المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقصد السادس في العمرة - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌المقصد السادس في العمرة

‌المقصد السادس في العمرة

هي لغة مأخوذة من الاعتمار ، وهو الزيارة. وشرعا زيارة الكعبة على وجه مخصوص مع الطواف والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير.

(وهي) مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلِه (1)} وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: عمرة في رمضان تعدل حجة. أخرجه أحمد وابن ماجة (2){243}

وقد أجمع العلماء على مشروعية العمرة لكنهم اختلفوا في حكمها. فقال مالك: هي سنة مؤكدة وهو الصحيح عند الحنفيين ، لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أوااجبه هي؟ قال: لا وأن يعتمروا هو أفضل. أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني والترمذي وهذا لفظه ، وقال: هذا حديث حسن صحيح ، وفيه الحجاج بن أرطاة تكلم فيه وقد وثق (3){244}

وقد ورد في هذا عدة أحاديث يقوي بعضها بعضا. ومشهور مذهب الشافعي وأحمد أن العمرة فرض مستدلين: -

(أ) بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله} (قالوا) الأمر

(1) سورة البقرة، الآية 196.

(2)

انظر ص 48 ج 11 الفتح الربانى، وص 121 ج 2 سنن ابن ماجه (العمرة فى رمضان) والمراد من الحديث بيان فضل العمرة فى رمضان وأن ثوابها فيه كثواب حجة، ولكنها لا تسقط المفروض، بل تقوم مقام حجة تطوع.

(3)

انظر ص 58 ج 11 الفتح الربانى، وص 349 ج 4 سنن البيهقى (العمرة تطوع) وص 253 سنن الدار قطنى، وص 113 ج تحفة الأحوذى (فى العمرة أواجبة أم لا؟ ).

ص: 221

للوجوب وقد عطفت العمرة على الحج وهو فرض فهي كذلك (ورد) بأن المأمور به في الآية الإتمام بعد المشروع. وكلامنا فيما قبل الشروع. وقد أجمعوا على أن من دخل في حجة أو عمرة يجب عليه الإتمام (1) ويؤيد ذلك «اقتصار» النبي صلى الله عليه وسلم على الحج في حديث: بني الإسلام على خمس «وعدم» ذكر العمرة في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ} (2).

(ب) وبحديث أبي رزين العقبلى أنه قال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن قال: احجج عن أبيك واعتمر. أخرجه الأربعة والبيهقي بأسانيد صحيحة ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (3){245}

(قال البيهقي) قال مسلم بن الحجاج: سمعت أحمد بن حنبل يقول لا اعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه (ورد) بأنه لا دلالة فيه على وجوب العمرة ، لأنه أمر الولد أن يحج عن أبيه ويعتمر ولا يجبان على الولد عن أبيه إجماعا.

(ومنه) تعلم أن الراجح أن العمرة سنة. وهو الحق لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف ولا دليل يصلح لذلك. ثم الكلام ينحصر في ثمانية مباحث:

(1)

فضل العمرة - للعمرة فضل عظيم وثواب جزيل خصوصا في رمضان ،لما تقدم عن ابن عباس (4) ولحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله

(1) انظر ص 250 ج 4 الجوهر النقى.

(2)

سورة آل عمران، الآية 97.

(3)

انظر رقم 87 ص 106 ج 1 تكملة المنهل العذب (الرجل يحج عن غيره) وباقى المراجع بهامش 2 ص 107 منه. والظعن بفتح فسكون، من ظعن من باب نفع، أى لا يستطيع السير ولا الركوب على الدابة.

(4)

تقدم رقم 243 ص 221.

ص: 222

عليه وسلم قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. أخرجه السبعة إلا أبا داود وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (1){246}

«

وعن» ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة. وليس للحج المبرور ثواب دون الجنة. أخرجه النسائى (2){247}

(2)

وقت العمرة: وقتها جميع السنة لكنها تكره تحريما عند أبى حنيفة فى خمسة أيام: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة ، لقول ابن عباس رضى الله عنهما: خمسة أيام يوم عرفة ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق اعتمر قبلها أو بعدها ما شئت. أخرجه ابن دقيق العيد في كتاب الإمام (3){72}

(وقال) أبو يوسف: تكره في أربعة أيام يوم عرفة وثلاثة أيام بعده ، لقول عائشة رضي الله عنها: حلت العمرة في السنة كلها ، إلا أربعة أيام: يوم عرفة ويوم النحر ويومان بعد ذلك. أخرجه البيهقي (4){73}

(وقال) مالك والشافعي وأحمد والجمهور: تجوز العمرة بلا كراهة

(1) انظر ص 9 ج 11 الفتح الربانى، وص 387 فتح البارى (وجوب العمرة وفضلها) وص 117 ج 9 نووى مسلم (الحج والعمرة) وص 4 ج 2 مجتبى (فضل العمرة) وص 108 ج 2 سنن ابن ماجه (فضل الحج والعمرة) وص 115 ج 2 تحفة الأحوذى (فى ذكر فضل العمرة).

(2)

انظر ص 4 ج 2 مجتبى (فضل المتابعة بين الحج والعمرة).

(3)

انظر ص 147 ج 3 نصب الراية.

(4)

انظر ص 346 ج 4 سنن البيهقى (العمرة فى أشهر الحج).

ص: 223

في جميع أيام السنة قبل الحج وبعده ، لقول عكرمة بن خالد سألت عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن العمرة قبل الحج فقال: لا بأس على أحد أن يعتمر قبل الحج ، فقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج. أخرجه أحمد والبخاري والبيهقي وهذا لفظه وأبو داود (1){248}

وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عائشة رضي الله عنها حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطوف بالبيت فلما طهرت وطافت قالت: يا رسول الله أتنطلقون بحج وعمرة وأنطلق بالحج؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة. أخرجه أحمد والبخاري (2){249}

(فهذان) يدلان على جواز تأدية العمرة في أي يوم من أيام السنة ولو في أشهر الحج (وأفضل) أوقاتها رمضان لما تقدم عن ابن عباس (3)(وروى) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار: ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه لزوجها وابنها وترك لنا ناضحا تنضح عليه قال: فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة. أخرجه الشيخان (4){250}

(1) انظر رقم 249 ص 152 ج 2 تكملة المنهل العذب (العمرة) وباقى المراجع بهامش 3 ص 153 منه.

(2)

انظر ص 52 ج 11 الفتح الربانى، وص 394 ج 3 فتح البارى (عمرة التنعيم) و (أتنطلقون .. ) تعنى أنهم يرجعون بحج وعمرة منفردين، وترجع هى بحج مقرون بعمرة.

(3)

تقدم رقم 243 ص 221.

(4)

انظر ص 390 ج 3 فتح البارى (عمرة فى رمضان) وص 2 ج 9 نووى مسلم (فضل العمرة فى رمضان) و (تعدل حجة) وفى رواية لمسلم: تقضى حجة أو حجة معى: أى تقوم مقامها فى الثواب لا أنها تسقط الحج المفروض.

ص: 224

وهذا لغير النبي صلى الله عليه وسلم. وأما هو فإنه لم يعتمر إلا في أشهر الحج. وهو في حقه أفضل ، لأنه فعله للرد على أهل الجاهلية الذين كانوا يمنعون من الاعتمار في أشهرا لحج «وما روي» أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب «أنكرته» عائشة رضي الله عنها. قال عروة: سئل ابن عمر في أي شئ اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: في رجب. فقالت عائشة: ما اعتمر صلى الله عليه وسلم في رجب قط وما اعتمر إلا وهو معه ، تعني ابن عمر. أخرجه ابن ماجة (1){74}

«

وقال» عروة بن الزبير: كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة فقلت يا أبا عبد الرحمن أعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب؟ قال: نعم فقلت لعائشة أي أمتاه: ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: وما يقوى؟ قلت يقول: اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم فى رجب فقالت يغفر الله لأبى عبد الرحمن لعمرى ما اعتمر فى رجب وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه. قال: وابن عمر يسمع فما قال: لا ولا نعم سكت. أخرجه الشيخان. وهذا لفظ مسلم (2){75}

ومنه تعلم أنه ليس للاعتمار فى رجب فضل خاص يؤيد ما اعتاده الناس من الاعتمار فيه، وأولى بهم أن يعنوا بالاعتمار فى رمضان لما علمت أن فيه فضلا عظيما وثواباً جزيلاً.

(1) انظر ص 121 ج 2 سنن ابن ماجه (العمرة فى رجب).

(2)

انظر ص 388 ج 3 فتح البارى (كم اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم وص 236 ج 8 نووى مسلم (عدد عمر النبى صلى الله عليه وسلم.

ص: 225

3 -

تكرير العمرة: يسن - عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور تكرير العمرة فى السنة، لقول نافع: اعتمر عبد الله بن عمر أعواماً فى عهد ابن الزبير عمرتين فى كل عام. أخرجه الشافعى والبيهقى (1). {76}

(روى) صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة اعتمرت فى سنة ثلاث مرات، قال صدقة: قلت: هل عاب ذلك عليها أحد؟ قال: سبحان الله أم المؤمنين. أخرجه الشافع والبيهقى (2). {77}

(وقال) مالك: يكره تكرير العمرة فى السنة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكررها فى عام (ورد) بأن المندوب لا ينحصر فى فعله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يترك الشئ وهو يستحب فعله لدفع المشقة عن أمته، وقد رغب صلى الله عليه وسلم فى العمرة بقوله: فثبت الاستحباب من غير تقييد، ولذا خالف مالكاً مطرف وطائفة من أتباعه.

4 -

مواقيت العمرة هى: (أ) لمن كان خارج المواقيت؛ مواقيت الحج المتقدمة (3)، فلا يحل لمريد العمرة مجاوزتها بلا إحرام، لقول زهير ابن معاوية: حدثنى زيد بن جبير أنه أتى عبد الله بن عمر فسألته: من أين يجوز أن أعتمر؟ قال: فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرنا، ولأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة. أخرجه البخارى (4). {251}

(1) انظر ص 292 ج 1 بدائع المنن، وص 344 ج 4 سنن البيهقى (من اعتمر فى السنة مراراً).

(2)

انظر ص 292 ج 1 بدائع المنن، وص 344 ج 4 سنن البيهقى.

(3)

انظر ص 49 (أماكن الإحرام).

(4)

انظر ص 246 ج 3 فتح البارى (مواقيت الحج والعمرة)(فسألته) فيه التفات.

ص: 226

(ب) أما من كان داخل المواقيت، فميقاته فى العمرة الحل ولو كان بالحرم، لحديث الأسود أن عائشة رضى الله عنها: قالت: رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسكٍ؟ فقيل لها: انتظرى فغذا طهرت فاخرجى إلى التنعيم فأهلى ثم ائتينا بمكان كذا، ولكنها عل قدر نفقتك أو نصبك، أخرجه البخارى (1). {252}

5 - شروط العمر: يشترط لصحتها شرطان:

(الأول) الإحرام عند الحنفيين، وهو النية مع التلبية أو ما يقوم مقامها (وقال) غيرهم: الإحرام ركن.

(الثانى) عدم الجماع فى أحد سبيلى آدمى حى مشتهى قبل أن يطوف أكثر طواف العمرة، فإن ذلك يفسدها كما سيأتى إن شاء الله تعالى.

6 - أركان العمرة: لها خمسة أركان:

(الأول) الإحرام على ما تقدم. (الثانى) الطواف بالبيت سبعة أشواط على ما تقدم بيانه فى طواف الركن (2). (الثالث) السعى بين الصفا والمروة سبعاً. وهو ركن عند مالك والشافعى وأحمد. وواجب عند الحنفيين على ما تقدم بيانه فى سعى الحج (3). (ودليل) ذلك قول عبد الله ابن أبى أوفى: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمرنا معه، فلما دخل مكة طاف وطفنا معه وأتى الصفا والمروة وأتيناهما معه (الحديث) أخرجه البخارى وأخرج أحمد نحوه. وفيه: وصلى وصلينا معه وسعى بين الصفا والمروة (4). {253}

(1) انظر ص 396 ج 3 فتح البارى (أجر العمرة على قدر النصب).

(2)

تقدم من ص 100 إلى 121.

(3)

تقدم من ص 129 إلى 142.

(4)

انظر ص 399 ج 3 فتح البارى (متى يحل المعتمر) وص 67 ج 11 الفتح الربانى.

ص: 227

(الرابع) الحلق أو التقصير كما فى الحج. وهو ركن عند الشافعية وواجب عند غيرهم، لما روى ابن عباس عن معاوية رضى الله عنهم أنه قصر عن النبى صلى الله عليه وسلم فى عمرة على المروة. أخرجه النسائى (1). {254}

(الخامس) الترتيب بين الأركان كما فعلها النبى صلى الله عليه وسلم. وهو ركن عند الشافعية، وواجب عند غيرهم.

7 - واجبات العمرة وسننها: يجب ويسن للعمرة ما يجب ويسن للحج من الإحرام إلى السعى (وعلى الجملة) فهى كالحج، غير أنها تحالفه فى أنها ليست متفقاً على فرضيتها، وليس لها وقت معين ولا وقوف فيها بعرفة ولا مزدلفة، ولا رمى فيها ولا خطب ولا طواف قدوم ولا وداع، وأنها ميقاتها الحل ولو لمن فى الحرم.

(تنبيه) علم أن ركن العمرة عند الحنفيين أكثر الطواف وهو أربعة أشواط، وواجبها باقى الطواف والسعى والحلق أو التقصير، وكون الإحرام من الميقات إن كان خارج المواقيت، ومن الحل إن كان داخلها (وركنها) عند المالكية والحنبلية: الإحرام والطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة، وواجبها كون الإحرام من الميقات والحلق أو التقصير (وعند) الشافعية أركانها خمسة: الإحرام والطواف ولاسعى بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير والترتيب بين الأركان. وواجبها كون الإحرام من الميقات لمن كان خارج المواقيت ومن الحل لمن كان داخلها.

(1) انظر ص 43 ج 2 مجتبى (أين يقصر المعتمر؟ ) و (فى عمرة) يعنى عمرة الجعرانة.

ص: 228

8 -

اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم

اعْتَمَرَ النبيُّ صلي الله عليه وسلم أَربَعَ عُمَرِ في سِنين مختلفة بعد الهجرة (قال) ابن عباس رضى الله عنهما: اعْتَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَربع عُمَر: عُمرة الحديبية، وعُمرة القضاءِ، والثالثة من الْجِعْرَانة، والرابعة التي مع حجَّتِه. أَخرجه أَحمد والترمذي وأَبو داود وابن ماجد والدار مي بسند رجاله ثقات (1). {255}

وهناك بيانها:

1 -

عُمرة الحديبية (2): كانت في ذِي القعدة سنة سِت من الهجرة (إِبريل سنة 628 م) خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المدينة يوم الاثنين غُرَّة ذِي القعدة في أَربعمائة وأَلْفٍ من أَصحابه قاصِدين مكة للاعتمار، فأَحرموا بالعمرة من ذِي الْحُلَيْفَة وساقَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبعينِ بَدَنَةَ هَدْياُ للحَرَم، وساق أَصحابه سبعمائة، فلمَّا وَصَلُوا إِلي الحديبية أَرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خِرَاشَ بنَ أُمية الخزاعي إِلي قريش بمكة راكباً جَمَل النبي صلى الله عليه وسلم ليُبَلِّغَهم أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأَصحابَهُ إِنما جاءُوا مُعْتَمِرين لا مُحَارِبِين، فلمَّا أَخْبرهم الخبر عَقَرُوا الجمل، وأَرَادُوا قَتْلَ خِرَاشٍ فَمَنَعَهُمْ.

(1) انظر رقم 256 ص 163 ج 2 تكملة المنهل العذب (العمرة) وباقى المراجع بهامش 3 ص 165 منه.

(2)

الحديبية بالتصغير وتخفيف الياء الثانية وتشدد: قرية على مرحلة من مكة، وتسعة مراحل من المدينة، سميت باسم بئر، أو شجرة حدباء (وهى) من الخرم (وقيل) بعضها فى الحل وبعضها فى الحرم.

ص: 229

الأَحَابيش (1) فأَتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأَخبره الخبر، فَدَعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة، فاعْتذر وأَشَارَ بإِرسال عُثمان بن عَفَّان رضي الله عنه، فبعَثَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ومعه كِتَاب، وأَمَرَه أَنْ يُبَشِّرَ المستضعفين بمكة بالفتح قريباً. فخرج عُثمان إَلى مكة فوجد قُرَيشاً قد اتفقوا علي مَنْع النبي صلي الله عليه وسلم من دُخُول مكة.

وأَجارَهُ أَبانُ بن سعيد بن العاصِي حتى بلَّغ رسالةَ النبيّ صلي الله علية وسلم وقرأَ عليهم الكِتَاب، فَصَمَّمُوا على أَن النبي صلى الله عليه وسلم وأَصحابه لا يَدْخُلُونها هذا العام، وقالوا لعثمان رضى الله عنه: إِنْ شئْتَ أَن تطوف بالبيت فَطُفْ، قال. ما كُنْتُ لأَفْعَلَ حتى يَطُوفَ النبي صلى الله عليه وسلم، واحْتَبسَتْه قريش وأُشِيعَ أَنه قُتِل، فقال رسول الله عليه وسلم: لا نَبْرَحَ حتى نُنَاجِزَ القَوْمَ وبايع أَصحابه بَيْعَة الرِّضْوان تحت الشجرة، وَوَضَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم شماله في يمينه وقال: هذه عن عثمان، مشعراً بأَنه لم يُقْتل. ولما سَمِعَ المشركون بهذه البيعة أَخَذَهُم الرُّعْب وأَطلقوا عثمان من حَبْسِه، وصَالَحُوا النبيَّ صلي الله عليه وسلم على أَلَاّ يدخُلَ مكةَ في هذا العام، بل في العام القابل يدخلها بغير سلاح، ويُقيم فيها ثلاثة أَيام فقط (2)، فَتَحَلَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم من العمرة بالحَلْق والذَّبْح، وأَمَرَ أَصحابه بذلك.

(1) الأحابيش الجموع وهم حلفاء قريش: بنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبد مناة وبنو المصطلق من خزاعة، وتحالفوا تحت حبشى (بضم فسكون: جبل بأسفل مكة) فسموا بذلك.

(2)

انظر تمام الكلام على صلح الحديبية بهامش ص 238 ج 5 الدين الخالص.

ص: 230

(روى) ابن عُمر رضى الله عنهما أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج مُعْتَمِراً فحالَ كُفَّار قريش بينه وبين البيت فَنَحَرَ هَدْيَهُ وحلَقَ رَأْسَهُ بالحديبية، فصالحهم على أَن يعتمر العام المقبل ولا يحمل السِّلاح عليهم إِلَاّ السُّيُوفَ ولا يقيم بها إِلَاّ ما أَحبُّوه، فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم، فلمَّا أَن أَقام ثلاثاً أَمروه أَن يخرج، فخرج صلى الله عليه وسلم. أَخرجه أَحمد بسند جيد والبيهقي (1). {256}

ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أَحرم بهذه العمرة وتَحَلَّلَ منها عُدَّتْ عُمْرة وإِنْ صُدَّ عنها.

2 -

عُمرة القضاءِ: وتُسَمَّى عُمْرة القضية، لأَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قاضَى قريشاً فيها. وكانت في ذِي القعدة سنة سبع من الهجرة، وكانت قضاءً لعُمرة الحديبية عند الحنفيين. وروى عن أَحمد (وقال) مالك والشافعي:(هي عُمرة مُسْتَقِلَّة). وهو قول لأَحمد. وسُمِّيت عُمرة القضاءِ من المقاضاة لا من القضاءِ وذلك لأَنَّ مَنْ صُدَّ عن البَيْت سنة سِتٌ كانوا أَربعمائة وأَلفاً ولم يكونوا كلهم مع النبي صلى عليه وسلم في عُمرة القضية. ولو كانت قَضَاءً ما تخلف منهم أَحد (وهذا) أَصَح لأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأْمُر من كان معه بالقضاءِ. (قال) ابن عُمر: لم تكُن هذه العمرة قضاءً ولكن كان شرطًا على المسلمين أَن يعتمروا من قابل في الشهر الذي صَدَّهم المشركون فيه. أَخرجه البيهقي (2). {78}

(1) انظر ص 65 ج 11 الفتح الربانى، وص 216 ج 5 سنن البيهقى (المحصر يذبح ويحل حيث أحصر).

(2)

انظر ص 219 ج 5 سنن البيهقى (لا قضاء على المحصر).

ص: 231

3 -

عُمرة الجعرانة (1): اعْتَمَر منها النبيُّ صلى الله علية وسلم ليلاً حين رجُوعه من الطَّائف في ذِي القعدة سنة ثمان من الهجرة (روى) مُحرش الكعبى رضي الله عنه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج ليلاً من الجِعْرانة حتى أَمسَي معتمراً فدخل مكة ليلاً فقَضَي عُمْرته ثم خرج من لَيْلَتِه فأَصبح بالجِعْرانة كبائت حتى إذا زالت الشمس خرج من الجِعْرانة في بطن سَرِف حتى جامِعَ الطريق (طريق المدينة) بسرف. قال مُحَرِّش: ولذلك خَفِيَتْ عُمْرته على كثير من الناس. أَخرجه أَحمد والثلاثة، والبيهقي. وحسنه الترمذي وأَخرج الشافعي صدره (2). {257}

4 -

العُمْرة التي كانت مع حجَّة الوداع: أَحْرَمَ بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم في ذِي القعدة على الصحيح وأَدي أَفعالها في ذِي الحجَّة، لأَنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذِي العقدة سنة عشر من الهجرة، وقدموا مكة في الرَّابع من ذِي الحجة (فقد تبين) أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَر أَربع عُمر (لم يتم) الأُولى منها (وكانت) الرابعة مع حجَّة الوداع، فالمستقل التام منها عُمْرتان. وعليه يحمل حديث البراءِ بن عازِب رضي الله عنه قال: اعْتَمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذِي القعدة

(1) الجعرانة بكسر فسكون ففتح الراء مخففة، وقد تكسر العين وتشدد الراء. وخطأه الشافعى (وهو) موضع بين مزدلفة وعرفة على حد الحرم فى الشرق. (انظر رسم 1 ص 54).

(2)

انظر رقم 259 ص 169 ج 2 تكملة المنهل العذب. وباقى المراجع بهامش 2 ص 170 منه. و (محرش) بضم ففتح فكسر الراء مشددة، أو بكسر فسكون ففتح. و (سرف) ككنف مصروفاً وممنوعاً من الصرف، موضع شمال مكة قريب من التنعيم. (انظر رسم 8 ص 220)

ص: 232