المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقصد التاسع: في عوارض الإحرام - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌المقصد التاسع: في عوارض الإحرام

(ومن) روي أنه كان قارنا، أراد أنه اعتمر أخرا (ومن) روي أنه كان متمتعا، أراد التمتع الغوي وهو الانتفاع، وقد انتفع النبي صلى الله عليه وسلم بأداء النسكين في سفر واحد (ويؤيد) هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر تلك السنة عمرة مفردة لا قبل الحج ولا بعده، والقرآن أفضل من أداء الحج من غيره عمرة اتفاقا (ولو جعلت) حجته صلى الله عليه وسلم مفردة لزم ألا يكون اعتمر تلك السنة. ولم يقل أحد بأن الحج وحده أفضل من القرآن. أفاده النووي (1).

‌المقصد التاسع: في عوارض الإحرام

هي: الجنايات، والإحصار، والفوات، والمفسد والمبطل.

1 -

الجنايات

هي جمع جناية، وهي لغة الذنب يؤاخذ به، والمراد بها هنا نوعان:

(الأول) ما تكون حرمته بسبب الإحرام، كالتطيب وإزالة الشعر والتعرض للصيد والوطء ومقدماته، فهي جناية على الإحرام.

(الثاني) ما تكون حرمته بسبب الحرم، كالتعرض لصيده أو شجره، وهي جناية على الحرم. وهاك البيان.

الجناية على الإحرام

هي أربعة أقسام: جناية بغير الوطء كالتطيب والحلق والقبلة، وجناية بالوطء وجناية على الطواف، وجناية على غير الطواف كالسعي والوقوف بعرفة ومزدلفة والرمي.

(1) أنظر ص 160 ج 7 شرح المهذب (طريق الجمع بين هذه الأحاديث الصحيحة).

ص: 253

(الأول) الجناية بغير الوطء: هي تكون من القارن وغيره وفي كل إما أن تكون لغير عذر أو لعذر، كحمى وبرد وجرح وصداع وقمل.

(وليس) من العذر الخطأ والنسيان والإكراه والإغماء والنوم عند الحنفيين ومالك والمزني وأحمد في أصح الروايتين عنه.

(وقال) الشافعي: لا فدية على الناسي والمخطئ والجاهل ونحوهم في اللبس والطيب، لما تقدم عن يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو بالجعرانة قد أهل بعمرة وهو مصفر لحيته ورأسه وعليه جبة، فقال: يا رسول الله، أحرمت بعمرة وأنا كما ترى، فقال: أنزع عنك الجبة وأغسل عنك الصفرة (1)، لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بالفدية وقد لبس في إحرامه ما ليس له لبسه جاهلا، والناسي والمخطئ في معنى الجاهل.

(وأجاب) عنه الأولون بأنه كان قبل تحريم لبس المخيط على المحرم، وأما بعده فلا فرق بين الجاهل والناسي وغيرهما (وعليه) فالجناية بغير الوطء ثلاثة أقسام:

(الأول) ما يفعل لعذر: فإن ارتكب المحرم محظورا غير الوطء، كأن طيب عضوا كاملا أو أزال شعره أو لبس مخيطا لعذر خير إن شاء ذبح شاة في الحرم أو صام ثلاثة أيام ولو متفرقة أو تصدق ولو في غير الحرم بثلاثة آصع (2) على ستة مساكين، كل واحد نصف صاع من بر (فلو) تصدق بها على ثلاثة أو سبعة (فظاهر) كلامهم أنه لا يجوز، لأن العدد منصوص عليه، قال الله تعالى:"فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك"(3)،

(1) تقدم رقم 64 ص 47 (التطيب).

(2)

أنظر رقم 57 ص 42 ج 1 تكملة المنهل العذب (إفراد الحج) وباقي المراجع بهامش 5 ص 43 منه.

(3)

الآية 196 من سورة البقرة.

ص: 254

وأو للتخيير (وعن) عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا أوقد تحت قدر لي والقمل يتناثر على وجهي، فقال: أتؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم، قال: فأحلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، أو أنسك نسيكة (الحديث) أخرجه الشافعي والجماعة من عدة طرق، وهذا لفظ مسلم (1). {270}

(ولابد) في الصداقة والنسك من التمليك ولا تكفي الإباحة عند الأئمة الأربعة ومحمد خلافا لأبي يوسف (ولا يشترط) دوام العذر ولا أداؤه للتلف. بل الشرط وجوده مع تعب ومشقة تبيح ارتكاب المحظور، فإن غلب على ظنه مرضه من البرد ونحوه جاز له تغطية رأسه أو ستر بدنه بالمحيط بشرط ألا يتعدى موضع الضرورة.

(الثاني) ما يفعله غير القارن بلا عذر: وإن ارتكب محظورا مما ذكر لغير عذر، فهو مخير في الفدية كالمعذور في المشهور عن الشافعية والحنبلية، وعليه أكثر المالكية (وقال) الحنفيون والجمهور: غير المعذور لا يتخير، بل يلزمه أو أكثر أو صدقة على التفصيل الآتي:

1 -

ما فيه دم، يلزم المحرم البالغ- ولو ناسيا أو مكرها أو نائما- دم إن طيب عضوا كاملا كالوجه والفخذ والساق لغير عذر، وكذا لو طيب قدر عضو من أعضاء متفرقة، والبدن كله كعضو إن اتحد المجلس، وإلا لزم لكل مجلس دم وإن لم يكفر للأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف (وقال) محمد: عليه دم واحد ما لم يكفر للأول، (وكذا يلزمه دم إن خضب رأسه أو لحيته لغير عذر بحناء سائلة، وإن كانت

(1) أنظر رقم 130 ص 179 ج 1 تكملة المنهل العذب (الفدية) وباقي المراجع بهامش 1 ص 182 منه.

ص: 255

ثخينة فلبد الرأس فعليه دمان للطيب والتغطية. (وكذا) يلزمه دم إن ستر رأسه أو وجهه كله أو ربعه بما يستر به عادة ليلة أو يوما كاملا، ولو بإلقاء غيره وهو نائم (1)، أو لبس محيطا لبسا معتادا ليلة أو يوما كاملا أو قدر أحدهم وإن نزعه ليلا وأعاده نهارا أو بالعكس ما لم يعزم على الترك عند النزع، فإن عزم ثم لبس تعدد الجزاء، وإن لم يكفر للأول على ما تقدم (وكذا) لو أزال شعر ربع رأسه أو ربع لحيته- وهي مع الشارب عضو- وإقامة للربع مقام الكل أو أزال شعر رقبته أو إبطيه أو أحدهما أو عانته أو قص أظافر يديه ورجليه في مجلس واحد أو قص أظافر يد أو رجل، أو قبل أو لمس بشهوة وإن لم ينزل، فيلزمه لكل مما ذكر شاة تجزئ في الأضحية.

(فإن عجز) عنها حسا أو شرعا لزمه صيام عشرة أيام: ثلاثة قبل يوم النحر، وسبعة بعد تمام أعمال الحج أو بعد عوده إلى وطنه على ما تقدم في القرآن

(وكذا) يلزم دم عند أبي حنيفة لو أدهن بزيت أو خل ولو غير مطيب لا للتداوي لأنه لا يخلو عن طيب، وكذا لو حلق محاجمه (2)، لأن المحجم لما قصد بالحلق اعتبر عضوا كاملا، (وقال) أبو يوسف ومحمد: يلزمه فيما ذكر صدقة كالفطرة، وهي نصف صاع من بر

(1) خالف في هذا الشافعي، لما تقدم عن يعلى بن أمية ولما ورد: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم. أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر رضي الله عنهما (أنظر رقم 4463 ص 35 ج 4 فيض القدير) وقد تقدم جواب غير الشافعي عن حديث يعلي بن أمية وبمثله يجاب "أولا" عما ورد عن علي وعمر " ثانيا" بأن النسائي أخرجه من طرق وقال: لا يصح شيء منها والموقوف أولى بالصواب "وثالثا" بأن المراد به رفع الإثم، لأن رفع الواقع محال بدليل لزوم الدية والكفارة في قتل الخطأ: والله الموفق.

(2)

(المحاجم) جمع محجم كجعفر: موضع الحجامة.

ص: 256

أو دقيقة أو سويقة أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب، لأن الزيت والخل من الأطعمة، لكن فيهما انتفاع بقتل الهوام وإزالة الشعث والمحلوق للحجامة قليل فكانت الجناية قاصرة فاكتفى فيها بالصدقة.

2 - ما فيه أكثر من دم: وإن قص غير القارن أظافر يديه ورجليه في أربعة مجالس لزمه أربعة دماء عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لتعدد الجناية حقيقة ومعنى بتعدد المجلس (وقال) محمد: يلزمه دم واحد لأنها جناية من نوع واحد ومعنى الكفارة على التداخل ما لم يكفر للسابق وإلا تعدد الدم.

3 - ما فيه صدقة: وإن طيب أقل من عضو أو ستر رأسه أو وجهه أو لبس المخيط أقل من يوم أو ليلة، لزمه صدقة في كل واحد مما ذكر. (وكذا) لو حلق أقل من ربع رأسه أو لحيته أو بعض رقبته أو بعض عانته أو بعض إبطه أو حلق رأس غيره ولو بأمره وعلى المحلوق ولو بلا أمر دم. (ومن) قص أقل من خمسة أظافر لزمه في كل ظفر صدقة كالفطرة (وكذا) لو قص خمسة متفرقة عند أبي حنيفة وأبي يوسف لنقصان الجناية (وقال) محمد: يلزمه دم كما لو حلق ربع الرأس من مواضع متعددة، ولو قص أظافر غيره فعليه صدقة كالحلق عند أبي حنيفة، (وقال) محمد: " لا شيء عليه.

(الثالث) جناية القارن: وإن ارتكب القارن محظورا غير الوطء بلا عذر فعليه دمان: دم لحجته، ودم لعمرته عند الحنفيين.

(وقالت) المالكية: إن حلق إحدى عشرة شعرة فأكثر ولو بلا عذر لزمه فدية- صيام أو صدقة أو نسك- ولو كان الحلق لغير إماطة الأذى، وإن حلق أقل من ذلك لغير إماطة الأذى لزمه حفنة من طعام، وإن كان لإماطة الأذى لزمه فدية على التخيير، وإن قلم ظفرا واحدا

ص: 257

لا لإماطة الأذى ففيه حفنة، وإن كان لإماطة الأذى ففيه فدية، وإن قلم أكثر من ظفر غير منكسر ففيه فدية، وأما المنكسر فلا شيء فيه وإن تعدد.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: إن حلق ثلاث شعرات فأكثر لزمه دم أو صيام أو صدقة. وعن أحمد أنه لا

فدية إلا في أربع شعرات فأكثر، وإن حلق شعرة واحدة لزمه مد طعام، وفي الشعرتين مدان. والأظفار كالشعر فيما ذكر عندهم.

(الثاني) الجناية بالوطء:

هي إما في الحج أو العمرة أو القرآن أو بتعدد الوطء أو مقدماته.

(1) الوطء في الحج: تقدم أنه حرام، وهو إما أن يكون قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل الحلق وطواف الركن أو بعد الوقوف قبل أحدهما.

1 - فلو جامع الحاج بإيلاج الحشفة في أحد سبيلي آدمي حي مشتهى قبل الوقوف بعرفة وإن لم ينزل، فسد حجه إجماعا ولو كان الواطئ أو الموطوء ناسيا أو مكرها أو جاها أو نائما، وعليه إذا كان مكلفا شاة أو سبع بدنة عند الحنفيين وبدنة عند الثلاثة. ويمضي في حجه، لأن التحلل من الإحرام لا يكون إلا بالأداء أو الإحصار، ويعيده ولو كان نفلا في عام قابل. ويندب مفارقة امرأته في الإعادة عند الحنفيين، وهو الصحيح عن الشافعي. (وقال) مالك وأحمد: التفريق بينهما واجب، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لرجل وقع على امرأته وهو محرم: اقضيا نسككما وارجعا إلى بلدكما فإذا كان عام قابل فأخرجا حاجين، فإذا أحرمتما فتفرقا ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما وأهديا هديا. أخرجه البيهقي بسند صحيح (1). {81}

(1) أنظر ص 167 ج 5 سنن البيهقي (ما يفسد الحج).

ص: 258

(فائدة) إن فات الحج إنسانا أو أفسده ثم حج من قابل فأفسد البدل لم يلزمه إلا حجة واحدة- كما لو أفسد قضاء رمضان- عند الحنفيين والشافعي وأحمد (وقال) مالك: يجب قضاء القضاء إذا فسد ولو تسلسل فيأتي بحجتين: إحداهما قضاء عن الأولى والثاني قضاء على القضاء وعليه هديان (1).

2 - وإذا جامع الحاج بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق وطواف الركن، فسد حجه وعليه المضي في فاسده وبدنه والقضاء عند مالك والشافعي وأحمد، لأنه وطء في إحرام كامل فأشبه الوطء قبل الوقوف، فإن لم يجد بدنه فبقرة، فإن فقدها فسبع من الغم، فإن فقدها أخرج بقيمة البدنة طعاما، فإن فقد صام عن كل مد يوما عند الشافعي، وعن أحمد أنه مخير بين هذه الخمسة.

(وقال) الحنفيون: من جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق وطواف الركن لا يفسد حجه ولمه بدنة أو بقرة، لما روي عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة. أخرجه مالك بسند صحيح (2). {82}

واحتجوا لعدم الفساد بحديث: الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه (3). (وأجاب) الأولون بأنه بإدراك

(1) أنظر ص 61 ج 3 شرح الدر دير على خليل (وقال) الدسوقي: هذا على المشهور بخلاف قضاء القضاء في رمضان فالمشهور أنه لا يجب. والفرق بينهما أن الحج لما كانت كلفته شديدة شدد فيه بقضاء القضاء لئلا يتهاون به.

(2)

أنظر ص 231 ج 2 زرقاني الموطأ (هدى من أصاب أهله قبل أن يفيض) و (يفيض) أي يطوف طواف الإفاضة.

(3)

تقدم رقم 117 ص 91 (الوقوف بعرفة) و (ليلة جمع) ليلة النحر، وجمع: المزدلفة.

ص: 259

عرفة فقد أمن الفوات، وهذا لا ينافى طرو مفسد آخر (ورده) الحنفيون بأنه صلى الله عليه وسلم إنما علق تمام الحج بالوقوف بعرفة باعتبار أمن الفوات والفساد (1)، وهذا ينافى طرو مفسد آخر، فالحق معهم.

3 -

وإذا جامع بعد رمي جمرة العقبة وقبل طواف الركن فسد حجه عند أحمد، ولزمه أعمال عمرة فيخرج إلى الحل ويحرم بعمرة ويلزمه شاة أو بدنة، روايتان. (وقال) الحنفيون ومالك والشافعي: إن جامع بعد الوقوف والحلق قبل طواف الركن لا يفسد حجه ولزمه شاة عند مالك، وهو ظاهر مذهب الحنفيين لبقاء إحرامه في حق النساء فقط، فالشاة لخفة الجناية.

(وقال) الشافعي: عليه بدنة واختاره في المبسوط والدبائع. ويؤيده قول عطاء: سئل ابن عباس عن رجل قضى المناسك كلها غير أنه لم يزر البيت حتى وقع على امرأته، قال: عليه بدنة. أخرجه ابن أبي شيبة (2). (83)

(هذا) والبدنة أو الشاة واجب على كل من الفاعل والمفعول عند الحنفيين، وروي عن أحمد، لما روي عكرمة أن رجلا قال لابن عباس: أصبت أهلي، فقال ابن عباس: أما حجكما هذا فقد بطل فحجا عاما قابلا ثم أهلا من حيث أهللتما حتى إذا بلغتما حيث وقعت عليها ففارقها فلا تراك ولا تراها حتى ترميا الجمرة، وأهد ناقة ولتهدي ناقة. أخرجه البيهقي (3). (84)

(1) أنظر ص 241 ج 2 فتح القدير.

(2)

أنظر ص 127 ج 3 نصب الراية.

(3)

أنظر ص 168 ج 5 سنن البيهقي (ما يفسد الحج).

ص: 260

(وقال) مالك: على كل منهما بدنة إن طاوعته المرأة، وإن أكرهها يهدي عنها (وقال) الشافعي: يلزمه بدنة واحدة عنهما، وهو رواية عن أحمد، لما روي عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يجزئ بينهما جزور. أخرجه البيهقي بسند صحيح (1). (86)

.. وإذا كانت المرأة مكرهة على الجماع فلا هدى عليها ولا على الرجل أن يهدي عنها عند الشافعي، لأنه جماع يوجب الكفارة فلم تجب به حال الإكراه أكثر من كفارة كما في الصيام. وعن أحمد أن عليه أن يهدي عنها، وهو قول مالك، لأن إفساد الحج وجد\ منه في حقهما فكان عليه لإفساد حجها هدى، قياسا على حجه. (وقال) الحنفيون: يلزمها الهدى وهو رواية عن أحمد، لأن فساد الحج ثبت بالنسبة إليها، فكان الهدى عليها كما لو طاوعت، والنائمة كالمكرهة في هذا (وأما فساد) الحج فلا فرق فيه بين حال الإكراه والمطاوعة اتفاقا (ولا فرق) بين الوطء في القبل والدبر من آدمي أو بهيمة عند الشافعي وأحمد. (وقال) الحنفيون ومالك: لا يفسد الحج بوطء البهيمة والميتة ومن لا تشتهي، لأنه لا يوجب الحد فأشبه الوطء دون الفرج، ويلزمه شاة إن أنزل وإلا فلا، بخلاف ما لو استدخلت امرأة ذكر حمار أو ذكرا مقطوعا فإن حجها يفسد اتفاقا، لأن داعي الشهوة في النساء أتم فلم تكن الجناية في حقها قاصرة.

(ب) الوطء في العمرة: هو يكون قبل الطواف أو قبل السعي أو قبل الحلق.

1 - فإن وطئ المعتمر قبل طواف العمرة كله أو جله فسدت عمرته إجماعا ولزمه المضي في أعمالها وإعادتها لأنها لزمت بالإحرام بها ولزمه بها ولزمه شاة أو سبع بدنة.

(1) أنظر ص 168 ج 5 سنن البيهقي (ما يفسد الحج).

ص: 261

2 -

ولو جامع بعد طواف أربعة أشواط وقبل الحلق لزمه دم، ولم تفسد عمرته عند الحنفيين لإتيانه بالركن.

(وقالت) المالكية: لو جامع أو أنزل بمقدمات الجماع قبل تمام سعي العمرة ولو بشوط، فسدت عمرته ولزمه القضاء وشاة تكفي في الأضحية.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا وطئ المعتمر بعد الطواف وقبل السعي فسدت عمرته وعليه المضي في فاسدها والقضاء وبدنة.

3 - وإن جامع بعد السعي وقبل الحلق فسدت عمرته عند الشافعي وعليه المضي في فاسدها والقضاء وبدنة لبقاء الحلق وهو ركن فيها عنده. (وقال) الحنفيون ومالك وأحمد: لا تفسد العمرة لانقضاء أركانها ولزمه شاة.

(فائدتان)(الأولى) كل ما أوجب هديا في الحج كالقبلة وطول الملامسة والملاعبة، يوجب هديا في العمرة.

(الثانية) إذا أحرم بالحج أو العمرة قبل الميقات ثم أفسده لزمه في القضاء الإحرام من ذلك الموضع عند الشافعي وأحمد؛ لأن القضاء يحكي الأداء.

(وقال) الحنفيون ومالك: إن كان حاجا كفاه الإحرام من الميقات، وإن كان معتمرا فمن أدنى الحل، لقول عائشة رضي الله عنها من حديث: وكنت ممن أهل بعمرة فأظلني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ارفضي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج، فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم فأهللت بعمرة مكان عمرتي. أخرجه البخاري (1).

(1) أنظر ص 392 ج 3 فتح الباري (العمرة ليلة الحصبة) بفتح فسكون والمراد بليلتها ليلة المبيت بالمحصب.

ص: 262

(جـ) وطء القارن: هو إما أن يكون قبل طواف العمرة والوقوف بعرفة أو بعد جل طوافها وقبل الوقوف أو بعدهما أو بعد الحلق وقبل طواف الركن.

1 -

فلو جامع القارن قبل طواف العمرة والوقوف بعرفة، فسد حجة وعمرته ولزمه قضاؤهما ودمان لإفساد النسكين وسقط دم القرآن.

2 -

وإن جامع بعد أربعة أشواط من طواف العمرة وقبل الوقوف بعرفة فسد حجه فقط ولمه إعادته ودمان لجنايته على نسكين.

3 -

وإن جامع بعد أكثر طواف العمرة والوقوف بعرفة قبل الحلق وطواف الركن لم يفسد الحج ولا العمرة، ولزمه بدنة لجنايته على الحج وشاة لجنايته على العمرة. 4 - وإن جامع بعد الحلق وقبل طواف الركن لزمه شاة فقط لجنايته على الحج على المختار عند الحنفيين.

(وقال) مالك والشافعي وأحمد: إذا وطئ القارن قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل التحلل الأول فسد حجه وعمرته ولزمه المضي في فاسدهما وبدنة للوطء وشاة للقرآن، فإذا قضي لزمه شاة أخرى ولو قضي مفردا لأنه لزمه القضاء قارنا فإذا قضي مفردا لا يسقط عنه دم القرآن.

(د) تعدد الوطء: هو إما أن يكون قبل الوقوف بعرفة أو بعده.

1 -

فلو جامع الحاج مرارا قبل الوقوف بعرفة في مجلس واحد لزمه شاة والقضاء بعد المضي في أعمال الحج، وإن تعدد المجلس لزمه لكل جماع شاة وإن كفر عن الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف.

(وقال) محمد: إن لم يكن كفر عن الأول كفاه كفارة واحدة.

2 -

وإن كرر الوطء بعد الوقوف بعرفة في مجلس واحد لزمه بدنة واحدة. وإن تعدد المجلس لزمه بدنة للأول وشاة للثاني عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وهو الأصح عند الشافي لأنه وطء في إحرام ناقص الحرمة

ص: 263

فأوجب شاة كالوطء بعد التحلل الأول (وقال) مالك: لا يجب بالوطء الثاني شيء لأنه لا يفسد الحج فلا يجب به شيء كما لو كان قبل التكفير. (وقال) الحنبلية ومحمد بن الحسن: إذا تكرر الجماع فإن كفر عن الأول فعلية للثاني كفارة أخرى كالأولى، وإن لم يكن كفر عن الأول فعليه كفارة واحدة لأنه جماع موجب للكفارة، فإذا تكرر قبل التكفير عن الأول لم يوجب كفارة ثانية كما في الصيام، وإذا كفر عن الأول لزمه بدنة عن الثاني لأنه وطء في إحرام لم يتحلل منه ولم تتداخل كفارته في غيره فأشبه الوطء الأول (1).

(هـ) مقدمات الوطء: تقدم أنه يحرم على المحرم مقدمات الجماع كالقبلة واللمس بشهوة إذا كان قبل التحللين، وأما بينهما ففي تحريم المباشرة بشهوة فيما دون الفرج خلاف، ومتى ثبتت الحرمة فباشر امرأته فيما دون الفرج عامدا عالما بالتحريم مختارا لم يفسد حجه عند الأئمة الأربعة والجمهور- إن لم ينزل- وعليه شاة (وكذا) إن أنزل عند الحنفيين والشافعي.

(وقال) مالك: إن أنزل يفسد نسكه وعليه القضاء وبدنة، وهو رواية عن أحمد، وأما اللمس والقبلة ونحوهما بلا شهوة فليس بحرام، ولا فدية فيه اتفاقا.

(مسائل)(الأولى) إذا قبل المحرم امرأته بشهوة ولزمته فدية ثم جامعها فلزمته بدنة تسقط الفدية وتندرج في البدنة، ولو وطئ ثم باشر فيما دون الفرج بشهوة، فإن كفر عن الجماع قبل المباشرة لزمه لها شاة وإلا أندرجت في البدنة (2).

(1) أنظر ص 321 ج 3 مغني أبن قدامة.

(2)

أنظر ص 411 ج 7 شرح المهذب.

ص: 264

(الثانية) إذا استمنى المحرم فأنزل أثم ولزمته الفدية على الأصح، وهي كفدية الحلق.

(الثالثة) مباشرة الغلام الحسن بشهوة كمباشرة المرأة ففيها فدية (1)

الثالث: الجناية على الطواف: تكون بترك واجب فيه، والكلام في ثلاثة مواضع:(1) تقدم أن الطهارة شرط

لصحة الطواف عند مالك والشافعي، وهو المشهور عن أحمد، فلا يصح من محدث ولا من حائض ونفساء ولا من متنجس بدنه أو ثوبه. (وقال) الحنفيون: الطهارة من الحدث واجبة فيه، وهو رواية عن أحمد (2) وعليه (فلو طاف) للقدوم أو الوداع أو تطوعا- جنبا أو حائضا أو طاف أكثر طواف الركن محدثا (لزمه) شاة تجزئ في الأضحية، ولو طاف أقله جنبا ولم يعده طاهرا لزمه دم لقصور الجناية، وإن طاف أكثره جنبا ولم يعده طاهرا لوزمه بدنة لعظم الجناية، ويجب إعادته، والمعتبر الطواف الأول، والثاني جابر فلا يعاد السعي بعده.

(ولو طاف) مع نجاسة الثوب أو البدن فهو مكروه لا دم فيه.

(ولو طاف) للقدوم أو الوداع محدثا حدثا أصغر لزمه صدقة كصدقة الفطر.

(وإن) طاف للعمرة وسعى محدثا أعاد الطواف لنقصانه والسعي لتبعيته له ما دام بمكة ولا شيء عليه. وإن رجع إلى أهله ولم يعد الطواف لزمه دم لترك الطهارة فيه. (ب) وتقدم أنه يشترط عند الثلاثة كون الطواف سبعة أشواط، فلو ترك ولو خطوة منها لم يصح طوافه.

(وقال) الحنفيون: ركن الطواف أربعة أشواط وباقيه واجب يجبر بالدم (3)، وعليه: 1 - فلو ترك أكثر طواف الركن بقى محرما أبدا

(1) أنظر ص 413 ج 7 شرح المهذب.

(2)

تقدم ص 101 (شروط الطواف).

(3)

تقدم ص 103 و 104.

ص: 265

في حق النساء حتى يطوفه، فإن رجع إلى أهله لزمه العود محرما لتأديته وإذا جامع بعد الحلق لزمه دم، وإن جامع قبله لزمه بدنة إلا أن يقصد بالأول رفض إحرامه فلا يلزمه بالجماع الثاني شيء.

2 -

ولو ترك ثلاثة أشواط فأقل من طواف الركن لزمه دم لقصور الجناية (وكذا) لو ترك أكثر طواف القدوم أو الوداع لزمه دم، ولا يتحقق ترك طواف الوداع إلا بالخروج من مكة، ولو أتى بما تركه لا يلزمه شيء، ولو رجع إلى بلده ولم يطف للوداع لزمه الرجوع لتأديته ما لم يجاوز الميقات، فإن جاوزه أراق دما أو رجع محرما بعمرة.

3 -

وإن ترك أقل طواف القدوم أو الوداع، لزمه لكل شوط صدقة كصدقة الفطر عند الحنفيين، ولزمه دعم عند غيرهم.

4 -

وتقدم أنه يجب عند الحنفيين تأدية طواف الركن في أيام النحر، وعند المالكية في شهر ذي الحجة، فإن أخره عن ذلك لزمه دم (1).

الرابع: الجناية على السعي وسائر الواجبات: الكلام هنا ينحصر في سبعة مواضع: 1 - تقدم أن السعي بين الصفا والمروة ركن عند مالك والشافعي ورواية عن أحمد فلا يجبر بدم. (وقال) الحنفيون: هو واجب يجبر بدم، وهو الصحيح عند أحمد (2). 2 - وتقدم أن المشي في السعي مع القدرة سنة عند الشافعي وأحمد، وواجب عند الحنفيين ومالك (3)، فلو ركب فيه بلا عذر لزمه دم، ولو أعاده ماشيا بعد ما حل فلا دم عليه، أما إذا ركب فيه لعذر فلا شيء عليه ككل واجب ترك في الحج لعذر. 3 - وتقدم أن المبيت بمزدلفة سنة عند الحنفيين ومالك، وواجب عند أحمد وهو الصحيح عن الشافعي (4)،

(1) تقدم ص 100 (طواف الركن).

(2)

تقدم ص 129 (السعي بين الصفا والمروة).

(3)

تقدم ص 134 و 135 (واجبات السعي).

(4)

تقدم ص 151 (المبيت بمزدلفة).

ص: 266

وعليه فلو ترك المبيت بها بلا عذر لزمه دم عند أحمد والشافعي، ولا شيء عليه عند الحنفيين ومالك.

4 -

وتقدم أن الوقوف بمزدلفة سنة عند مالك وهو المشهور عن الشافعي وواجب عند الحنفيين وأحمد (1)، وعليه فلو تركه بلا عذر أو وقف في غير وقته وهو وقت الصبح فعليه دعم عند هؤلاء، أما إن تركه لعذر كضعف أو مرض أو خوف زحام فلا دم عليه.

5 -

وتقدم أن رمي الجمار في وقته واجب يجبر تركه وتأخيره بدم اتفاقا (2).

6 -

وتقدم أن مد الوقوف بعرفة إلى الغروب- إن وقف نهارا- سنة عند الشافعي وواجب عند الحنفيين ومالك وأحمد (3)، وعليه فلو أفاض من عرفة بعد الوقوف نهارا قبل الغروب ولو بغير اختياره، كأن ندبعيره لزمه دم عند هؤلاء ويسقط بعوده قبل الغروب لا بعده.

7 -

وتقدم بيان حكم الحلق ووقته ومكانه وما يترتب على المخالفة فيه (4).

(ثانيا) الجناية على الحرم: وهي تكون بالتعرض لصيد البر وأكل لحمه وكسر بيضه وحلب لبنه وبيعه وشرائه:

1 -

فإن قتل المحرم بحج أو عمرة أو بهما صيد البر الممتنع المتوحش بأصل الخلقة ولو غير مأكول أو كان من صيد الحل أو تسبب في قتله بدلالة عليه ولم يكن المدلول عالما به وصدقه، فعليه الجزاء ولو كان ناسيا إحرامه أو جاهلا أو عائدا إلى التعرض له أو مضطرا لأكله، لأن لزوم الجزاء مع إذن الشارع بما يدفع الضرر ثابت بقوله تعالى: "فمن

(1) تقدم ص 152 و 153 (الوقوف بمزدلفة).

(2)

تقدم ص 171 (ترك الرمي وتأخيره).

(3)

تقدم ص 93 (وقت الوقوف).

(4)

تقدم ص 145 (وقت الحلق).

ص: 267

كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" (1)، ففائدة الإذن دفع الإثم لا غير.

2 -

وكذا عليه الجزاء لو ذبح حماما مسرولا (2)، أو ذبح ظبيا مستأنسا لأنهما من الصيد وإنما من الصيد وإن استأنسا بالمخالطة، والجزاء نظير الصيد في الجثة فيما له نظير، ففي الضبع شاة، وفي الغزال عنز، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة، وفي النعامة بدنة، وفي الحمار الوحشي بقرة لما روي أبو الزيبر عن جابر رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي

اليربوع بجفرة. أخرجه مالك والشافعي والبيهقي (3). {86}

وعن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قضي في حمامة من حمام مكة بشاة. أخرجه البيقي (4). {87}

(والمثل) المذكور ليس بمتعين، بل قاتل الصيد مخير بين إخراج المثل أو تقدير قيمته والتصدق بها على المساكين لكل مسكين مد، عند مالك والشافعي، ومد من البر أو مدان من غيره عند أحمد (وقال) محمد ابن الحسن: لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب، أو يصوم عن طعام كل فقير يوما، ودليل ذلك قوله تعالى:

(1) الآية 196 من سورة البقرة.

(2)

المسرول، بفتح الواو: ما في رجله ريش كالسروال.

(3)

أنظر ص 270 ج 2 زرقاني الموطأ (فدية ما أصيب من الطير والوحش) وليس في سنده جابر، وص 27 ج 2 بدائع المنن، وص 183 ج 5 سنن البيهقي (فدية الضبع) و (العناق) الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول، و (اليربوع) بفتح فسكون: دويبة كالفأرة ذنبه وأذناه أطول من ذنب وأذنى الفأرة، ورجلاه أطول من يديه، عكس الزرافة، والعامة تقول: جربوع، و (الجفرة) بفتح فسكون: أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر.

(4)

أنظر ص 205 ج 5 سنن البيهقي (جزاء الحمام

).

ص: 268

"يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مسكين أو عدل ذلك صياما"(1).

(قال) مالك ومحمد بن الحسن: يقوم الصيد لا النظير في محل قتل الصيد ويتصدق بالطعام على فقراء ذلك المحل وإلا فعلى أهل أقرب مكان إليه، ولا ينقل إلى الحرم خلافا للشافعية والحنبلية (ويرجع) في اعتبار المثل وتقدير القيمة إلى حكم عدلين لهما معرفة بقيمة الصيد في موضع قتله أو في أقرب موضع منه إن لم تكن له فيه قيمة بالنسبة لكل صيد، وإن كان للصحابة في مثله حكم عند الحنفيين ومالك، لقوله تعالى:"يحكم به ذوا عدل منكم".

(وقال) الشافعي وأحمد: لا يرجع إلى حكم العدلين إلا فيما لا مثل له ولم يحكم فيه السلف، وأما ما له مثل فيرجع فيه إلى ما حكم به السف.

(وقال) أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا قتل المحرم صيدا أو تسبب في قتله فعليه الجزاء وهو قيمة الصيد بتقويم عدلين في موضع قتله أو في أقرب موضع منه إن لم تكن له فيه قيمة، ثم الجاني مخير في القيمة بين ثلاثة أمور:

(1) الآية 95 من سورة المائدة (والمتعمد) القاصد للشيء مع العلم (والمخطئ) من يقصد شيئا فيصيب غيره (والناسي) من يرمي الصيد ناسيا إحرامه. (وعن أحمد) أنه لا كفارة على غير العامد أخذا بظاهر الآية والجمهور أنها تلزم المخطئ والناس والمكره، والتقييد في الآية بالعمد للوعيد بقوله: ليذوق وبال أمره (وقال) الزهري: نزل الكتاب بالعمد وجاءت السنة بالخطأ (فجزاء مثل ما قتل) أي فيجب على القاتل ما يشبه المقتول في الخلقة (من النعم) وهي الإبل والبقر والغنم (يحكم).

ص: 269

1 -

إما أن يشتري بها هدية يذبحه في المحرم؛ فلو ذبحه في الحل لا يخرج عن العهدة إلا إذا أعطى كل مسكين قدر قيمة صدقة الفطر.

2 -

أو يشتري بالقيمة طعاما مجزئا في الفطرة يتصدق به في أي مكان على كل فقير مسلم كالفطرة.

3 - أو يصوم في أي مكان عن طعام كل فقير يوما. (وإن لم يكن) للمصيد مثل كالعصفور فجزاؤه القيمة يتصدق بها على كل فقير مد أو كالفطرة أو يصوم عن طعام كل فقير يوما. وكذا الجراد عند مالك والشافعي وأحمد.

(وقال) الحنفيون: من قتل قملة من بدنه أو ثوبه تصدق بما شاء، وإن قتل قملا كثيرا تصدق على فقير كالفطرة، لأن القمل متولد من درن البدن، ففي قتله إزالة بعض التفث (وإن قتل) جرادة تصدق بما شاء، لما روى زيد بن أسلم أن رجلا قال لعمر: إني أصبت جرادات بسوطي وأنا محرم، فقال له: أطعم قبضة من طعام. أخرجه مالك (1). {88}

3 -

لبن الصيد وبيضه: وإذا حلب المحرم الصيد أو كسر بيضه غير الفاسد ولم يخرج منه فرخ ميت لزمه قيمة اللبن أو البيض، فإن كان فاسدا فلا شيء فيه، وإن كان بيض نعام عند الحنفيين لأ، هـ لا قيمة. له، وإن خرج منه فرخ لم يعلم قبل أنه ميت قيمة الفرخ حيا، أما إذا علم موت الفرخ فكسر البيض لا شيء فيه.

(وقال) مالك والشافعي وأحمد: إذا أتلف المحرم بيض النعام لزمه قيمته ولو مذرا لأن قشره ينتفع به ومتقوم، ولما روي معاوية بن قرة عن رجل من الأنصار أن رجلا محرما أوطأ بعيره أدحى نعام فكسر

(1) أنظر ص 171 ج 2 زرقاني الموطأ (فدية من أصاب شيئا من الجراد).

ص: 270

بيضها، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: عليك في كل بيضة صوم يوم أو إطعام مسكين. أخرجه أحمد والبيهقي بسند جيد (1). {272}

(مسائل)(الأولى) إذا ضرب محرم الصيد فتعيب ولم يفوت عليه الأمن بأن جرحه أو أزال شعره أو قطع عضوه أو كسر سنه، قوم الصيد سليما ومعيبا، وضمن ما نقص من قيمته إذا برئ وبقى أثر الضرب وإلا فلا شيء عليه (وإن مات) من ضربه ضمن كل قيمته لتسببه في موته، وإن فوت الأمن على الصيد بتفويت آلة الامتناع، كأنه نتف ريشة أو كسر أو قطع بعض قوائمه فلم يمتنع ممن أراده لزمه قيمته كاملة.

(الثانية) من قتل صيدا لا يؤكل لحمه ولا يحل له قتله كالسباع، فعليه الجزاء لا يزيد على شاة، لحديث عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم. أخرجه أبو داود وابن ماجه (2){273}

(الثالثة) لو ذبح المحرم صيدا فهو ميتة لا يحل له ولا لغيره أكله لأن الله تعالى سماه قتلا، بقبوله تعالى:"لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم"، ولو أكل منه لزمته قيمة ما أكل عند أبي حنيفة. (وقال) مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد: لا جزاء عليه بأكله، لأنه ميتة، وعليه الاستغفار.

(1) أنظر ص 251 ج 11 الفتح الرباني، وص 207 ج 5 سنن البيهقي (بيض النعام يصيبها المحرم) و (الأدحى) بضم الهمزة وسكون الدال وكسر الحاء وشد الياء: الموضع الذي تبيض فيه النعامة.

(2)

أنظر ص 255 ج 3 سنن أبي داود (في أكل الضبع- الأطعمة) وص 136 ج 2 سنن ابن ماجه (جزاء الصيد يصيبه المحرم).

ص: 271

(الرابعة) يبطل بيع المحرم صيدا حيا أو ميتا وشراؤه، لأن بيعه حيا تعرض له وغير الحي ميتة، وإن عطب في يد المشتري فعلى كل جزاء: البائع لتسليمه والمشتري لإثبات يده، أما بيع لبنه أو بيضه فصحيح.

2 -

الإحصار

الإحصار لغة: المنع والحبس، ومنه قوله تعالى:"للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله"(1)، وشرعا: المنع عن الوقوف بعرفة أو طواف الركن في الحج، وعن الطواف في العمرة، ثم الكلام ينحصر في خمسة مباحث.

1 - سبب الإحصار: يكون الحصر عند الحنفيين بكل حابس عن البيت من عدو ولو مسلما، أو مرض يزيد بالذهاب أو الركوب أو موث محرم أو زوج لامرأة في الطريق أو هلاك نفقة، وروي عن أحمد (عن ابن عباس) في قوله:"فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى"، قال: من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده، أو عدو يحبسه، فعليه ذبح ما استيسر من الهدى: شاة فما فوقها، وإن كانت حجة الإسلام فعلية قضاؤها، وإن كانت بعد حجة الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه. أخرجه ابن جرير وابن المنذر (2). {89}

(وقال) مالك والشافعي: الإحصار لا يكون إلا بالعدو. وروي عن أحمد، لأن آية "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى" نزلت في حصر

(1) سورة البقرة، الآية 273.

(2)

أنظر ص 130 ج 2 جامع البيان، وص 174 ج 1 فتح القدير للشوكاني.

ص: 272

النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الحديبية. (قال) الشافعي: فمن حال بينه وبين البيت مرض حابس فليس بداخل في معنى الآية، لأنها نزلت في الحائل من العدو. ذكره البيهقي (1). ولقوله تعالى:"فإذا أمنتم فمن تمتعه بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى". والأمن لا يكون إلا من خوف، (وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: لا حصر إلا حصر العدو. أخرجه البيهقي (2). {90}

(والراجح) أن الحصر يكون بالمرض والعدو وغيرهما، لعموم قوله تعالى:"فإن أحصرتم". والأمن كما يكون من الخوف يكون من المرض.

2 - ما يطلب من المحصر: إذا منع المحرم بحج أو عمرة عن الوصول للبيت الحرام بمانع مما سبق، فله البقاء محرما حتى يزول الإحصار، وله إرسال شاة أو ثمنها لتشتري به وتذبح عنه في الحرم في وقت معين عند أبي حنيفه ومحمد بن الحسن. ويكفيه سبع بدنة. ويتحلل بعد مضي الوقت الذي عينه الرسول للذبح بلا حلق ولا تقصير، فلا يتحلل قبل الذبح ولا بالذبح في غير الحرم، لقوله تعالى:"فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى". (قال) علي وابن عباس رضي الله عنهم: ما استيسر من الهدى هو شاة. أخرجه مالك (3). {91}

(وقال) ناجية بن جندب: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين صد الهدى فقلت: يا رسول الله، أبعث معي الهدى لأنحره بالحرم. قال: كيف تصنع به؟ قلت": أخذ به في مواضع وأودية لا يقدرون عليه، فانطلقت به حتى نحرته في الحرم، وكان قد بعث به لينحر في الحرم

(1) ص 219 ج 5 سنن البيهقي (من لم ير الإحلال بالإحصار بالمرض).

(2)

ص 219 ج 5 سنن البيهقي (من لم ير الإحلال بالإحصار بالمرض).

(3)

ص 231 ج 2 زرقاني الموطأ (ما استيسر من الهدى):

ص: 273

فصدوه. أخرجه أبو الحسن رزين بن معاوية والنسائي بسند صحيح (1). {274}

(فإن لم يجد) الدم بقى محرما حتى يجده ويذبح أو يطوف لأنه لا بدل الهدي لقوله تعالى: " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي". لم يذكر له بدلا ولو كان لذكره (وعن) أبي يوسف أنه يقوم الهدى ويتصدق بقيمته على كل مسكين كالفطرة، فإن لم يجد صام عن كل نصف صاع يوما.

(وإن كان) الناسك قارنا فأحصر أرسل دما للحج ودما للعمرة، فلا يتحلل إلا بعد الذبح عنهما. فإن بعث دما ليتحلل عن الحج ويبقى في إحرام العمرة لم يتحلل عن واحد منهما، لأن التحلل منهما لم يشرع إلا في وقت واحد. وتقدم عن عائشة من حديث قالت: وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر (2).

هذا ولا يذبح دم الإحصار إلا في الحرم، لقوله تعالى:"ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله"، ومحله الحرم، لقوله تعالى:"ثم محلها إلى البيت العتيق"(3)، وقوله:"هديا بالغ الكعبة"(4)(ويصح) ذبحه قبل يوم النحر عند أبي حنيفة لأنه دم كفارة لا يجوز الأكل منه فيختص بالمكان دون الزمان (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا يذبح قبل يوم النحر إن كان محصرا بالحج قياسا على هدى المتعة والقرآن (ورد)

(1) ص 288 ج 1 تيسير الوصول (فيمن أحصره العدو) وص 217 ج 5 الجوهر النفي:

(2)

تقدم رقم 260 ص 244 (وجوه الإحرام).

(3)

الحج: 33 أي محل الهدى وانتهاؤه إلى الكعبة:

(4)

الآية 95 من سورة المائدة، أي واصلا إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح به ويفرق لحمه على المساكين.

ص: 274

بأن هذا دم نسك (أما المحصر) بالعمرة فيذبح عنه في أي وقت عند الحنفيين.

(وقالت) المالكية: الحصر ثلاثة أقسام: حصر عن الطواف والوقوف بعرفة وعن أحدهما:

(1) فمن منع بعد إحرامه بالحج عن الطواف والوقوف- بعدو كافر أو فتنة بين المسلمين أو بحبس ظلما كحبس مدين معسر- فله التحل بالنية وسن له الحلق ولا دم عليه على المشهور.

ويشترط للتحلل ثلاثة شروط:

1 -

أن يظن قبل الإحرام عدم المانع.

2 - وأن يعلم أو يظن عدم زوال المانع قبل فوات الحج.

3 - وأن يكون إحرامه في وقت يدرك فيه الحج لولا المانع، فإن انتفى شرط منها فليس له التحلل، بل يبقى على إحرامه لقابل.

(ب) ومن وقف بعرفة ومنع عن باقي أعمال الحج لمرض أو عدو أو حبس، فقد أدرك الحج ولا يحل إلا بطواف الركن. وعليه لرمي الجمار والمبيت بمنى ونزول مزدلفة دم واحد كنسيان الجميع.

(جـ) ومن تمكن من الطواف وفاته الوقوف بعرفة ولو بحبس ظلما، فإن بعد عن البيت تحلل بالنية وسن له الحلق ولا دم عليه وإن قرب منه تحلل بنية عمرة ويطوف ويسعى ويحلق ويقضي من قابل (1).

(وقال) الشافعي وأحمد: يتحلل المحصر في الحج أو العمرة بذبح الهدى في مكان الإحصار ولا يلزمه إرساله إلى الحرم وبالحلق أو التقصير (القول) المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة.

(1) ص 795 ج 1 الفجر المنير.

ص: 275

وذكر الحديث في نزوله صلى الله عليه وسلم بأقصى الحديبية وفي مجيء سهيل بن عمرو وما قاضاه عليه حين صدوه عن البيت، فلما فرغ من قضية الكتاب قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا (الحديث) وفيه: فخرج فنحر هدية ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فتحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا. ملخص من أحمد والبخاري والبيهقي (1). {275}

دل: (1) على أن المحصر يقدم النحر على الحلق، فإن قدم الحلق على النحو فالظاهر أنه لا دم عليه لعدم الدليل.

(ب) وعلى أن المحصر يذبح ويتحلل حيث أحصر ولا يشترط الذبح في الحرم. وبه قال مالك والشافعي وأحمد (ويؤيده) قول أبي عميس: سمعت عطاء يقول: كان منزل النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية في الحرة وفيها نحر الهدى. أخرجه البيهقي (2). {92}

وقال: قال الشافعي رحمة اله: وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل لأن الله تعالى يقول: "هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله"(3). والحرم كله محله عند أهل العلم. والحديبية موضع منه ما هو في الحل ومنه ما هو في الحرم؛ فإنما نحر الهدى عندنا في الحل وفيه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بويع فيه تحت الشجرة (وقال) الشافعي في قوله: "ولا تحلقوا رءوسكم

(1) ص 9 ج 21 الفتح الرباني، وص 208 ج 5 فتح الباري (الشروط في الجهاد) وص 215 ج 5 سنن البيهقي (من أحصر بعد وهو محرم) و (البضع) بكسر الباء وفتحها: ما بين الثلاث إلى التسع، وكانوا أربع عشرة مائة.

(2)

ص 215 ج 5 سنن البيهقي (المحصر يذبح ويحل حيث أحصر):

(3)

الآية 25 من سورة الفتح، أي وصدوا الهدى محبوسا أن يصل إلى محله وهو الحرم.

ص: 276

حتى يبلغ الهدى محله": محله والله أعلم ههنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحر حيث أحصر. ومحله في غير الإحصار الحرم. ذكره البيهقي وقال: قد روي عن ابن عباس ما يدل على صحة ذلك.

وأجاب الحنفيون: (أ) بأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الهدى فذبح في الحرم كما تقدم (1). (ب) وعلى فرض أنه لم يرسله فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ذبح في الحرم من الحديبية. (روى) عروة عن المسور قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية خباؤه في الحل ومصلاه في الحرم. أخرجه الطحاوي (2). {276}

وقال: ولا يجوز لمن قدر على دخول شيء من الحرم أن ينحر هدية دون الحرم. فلما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الحرم استحال أن يكون نحر الهدى في غيره.

3 -

(مسائل)(الأولى) المحرم بالحج له التحلل إذا أحصره عدو إجماعا، ويلزمه شاة أو سبع بدنة عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور، لقوله تعالى:"فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي"(3). (فإن عجز) عن الهدى لم يصم عند الحنفيين لعدم النص عليه. (وقال) أحمد: يصوم عشرة أيام ثم يحل. وهو رواية عن الشافعي، لأنه دم واجب للإحرام فكان له بدل كدم التمتع. وعدم النص عليه لا يمنع قياسه على غيره، ولا يلزمه مع الذبح أو الصيام حلق أو تقصير عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي، وهو رواية عن أحمد لأن الله تعالى لم يذكر سوى الهدى.

(وقال) أبو يوسف: يلزمه حلق أو تقصير. وروي عن أحمد، لأن

(1) تقدم رقم 274 ص 273:

(2)

أنظر ص 217 ج 5 الجوهر النفي.

(3)

أنظر ص 354 ج 8 شرح المهذب.

ص: 277

النبي صلى الله عليه وسلم حلق يوم الحديبية وأمر أصحابه بالحلق. وهذا الخلاف مبني على أن الحلق نسك أو إطلاق من محظور، والصحيح أنه نسك كما تقدم (1).

(الثانية) إذا أحرم بالعمرة، فأحصر، فله التحلل عند الجمهور لآية "فإن أحصرتم"، وقد يرد منع مالك التحلل منها، لأنها لا يخاف فوتها (2).

(الثالثة) يجوز عند الشافعي وأحمد التحلل، سواء أكان الإحصار قبل الوقوف بعرفة أو بعده، لعموم قوله:"فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي". (وقال) الحنفيون ومالك: من أحصر بعد الوقوف لا يتحلل بل يبقى على إحرامه حتى يطوف طواف الركن، لأنه لا يفوت بالتأخير.

(الرابعة) لا يشترط عند الجمهور للتحلل ضيق الوقت بحيث ييأس المحصر من إتمام نسكه إن لم يتحلل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحلل بالحديبية من العمرة وهي لا يخشى فواتها، لأن وقتها العمر.

(وقالت) المالكية: إن علم زوال الحصر قبل الفوات أو ظنه أو شك فيه لا يتحلل، بل ينتظر حتى يفوت بالفعل (3).

(الخامسة) من وصل إلى مكة ومنع: (1) عن الوقوف بعرفة وطواف الركن، فهو محصر اتفاقا مفردا أو قارنا لأنه تعذر عليه الإتمام فيتحلل بالهدى عند الحنفيين والشافعي وأحمد. (وقال) مالك: يتحلل بالنية ولا دم عليه في المشهور عنه.

(1) تقدم ص 144 (الحلق نسك).

(2)

أنظر ص 255 ج 8 شرح المهذب.

(3)

أنظر ص 796 ج 1 الفجر المنير،

ص: 278

(ب) وإن منع المكي عن الوقوف بعرفة فليس بمحصر عند الحنفيين ومالك وروي عن أحمد، فيبقى محرما حتى يفوته الحج ثم يتحلل بعمرة ولا هدى عليه (وقال) الشافعي: يجوز له التحلل بفسخ الحج وجعله عمرة ولا هدى عليه. وهو مشهور مذهب أحمد.

(جـ) وإن منع عن الطواف بعد الوقوف وقبل رمي الجمرة فليس بمحصر عند الحنفيين ومالك، لأنه أدرك الحج ولا يتحلل إلا بطواف الإفاضة (وقال) الشافعي وأحمد: يكون محصرا ويتحلل بالهدي والحلق.

(د) وإن كان ما أحصر عنه ليس من أركان الحج كالرمي وطواف الوداع والمبيت بمزدلفة أو بمنى في لياليها فليس له التحلل، لأن صحة الحج لا تتوقف على ما ذكر وعليه دم وحجه صحيح كما لو تركه من غير حصر.

(هـ) وإن أحضر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلل، لأن المحرم عليه حينئذ إنما هو النساء والشرع إنما ورد بالتحلل عن الإحرام التام الذي يحرم به جميع محظوراته فلا يثبت بما ليس مثله ومتى زال الحصر أتى بالطواف وتم حجه (1).

(السادسة) الحصر عام وهو ما سبق، وخاص وهو ما يقع لواحد أو جماعة:

(1) فإن لم يكن المحصور معذورا، كمن حبس في دين يمكنه أداؤه فليس له التحلل، بل عليه أداء الدين والمضي في الحج، فإن تحلل لم يصح تحلله اتفاقا، فإن فاته الحج وهو في الحبس كان كمن فاته الحج بلا حصر فيلزمه قصد مكة والتحلل بعمل عمرة.

(ب) وإن كان معذورا، كمن حبسه السلطان ظلما أو حبس بدين لا يمكنه أداؤه، جاز له التحلل عند الثلاثة وهو المذهب عند الشافعية،

(1) أنظر ص 525 ج 3 شرح ابن قدامة.

ص: 279

لأنه معذور (1)، ولو أحرم العبد بغير إذن سيده أو المرأة للتطوع بغير إذن زوجها، فلهما منعهما وحكمهما حكم المحصر (2).

4 - هل على المحصر قضاء؟ اختلف العلماء في هذا (فقال) الحنفيون: عليه قضاء ما أحصر عنه.

(أ) فعلى المحصر بالحج ولو نفلا إن تحلل ولو يؤده في عامه حج من قابل للزومه بالشروع وعمرة للتحلل، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: أليس حبسكم سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا. أخرجه البخاري والنسائي (3). [277]

(وروي) الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كسر أو عرج أو مرض فقد حل وعليه الحج من قابل. أخرجه أحمد والأربعة والطحاوي والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري والبيهقي، وحسنه الترمذي (4).

[278]

(ب) وعلى المحصر بالعمرة إعادتها، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: قد أحصر النبي صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر عاما قابلا. أخرجه البخاري (5). [279]

(1) أنظر ص 305 ج 8 شرح المهذب.

(2)

أنظر ص 516 ج 3 شرح ابن قدامة.

(3)

أنظر ص 6 ج 4 فتح الباري (الإحصار في الحج) وص 21 ج 2 مجتي (ما يفعل من حبس عن الخج .. ).

(4)

أنظر رقم 136 ص 188 ج 1 تكملة المنهل العذب (الإحصار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 192 منه. و (كسر) مبني للمفعول (أو عرج) بفتحتين، أي أصابه شيء في رجله لعارض، فإن كان خلقة قيل: عرج كفرح (فقد حل) من إحرامه ما ذكر.

(5)

أنظر ص 5 ج 4 فتح الباري (إذا أحصر المعتمر).

ص: 280

(جـ) والقارن المحصر إذا تحلل بغير عمرة وقدر على الذهاب إلى الحرم لزمه عند الحنفيين حجة وعمرتان: حجة وعمرة لإعادة ما لزمه بالشروع، وعمرة للتحلل ولا تلزم المحصر قضاء ما أحصر عنه إلا أن يكون فرضا عليه من قبل، لأن الله تعالى لم يذكر القضاء، ولو كان واجبا لذكره (وهذا) ضعيف، لأن عدم الذكر لا يستلزم العدم، لكن تقدم في أثر عن ابن عباس: وإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد حجة الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه (1)(وأجاب) الحنفيون عنه بأن قول الصحابي ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا عارض المرفوع؟

5 - زوال الحصر: إذا تحلل المحصر من الحج فزال الحصر وأمكنه الحج لزمه عند مالك والشافعي وأحمد إن كانت حجة الإسلام أو كانت واجبة في الجملة، أو قلنا بوجوب القضاء، لأن الحج يجب على الفور، فأما إن كانت تطوعا ولم نقل بوجوب القضاء فلا شيء عليه كمن لم يحرم.

(وقال) الحنفيون: إن زال الإحصار عن محرم بالحج بعد إرساله الدم، فله أربعة أحوال، لأنه إما أن يدرك الحج والهدى أو لا يدركهما أو يدرك أحدهما.

(أ) فإن أمكنه إدراك الهدى قبل ذبحه وإدراك الحج بإدراك الوقوف بعرفة، لا يصح له التحلل ولزمه التوجه لأداء الحج، وصنع بالهدى ما شاء.

(ب) و (جـ) وإن لم يمكنه إدراكهما أو أمكنه إدراك الهدى فقط، تحلل ولا يلزمه التوجه إلى البيت، لكنه أفضل ليتحلل بعمرة.

(د) وكذا إن أمكنه إدراك الحج فقط عند أبي حنيفة استحسانا،

(1) تقدم أثر 89 ص 272 (سبب الإحصار).

ص: 281

لأننا لو ألزمناه التوجه لضاع عليه ما أرسله من الهدى بلا حصول مقصوده، والقياس ألا يصح التحلل في هذه الصورة، وبه قال زفر، لأنه قدر على الأصل وهو الحج قبل حصول المقصود بالبدل وهو الهدي، وهذه الصورة لا تتأتى على قول أبي يوسف ومحمد، لأن دم الإحصار عندهما يتوقت ذبحه بيوم النحر، فمن يدرك الحج يدرك الهدى (ولو زال) الإحصار عن محرم بالعمرة بعد إرسال الهدى، فإن كان يدركهما لزمه التوجه لأداء العمرة، وإن كان يدركها فقط جاز له التحلل، والأفضل التوجه إلى البيت لأدائها.

3 -

الفوات

هو لغة مصدر فات الأمر، أي لم يتأت فعله في وقت، والمراد هنا فوات الحج بفوات الوقت بعرفة (أما العمرة) فلا تفوت إجماعا لأنها غير مؤقتة، فمن فاته الحج ولو نفلا أو فاسدا بفوت الوقوف بمعرفة لعذر أو غيره، لزمه التحلل إحرامه بعمل عمرة فيطوف لها ويسعى بلا إحرام جديد، ثم يحلق أو يقصر عند الحنفيين ومالك والشافعي، وهو الصحيح عن أحمد، وإذا تحلل لزمه الحج في عام قابل، لحديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل. أخرجه الدارقطني وابن عدى في الكامل بسند ضعيف (1) لكنه روى من عدة طرق ارتقى بها إلى درجة الحسن. {280}

(1) أنظر ص 264 سنن الدارقطني. وفي سند ابن عمر رحمة بن مصعب ضعيف. وفي سند ابن عباس يحيى بن عيسى النهشلي ساء حفظه وكثر وهمه.

ص: 282

(هذا) والفوات يتعلق به أربعة أمور:

(أ) أنه لا يكون إلا بفوت الوقوف بعرفة.

(ب) أن من فاته الحج يلزمه الخروج منه بعمل عمرة، وهذان مجمع عليهما.

(جـ) يلزمه قضاء الحج في عام قابل عند الثلاثة، وهو مشهور مذهب أحمد، سواء أكان الفائت واجبا أو تطوعا لإطلاق النصوص، والقضاء يجزئ عن الحج المفروض إجماعا.

(د) لا دم عند الحنفيين، وروي عن أحمد، لعدم النص عليه في الحديث السابق.

(وقال) مالك والشافعي والجمهور: يجب الهدى، وهو المشهور عن أحمد، لما روي سليمان بن يسار أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل رواحله ثم قدم على عمر يوم النحر فذكر له ذلك، فقال له عمر: أصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت، فإذا أدركك الحج قابلا فأحجج وأهد ما استيسر من الهدي. أخرجه مالك والبيهقي بأسانيد صحيحة (1). {93}

(وعن نافع) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: من لم يدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج فليأت البيت فليطف به سبعا ويطوف بين الصفا والمروة سبعا ثم ليحلق أو يقصر إن شاء وإن كان معه هدية فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع وليهد في حجه، فإذن لم يجد هديا فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهلة. أخرجه البيهقي بسند صحيح (2). {94}

(1) أنظر ص 230 ج 2 زرقاني الموطأ (هدى من فاته الحج) وص 174 ج 5 سنن البيهقي (ما يفعل من فاته الحج) و (البادية)(بالدال المهملة في رواية البيهقي. وفي رواية مالك: النازية) بالنون والزاي والياء. وهي عين قرب الصفرا.

(2)

أنظر ص 174 ج 5 سنن البيهقي.

ص: 283

(وجملة) القول في الفوات: أن من فاته الحج لزمه التحلل بعمل عمرة بالطواف والسعي والحلق وعليه القضاء وشاة. ولا ينقلب إحرامه عمرة عند مالك والشافعي، كذا عند أبي حنيفة ومحمد، غير أنهما قالا: لا دم عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن فاته عرفات فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة وعليه القضاء من قابل (1). (وقال) أبو يوسف وأحمد في الأصح عنه: ينقلب إحرامه عمرة مجزئة عن عمرة سبق وجوبها ولا دم. والدليل يشهد للأول.

(فائدتان)(الأولى) إذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج وفرغ منها ثم أحرم بالحج ففاته لزمه قضاؤه دون العمرة، لأنه الذي فاته ولزمه دمان: دم الفوات ودم التمتع (2).

(الثانية) من كان قارنا وفاته الحج حل وعليه مثل ما أهل به من قابل عند مالك والشافعي وأحمد، لأن القضاء يكون على حسب الأداء، ويلزمه هديان لقرانه وفواته عند مالك والشافعي.

(وعن) أحمد أنه يجزئه ما فعله عن عمرة الإسلام ولا يلزمه إلا قضاء الحج، لأنه هو الذي فاته (3).

(وقال) الحنفيون: يطوف القارن ويسعى لعمرته لأنها لا تفوت، ثم يطوف طوافا آخر لفوات الحج ويسعى له ويحلق أو يقصر، وقد سقط عنه دم القرآن لأنه يجب للجمع بين الحج والعمرة ولم يوجد ويقطع التلبية إذا أخذ في طواف التحلل. وإن كان من فاته الحج متمتعا ساق الهدى بطل تمتعه ويصنع كما يصنع القارن، لأن دم التمتع يجب للجمع بين العمرة والحج ولم يوجد الجمع لأن الحج فاته (4).

(1) أنظر ص 290 ج 8 شرح المهذب.

(2)

أنظر ص 287 منه.

(3)

أنظر ص 512 ج 3 الشرح الكبير لابن قدامة.

(4)

أنظر ص 22 ج 2 بدائع الصنائع (بيان ما يفوته الحج).

ص: 284

4 -

ما يفسد الحج والعمرة وما يبطلهما

الفساد هنا الخلل المؤدى للزوم الإعادة ليخرج من العهدة، والبطلان عدم وجود حقيقة الفعل الشرعي.

(ويفسد) الحج عند الحنفيين بالوطء- بإيلاج الحشفة أو قدرها في أحد سبيل آدمي حي مشتهى وإن لم ينزل- قبل الوقوف بعرفة ولو كان الواطئ ناسيا أو مكرها أو جاهلا أو نائما أو غير مكلف، ولا يخرج منه بالفساد، بل يتممه وعليه بدنة والإعادة في عام قابل. ويندب أو يجب مفارقة امرأته في الإعادة كما تقدم (1). أما وطء البهيمة والميتة ومن لا يشتهي فلا يفسد الحج وإن أنزل. (وقالت) المالكية: إذا جامع الحاج أو أنزل بلمس، أو قبلة، أو استدامة نظر أو فكر قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل طواف الركن ورمى جمرة العقبة، فسد حجه وعليه بدنة والقضاء فورا، ويجب عليه وإتمامه إذا أدرك الوقوف فيه وإلا وجب تحلله من الحج الفاسد بفعل عمرة، ولا يجوز له البقاء لقابل على إحرامه لأن فيه التمادي على الفاسد مع إمكان التخلص منه. (وإن جامع) الحاج يوم النحر بعد طواف الركن وقبل رمي جمرة العقبة أو بعد رميها وقبل طواف الركن أو جامع بعد يوم النحر قبلهما، لا يفسد حجه ولزمه هدى، وإن جامع بعدهما يوم النحر فلا دم ولا فساد (2).

(وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا جامع الحاج قبل رمي جمرة العقبة وقبل الحلق وطواف الركن، فسد حجه ولزمه إتمامه وقضاؤه فورا وعليه بدنة.

(وتفسد) العمرة عند الحنفيين بالوطء قبل أكثر الطواف ويمضي فيها وعليه شاة أو سبع بدنة وإعادتها. (وقالت) المالكية: لو جامع المعتمر

(1) تقدم ص 258 (الوطء في الحج).

(2)

أنظر ص 60 و 61 ج 2 شرح الدردير على خليل (ما يحرم بالإحرام).

ص: 285