن الآمر وإنْ مَرِضَ فى الطريق، إلَاّ إنْ قيل له: اصنع ما شِئْتَ، فله حينئذٍ أَن يوكل غيره فى الحج عن الآمر وإن كان المأْمور صحيحاً. (وقال) مالك والليث: لا يحج أحد عن أحد إلَاّ عن مَيِّتٍ لم يحجَّ حجةَ الإسلام وأَوْصَى بها؛ لأَن الحج عبادة لا تدخله النيابة مع القُدْرَة، فلا تدخله مع العجز؛ لأن العبادة فُرِضَتْ للابتلاء وهو لا يوجد فى العبادة البدنية إلَاّ بإتعاب البدن فيها (ورد) بأن الاستطاعة كما تكون بالنفس تكون بالغير "فإن قول " الخثعمية: إن فريضة الله على عباده فى الحج أدركَتْ أبى شيخاً كبيراً.

" يفيد " أن افتراض الحج لا يشترط له القدرة على السفر، وقد أقَرَّهَا النبى صلى الله عليه وآله وسلم، فهو يؤيد أن الاستطاعة المعتبرة ليست بالبدَنِ خاصَّة وإنما هي بالزَّادِ والراحِلة، ومنه يعلم أن الراجح القول بجواز النيابة فى الحج عند الداعية. (قال) ابن قُدَامة: ولا يجوز أن يستنيب فى الحج الواجب مَنْ يقدر عليه بنفسه إجماعاً. والحج المنذور كحجة الإسلام، فأَمَّا حج التَّطَوُّع فثلاثة أقسام:

(الأول) أن يكون ممن لم يُؤَدِّ حجة الإسلام، فلا يجوز أَن يستنيب فى التطوع؛ لأنه لا يصح أن يفعله بنفسه فبنائه أَوْلى.

(الثاني) أن يكون أدَّى حجة الإسلام وهو عاجز عن الحج بنفسه، فيصح أَن يستنيب فى التطوع اتفاقاً؛ لأَن ما تجوز الاستنابة فى فريضته تجوز فى نفله.

ص: 35

(الثالث) أن يكون أَدَّى حجة الإسلام وهو قادِرٌ على الحج بنفسه، فهل له أَن يستنيب فى حج التطوع؟ فيه قولان:

(أ) يجوز عند الحنفيين وهو رواية عن أحمد؛ لأنها حجة لا تلزمه بنفسه فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب. وتكره الإنابة فيها عند مالك.

(ب) لا يجوز عند الشافعى. وهو رواية عن أحمد؛ لأنه قادر على الحج بنفسه فلا يجوز له أن يستنيب فيه كالفرض (1). وبقى الكلام فى أمرين.

(1)

حج الصرورة عن غيره: الصَّرورة مَنْ لم يَحُجَّ عن نفسِهِ، مأْخوذ من الصَّر وهو الحبس. فمن ترك الحج مع الاستطاعة فقد منع الخير عن نفسه. وقد اختلف العلماء فى حجه عن غيره، فمنعه الشافعى وأحمد، لحديث ابن عباس: أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لَبَّيْكَ عن شُبْرمة، قال: من شُبْرُمة؟ قال: أَخ لى أَو قريب لى. قال حَجَجْتَ عن نفسك؟ قال: لا، قال: حُجّ عن نفسك ثم حُجّ عن شُبرمة. أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان وصححه. والبيهقى وقال: وقال إسناده صحيح وأخرجه الشافعى موقوفاً على ابن عباس (2){51}

(وقال) الحنفيون ومالك: حج الصَّرورة المستطيع عن غيره مكروه كراهةَ تحريم؛ لأنه يتضيق عليه فى أول سِنى الإمكان فيأْثم بتركه. وكذا لو تَنَفَّل لنفسه ومع ذلك يصحّ حجه؛ لأن النَّهْى ليس لعين الحج المفعول، بل لغيره وهو خَشْيَةَ ألَاّ يُدْرِك الفرض، إذ الموت فى سنة غير

(1) انظر ص 180 ج 3 مغنى

(2)

انظر رقم 88 ص 107 ج 1 تكملة المنهل (الرجل يحج عن غيره) وباقى المراجح بهامش 2 و 3 ص 109 منه. والرجل الملبى " نبيشة " بالتصغير ابن عبد الله.

ص: 36

نادر. فعلى هذا يحمل قوله عليه الصلاة والسلام حُجّ عن نفسك ثم حُجّ عن شُبرمة ـ على الوجوب لا على الفرضية فلا ينفى الصحة.

فوائد (الأولى) مِنْ عليه حجة الإسلام وحجة نذر، لَزِمَهُ تقديم حجة الإسلام عند الشافعى وأحمد، لما روى شُعبة عن سليمان أبو أبى سليمان أنه سمع أنس بن مالك يقول ـ فيمن نَذَرَ أَن يَحُجَّ ولم يَحُجَّ قطّ ـ قال: لِيَبْدَأْ بالفريضة. أخرجه البيهقى (1){7}

(وقال) الحنفيون ومالك: له أن يَحُجَّ حجَّةَ النَّذْر ثم يَحُجَّ حجَّةَ الإسلام من قابل.

(الثانية) إذا أَمَرَهُ اثنانِ بالحجِّ عن كُلٍّ منهما، فإِنْ أَحْرَمَ بحجةٍ عنهما معاً وقع الحج عنه. ولهما الرجوع بما أَخذه منهما. وإِنْ أَحْرَمَ عن أَحدهما مبهماً، فإِن عينه قبل الوقوف بعرفة انصرف إليه، وإلَاّ انصرف إلى نفسه وضمن ما أخذ.

(الثالثة) لو أّحْرَمَ بحجّ عن أَحد أَبَوَيْهِ أَو عنهما بلا أَمرهما ثم عينه عن أحدهما صَحّ؛ لأنه من قبيل جعل الثواب للغير لعدم الأمر فتلغو نيته. وهذا مندوب إليه؛ لحديث ابن عباس رضى الله عنهما: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ حَجَّ عن أَبَوَيْه أَو قضى عنهما مَغْرَماً بُعِثَ يوم القيامة مع الأبرار. أخرجه الدار قطنى وضَّعفه، والطبرانى فى الأوسط، وفى سنده صلة بن سليمان العطار متروك (2){52}

(2)

الاستئجار للحج ونحوه: يجوز إجارة النفس للطاعة كالحج والعمرة وتعليم الفقه وغيره من العلوم والقرآن والأذان والإمامة، لحديث

(1) انظر ص 339 ج 4 سنن البيهقى (الرجل ينذر الحج وعليه حجة الإسلام).

(2)

انظر ص 272 سنن الدار قطنى، وانظر رقم 8630 ص 116 ج 6 فيض القدير.

ص: 37

ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ أَحَقَّ ما أَخَذْتُمْ عليه أَجراً كنابُ الله. أخرجه البخارى (1){53}

وهو وإِنْ كان وَارِداً فى الرقية فهو يدل على جواز أخذ الأُجْرَةِ على تعليم القرآن؛ لأن الْعِبرة بعموم اللفظ. وبهذا قال الشافعى وأَحمد فى رواية. وهو المفتى به عند الحنفيين (وقالت) المالكية: يُكْرَه للشخص إجارة نفسه للطاعة كالحج وقراءَة القرآن وتعليم العلم، لحديث الجارود ابن المُعَلَّى: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ طَلَبَ الدنيا بعملِ الآخرةِ طُمِسَ وَجْهُهُ ومُحِى ذِكْره وأُثبتَ اسمه فى أَهل النار. أخرجه الطبرانى وأبو نعيم (2){54}

وللمحجوج عنه أَجْرُ النفقة التى أنفقها النائب، وله دعاؤه أيضاً، ولا يسقط حَجُّ الفرض عن المحجوج عنه ولا يكتب له نفلاً أَيضاً، لأنه لا يقبل النيابة. ويكتب نفلاً للأجير. ويجوز عند مالك أخذ الأُجْرَة على تعليم الأطفال القرآن والأذان ولو مع الصلاة. أما أَخْذُ الأُجْرَةِ على الإمامة وحدها فيكره إن كانت من المصَلِّين لا من الوقف أو من بيت المال، فإنه يجوز ويكون من باب الإعانة على الطاعة. ومنه ما يؤخذ على التدريس ونحوه مَّما وقف لأجله من وظائف الطاعات (3).

(فوائد)(الأولى) قال ابن قدامة: وإن استأْجر ليحجَّ عنه أو عن مَيِّتٍ اعتبر فيه شروط الإجارة من معرفة الأُجْرَة. وما يأْخذه أُجْرَةٌ له يملكه ويباح له التصرف فيه والتوسع به فى النفقة وغيرها، وما فضل فهو

(1) انظر ص 155 ج 10 فتح البارى (الشروط فى الرقية - الطب).

(2)

انظر ص 261 ج 2 كشف الخفاء.

(3)

انظر ص 80 ج 2 حكمة البصير لفهم مجموع الأمير.

ص: 38

له، وإن أُحْصِر أو ضَلَّ الطريق أو ضاعت النفقة منه فهو فى ضمانه وعليه الحج. وإنْ مات انفسحت الإجارة لتلف المعقود عليه. ويكون الحج أيضاً مَن موضع بلغ إليه النائب، وما لزمه من الدماء، فعليه لأن الحج عليه (1).

(الثانية) قال النووى: أعمالُ الحجِّ معروفة، فإن علمها المتعاقدان عند العقد صحت الإجارة، وإن جَهِلها أحدهما لم تصحٌ. وهل يشترط تعيين الميقات الذى يُحرم منه الأجير؟ فيه قولان أصحهما لا يشترط تعين الميقات الذى يُحرم منه الأَجير؟ فيه قولان أَصحهما لا يشترط، ويحمل على ميقات تلك البلد فى العادة الغالبة. والثانى يشترط؛ لأن الإحرام قد يكون من الميقات وفوقه ودونه. والغرض يختلف بذلك فوجب بيانه (2).

(الثالثة) حاصل مذهب الحنفيين فى مسألتين فى حج النائب:

(أ) أنه لو أحرم شخص عن الآمر فأُحْصِر فالدم على الآمر عند أبي حنيفة ومحمد وإن كان ميتاً. وعلى المأْمور الحج من قابل من ماله. وكذا لو فاته الحج ولا يضمن النفقة. وأما دم التمتع والقران والجناية فعلى المأْمور اتفاقاً. وإن جنى بالوطء قبل الوقوف بعرفة، فَسَد الحج وضمن النفقة، ولزمه الحج من قابل.

(ب) ولو أَوْصَى شخص بالحج عنه فخرج رجل يَحُجّ عنه فمات فى الطريق أو سرقت نفقته يُحَجُّ عن الميت من منزله من ثلث ما بقى من ماله عند أبى حنيفة (3)(وقال) أبو يوسف ومحمد: يُحَجُّ عنه من حيث مات المأْمور، غير أَن محمداً قال: يُحَجُّ عنه بما بقى من المال المدفوع إلى الحاج إِنْ بقى منه شيءٌ وإِلَاّ بطلت الوصية. وقال أَبو يوسف: يُحَجُّ عنه بما بقى

(1) انظر ص 182 ج 3 مغنى (الاستئجار للحج).

(2)

انظر ص 121 ج 7 شرح المهذب.

(3)

يراعى فى هذا ما يأتى فى الفائدة الرابعة ص 41.

ص: 39

من الثلث الأول، فإِنْ كانت التركة مائة جنيه مثلاً ونفقة الحج خمسة وعشرين فدفعها الوصىّ إِلى مَنْ يَحُجَّ عن الميت فسُرِقَتْ فى الطريق. فعند الإمام يأْخذ ثلث ما بقى من التركة، فإن سُرِقَ ثانياً ثُلث الباقى وهكذا، (وقال) أَبو يوسف: يأْخذ ما بقى من الثلث، فإِن سُرِقَ ثانياً لا يأْخذ شيئاً. وقال محمد: إِنْ سُرِقَ كل ما دفع أَولاً بطلت الوصية، وإن بقى منه شيءٌ يُحَجُّ به لا غير. فالخلاف فى موضعين:

(أ) فيما يدفع ثانياً، وقول الإمام فيه أوجَه.

(ب) وفي المحل الذى يلزم الإحجاج منه ثانياً. وهو مبنى على أَن السفر أَيبطل بالموت؟ قال الإمام نَعَمْ، لحديث أبى هريرة رضى الله عنه: أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا ماتَ الإِنسانُ انْقَطَعَ عنه عمله إِلَاّ من ثلاثة: مِنْ صَدَقَةٍ جارِيةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفُع بِه أَوْ وَلَد صَالِح يَدْعُو له. أخرجه مسلم والثلاثة (1){55}

وقال الصاحبان: لا يبطل السفر بالموت، وهو أَوْجَه، لحديث أَبى هريرة رضى الله عنه: أَن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مِنْ خَرَجَ حاجاً فمات كُتب له أَجْرُ الحاجِّ إلى يوم القيامة، ومَنْ خَرَجَ مُعتمراً فمات كُتب له أَجْرُ المعَتمِر إلى يوم القيامة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط والبيهقى وأبو يعلى. وفيه جميل بن أبى ميمونة. ذكره ابن حبان فى الثقات (2){56}

والحديث الأَول إِنما يَدُلُّ على انقطاع العمل. والكلام فى بطلان القدر الذى وجد من العبادة والثواب. وهو غير العمل. وانقطاع العمل لا يستلزم انقطاع ما وجد منه.

(1) انظر ص 117 ج 3 سنن أبى داود (الصدقة عن الميت - الوصايا) وباقى المراجع بهامش 4 ص 74 ج 8 الدين الخاص (القرب تهدى إلى الميت).

(2)

انظر ص 208 ج 3 مجمع الزوائد (فرض الحج والعمرة).

ص: 40

(الرابعة) يُشْترط فى حج المأْمور أن يُحرم من مِيقَاتِ الآمر عند الحنفيين إن اتَّسَعَ ثُلث مال الميت لنفقة حج المأْمور، وإن لم يتَّسع يُحَجّ عنه من حيث يبلغ استحساناً، فلو كان ثلُث ماله لا يسَعَ إِلَاّ أَن يحجّ عنه من مكة جاز الحج عنه منها. وهذا بحث هام ينبغى علمه، فإِن كثيراً من الناس يمنعون إخراج البدل من مكة مع قِلَّةِ النفقة.

وقت الحج: النوع الرابع من شروط الحج ما هو شرط صحة فقط. وهو اثنان:

(1)

الوقت الذى لا يصح شئٌ من الحج إِلَاّ فيه وهو شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة، لقوه تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (1). قال ابن عمر: أَشْهُر الحجّ شوالٌ وذُو القَعدة وعشر من ذِي الحِّجة. أَخرجه البخارى معلقاً. ووصله ابن جرير والدارقطني بسند صحيح عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (2){8}

ورواه البيهقى عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وابن الزبير (3)، وبهذا قال الحنفيون والشافعى فى الجديد وأحمد. وقال مالك والشافعى فى القديم: زمن الحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة بتمامه، لقول أَبى أُمامة رضى الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} قال: شوالٌ وذو القَعدة وذو الحجة. أَخرجه الطبرانى فى الصغير والأَوسط. وفيه حُصَين بن مخارق. قال الطبرانى: كُونى ثقة. وضعَّفه الدار قطنى وبقية رجاله موثقون. قاله الهيثمى

(4){57}

(1) سورة البقرة، الآية 197.

(2)

انظر ص 270 ج 3 فتح البارى (قول الله تعالى: الحج أشهر معلومات).

(3)

انظر ص 342 ج 4 سنن البيهقى (بيان أشهر الحج).

(4)

انظر ص 218 ج 3 مجمع الزوائد (أشهر الحج).

ص: 41