الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ج) السَّعْى بين الصَّفَا والمرْوَة.
(د) طَوَافُ الإِفَاضَة.
والمشهور عن الشافعى أَن أَركانه ستة: هذه الأَربعة، والحلق أَو التَّقْصِير. وترتيب معظم الأَركان بأَن يقدم الإحرام على جميعها، والوقوف بعرفة على طَوَافِ الإِفَاضَةِ، وهناك بيانها مفصلة:
(أ) الإحرام
هو عند الحنفيين الدخول فى أحَدِ النسكين (الحجّ والعمرة) أو فيهما بالنِّيَّة مع التَّلْبِية أَو فعلٍ يتعلقُ بالحج كتقليد الهدْى وسوقه؛ لأَن الإحرام عَزْمٌ على الأَداءِ فلا بد فيه من ذِكْرٍ أَو فِعْلٍ يدلٌ عليه وهو التلبية وسوق الهدْى أو تقليده. والمشهور عند الأَئمة الثلاثة أَن الإِحرام هو نية أَحَدِ النسكين أَوْهُما دُونَ التلبية. وهو شَرْطٌ لِصِحَّةِ الحجِّ عند الحنفيين ابتداءَ، ولذا صَحَّ تقديمه على أَشْهُرِ الحجِّ مع الكَراهة. وله حكم الركن انتهاءَ، ولذا لا يجوز لمن فاتَهُ الحج البقاءُ على الإحرام ليقضى به من عام قابل (وقال) غير الحنفيين: الإحرام ركن، لقوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1)، والإخلاص النِّيَّة؛ لأنه عملٌ من أَعمال القلب (وعن) عُمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:{إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّات} (الحديث) أخرجه السبعة (2). {58}
أي صِحَّةُ الأَعمالِ بالنِّيَّة. وقد أَجمع العلماءُ على أَنها فرض فى الحج وغيره من مقاصد العبادات. هذا، والثابت بالدليل أَن شرط النية علمه
(1) سورة البينة، الآية 5.
(2)
انظر ص 17 ج 2 - الفتح الربانى. وص 8 ج 1 فتح البارى (بدء الوحى) وص 53 ج 13 نووى مسلم (إنما الأعمال بالنية - الجهاد) وص 262 ج 2 سنن أبى داود (فيما عنى به الطلاق والنيات) وص 24 ج 1 مجتبى (النية فى الوضوء) وص 288 ج 2 سنن ابن ماجه (النية - الزهد).
بقلبه: أى نسك يُؤَدِّى. والنية محلها القلب ولم يَرِد التَّلَفُّظ بهما عن أَحَدٍ ممن يُقْتَدَى بهم (قال) الكمال ابن الهمام: ولم نَعْلَم عن الرُّوَاة لنسكه عليه الصلاة والسلام أَن روى واحد منهم أَنه سمعه عليه الصلاة والسلام يقول: تّوَيْتُ الْعُمْرَة ولا الحجّ (1). هذا. والكلام فى الإحرام ينحصر فى خمسة مباحث:
(1)
ما يطلب للإحرام: يطلب من مريد الإحرام أُمور ستة:
1 -
التنظيف: إِذا أَراد شخص الإحرام بنسك ندب له قَصُّ أَظافره وشَارِبه وحلْق عَاَنتِه ونَتْفِ إِبطَيْه. ثم يَتَوَضَّأُ أَو يَغْتَسِل ولو صَبِيًّا أَو حائضاً أَو نفساءَ؛ لأَنه للنظافة. والغُسْلُ أَفْضَلُ، لقول ابن عمر رضى الله عنهما: مِنَ السُّنة أَن يغتَسِلَ إِذا أَراد الإِحرام وإِذا أِراد دخول مكة. أخرجه البزار والدار قطنى والحاكم وصححه (2){10}
(وقالت) عائشة رضى الله عنها: نُفِسَتْ أَسماءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بمحمد بن أبى بكر بالشجرة، فأَمر النبى صلى الله عليه وسلم أَبا بكر أَن يَأْمُرَها أَن تَغْتَسلِ وتُهِلَّ. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه والبيهقى والدارمى، وأخرج الأَئمة نحوه من حديث القاسم عن أسماء
…
(3){59}
(1) انظر ص 138 ج 2 فتح القدير (الإحرام).
(2)
انظر ص 217 ج 3 مجمع الزوائد (الاغتسال الإحرام) وص 256 سنن الدار قطنى، وص 447 ج 1 مستدرك.
(3)
انظر ص 133 ج 8 نووى مسلم (إحرام النفساء) وص 289 ج 10 المنهل العذب (الحائض تهل بالحج) وص 111 ج 2 سنن ابن ماجه (النفساء والحائض تهل بالحج) وص 33 ج 2 سنن الدارمى، وص 143 ج 2 زرقانى الموطأ (الغسل للإهلال .. ) وص 4 ج 2 بدائع المنن، وص 128 ج 11 الفتح الربانى. و (نفست) بضم النون وفتحها وكسر الفاء، أى ولدت. و (الشجرة) سمرة بذى الخليفة كان يحرم منها النبى صلى الله عليه وسلم .. وفى رواية الأئمة: ولدت بالبيداء. وهو مكان بذى الخليفة.
(وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ النفساءَ والحائض تَغْتَسِلُ وتُحْرِمُ وتَقْضِى المناسِك كُلَّها غير أَنهما لا تطوف بالبيْتِ حتى تَطْهُرَ. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي. وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه (1){60}
دَلِّتْ هذه الأَحاديث على مشروعية الغُسْل لمنْ يريدُ الإِحرام فيغتسل بنية غُسْل الإحرام وهو غسل للنظافة، ولذا لا ينوب التيمم عنه عند العجز عند الحنفيين وأحمد. ويُشْتَرط عند المالكية اتصال هذا الغُسْل بالإحرام كاتصال غًسْل الجمعة بالرَّواح. فلو اغْتَسَل غَدْوَةٌ وأَحرم ظهراً لم يجزه ولا يضر الفصل بشَدِّ الرِّحال وإصلاح الحال. هذا ويُسَنُّ الغُسْل أَيضاً لدخول مكة وللوقوف بعرفة، لقول نافع: كان ابن عمر رضى الله عنهما يغْتَسِلُ لإحرامه قبل أَن يُحْرِمَ ولدخول مكة ولوقوفه عَشِيَّة عرفة. أخرجه مالك (2){11}
(وقال) النووى: يَغْتَسِل المحرم لسبعة مواطن: للإحرام ودخول مكة، والوقوف بعرفة، والوقوف بالمزدلفة، ولرَمْى الجِمَار الثلاث فى أَيام التشريق. يَغْتَسِلُ فى كلِّ يومٍ من الأَيام الثلاثة غُسْلاً واحداً لرمْى الجمرات. ولا يُسْتَحَبُّ الغُسْل لرمْى جمرة العقبة يوم النَّحْر؛ لأَنَّ وقته من نِصْفِ اللَّيل إلى آخر النهار فلا يجتْمع له الناس فى وقتٍ واحد (3).
2 -
لباس المحرم: يُسَنُّ لمنْ يُرِيدُ الإحرام أَن يَلْبسَ:
(أ) إِزَاراً مِنَ الوسَط ويُكْرَه شَدُّ حَبْل ونحوه عليه.
(1) انظر ص 127 ج 11 الفتح الربانى، وص 290 ج 10 المنهل العذب (الحائض تهل بالحج) وص 118 ج 2 تحفة الأحوذى (ما تقضى الحائض من المناسك).
(2)
انظر ص 144 ج 2 زرقانى الموطأ (الغسل للإهلال).
(3)
انظر ص 213 ج 7 شرح المهذب.
(ب) رِدَاء مِنَ الكَتِف غَسِيلين أَو جَدِيدَيْن أَبْيَضَيْن. لقول ابن عباس رضى الله عنهما: انْطَلَقَ النبى صلى الله عليه وآله وسلم مِنَ المدينة بعدما تَرَجَّلَ وادَّهَنَ ولَبِسَ إِزَارَهُ ورِدَاءَهُ هُوَ وأَصحابُه. ولم ينه عن شَيْءٍ من الأَرْدية والأزُر تُلبس إِلَاّ المزعْفرةَ التى تَردَع الجلد حتى أَصبح بذى الحُلَيفة ركب راحلته حتى استوى على البيداءَ أَهلَّ هو وأَصحابهُ (الحديث) أخرجه البخارى
…
(1){61}
3 -
التطيب: ويُسَنُّ التَّطَيُّب قبل الإحرام للرَّجُل والمرأَةِ ولا يَضُرُّ بقاءُ لَوْنه بعد؛ لقول عائشة رضى الله عنها: كُنَّا نخرجُ مع النبى صلى الله عليه وسلم إلى مكة فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بالسُّك المطَّيب عند الإحرام. فإذا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ على وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النبى صلى الله عليه وسلم فلا يَنْهَاهَا. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى (2){62}
(وعنها) قالت: كُنْتُ أُطَيِّبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لإِحرامِه قبل أَن يُحرم، ولإِحْلَالِه قبل أَن يطوف بالبيت. أخرجه الشافعي والجماعة والدرامي. {63}
(1) انظر ص 262 ج 3 فتح البار (ما يلبس المحرم .. ) و (المزعفرة) المصبوغة بالزعفران (وتردع الجلد) أى تلطخه، والردع: أثر الطيب.
(2)
انظر رقم 106 ص 142 ج 1 تكملة المنهل (ما يلبس المحرم) وباقى المراجع بهامش 3 ص 142 منه، و (نضمد) أى نلطخ، و (السك) بضم السين، نوع من الطيب.
دلَّ الحديثانِ على استحبابِ التطَيُّبِ عند الإحرام، وأنه لا يَضُرُّ بقاء أثره بعده. وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسُف والشافعي وأحمد.
(وقال) مالك ومحمد بن الحسن: يكره التطيب بما يبقى أَثره بعد الإحرام، لحديث صفوان بن يعلى بن أُمية عن أبيه أن رجلاً أتى النبى صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرَّانة قد أَهلّ بعمرةٍ وهو مُصَفِّر لحيته ورَأْسَه وعليه جُبَّة، فقال: يا رسول الله أَحْرَمْتُ بعمرةٍ وأنا كما تَرَى، فقال: انْزَعْ عنك الجبَّة واغسل عنك الصُّفرة. أخرجه الشافعى والجماعة إلَاّ ابن ماجه
…
(1){64}
(وأجاب) الأَوَّلون عنه بأَنَّهُ منسوخ كما قال الشافعي؛ لأنه كان فى عام الجعرانة سنة ثمان، وأَحاديث عائشة فى حجة الوداع سنة عشر.
ومنه تعلم أَن الراجح القول الأَوَّل لِقُوَّةِ أَدِلَّتِه.
4 -
خضاب المرأة: ويُستحبُّ للمرأَةِ الْخِضَاب للإحرام، وإن لم يكن لها زوج أَو كانت عَجوزاً. فتُخضِّب يَدَيْهَا إِلى الكُوعَيْن وتمسَحُ وَجْهَهَا بشىْءٍ مِنَ الحِنَّاء ليستتر لونُ البَشرَة؛ لأنها تُؤْمَرُ بكَشْف الوجْه وهي محرمة، وقد ينكَشِف الكَفَّان أَيضاً؛ ولأن الحِنَّاء من زِينة النساء، فاستحبت عند الإحرام كالتّطَيُّب وتَرْجِيل الشَّعْر. وبُكْرَه لها الْخِضَاب بعد الإحرام؛ لأنه من الزِّينة وهي مكروهة للمحرم.
5 -
تلبيد الشعر: ويُطلب من مُريد الإحرام أَن يُلَبِّد رأْسَهُ بصَمْغ
(1) انظر رقم 96 ص 122 ج 1 تكملة المنهل (الرجل يحرم فى ثيابه) وباقى المراجع بهامش 4 ص 125 منه. و (الجعرانة) بكسرتين وشد الراء: موضع بين المزدلفة وعرفة على ستة عشر كيلو متراً من مكة.
ونحوه حِفْظاً له من الشَّعَث والقَمْل والانتشار، لقول ابن عمر رضى الله عنهما: سمعتُ النبى صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّداً. أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والبيهقى
…
(1){65}
دلَّ على استحبابِ تَلْبِيدِ الشَّعْر للمحرم رِفْقاً به وبُعْداً عن أَسباب الأَذَى. وبه قال الشافعى وأَحمد. وكذا الحنفيون ومالك إذا كان يَسيراً لا يُؤدى إِلى سَتْر رأْس الرَّجُل. أَما الكثير الذى يستر رُبْعَ الرأْس فأَكثر، فحرام يلزم فيه دم باستدامته حال الإحرام يوماً فأَكثر. وعليه يحمل ما رَوَى الصَّلْتُ ابْنُ زُبَيْدٍ عن غير واحد من أَهله أَن عُمَر رضى الله عنه وَجَدَ رِيحَ طِيب، وهو بالشجرة، فقال: مَّمنْ رِيحُ هذا الطيب؟ فقال: كثير بن الصلت: مِنِّى، لَبَّدْتُ رأْسِى وأَردتُ أَلَاّ أَحْلِقَ فقال عُمر: اذهب إلى شَرَبة فادْلُك رأْسَك حتى تُنْقِيَه، ففعل ذلك. أخرجه مالك (2){12}
أَمَّا لو دام أَقلَّ من يوم وليلة ففيه صَدَقة كصَدقة الفِطِر. أَمَّا المرأَةُ فلا تمنع من تَغْطِيةِ رَأْسِهَا فى الإحرام. هذا، ومن لَبَّدَ رَأْسَهُ أَو ضَفَّره أَو عقَص شعره لَزِمَهُ الحلق عند الإحلال عند مالك والشافعى وأحمد، لحديث عبد الله بن رافع عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ للإِحرام فقد وَجَبَ عليه الحلق. أخرجه ابن عدى. وعبد الله بن رافع ضعيف. وقال الدار قطنى ليس بالقوى (3){63}
(1) انظر ص 357 ج 3 فتح البارى (من أهل ملبداً) وص 89 ج 8 نووى مسلم (التلبية .. ) وص 295 ج 10 المنهل العذب (التلبيد) وص 10 ج 2 مجتبى، وص 36 ج 5 سنن البيهقى (من أهل ملبداً).
(2)
انظر ص 156 ج 2 زرقانى الموطأ (الطيب فى الحج) والشجرة، وسمرة بذى الخليفة. و (الشربة) بفتحات: الماء المجتمع حول النخلة.
(3)
انظر ص 159 ج 9 عمدة القارى (من أهل ملبداً).
(وقال) الحنفيون: مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ أَو ضَفَّرها فله الحلق أَو التَّقْصِير، لقول ابن عباس: مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ أَو عَقَص أَو ضَفَّر فإِنْ كان نَوَى الحلق فَلْيَحْلِقْ، وإِنْ لم يَنْوِه فإِن شاءَ حلق وإِن شاءَ قَصَّر. ذكَره البدر العيني {13}
وأجابوا عن حديث ابن عمر بأَن فى سنده عبد الله بن رافع، وهو ضعيف، فلا حجة فيه. أَفاده البدر العيني (1).
6 -
ركعتا الإحرام: ويُستحبُّ لمريد الإحرام أَن يُصَلى رَكعتين فى غير وقت كراهة يَنْوِى بهما سُنَّةَ الإحرام، ويقرأْ فيهما بعد الفاتحة: قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون والإخلاص، وتُجْزئُ المكتوبة عنهما كتَحِيَّة المسجد. ودليله قولُ ابن عُمَر رضى الله عنهما: كان النبى صلى الله عليه وسلم يركَعُ بِذِى الْحُلَيْفَةِ ركعتين، ثم إذا اسْتَوَتْ به الناقة قائمة عند مسجد ذِى الْحُلَيْفَةِ أَهَلِّ بهؤُلاء الكلمات (الحديث). أخرجه مسلم (2){67}
وهذه الصَّلَاة مجمعٌ على استحبابها فى غير وقت كراهة، فإن كان فى الميقات مسجد اسْتُحِبَّ أَن يُصَلِّيها فيه، وإِلَاّ صَلَاّهَا حيثُ يُحْرِم. قال القاضى حسين وغيره: لو صَلَّى فريضةً كَفَتْ عن رَكْعَتَي الإحرام كتَحِيَّة المسجِدِ تندرج فى الفريضة. قال النووى: وفيما قالوه نظر لأَنها سُنَّة مقصودة فينبغى ألا تندرج كسُنَّةِ الصُّبح (3).
(الثانى) أَماكن الإَحرام: قد حدد الشارع للإحرام بالنسك أَمكنة لا يحلُّ لمرِيد مكة مجاوزتها بلا إِحرام وهي خمسة:
(الأول) ذو الْحُلَيْفَةَ لأَهل المدينة وكل من يمرّ به.
(1) انظر ص 159 ج 9 عمدة القارى (من أهل ملبداً).
(2)
انظر ص 89 ج 8 نووى مسلم (التلبية .. ).
(3)
انظر ص 221 ج 7 شرح المهذب.
(الثانى) ذات عِرْقٍ لأَهل العراق وكل من يمرّ به (1).
(الثالث) جُحْفة على ساحل البحر الأحمر الشرقى، وقد ذهبت أَعلامها ولم يبق إِلَاّ رسوم. ولذا صار النَّاسُ الآن يُحْرِمُنون من رابغ ـ مدينة فى شمالها ـ احتياطاً، وهي ميقاتٌ لأَهل مِصْر والشام ومن يمرّ عليها من الغربيين.
(الرابع) قَرْن المنازل (2) لأهل نَجْدٍ ومن سَلَكَ طَريقهم.
(الخامس) يَلَمْلَم (3) لأهل اليمن ومَنْ يمر بطريقهم. هَكَذَا وَقَّتَ النبى صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لأَهْلِهَا ولمنْ يمرّ بها. (روت) عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهل المدينةِ ذَا الْحُلَيْفَةَ، وَلأهل الشام ومَصْر الْجُحْفَةَ وَلأَهل العراق ذاتَ عِرْقٍ، ولأهل نَجْدٍ قَرْناً ولأهل اليمن يَلَمْلَمَ. أخرجه النسائى (4){68}
(1)(ذو الحليفة) بضم الحاء مصغراً: موضع فى الجنوب الغربى للمدينة بينه وبين مسجدها نحو 18 ثمانية عشر كيلو متراً، وشمال مكة بينهما 450 خمسون وأربعمائة كيلو متر، ومنها أحرم النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع لأربع بقين من ذى القعدة سنة عشر من الهجرة، وتسمى العوام الآبار - التى بها - آبار على يزعمون أنه قاتل الجن بها. وهو كذب. و (ذات عرق) بكسر العين وسكون الراء: موضع فى الشمال الشرقى لمكة على بعد 94 أربعة وتسعين كيلو متراً.
(2)
(جحفة) بضم فسكون: قرية فى الشمال الغربى لمكة على بعد 187 سبعة وثمانين كيلو متر، وكانت تسمى مهيعة فنزلها إخوة عاد فجاءتهم سيل فأجحفتهم فسميت الجحفة، و (رابغ) قرية فى الشمال الغربى لمكة على بعد 204 أربعة ومائتى كيلو متر. و (قرن المنازل) بفتح القاف وسكون الراء: جبل مطل على عرفات شرقى مكة بميل قليل إلى الشمال على بعد 94 أربعة وتسعين كيلو متراً.
(3)
(يلملم) بفتحتين فسكون ففتح: جبل جنوب مكة على 94 أربعة وتسعين كيلو متراً. وهو ميقات لأهل تهامة من اليمنيين والهنود الذين يمرون عليه أو يحاذونه. أما أهل نجد اليمن فيمرون على قرن المنازل أو يحاذونه، فهو ميقاتهم دون يلملم. انظر رسم رقم 1 ص 54.
(4)
انظر ص 7 ج 2 مجتبى (ميقات أهل العراق).
(وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأهل المدينة ذا الحليفةِ؛ ولأهل الشام الْجُحْفَة ولأهل نَجْدٍ قَرْنَ المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم. قال: فَهُنَّ لَهُنَّ ولمن أتَى عليهنَّ من غير أَهلهنَّ ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دونهن فَمُهَلَّهُ من أهله حتى أهلُ مكةُ يُهِلُّون منها. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائى وأخرجه الشافعى مختصراً (1){69}
وفي رواية لأبى داود: فَهُنَّ لهم " أى فالمواقيت المذكورة ميقات لأهل هذه الجهات " ولمنْ أَتَى عليها من غير أهلها، سواءٌ مَنْ كان له مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ أم لَا. فمنْ له مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ وفى طريقه مِيقَاتٌ قبل مِيقَاتِه كالشامى يمرّ بذى الْحُلَيْفَةَ قبل الجحفة (فعند) الشافعى وأحمد: يجب أن يُحْرِمَ من ذى الحليفة. (وقال) مالك: يندب له الإحرام منها، وهو المشهور عند الحنفيين، فإن لم يُحْرِم منها لَزِمَهُ الإحرام من الْجُحْفة. وقال الحنفيون أيضاً: يجوز للمدَنىّ أَن يجاوز ذا الحليفة بلا إحرام ويُحْرِمَ من الجحفة أو من محاذاتها. (روى) نافع أن عبد الله بن عمر أَهَلَّ من الفُرْع. أخرجه مالك والبيهقى (2){14}
وقال: قال الشافعى: وهذا عندنا أَنَّهُ مَرَّ بميقاتِه لم يُرِد حَجاً ولا عُمْرَةٌ
(1) انظر ص 105 ج 11 الفتح الربانى، وص 247 ج 3 فتح البارى (مهل أهل مكة .. ) وص 82 ج 2 نووى مسلم (مواقيت الحج) وص 280 ج 10 المنهل العذب، وص 6 ج 2 مجتبى (ميقات أهل اليمن) وص 302 ج 1 بدائع المنن. و (مهل) بضم الميم وفتح الهاء: موضع الإهلال أى الإحرام (حتى أهل مكة) برفع أهل، مبتدأ خبره يهلون، وهذا بالنسبة لمن أراد الإحرام بالحج فقط أو به مع العمرة. أما من أراد الإحرام بالعمرة فقط فيلزم أن يخرج إلى الحل ويحرم منه.
(2)
انظر ص 159 ج 2 زرقانى الموطأ (مواقيت الإهلال) وص 29 ج 5 سنن البيهقى (من مر بالميقات لا يريد حجاً ولا عمرة .. ) و (الفرع) بضم فسكون: موضع شمال مكة وجنوب ذى الحليفة.
ثم بدا له من الفُرْع فَأَهَلَّ منها، أَو جاءَ الفُرْعَ من مكة أو غيرها، ثم بدا له الإهلال فَأَهَلَّ منها. هذا، ومن سلك طريقاً بين ميقاتين بَرُّا أَو بحراً، فعند الحنفيين يَجْتَهد ويُحْرِم إذا حْاذَى ميقاتاً منهما. والأَبْعَدُ من مكة أَوْلَى بالإحرام منه، وهو ظاهِرُ المالكية. وعند أحمد يتعَيَّنُ الإحرام من أَبعدهما، وهو الأصح عند الشافعية.
هذا ويصح لمريد النسك عند الحنفيين الإحرام قبل هذه المواقيت، وهو أَفضلُ لمنْ يأْمَنُ الوقوع فى محظوراتِ الإحرام، وهو قول للشافعى صححه الرافعى، لحديث أُمِّ سلمة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ أَهَلَّ بحَجَّةٍ أَو عُمْرَةٍ من المسجد الأَقْضَى إلى المسجد الحرام، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ وما تَأَخَّر أو وَجَبَتْ له الجنة. أخرجه أحمد بسند لا بأْس به، وأَبو داود وابن ماجه والبيهقى بسند غير قوى (1){70}
وقال مالك وأحمد: يُكْرَهُ الإحرامُ قبل الميقات، وهو أَصَحُّ القولين عند الشافعية. وصححه النووى.
هذا، وظاهر قوله فى حديث ابن عباس (2) ـ ممن أَراد الحجَّ والعمرة ـ أَن الإحرام من هذه المواقيت إنما يجبُ على مَنْ مَرَّ بها قاصِداً فسكاً دون مَنْ لم يُرِده، فلو أَنَّ شخصاً مَرَّ بميقاتِه وهو لا يريد نسكاً ثم أراده فإنه يُحْرِم حينئذٍ ولا يجب عليه دم عند الشافعى. (وقال) أبو حنيفة وأحمد والجمهور: يلزمه دَمٌ إِنْ لم يرجِعْ إلى الميقات، لأنه لا يجوزُ لمريد مكة مجاوزة الميقات بلا إحرام وإِنْ لم يُرِد نسكاً. ومَنْ فَعَل أَثِمَ ولزمه دم،
(1) انظر ص 111 ج 11 الفتح الربانى ـ، وص 276 ج 10 المنهل العذب (المواقيت) وص 122 ج 2 سنن ابن ماجه (من أهل بعمرة من بيت المقدس) ولم يذكر فيه الحج، وص 3 ج 5 سنن البيهقى (فضل من أهل من المسجد الأقصى .. ).
(2)
(حديث ابن عباس) تقدم رقم 69 ص 51.
لما روى عطاءٌ أَن ابن عباس رضى الله عنهما قال: إذا جاوز الوقْت فلم يُحْرِم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأَحرم. فإِنْ خَشِىَ إِنْ رجع إلى الوقت فَوَّت الحج فإنه يُحْرِم ويُهْرِيق لذلك دماً. أخرجه إسحق بن راهويه (1). {15}
فهذا المنطوق أَوْلَى من المفهوم المخالف فى قوله ـ ممن أَراد الحج والعمرة ـ إِنْ ثَبَتَ أَنه من كلام النبى صلى الله عليه وسلم دون كلام الرَّاوِى. وهذا بالنسبة لمن كان خارج الميقات. أَما مَنْ كان فيه أو داخله، فَيَحِلُّ له دخول مكة لحاجةٍ بلا إحرامٍ لكثرةِ دخوله. وفي إلزامِه بالإحرام كلما دَخَلَ حَرَج. وهو مدفوع بقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمُ فى الدِّين مَنْ حَرَج (2)} . وكذا مَنْ أَراد دخول مكة لقتالٍ مباحٍ أَو لخوفٍ من عَدُوّ لا يلزمه الإحرام؛ لأنَّ النبى صلى الله عليه وسلم وأَصحابه دخلوا يوم الفتح بلا إحرام، وكذا مَنْ جاوَزَ الميقاتَ لحاجةٍ فى غير مكة لا يلزمه الإحرام اتفاقاً. ومَتَى بدا له الإحرام يُحْرِم من موضعه ولا شىْءَ عليه عند مالك والشافعى وأبى يوسف ومحمد. وعن أحمد أنه يلزمه الرجوع إلى الميقاتِ والإحرام منه.
هذا، ومن كان مَسْكَنه دون هذه المواقيت ـ بأَن كان بين مكة وأَحدها ـ فإِحرامه من بَلَدِه اتفاقاً لقوله فى حديث ابن عباس رضى الله عنهما: ومَنْ كان دُونَهُنَّ فَمُهَلَّه من أَهلهِ.
(فائدة) للحرم المكِّى حدود قد نُصِبَتْ عليها أَعلام فى خمس جهاتٍ تحيط بمكة. فعلى حَدِّه من جهة الشرق، الجعرانة بينه وبين مكة 16 ستة عشر كيلو متراً. وعلى حَدِّه من الشمال الشرقى (العراق) وَادِى نَخْلة بينه وبين مكة نحو 14 أَربعة عشر كيلو متراً. وعلى حَدِّه من جهة الشمال، التنعيم على طريق المدينة بينها وبين مكة 6 ستة كيلو مترات. ومن جهة الغرب بميل قليل إلى الشمال (من جهة جُدة) الحديبية وتسمى اليوم
(1) انظر ص 281 ج 10 المنهل العذب (المواقيت).
(2)
بعض آية آخر الحج.
الشميسى، وهي التى وقعت بها بَيْعَةَ الرضوان بينها وبين مكة نحو 15 خمسة عشر كيلو متراً. ومن جهة الجنوب أَضاه (كنواه) على طريق اليمين بينها وبين مكة 12 اثنا عشر كيلو متراً وهذه الأعلام أحجار مُتْقَنَة النحت مرتفعة نحو متر، تقوم مُتَحَاذِية على جانبى كل طريق من هذه الطرق (انظر رسم رقم 1).
(الثالث) التلبية: هى منْ لَبَ بالمكان، وأَلَبَّ إذا أَقام به، فالملَبِّى يُخْبر عن إقامته وملازمته لعبادةِ الله تعالى. والمراد هنا العبادة المعهودة وهى الحج. والتلبية مشروعة بالسُّنة وإِجماع الأُمة، شرِعَتْ للتنبيه على إِكرام الله تعالى لعباده بأَنَّ وفودهم على بَيْنِةِ إِنما كان باستدعاء منه تعالى. ثم الكلام فيها ينحصر فى ستة مباحث:
1 -
حكم التلبية: هى سُنَّةٌ عند الشافعى وأحمد، وهو رواية عن مالك وقال الحنفيون: هى شَرْطٌ من شروط الإحرام لا يَصحُّ بدونها للأمر بها فى حديث أُم سَلمَة رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا آلَ مُحمدٍ مَنْ حَجَّ منكم فَلْيُهِلَّ فى حجِّه أَو حجَّته. أخرجه أحمد وابن حبان بسند جيد (1){71}
ويقوم مقامها ما فيى معناها من تسْبِيحٍ وتهليل وسوق الهدْى وتقليده والتوجُّه معه. ومشهور مذهب مالك أَنها واجبة وفى تركها هَدْى. وحكى عن الشافعى (ويُسَنُّ) اتصالها بالإحرام عند الشافعى وأحمد، ويجب عند مالك. ويشترط عند الحنفيين. وفى تركها أو ترك اتصالها بالإحرام مع الطول، هَدْى عند القائل بالوجوب وبالشرطية إلَاّ إذا انعقد الإحرام بدونها من قولٍ أو فعلٍ متعلق به.
2 -
لفظ التلبية: هو ما وَرَدَ: (1) فى قوله ابن عباس رضى الله عنهما: كانت تلبية النبى صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ لَا شَريكَ
(1) انظر ص 178 ج 11 الفتح الربانى (فليهل) أى فليلب. والشك من عبد الله ابن أحمد.
لَكَ لَبَّيْكَ. إِن الحمدَ والنعمةَ لَكَ والملكَ، لَا شَرِيكَ لكَ. وقال: انْتَه إليها فإنها تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم. أَخرجه أَحمد بسند رجاله ثقات
…
(1){72}
(ب) وفى قول ابن مسعودْ رضى الله عنه: كان من تلبيةِ النبى صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَريكَ لكَ لَبَّيْكَ. إِنَّ الحمدَ والنعمةَ لَكَ. أخرجه النسائى (2). {73}
وأَجمعَ العلماءُ على استحبابِ الاقتصار على ما ثَبَتَ مرفوعاً إلى لنبى صلى الله عليه وسلم (واختلفوا) فى الزيادة عليه (فقال) أبو حنيفة ومحمد والشافعى وأحمد: لا بأْس بالزيادة التى فى حديث نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أن تلبية صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ اللهم لَبّيَّكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّسْكَ، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لَكَ والملكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ قال نافع: وكان ابن عمر يزيد فى تلبيته: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك، والخيرُ بيَدَيْكَ، لَبَّيْكَ والرغباءُ إِلَيْكَ والعمل. أخرجه الشافعى والجماعة والدارمى والبيهقى (3){74}
(1) انظر ص 176 ج 11 الفتح الربانى. ولبيك بالتثنية. والغرض منها التكثير وهو منصوب بفعل محذوف، أى أجيبك إجابة بعد إجابة (إن الحمد إلخ) بكسر الهمزة مستأنف وبفتحها للتعليل. أى أجيبك مرة بعد أخرى، لأن الحمد والنعمة لك. والكسر أجود. وفى تقديم الحمد على النعمة إشارة إلى عموم معنى الحمد، وهو أنه تعالى يستحق الحمد لذاته، أنعم أو لم ينعم (والملك) بالنصب عطف على الحمد، ولذا يوقف عليه. ويجوز رفعه على أنه مبتدأ والخبر محذوف، أى والملك لك كذلك.
(2)
انظر ص 18 ج 2 مجتبى (كيف التلبية).
(3)
انظر ص 89 ص 109 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيفية التلبية) وباقى المراجع بهامش 1 ص 113 منه (وسعديك) منصوب بمحذوف، أى أسعدنى إسعاداً بعد إسعاد، أو أسعد بإجابتى طاعتك سعادة بعد سعادة (والرغباء إليك) بفتح الراء والمد كالنعماء. ويروى بضمها والقصر، مثل النعمى من النعمة، أى أن الضراعة والمسألة والرغبة إليك يا من بيده الخير. (والعمل) أى العمل لو جهك ومرضاتك وبتوفيقك.
(وقال) جابر بن عبد الله رضى الله عنهما: أَهَلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكَرَ التَّلْبية مثل حديثِ ابنِ عمر. قال جابر: والناس يزيدون: ذا المعارج ونَحْوَهُ مِنَ الكلام، والنبى صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئاً. أخرجه أبو داود (1){75}
والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يسمعهم يأْتون بهذه الزيادة ونحوها فلا ينكر عليهم، فسكوته صلى الله عليه وسلم يدل على جوازها. (وقال) مالك وأبو يوسف: تُكْرَهُ الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قَوْلٌ للشافعى، واختاره الطحاوي، لما روى عامر بن سعد بن أبى وَقَّاص أن أباه سمع رَجُلاً يقول: لَبَّيْكَ ذَا المعارج لَبَّيْكَ. فقال: سعد: إنه لذو المعارج، ولكِنَّا كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَا نَقُولُ ذلك. أخرجه أحمد والبيهقى والطحاوى بسند رجاله رجال الصحيح. وأخرج الشافعى نحو (2){16}
قال الطحاوى: فهذا سعد قد كَرِهَ الزيادة على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّمهم من تلبية، فبهذا نَأْخُذ. ولكن الراجح عدم كَرَاهة الزيادةِ لما تَقَدَّم؛ ولأنَّ التلبيةَ المأثورةَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست منحصرةً فيما فى حديث ابن عمر.
(1) انظر رقم 90 ص 113 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف التلبية)(والناس يزيدون إلخ) أى يلبون بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويزيدون عليها: لبيك ذا المعارج، أى مصاعد الملائكة وهى السموات لأن الملائكة تعرج فيها. وقال قتادة: المعارج: الفواضل والنعم، لأن إفضاله الله تعالى على عبادة وإنعامة مراتب.
(2)
انظر ص 20 ج 2 بدائع المنن، وانظر باقى المراجع بهامش 2 ص 112 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف التلبية).
(فائدة): لا يُلبى بغير العربية إلَاّ إنْ عجز عنها عند مالك والشافعى وأحمد (وقال) الحنفيون: تَصِحُّ التلبية وما يقومُ مقامها من ذِكْر بغير العربية وإن أَحْسَنها، ولابُدَّ أَن تكون باللسان، فلو ذكَرها بقلبه لم يَعْتَدّ بها. والأَ! خْرَس لا يلزمه تحريك لِسَانه على المختار، بل يُسْتَحَبُّ كما فى الصلاة.
3 -
الجهر بها: يُطْلَبُ رَفْعُ الصَّوْتِ بالتَّلبية رفعاً لَا يَضُرّ بالملِّبى ولا بغيرِه؛ لحديث السائب بن خَلَاّد رضى الله عنه: أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: أَتانى جبريل عليه السلام فقال: مُرْ أَصحابك فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُم بالتلبية. أخرجه الأئمة والأربعة والدارمى والبيهقى والحاكم وصححه، وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح
…
(1){76}
(وعن يزيدَ) بنِ خالد الجهنىّ أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: جاءَنى جبريل عليه السلام فقال: يا مُحمد مُرْ أَصحابك فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بالتَّلْبية فإنها من شعائر الدِّين. أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد (2){77}
(ولذا) قال الحنفيون والشافعى فى الجديد والجمهور: يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بالتلبية. ومَشْهُور مذهب مالك أنه يُسْتَحَبُّ التوسُّط بها فلا يجهر جداً ولا يسرّ حتى لا يَسْمَعَه مَنْ يَلِيه (وقال) أحمد: لا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بها فى الأمصار ومساجدها إِلَاّ فى مكة والمسجد الحرام ومسجد مِنّى وعرفة؛ لما رُوِى أَنَّ ابنِ عباس سمع رَجُلاً يُلبى بالمدينة فقال: إنَّ هذا لَمجنُون إِنما التلبية إِذا برزَت. ذكَره ابن قدامة (3){17}
(1) انظر رقم 91 ص 113 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف التلبية) وباقى المراجع بهامش 4 ص 116 منه.
(2)
انظر ص 180 ج 11 الفتح الربانى، وص 112 ج 2 سنن ابن ماجه (رفع الصوت بالتلبية) وص 450 ج 1 مستدرك.
(3)
انظر ص 259 ج 3 مغنى.
(وقال) ولأنَّ المساجد إنما بُنِيَتْ للصلاة، وكَرَاهَة رَفْع الصَّوت فيها عامة إلَاّ للإمام، أَما مكَّةَ فَتُسْتَحَبُّ التلبية فيها؛ لأنها محل النسك ، وكذا المسجد الحرام وسائر مساجد الحرم وعرفة (1)، وهذا في حق الرَّجُل. أَما المرأَةُ فلا يُسْتَحَبُّ لها رَفْعُ الصَّوت بالتَّلْبية بل تُسْمِع نفسها ، لقول ابن عمر: لا تَصْعَدُ المرأَةُ فوق الصَّفَا والمرْوَةِ ولا تَرْفَعْ صَوْتَهَا بالتلبية. أخرجه البهيقي (2){18}
وهذا مجمع عليه، فإِن رَفَعَتْ صَوْتَهَا لا يحرم لأنه ليس بِعَوْرَة على الصحيح، بل هو مَكْرُوه.
4 -
فضل التلبية: قد ورد ما يَدُلُّ على أَنَّ لها فَضْلاّ عظيماً وأًجراً جَزِيلاً (روى) سَهْلُ بن سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّى إِلَاّ لَبَّى مَنْ عَنْ يميِنه وشمالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَو شَجَرٍ أَو مَدَرٍ حتى تنقطعَ الأَرضُ مِنْ هاهُنَا وهَاهُنَا. أخرجه ابن ماجة والبيهقي والترمذي ، والحاكم وصححه (3){78}
(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أَهَلَّ مُهِلَ قَط ولا كَبَّرَ مُكّبِّر قَط إلَاّ بُشِّرَ ، قِيلَ يا رسول الله، بالجنَّةِ؟ قال: نَعَم. أخرجه الطبراني في الأوسط بإِسنادَيْن رجال أحدهما رجال الصحيح (4){79}
(1) ص 259 ج 3 مغنى ابن قدامة.
(2)
ص 46 ج 5 سنن البيهقي (لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية).
(3)
ص 112 ج 2 سنن ابن ماجة (التلبية) وص 43 ج 5 سنن البيهقي (التلبية في كل حال) وص 84 ج 2 تحفة الآحوذي (فضل التلبية) وص 451 ج 1 مستدرك. و (حتى تنقطع الأرض الخ) يعني أنه يلى جميع ما على يمينه وشماله من حجر الأرض ومدرها وشجرها إلى منتهاها من الشرق والغرب. وفائدة الناسك من تلبية ما ذكر معرفة فضل هذا الذكر وأن له عند الله فضلا ومكانة ويحتمل أن يكتب له ثواب ذلك لأنه متسبب فيه.
(4)
ص 224 ج 3 مجمع الزوائد (الإهلال والتلبية).
والأحاديث في هذا كثيرة ، ولذا أَجمعَ العلماءُ على عِظَمِ فَضْل التلبية؛ وقالوا: يُسْتَحَبُّ الإِكثار منها ويُسَنُّ الإتيان بها عند الانتقال من حال إلى حالٍ كعَقِبِ الصَّلَاة ولو نَفْلاً، وكلما عَلَا شَرَفاً أَو هَبَطَ وَادِياً أَو لَقيَ أَحداً أَو دَخَلَ في وقت السَّحَر ، وهو الثلُث الأَخِير مِنَ اللَّيل (قال) خَيْثَمة: كانوا يَسْتَحِبُّون التلبية عند سِتّ: دُيُرَ الصَّلاة ، وإذا استقَلَّتْ بالرَّجُل رَاحِلَته ، وإذا صَعِدَ شَرَفاً أو هَبَطَ وَادياً وإِذا لَقِيَ بعضُهم بعضاً بالأسْحَار. أَخرجه ابن أَبي شيبة (1). وخَيْثَمة تابعي {19}
ويُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّر التلبية - كلما أَخذ فيها - ثلاث مراتٍ متوالياتٍ. ويجوزُ ردّ السَّلام في أَثنائها، ولكن يُكْرَهُ لغيره السلام عليه حالها. وإذا رَأَي شيئاً يُعْجِبُه قال: لَبَّيْك إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم (قال) مُجاهد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر في التلبية: لَبَّيْك اللَّهُمَّ لَبَّيْك، فذكَر التلبية ثم قال: لَبَّيْك إِن العَيْشَ عَيْشُ الآخرة. أخرجه الشافعي والبيهقي (2){80}
5 -
مدة التلبية: يُلَبِّي المحرم بالحجِّ من وقت الإحرام إلى رَمْي جَمْرَةِ العقبة يوم النَّحْر بأَول حَصَاةٍ ، لما روى ابن عباس عن الفَضْل أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَزَلْ يُلَبِّي حتى بَلَغَ الجمرة: أخرجه الشافعي والسبعة، وهذا لفظ مسلم (3){81}
(1) ص 33 ج 3 نصب الراية (مواضع إكثار التلبية) و (الشرف) بفتحتين ، المكان المرتفع. و (الوادي) المكان المنخفض.
(2)
ص 10 ج 3 بدائع المنن وص 45 ج 5 سنن البيهقي (كيف التلبية).
(3)
أنظر: رقم 92 ص 116 ج 1 تكملة المنهل العذب (متى تقع التلبية؟ ) وباقي المراجع بهامش 1 ص 118 منه.
(وقال) ابن مسعود رضي الله عنه: رَمَقْتُ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يَزَلْ حتى رَمَى جَمْرَةَ العقبة بأَوَّلِ حَصَاةٍ. أخرجه البيهقي (1){82}
دَلَّ ما ذُكر على أَنَّ الحاجَّ يَسْتَدِيُم التلبية حتى يشرع في رَمْي جَمْرَةِ العقبةِ غَدَاةَ يوم النَّحْر. وهو مذهب الحنفيين والجمهور وكذا الشافعي وأحمد في رواية. قال الإمام الرافعي: والسُّنة أَن يُكَبِّرُوا مع كلِّ حَصَاةٍ ويقطعوا التلبية إذا ابتدءُوا بالرَّمْي (2)(وقال) أَبو الفرج بن قدامة: ويُسْتَحَبُّ قَطْعُ التلبية مع أَول حَصَاةٍ (3) ومِمَّنْ قال يُلَبِّي الحاج حتى يرمى جمرة العقبة: عطاءُ وطاوسٌ والنخعي وسعيد ابن جُبَيْر وابن خزيمة، وقال الترمذي: وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ، لما روى ابن عباس عن الفَضْل قال: أَفَضْتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات فلمَ يَزَلْ يُلَبِّى حتى رَمَى جَمْرَةَ العقبة ويُكَبِّر مع كل حصاةٍ ثم قَطَعَ التلبية مع آخر حصاةٍ. أَخرجه البيهقي وابن خزيمة (4){83}
وقال: هذا حديثٌ صحيح مفسر لما أُبْهِمَ في الروايات الأُخرى وأَن المراد حتى أَتَمَّ رَمْى جمرة العقبة. لكن هذا ليس بمتعين، لقوله في الرواية الأولَى: فلَمْ يَزَلْ يُلَبِّى حتى بَلَغَ الجمرة. وقوله في حديث ابن مسعود: حتَّى رَمَى جمرةَ العقبةِ بأَوَّلِ حصاةٍ، قال البيهقى: تكبيره مع كل حصاةٍ كالدليل على قطعة التلبية بأَول حصاةٍ. وقوله: يُلَبِّى حتى رَمَى الجمرةَ أَراد به حتى أَخَذَ في رَمْيها (وقال) مالك: يُلَبِّى حتى يدخل مكة فيقطعها حتى يطوف ويَسْعَى ، ثم يُعَاوِدُها حتى زوال الشمس يوم عرفة ثم يقطعها ،
(1) ص 137 ج 5 سنن البيهقي (التلبية حتى يرمي جمرة العقبة)
(2)
ص 370 ج 7 فتح العزيز شرح الوجيز.
(3)
ص 451 ج 2 - الشرح الكبير.
(4)
ص 127 ج 5 سنن البيهقي (التلبية حتى يرمي جمرة العقبة).
لقول نافع: كان عبد الله بن عمر يقطَعُ التلبيةَ في الحجِّ إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت وبين الصَّفَا والمرْوَةَ ثم يُلَبِّى حتى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إلى عرفة، فإذا غَدا ترك التلبية. أخرجه مالك (1){20}
(وعن) عَلِىّ رضي الله عنه أَنه كان يُلَبِّى في الحجِّ حتى إذا زاغت الشمسُ من يوم عرفة قَطَعَ التلبية. أَخرجه مالك (2){21}
وقال: وذلك الأمر الذي لم يَزَلْ عليه أَهلُ الْعِلْم ببلدنا (3).
وهذا مَرْدُودٌ بما تَقَدَّم من الأحاديث الصحيحةِ الدَّالَّةِ على أَن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مازال يُلَبِّى حتى بلغ جمرة العقبة. قال ابن العربي: وهذه كلها آراء وأصحها حديث الفَضْل المذكور (4).
(أَما المعتمر) فيقطَعُ التلبيةَ إِذا استلم الحجَر الأَسْود؛ لحديث ابن عباس أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُلَبِّى المعتمر حتى يستلم الحَجَر. أخرجه أبو داود وأخرجه نحوه الترمذي والبيهقى (5){84}
وظاهرة أنه يُلَبِّى حال دخوله المسجد وبعد رُؤْيةِ البيت وحال مَشْيه حتى يشرع في استلام الحجَر ثم يقطَعُ التلبية. ويستثنى منه الأوقات التي ورد فيها دعاءٌ مخصوص. وبهذا قال الأئمة الثلاثة والجمهور (وقال) مالك: إِنْ أَحْرَمَ بالعمرة من الميقات قَطَعَ التلبية بدخولِ الحرَم ، وإِنْ أَحْرَمَ مِنَ الجِعرَّانة أَو التنعيم قطعها إذا دخل بيوت مكة (روى) نافع أن
(1) ص 173 ج 2 زرقاني الموطإ (قطع التلبية). و (يطوف) يعني طواف القدوم.
(2)
ص 173 ج 2 زرقاني الموطإ (قطع التلبية). و (يطوف) يعني طواف القدوم.
(3)
(ببلدنا) يعني المدينة المنورة.
(4)
تقدم رقم 81 ص 60.
(5)
انظر رقم 94 ص 119 ج 1 تكملة المنهل العذب (متى يقطع المعتمر التلبية؟ ) وباقي المراجع بهامش م ص 120 منه.
ابن عمر رضي الله عنهما كان يترك التلبية في الُعْمرة إذا دخل الحرم. أخرجه مالك (1){22}
قال الُّزرقاني: وبه قال مالك في المحرم من الميقات (وقال) مجاهد: كان ابن عمر يُلَبِّى في العمرة حتى إِذا رَأَى بيوتَ مكة ترك التلبية وأَقبل على التَّكْبير والذِّكْر حتى يَسْتَلم الحجر. أخرجه البيهقى (2){23}
ودليل الجمهور أَقْوَى.
6 -
ما يقال بعد التلبية: يُسْتَحَبُّ الدُّعاء والصَّلَاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التلبية ، لما رَى خُزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا فرغ من تَلْبِيتِه سَأَلَ الله عز وجل رضوانه ومَغْفِرتَهُ واسْتَعَاذَ برحمتِه مِنَ النَّارِ (روى) عمارة بن خُزيمة بن ثابت عن أَبيه: أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيتِه سَأَلَ الله رضوانه وَمَغْفِرَتَهُ واستَعَاذَ برحمتِه مِنَ النَّار. وقال القاسم بن محمد: كان يُؤْمَر (يعنى المحرم) إذا فرغ من تلبيته أَن يُصَلِّى على النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البيهقى (3){85}
(وقال) خُزيمة بن ثابت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من تلبيتِه سَأَلَ الله تعالى مَغْفِرَتَهُ ورضوانه واسْتَعْتَقَهُ مِنَ النَّار. أخرجه الطبراني في الكبير، وفيه صالح بن محمد بن زائدة وثقه أحمد وضعفه غيره (4){86}
(الرابع) ما يحل للمحرم: يحل للمحرم سبعة أُمور.
1 -
الاغتسال: يباح للمحرم بحجّ أَو عُمْرَةٍ غَسْلُ رَأْسِه وبَدَنِه بِرِفْقٍ ، لحديث عبد الله بن حُنَيْن أَنَّ ابن عباس والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ ، اختلفا
(1) ص 173 ج 2 زرقاني الموطإ (قطع التلبية)
(2)
ص 104 ج 5 سنن البيهقي (لا يقطع المعتمر التلبية حتى يفتح الطواف)
(3)
ص 46 ج 5 سنن البيهقي (ما يستحب من القول في أثر التلبية)
(4)
ص 224 ج 3 مجمع الزوائد (الإهلال والتلبية).
بالأَبْوَاءِ فقال ابنُ عباس: يَغْسِلُ المحرِمُ رَأْسَهُ. وقال المسَوَر: لا يَغْسِل ، فأَرْسَلَني ابنُ عباس إلى أبي أَيُّوبَ الأنصاريّ فوجَدْتُه يَغْتَسِلُ بين القرنين وهو يَسْتَتِرُ بثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ عليه، فقال: مَنْ هذا؟ فُقْلتُ: أَنا عبد الله بن حُنَيْن أَرسَلَنى إِليك ابنُ عباس يَسْأَلُكَ كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَأْسَهُ وهو مُحْرِم؟ فوضع أَبو أَيُّوبَ يَدَهُ على الثَّوْبِ فطأْطأَهُ حتى بَدَا لي رَأْسَهُ ، ثم قال لإنسانٍ يَصُبّ عليه الماءَ: اصْبُبْ ، فَصَبَّ على رأْسِه ثم حَرَّكَ رَأْسَهُ بيَدَيْهِ فأقبل بهما وأدبر فقال: هكذا رأيته صلى الله عليه وآله وسلم يفعل. أخرجه الشافعي والجماعة إلا الترمذي (1){87}
فهو يَدُلُّ على جواز اغتسالِ المحرم. وقد أجمعوا على أنه يغتَسِلُ من الجنابة. واختلفوا في غسله تبرداً ، وفي دَلْكِ رَأْسِه بيده إذا أمِنَ سقوط شعر منه. فقال الحنفيون والشافعي وأحمد والجمهور: يجوز بلا كراهة لهذا الحديث. (روى) عكرمة أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل حماماً وهو بالجحفة وهو مُحرم، وقال: ما يَعْبَأُ الله بأَوْساخنا شيئاً. أخرجه البيهقى وابن أبى شيبة (2){24}
(وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: المحرم يَشُمُّ الرَّيْحَانَ ويدخل الحمامَ ويَنْزِعُ ضِرْسَهُ ويَفْقَأُ القُرْحة، وإذا انْكَسَر ظُفره أَماطَ عنه الأذَى.
(1) انظر رقم 116 ص 152 ج 1 تكملة المنهل العذب (المحرم يغتسل) وباقي المراجع بهامش 1 ص 155 منه. و (الأبواء) بفتح الهمزة وسكون الباء ، قرية شمال الجحفة. بها قبرا آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم. و (القرنان) خشبتان قائمتان على رأس البئر؛ أو بناءان تمد بينهما خشبة البكرة.
(2)
ص 63 ج 5 سنن البيهقي. (دخول الحمام في الإحرام) وص 31 ج 3 نصب الراية.
أخرجه الدارقطني والبيهقى بسند صجيح. وقال المنذرى: حسن ورجاله ثقات (1){25}
(وقال) مالك: يُكْرَهُ للمحرم الغسل بلا جَنابة ، لما رَوَى نافع أن عبد الله ابن عُمر كان لا يغسل رَأْسَه وهو مُحْرم إلَاّ مِنَ الاحتلام. أخرجه مالك (2){26}
وقال: سمعتُ أهل العِلْم يقولون: لَا بَأْس أن يَغْسِلَ الرَّجُل المحرم رَأْسَهُ بالغَسُول بعد أن يَرْمِى جَمْرَةَ العقبة وقبل أن يحلق رأسه. وذلك أنه إذا أراد رمى جمرة العقبة فقد حَلَّ له قَتْل الْقُمَّل وحَلْقُ الشَّعر وإَلقَاءُ التَّفَث ولبس الثِّيَاب (3). هذا. ويجوزُ للمحرم غَسْلُ رَأْسِه بالسدر والخطمىّ مع الكَرَاهَةِ عند الشافعية أن لم يَنْتِف شَعْراً ولا فِدْية عليه. وروى عن أَحمد. (وقال) أَبو حنيفة ومالك: يحرم ما ذكر وفيه الْفِدْية. وقال أَبو يوسُف ومحمد: عليه صدقة ، لأن الخطمىّ تُسْتَلَذُّ رائحتُه ويُزيل الشَّعَث ويقتل الهوامَّ ، فوجَبَتْ فيه الْفِدْية كالْوَرْس.
2 -
تظلل المحرم: يجوزُ للمحرم التظلُّلِ بثّوْبٍ ونحوه من حَرّ أَو غيره ، لقول أَمّ الحُصَين رضي الله عنها: حَجَبْتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الوداع ، فرأَيْتُ أُسامة بن زَيْدٍ وبِلَالاً وأَحَدُهما آخِذٌ بخِطام ناقِة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حتى رَمَى جَمْرَةَ العقبة. أخرجه احمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي (4){88}
(1) ص 261 سنن الدارقطني. وص 63 ج 5 سنن البيهقي (دخول الحمام في الإحرام).
(2)
ص 147 ج 2 زرقاني الموطإ (غسل المحرم).
(3)
الغسول كصبور وهو كالغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمي ونحوهما. و (التفث) بفتح الفاء ،الوسخ.
(4)
ص 402 ج 6 مسند أحمد (حديث أم الحصين الأحمسية
…
) وانظر رقم 110 ص 146 ج 1 تكملة المنهل العذب (المحرم يظلل) وباقي المراجع بهامش 4 ص 147 منه.
(وقال) عبد الله بن عامر: خرجتُ مع عُمر رضى الله عنه فكان يطرح النَّطْعَ على الشجرةِ فيستظلُّ به، يَعْنى وهو مُحْرِم. أخرجه ابن أبي شيبة (1){27}
(ولذا) قال الحنفيون والشافعي: يُبَاحُ للمحرم أن يُظَلِّلَ رَأْسَهُ بثَوْبٍ ومِظَلة ومِحْمَل ونحوها مَّما لا يصيب رَأْسَهُ أَو وَجْهَهُ.
(وقال) أحمد: يُبَاُح له أن يُظَلِّلَ رَأْسه بثَوْب ونحوه ، ويُكْرَهُ تنزيهاً الاستظلال بالهودج ونحوه (وقالت) المالكية: يباح للمحرم اتقاءَ الشمس والريح والمطر والبرد عن وجهه أَوْ رأْسِه بغير ملتصق بهما، بل بمرتفع ثابتٍ كبناءٍ وخِباءٍ وشَجَرٍ وسَقْفِ ويَدٍ وإِنْ كان المتقى في محمل مقبب بقبةٍ ثابتةٍ بقسمِير ونحوه ، كما يجوزُ الاستظلال بالبعير. وإِن كان المحمَل غير مقبب بأَن رفع عليه ثوباً واستتر به فيفتدى وجوباً أَو ندباً وإِن كان مريضاً وكذا يفتدى لو أَلصق يده أَو غيرها برأْسِه أَوْ وَجْهِه إِن طال الإِلصاق. ويجوز الاتقاءَ بثوبٍ ونحوه يُنْصَبُ على عصا ، ومنه المظلة والبرد لا في غيرهما كريحٍ وشمس فلا يجوزُ سائراً اتفاقاً ولا نازلاً عند مالك لأنه لا يثبت. وهذا التعليل يقتضى أن الثوب إذا ربط بحبالٍ وأَوتادٍ يجوز الاستظلال به لأنه حينئذ كالخباء (2) (قال) البيهقي: حديث أُمِّ الحصين حديث صحيح ، يعنى أن الراجح القول بجواز استظلال المحرم مطلقاً لقوة دليله. هذا وأجمعوا على أنه لو قَعَدَ تحت خَيْمَةٍ أو سقفٍ جاز. وإِن دخل تحت أستار الكعبة حتى غَطَّتْهُ فإِن كانت لا تُصِيب رأْسَهُ ولا وَجْهَهُ فلا بأْس، وإلَاّ كره تحريماً.
(1) ص 33 ج 3 نصب الرواية (تظلل المحرم) و (النطع) بفتح النون وكسرها وفتح الطاء وسكونها ، ما يتخذ من جلد.
(2)
انظر ص 751 وما بعدها ج 1 - الفجر المنير.
3 -
الحجامة: يجوزُ للمحرم الحجامة لضرورةٍ بلَا إزالة شعر ، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وهو مُحْرِم في رَأْسِه مِنْ صُدَاعٍ وَجَدَهُ. أخرجه السبعة والبيهقى (1){89}
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو مُحْرم على ظهر القَدَم من وَجَعٍ كان به. أخرجه احمد وأبو داود والنسائي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (2){90}
دَلَّ ما ذُكرِ على جواز الحجامة للمحرم لِعُذْرٍ. وعليه أجمع العلماءُ وعلى جوازِ الفَصْدِ ورَبْطِ الْجُرْح والدمل وقطع الْعِرْقِ وقَلْع الضرس وغير ذلك من وجُوِه التَّدَاوِي إذا لم يكُنْ فيه ارتكاب ما نُهِى عنه المحرم من تناوُلِ الطيبِ وقطع الشَّعْر ، ولا فِدْيَةَ عليه في شئ من ذلك.
4 -
شد الهميان: هو بكسر فسكون ، ما تجعل فيه النقود. ويجوز للمحرم شَدُّهِ في وسطه ولو كان ما فيه نقود غيره عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور ، كما يجوزُ له التَّخَتُّم وشَدِّ ساعة على ساعِدِهِ واتخاذ موضع لحفظِ النقودِ بالإزَارِ ، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: لا بَأْس بالْهِمْيَان والخاتم للمحرم. أخرجه البيهقي (3){28}
وأخرج نحوه عن عائشة رضي الله عنها (وقالت) المالكية: يجوزُ شَدّ الْهِمْيَان لنفَقَتِه فقط ، فلا يجوزُ شَدُّهُ فارِغاً أو للتجارة أو لنفقةٍ غيره فقط ، فإن فَعَلَ هذا افْتَدَى ، ويُشَدُّ على الجلد تحت الإزار. فأن شده فوقه افتدى. ويشد بإدخال أطرافه أثقابه. وأن شده لنفقته ونفقة
(1) انظر رقم 111 ، 112 وهامش 4 ص 148 ج 1 تكملة المنهل العذب (المحرم يحتجم)
(2)
انظر رقم 113 ص 149 منه وباقي المراجع بهامش 1 ص 150 منه.
(3)
ص 69 ج 5 سنن البيهقي (المحرم يلبس المنطقة والهميان للنفقة).
غيره فلا بأس. فإنْ فرغت نفقته دون نفقة الغير وجب ردها له أن أمكن وإلا افتدى (1) وهذا التفصيل لا دليل عليه. فالراجح مذهب الجمهور.
5 -
الاكتحال: يجوز للمحرم الاكتحال بغير مُطَيَّبٍ لعذر، لما روى عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم - إذا اشتكى عينيه - يَضْمُدهما بالصَّبر. أخرجه الدارمى وأخرج نحوه احمد ومسلم والثلاثة (2){91}
(وقال) نافع: كان ابن عُمر رضي الله عنهما إذا رَمِدَ وهو مُحْرم أَقطر في عينيه الصَّبِرَ إَقطاراً وقال: يكتحل المحرم بأي كحل إذا رَمِدَ ما لم يكتحل بطيب ومن غير رمد. أخرجه البيهقي (3){29}
(وقالت) شُميسة: اشتكَتْ عيني وأنا مُحْرِمة ، فسأَلْتُ عائشة عن الكحل فقالت: اكتحلي باى كحل شِئْتِ غير الإثمد أو قالت: غير كل كحل أسود، أما إنه ليس بحرام ولكنه زِينة ونحن نكرهه وقالت: أن شئت كحّلتك
بصبر، فأَبَيْتُ. أخرجه البيهقي (4){30}
ولذا أجمع العلماءُ على جواز الكحل للمحرم للتَّدَاوِي لا للزِّينة.
6 -
نظر المحرم في المرآة: هُوَ مُبَاحٌ اتفاقاً إذا لم يَكُنْ للزِّينة (قال) ابن عباس: لا بَأْس أن ينظر في المرآه وهو مُحْرِم. أخرجه البيهقي (5){31}
(1) انظر ص 753 ج 1 - الفجر المنير.
(2)
ص 71 ج 2 سنن الدارمي (ما يصنع المحرم إذا اشتكى عينيه) وانظر رقم 114 ص 150 ج 1 تكملة المنهل العذب (يكتحل المحرم) وباقي المراجع بهامش 1 و 2 ص 152 منه. و (يضمد) بتخفيف الميم من بابي نصر وضرب. وبشدها. أي يضع عليهما الدواء. و (الصبر) بكسر الباء ويسكن ، الدواء المعروف.
(3)
ص 63 ج 5 سنن البيهقي (المحرم يكتحل بما ليس بطيب).
(4)
ص 63 ج 5 سنن البيهقي (المحرم يكتحل بما ليس بطيب).
(5)
ص 64 منه (المحرم ينظر في المرآة).
وعن نافع عن ابن عمر أنه نظر في المرآه وهو مُحْرم. أخرجه البيهقي (1){32}
(وقال) أحمد: إذا كان يُرِيدُ بالنظر زِينَةٌ فلا. قِيلَ: فكيف يريد زِينَةٌ؟ قال: يريد شعرة فَيُسَوِّيها. فإن نَظَرَ فيها لحاجة كمداواة جُرْحٍ أو إزالة شَعْرٍ يَنْبُت في عَيْنِه ونحوه مما أباح الشَّرْعُ له فعله، فلا بَأْس ولا فِدْيةَ عليه بالنظر في المرآة على كل حال.
7 -
ويباح للمحرم وغيره قتل الغراب والحدأَة والحيَّة والعقرب والسَّبُع والنَّمِر والذئب والفأْرة والكلب العقور (قالت) حَفْصَةُ زَوْجُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَمْسٌ مِنَ الدَّواب كلُّها فاسِق لا حَرَجَ على مَنْ قتلهنَّ: الْعَقْرَبُ والْغَراب والحدأَة والفأر والكلب العقور. أخرجه مسلم والبيهقي. وأخرج نحوه احمد والبخاري وكذا أبو داود والنسائي عن ابن عمر (2){92}
(وعن) سعيد بن المَسَّيبِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يَقْتُلُ المحرم الحيَّةَ والذئب. أخرجه أبو داود في المراسيل وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بسند رجاله ثقات (3){93}
(وعن) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ما يقتل المحرم؟ قال: الحية والعقرب والفويسقة ويرمي الغراب ولا يقتله والكلب العقور والحدأة والسبع العادي. أخرجه أحمد وأبو داود
(1) ص 64 ج 5 من سنن البيهقي.
(2)
ص 116 ج 8 نووي مسلم (ما يندب للمحرم وغيره قتله .. ) وص 210 ج 5 سنن البيهقي (ما للمحرم قتله من الدواب
…
) وص 285 ج 6 مسند أحمد (حديث حفصة أم المؤمنين .. ) وانظر رقم 123 ص 162 ج 1 تكملة المنهل العذب (ما يقتلا لمحرم من الدواب) وباقي المراجع بهامش 2 ص 165 منه.
(3)
ص 265 ، 266 ج 11 بلوغ الأماني شرح الفتح الرباني.
وابن ماجة والبيهقي والترمذي وقال: هذا حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم (1){94}
وفي سنده يزيد أبي زياد وهو ضعيف وأن أخرج له مسلم.
دلت هذه الأحاديث على أن ما يباح للمحرم قتله ثمانية:
…
1 - الكَلْبَ العَقُور ، والمراد به عند الجمهور كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب ، لقوله تعالى:{يسألونك ماذا أحل لهم؟ قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} (2) فاشتقها من اسم الكلب (وقال) الحنفيون: المراد به الكلب خاصة، ولا يلحق به في هذا الحكم سوى الذئب.
…
2 - والغراب الأبقع ، وهو الذي في ظهره أو بطنه بباض.
…
3 - والعقرب ويقال للذكر والأنثى ، وقد يقال للأنثى عقربة، وللذكر عقربان. وقيل: العقربان ، دويبة طويلة كثيرة القوائم.
4 -
والحدأة كعنبة (3) والتاء فيه للوحدة ، وروى الحدأ بكسر ففتح فهمز بلا مد.
(1) ص 136 ج 2 سنن ابن ماجه (ما يقتل المحرم) وانظر رقم 123 ص 166 ج 1 تكملة المنهل العذب (ما يقتل المحرم من الدواب) وباقي المراجع بهامش 1 ص 167 منه (والفويسقة) تصغير فاسقة. وهي الفأرة. سميت فاسقة لكثرة إفسادها. قال يزيد بن أبي زياد: قلت لأبي سعيد: ولم سميت الفأرة الفويسقة؟ قال: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فقام إليها فقتلها وأحل قتلها. أخرجه الطحاوي (انظر ص 385 ج 1 شرح معاني الآثار).
(2)
المائدة: 4. والمعنى: وأحل لكم صيد ما علمتموه من الكواسب للصيد - وهي سباع البهائم والطير كالكلب والصقر - حال كونكم مكلبين أي معلمين الجارحة. ويتحقق تعلمها في ذي الناب بترك الأكل من الصيد ثلاثاً متوالية. وفي ذي المخلب بالرجوع إذا وعى بعد الإرسال.
(3)
وفتح الحاء فيه خطأ.
5 -
والفأرة بهمزة ساكنة وتسهل. أجمع العلماء على جواز قتلها للمحرم (وعند) المالكية خلاف في جواز قتل الصغير منها الذي لا يؤذي.
6 -
والحيَّةُ أجمعوا على جواز قتلها في الحل والحرم.
7 -
والذئب وقد ألحقه الحنفيون بالكلب لنه كلب برى.
8 -
والسبع الذي يعدو بنابه على غيره. وهو يشمل كل حيوان مفترس الذئب والنمر والفهد والأسد. فللمحرم قتل ما ذكر ولا جزاء عليه.
(الخامس) محرمات الإحرام: أي ما يحرم بسببه، وهو قسمان:
(أ) ما يفعله المحرم خاصَّا به وهو الجماع ودواعيه ولبس لمخيط وإزالة الشعر وقلم الأظافر والتطيب وتغطية الرأس والوجه وعقد النكاح.
(ب) وما يفعله لغيره وهو إزالة شعر الغير والتعرض لصيد البر ولو في الحل. وأما قطع شجر الحرم فحرمته لا تختص بالمحرم. وهاك البيان: -
يحرم بالإحرام تسعة عشر أمراً.
(1)
الجماع ودواعيه كالتقبيل واللمس بشهوة والتعرض للنساء بفحش القول.
(2)
والخروج عن طاعة الله تعالى وهو قبيح في ذاته وفي حالة الإحرام أقبح.
(3)
والمخاصمة مع الرفقة والخدم وغيرهم.
وهذا كله مجمع على تحريمه لقوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (1) وهو نهى بصيغة النفي كأنه قيل: فلا يكوننَّ في الحج رفث ولا فسوق ولا جدال.
(1) البقرة من آية: 197 وصدرها: الحج أشهر معلومات. و (الرفث) الجماع. وقال ابن عباس: هو غشيان النساء والقبلة والغمز وأن يتعرض لها بفحش القول. و (الفسوق ارتكاب المعاصي. و (الجدال) الماء والمخاصمة مع الرفقة والخدم إلا أن يستعقب خادما لأمر ارتكبه أو يضر به لإهمال وقع منه ، فلا بأس ، لقول أسماء بنت أبي بكر: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا حتى إذا كنا بالعرج نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست عائشة إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم وجلست إلى جنب أبي. ولأبي لكر غلام جلس ينتظره إلى = = أن يطلع عليه فطلع ، ليس معه بعيره ، فقا: أين بعيرك؟ فقال أضللته البارحة ، فقال أبو بكر: بعير واحد تضله؟ فطفق يضربه والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟ أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي بسند رجاله ثقات. وفيه ابن إسحاف مدلس وقد عنعن (انظر المراجع بهامش 1 ص 122 ج 1 تكملة المنهل العذب) هذا ويستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟ أن الولى للمحرم ترك عتاب الخادم إذا ارتكب ما يعاب.
4 -
لبس المخيط: وهو ما يحيط بالجسد أو بعضه بخياطة أو غيرها. فيحرم على الرجل المحرم لبسه إلا النعل الذي لا يغطى المفصل الذي في وسط القدم. قلا يلبس قميصاً ولا سراويل ولا قباء ولا قلنسوة ولا عمامة ولا قفازاً ولا خفين إلا ألا يجد نعلين فيقطع الخفين اسفل من الكعبين، لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ما يلبس المحرم؟ فقال: لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا ثوباً مسه ورسٌ ولا زعفرانٌ ولا خفَّين إلا ألا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين. أخرجه الشافعي والجماعة والدارمي والدارقطني والبيهقي (1){95}
(1) ص 147 ج 2 زرقاني الموطإ (ما ينهي عنه من لبس الثياب في الإحرام) وص 191 ج 11 - الفتح الرباني. وص 258 ج 3 فتح الباري (ما لا يلبس المحرم من الثياب) وص 8 ج 2 مجتبي (النهي عن الثياب المصبوغة .. ) وص 86 ج 2 تحفة المحرم .. وص 32 ج 2 سنن الدارمي. وانظر رقم 100 ص 128 ج 1 تكملة المنهل العذب (ما لا يلبس المحرم) وباقي المراجع بهامش 7 ص 132 منه. و (البرانس) جمع برنس بضم فسكون. وهو كل ثوب رأسه منه أو قلنسوة طويلة. و (السراويل) فارسي معرب. وهو ثوب خاص بالنصف الأسفل من البدن. و (الورس) بفتح فسكون. نبت أصفر طيب الريح يصبغ به.
والمراد بالكعبين العظمان الناتئان عند مفصل السَّاق والقدم عند الجمهور (وقال) محمد بن الحسن: الكعب هنا العظم الذي في وسط القدم عند مقعد الشراك. حمله على هذا احتياطاً. وقد اجمعوا على أن المذكور في الحديث مختص بالرَّجُل دون المرأة. فلا يحرم عليها إلا الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس والنقاب والقفازان ، لحديث ابن عمر رضي عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفَّازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبطت من ألوان الثياب معصفراً أو خز أو حلياً أو سراويل أو قمصا أو خفا. أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم بسند رجاله رجال الصحيح إلا ابن إسحق وهو حجة (1){96}
فلا يجوزُ للمحرم لبس شئ مما ذكر إجماعاً.
هذا. وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم:
(1)
بالقميص والسراويل على ما في معناهما، وهو ما كان محيطاً أو مخيطاً معمولا على قدر البدن أو عضو منه كالقباء والجبة والقفازين، لقول يعلى بن أمية: رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابياً قد أحرم وعليه جبة فأمره ينزعها. أخرجه الترمذي (2){97}
(1) ص 486 ج 1 مستدرك. وانظر رقم 104 ص 137 ج 1 تكملة المنهل العذب (ما لا يلبس المحرم) وهامش 3 ص 139 منه. و (القفاز) بضم القاف وشد الفاء ، جورب اليدين. و (النقاب) ما يستر الوجه. ومنه البرقع الذي فصل لستر الوج. وقيل هو الخمار الذي يشد على الأنف. و (الخز) بفتح فشد ، ثياب تنسج من صوف وإبرايسم أو إبرايسم فقط ، وهو نوع من الحرير. و (الحلي) بفتح الحاء وسكون اللام. وبضم الحاء وكسر اللام وشد الياء ، ما تتحلى به المرأة من سوار وغيره.
(2)
ص 87 ج 2 تحفة الأحوذي (الذي يحرم وعليه قميص
…
).
(ب) ونبه النبي صلى الله عليه وسلم بالعمامة والبُرنس على كل سائر للرأس مخيطا أو غيره حتى العصابة فإنها حرام ، فإن احتاج إليها لشجة أو صداع أو نحوهما شدها ولزمته الفدية.
(ج) ونبه بالخفين على كل ساتر للرجل من حذاء وجورب وغيرهما. وهذا في حق الرجال.
(د) ونبه بالورس والزعفران على ما في معناهما وهو الطيب، فيحرم على الرجل والمرأة جميع أنواع الطيب في الإحرام.
(وحكمة) تحريم اللباس المذكور على المحرم وأمره بلبس الإزار والرداء أن يبعد عن الترفه ويظهر بمظهر الخاشع الذليل ، وليتذكر كل وقت أنه محرم فيكثر من أذكار الإحرام ويجتنب محظوراته، وليتذكر به الموت ولباس الأكفان، وليتذكر البعث والناس حفاة عراة مهطعين إلى الداعي، وأجمعوا على تحريم لباس ما صبغ بالزعفران أو الورس ونحوهما مما يقصد به الطيب. هذا، ومن لم يجد إزار ولا نعلين ، يشق السراويل ويقطع الخف أسفل من الكعبين عند الحنفيين ومالك. وإذا لبس كلا على حاله لزمته الفدية ، لقوله صلى الله عليه وسلم: إلا ألا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين (1). (وقال) الشافعي: لا يشق السراويل ويقطع الخف أسفل من الكعبين. وروي عن أحمد: وإذا لبس كلاٌّ على حاله لا فدية عليه ، لأنه لو وجبت فدية لبينها النبي صلى الله عليه وسلم. والمشهور عن أحمد أن من لم يجد إزاراً ولا نعلا يلبس السراويل والخف على حالهما ولا فدية عليه ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات
(1) هذا عجز الحديث رقم 95 ص 72.
وقال: إذا لم يجد المحرم إزاراً فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين. أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان والبيهقي والدارمي. وكذا أبو داود والنسائي مختصراً (1){98}
(وأجاب) الأوَّلون: بأن هذا المطلق محمول على المقيد بقطع الخفين، ويؤيده أن حديث ابن عباس روى موافقا لحديث ابن عمر في قطعهما (فقد) روى جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا لم يجد إزاراً فليلبس السراويل وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين. أخرجه النسائي بسند صحيح (2){99}
والزيادة من الثقة مقبولة، فالأولى قطع الخفين عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف وأخذا بالاحتياط.
(فائدتان)(الأولى) قيدوا اللبس الممنوع منه المحرم بالمعتاد، فلو ارتدى القباء أو ائتزر القميص جاز، ولو لبس القباء ولم يدخل يديه في كميه ولم يزرّه جاز مع الكراهة ، ولا دم عليه عند الحنفيين وأحمد (وقال) مالك والشافعي: عليه الفدية ، لقول نافع: وجد ابن عمر القرَّ وهو محرم فقال: ألق على ثوباً، فألقيت عليه برنساً فأخرجه وقال: تلقى على ثوباً قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبسه ، أخرجه أحمد وأبو داود بسند جيد. وأخرجه البيهقى نحوه (3){33}
(1) انظر رقم 105 ص 141 ج 1 تكملة المنهل (ما يلبس المحرم) وباقي المراجع بهامش 4 منه.
(2)
ص 10 ج 2 مجتني (الرخصة في لبس الخفين في الإحرام لمن لا يجد نعلين).
(3)
انظر أثر 6 ص 140 ج 1 تكملة المنهل العذب وباقي المراجع بهامش 1 ص 141 منه. و (القر) بضم فشد ، البرد الشديد.
(وأجاب) الأولون بأن هذا من ورع ابن عمر وتوقيه ، كره أن يلقى عليه البرنس، وسائر العلماء إنما يكرهون لبسه مع إدخال يديه في كميه.
(الثانية) دل حديث ابن عمر رقم 96 (1)(أولاً) على أنه يحرم على المرأة المحرمة لبس القفازين. وبه قال مالك وأحمد وهو الأصح عن الشافعي والمشهور عند الحنفيين (وقال) محمد بن الحسن: يجوز للمرأة المحرمة لبس القفازين، وهو رواية المزني عن الشافعي وقول لمالك مستدلين بحديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه. أخرجه الدارقطني والبيهقى بسند فيه مقال (2){100}
والراجح القول الأول ، فأن حديث ابن عمر دلَّ بمنطوقه على تحريم لبسها القافزين. وحديث إحرام المرأة في وجهها يدل مفهومه على جواز القفازين. وحديث إحرام المرأة في وجهها يدل مفهومه على جواز القفازين. ودلالة المنطوق أقوى سيمّا وأن حديث ابن عمر صحيح ، وحديث إحرام المرأة في وجهها ضعيف.
(ثانيا) دلَّ حديث ابن عمر على أنه يجوز للمحرمة لبس المعصفر، وبه قال مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون: لا تلبس المعصفر، وهو المصبوغ بالعصفر إلا إذا كان غسيلا لا ينفض ولا يوجد له ريح.
5 -
لبس ما صبغ بمطيب: ويحرم على المحرم ولو أنثى لبس ثوب صبغ بما له رائحة طيبة كورس أو زعفران اتفاقاً ، إلا أن كان غسيلا لا ينفض ولا يوجد ريحه، فيحل لبسه للمحرمة عند غير مالك ، لما روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلبسوا ثوباً مسه
(1) تقدم ص 73
(2)
ص 286 سنن الدراقطني. وص 47 ج 5 سنن البيهقي (المرأة لا تنتقب في إحرامها .. ).
ورس أو زعفران أن يكون غسيلا ، يعني في الإحرام. أخرجه ابن عبد البر والطحاوي (1){101}
(وقال) مالك: يكره لبس المزعفر ونحوه إلا أن يكون غسل وذهب لونه، فقد سئل عن ثوب مسه طيب ثم ذهب ريح الطيب منه هل يحرم فيه؟ قال: نعم لا بأس بذلك ما لم يكن فيه إصباغ أو ورس. ذكره في الموطإ (2)
6 -
التطيب: يحرم على المحرم ولو أنثى التطيب في الثوب والبدن إجماعاً ، لما روى أسلم مولى عمر أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب بذي الحليفة فقال: مَّمِنْ هذا الريح؟ فقال معاوية: مِنِّى، أم حبيبة طببتني. فقال عمر: عزمت عليك لترجعنَّ فلتغْسِلَنَّه. أخرجه مالك وأحمد والبزار وزاد بعد الأمر بغسله: فأني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحاجُّ الشَّعِث التَّفِل. ورجال أحمد رجال الصحيح؟ (3){102}
وإذا تطيب أو لبس ما نهى عنه ، لزمته الفدية إن كان متعمداً بالإجماع ، وكذا إذا كان ناسياً عند الحنفيين ومالك.
(وقال) الشافعي وأحمد: لا فِدْيةَ على الناسي لما تقدم في حديث يعلى ابن أمية من قوله صلى الله عليه وسلم له: تنزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة (4) لم يأمره بالفدية وقد لبس في إحرامه جاهلا. والناسي في معناه (وأجاب) عنه الحنفيون ومالك بأنه كان قبل التحريم، فلذا لم يأمره النبي
(1) ص 269 ، 370 ج 1 شرح معاني الآثار (لبس ثوب منه ورس أو زعفران في الإحرام)
(2)
ص 151 ج 2 زرقاني الموطإ (لبس الثياب المصبغة في الإحرام).
(3)
ص 156 منه (الطيب في الحج) وص 218 ج 3 مجمع الزوائد (الطيب عند الإحرام) و (الشعت) بكسر العين مغبر الرأس لعدم تعهده. و (التفل) بكسر الفاء تارك الطيب حتى توجد منه رائحة كريهة.
(4)
تقدم رقم 64 ص 47.
صلى الله عليه وسلم بالفدية. وأما بعد التحريم فلا فرق بين الجاهل والناسي والعامد، فمن غطى رأسه ولو ناسيا يوما إلى الليل، فعليه الفدية عند الحنفيين، وأن كان أقل من ذلك فعليه صدقة، وعن مالك يلزمه صدقة إذا أنتفع بذلك أو طال لبسه.
7 -
الدهان: ويحرم على المحرم دهن رأسه وبدنه بزيت أو شيرج عند الحنفيين لما فيه من الزينة والحاج أشعت أغبر (روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا. وأخرجه البيهقي (1){103}
(وقال) مالك: لا يجوزُ للمحْرِم أن يدهن أعضاءه الظاهرة - كالوجه واليدين والرجلين - بزيت أو شيرج أو سمن، ويجوز دهن الباطنة، وهي ما يوارى باللباس لعدم ظهور الزينة (وقالت) الشافعية: يحرم استعمال ما ذكر في شعر رأسه ولحيته ويجوز في بدنه ، لحديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدهن عند الإحرام بالزيت غير المقتت. أخرجه أحمد والبيهقى والترمذي وقال: مقتت: مطيب هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد وروي عنه الناس (2){104}
وقال الحافظ في التقريب: فرقد بن يعقوب السبخى بفتحتين وخاء معجمة ، صدوق عابد، لكنه لَيِّن الحديث كثير الخطأ.
(1) ص 58 ج 5 سنن البيهقي (الحاج أشعث لأغبر
…
) و (شعثا غبرا) بضم فسكون جمع أشعث وأغبر.
(2)
ص 99 ج 11 - الفتح الرباني. وص 58 ج 5 سنن البيهقي (المحرم يدهن جسده غير رأسه ولحيته ما ليس بطيب) وص 123 ج 2 تحفة الأحوذي.
وإذا لم يثبت الحديث تعين المصير إلى حديث آخر، وهو أن الشرع إنما منع المحرم من استعمال الطيب، والدهن ليس منه، فلا يثبت تحريمه، وإنما مُنع في الرأس واللحية لأنه يرجل الشعر ويزينه فتجب به الفدية، فإن استعمله في رأسه وهو أصلع جاز لأنه لبس فيه تزيين.
وإن استعمله في رأسه وهو محلوق لم يجز لأنه يحسن الشعر إذا نبت. والمشهور عن أحمد ألا فدية على من ادهن بزيت أو سيرج سواء كان في بدنه أو رأسه (1).
8 -
التخضيب: يَحْرُم على المحرم ولو أنثى التخضيب بالحناء عند الحنفيين ، لأنه زينة والحناء طيب كما قاله أبو حنيفة الدينورى وغيره من أهل اللغة (2) (وقالت) أم سلمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تطيبي وأنت محرمة ولا تمسى الحناء فإنه طيب. أخرجه ابن عبد البر في التمهيد والبيهقي في المعرفة، والطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام وحديثه حسن. قال الهيثمى (3){105}
(وقال) مالك والشافعي وأحمد: الحنَّاء ليس بطيب ، لقول كريمة بنت همام الطائية: كنا في مسجد الحرام وعائشة فيه، فجلسنا إليها، فقالت لها امرأة: يا أم المؤمنين ما تقولين في الحناء والخضاب؟ قالت: كان خليلي لا يحب ريحه. أخرجه البيهقي (4){106}
قال في الجوهر النقي: كريمة بنت همام لم أقف على حالها (وقال)
(1) انظر ص 283 ج 7 شرح الهب
(2)
ص 61 ج 5 - الجوهر التقي.
(3)
ص 218 ج 3 مجمع الزوائد (الطيب عند الإحرام) وص 61 ج 5 الجوهر النقى.
(4)
ص 61 ج 5 سنن البيهقي (الحناء ليس بطيب).
البيهقي: وفيه كالدلالة على أن الحناء ليس بطيب، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ولا يحب ريح الحناء. (والظاهر) القول الأول ، لأنه إن سلم أن الحناء ليس بطيب فهو زينة وترفه.
(فائدتان)(الأولى) إذا وضع الطيب في مطبوخ أو مشروب ولم يبق له طعم ولا لون ولا ريح وتناوله المحرم فلا فدية عليه اتفاقا، وأن بقيت رائحته وجبت الفدية بأكله عند الشافعية (وقال) الحنفيون: لا فدية لأنه لم يقصد به الترفه بالطيب (1). (الثانية) يجوز للمحرم الجلوس عند العطار ولا فدية عليه عند الجمهور، وكره ذلك مالك، وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن. وأجمعوا على أنه له دهن بدنه بما ذكر وعلى أن المحرم ممنوع من استعمال الطيب في جميع بدنه (2).
9 -
شم الورد ونحوه: يحرم على المحرم استعمال وشم ما ينبته الآدمي للطيب ويتخذ منه طيب - عند الشافعي وأحمد - كالورد والبنفسج والياسمين والريحان والنرجس، فإن فعل ذلك ففيه الفدية ، لأنها تجب في الطيب المأخوذ منه فتجب في أصله. وعن أحمد أنه لا فدية فى شم الورد ، لأنه زهر كسائر الأزهار، والأولى تحريمه ، لأنه ينبت للطيب ويؤخذ منه فأشبه الزعفران والعنبر. وأن مس من الطيب ما يعلق بيده كماء الورد والمسك المسحوق فعليه الفدية ، لأنه استعمل الطيب (وعن) أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الريحان أيشمه المحرم والطيب والدهن؟ فقال لا. أخرجه البيهقي وابن شيبه (3){34}
(1) ص 282 ج شرح المهذب.
(2)
ص 282 منه.
(3)
ص 57 ج 5 سنن البيهقي. (من كره شمه للمحرم)
(قال) جابر: إذا شم المحرم ريحاناً أو مس طيباً أهراق لذلك دما (1){35}
(وقال) الحنفيون ومالك: يكره شم ما ذكر ولا فدية فيه. وروى عن أحمد: لأنه لا يتخذ منه طيب فأشبه العصفر. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يكره شم الريحان للمحرم. أخرجه البيهقي بسند صحيح (2){36}
وقال عثمان بن عفان وابن عباس: شم الريحان حلال لا فدية فيه، وهو قول أكثر الفقهاء، وهو الموافق ليسر الدين. قال ابن قدامة: وإن مس مالا يعلق بيده كالمسك غير المسحوق، وقطع الكافور والعنبر فلا فدية لأنه لم يستعمل الطيب، فإن شمه فعليه الفدية لأنه يستعمل هكذا، وإن شم العود فلا فدية عليه لأنه لا يتطيب به هكذا (3)
(وقال) أما مالا ينتبه الآدمي للطيب ولا يتخذ منه طيب كالشيح والقيصوم والفواكه كالأترج والتفاح والسفرجل وما ينبته الآدمي لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر فمباح شمه ولا فدية فيه. وقد روي أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يحرمن في المعصفرات (4)
10 -
إزالة الشعر: يحرم على المحرم إجماعاً إزالة شعره بلا عذر، لقوله تعالى:" وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ "(5)، والمراد
(1) ص 153 ج 9 عمدة القاري (الطيب عند الإحرام).
(2)
ص 57 ج 5 سنن البيهقي. (من كره شمه للمحرم)
(3)
ص 294 ج 3 مغني.
(4)
ص 293 ج 5 منه. و (القيصوم) فيعول نبات صحراوي طيب الرائحة. (والأترج) بضم فسكون فضم فشد ، وفي لغة ترنج نوع من الفاكهة.
(5)
البقرة آية 196. والهدى ما يهدي إلى الحرم من الغنم. ومحله الحرم عند الحنفيين وأحمد لقوله تعالى: ثم محلها إلى البيت العتيق ، وقوله هدياً بالغ الكعبة. وقال مالك والشافعي: محله موضع الحصر.
إزالة الشعر كيفما حلقا وقصا ونتفا وغيرها، وشعر باقي الجسد ملحق بشعر الرأس. ويجب على وليّ الصَّبي المحرم أن يمنعه من إزالة شعره وتجب به الفدية، سواء شعر الرأس واللحية والشارب والإبط والعانة وسائر البدن. ولو حلق المحرم رأس الحلال لا يجوز عند الحنفيين فإن فعل فعليه صدقة. ويجوز ولا فدية فيه عند مالك والشافعي وأحمد. وأما حك المحرم رأسه فمباح إجماعا، لكن يكون برفق لئلا ينتف شعراً.
11 -
قلم الظفر: ويحرص على المحرم أخذ ما طال من ظفره بلا عذر إجماعاً، وكذا أخذ ظفر غيره ولو حلالا عند الحنفيين، لأن قطع الظفر إزالة جزء يترفه به فحرم كإزالة الشعر، فإن انكسر فله إزالته من غير فدية لأنه يؤذيه ويؤلمه كالشعر النابت في عينه، فإن قص أكثر مما أنكسر فعليه الفدية لذلك الزائد ، كما لو قطع من الشعر أكثر مما يحتاج إليه، وأن احتاج إلى مداواة قرحة فلم يمكنه إلا بقص إظفاره فعليه الفدية. وقال ابن القاسم المالكي: لا فدية عليه، وأن وقع في أظفاره مرض فأزالها فلا فدية عليه ، لنه أزالها لعذر فأشبه قصها لكسرها.
12 -
ستر الرأس: ويحرم على الرجل تغطية رأسه كلا أو بعضا مما يستر به عادة كالثوب والقلنسوة (الطاقية) والعمامة والطربوش، فلا شئ في سترها بنحو طبق أو قفة أو يد عند الثلاثة. (وقال) مالك: يحرم على الرجل ستر رأسه بكل ساتر كطين وعجين وجيز ودقيق وعمامة ويد. فإذا ألصقها برأسه وطال زمنه افتدى. وعن ابن عاشر: يجوز الاتقاء باليد ولا فدية لأنها لا تعد ساتراً (1)، وهذا هو الظاهر.
(1) انظر ص 479 ج 1 - الفجر المنير.
13 -
ستر الوجه: ويحرم على المحرم تغطية وجهها إجماعا وتستر منه مالا يتم ستر الرأس إلا به ، ولها أن تسدل على وجهها ثوباً متجافياً عنه لحاجة - كبرد وحر، أو خوف فتنة ونحوها - ولغير حاجة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي (1){107}
وإن أصاب الثوب وجه المحرمة بغير اختيار ورفعته في الحال فلا فدية وإن كان عمداً أو استدامته لزمتها الفدية (وكذا) يحرم على المحرم تغطية وجهه كلاُّ أو بعضا بما يستر به عادة عند الحنفيين (وقال) مالك: يحرم عليه ستره كلا أو بعضاً بكل ساتر كطين وعجين وجير ودقيق، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا وقصته راحلته وهو محرم فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا. أخرجه الشافعي والسبعة والبيهقي وهذا لفظ مسلم (2){108}
فهو يدلُّ على أنه لا يجوز للمحرم تغطية رأسه ولا وجهة لأنَّ قوله: فإنه يبعث مُلَبِّياً يدل على أن العلة الإحرام. وعن نافع أن ابن عمر كان
(1) انظر رقم 109 ص 145 ج 1 تكملة المنهل العذب (في المحرمة تغطي وجهها) وباقي المراجع بهامش 2 ص 146 منه.
(2)
ص 210 ج 1 بدائع المنن وص 120 ج 2 تحفة الأحوذي (المحرم يموت في إحرامه) وص 54 ج 5 سنن البيهقي (لا يغطي المحرم رأسه .. ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 227 ج 7 - الدين الخالص (غسل الميت) و (وقصته) وقص من باب وعد أي رمته فدقت عنقه.
يقول: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم. أخرجه مالك والبيهقي وصححه (1){37}
(وقال) الشافعي وأحمد والجمهور: لا إحرام في وجه الرجل فله تغطيته دون المرأة ، لقول عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عثمان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غَطَّى وجهه بقطيفة أرجوان. أخرجه مالك والبيهقي بسند صحيح. (2){38}
ودليل القول الأول أقوى.
14 -
نكاح المحرم: ويحرم على المحرم عقد النكاح لنفسه أو غيره بولايةٍ أو وكالة عند مالك والشافعي وأحمد، لحديث أبان بن عثمان عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يَنْكِح المحْرِمُ ولا يُنْكَح ولا يَخْطُب. أخرجه الشافعي والجماعة إلا البخاري وليس في الترمذي: ولا يخطب (3){109}
(وقال) الترمذي: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا يَرَوْنَ أن يتزوج المحرم ، وأن نكح فنكاحه باطل. (وقال) الحنفيون: يجوز للمحرم عقد النكاح لنفسه وغيره بولاية أو وكالة ،
(1) ص 152 ج 2 زرقاني الموطإ (تخمير المحرم وجهه) وص 54 ج 5 سنن البيهقي (لا يغطى المحرم رأسه ويغطي وجهه) و (العرج بفتح فسكون قرية على 3 مراحل من المدينة. و (القطيفة) كساء له خمل. و (أرجوان) بضم فسكون فضم ، صوف أحمر.
(2)
ص 152 ج 2 زرقاني الموطإ (تخمير المحرم وجهه) وص 54 ج 5 سنن البيهقي (لا يغطى المحرم رأسه ويغطي وجهه) و (العرج بفتح فسكون قرية على 3 مراحل من المدينة. و (القطيفة) كساء له خمل. و (أرجوان) بضم فسكون فضم ، صوف أحمر.
(3)
انظر رقم 117 ص 115 ورقم 118 ص 156 ج 1 تكملة المنهل (المحرم يتزوج) وباقي المراجع بهامش 3 ص 156 منه. و (لا ينكح) بفتح فسكون فكسر أي لا يتزوج (ولا ينكح) بضم فسكون فكسر أي لا يتزوج غيره.
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. أخرجه السبعة وزاد البخاري: وبنى بها وهو حلال (1){110}
(قال) الترمذي: واختلفوا في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، لأنه صلى الله عليه وسلم تزوجها في طريق مكة، فقال بعضهم: تَزَوَّجها وهو حلال، وظهر أمر تزويجها وهو محرم ثم بنى بها وهو حلال بسرف في طريق مكة (2). ورجح قول الجمهور ، لأن حديث عثمان فيه بيان قانون كلى للأمة. وأما حديث ابن عباس ففيه حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم. (وقال) الحنفيون: حديث ابن عباس أرجح فقد أخرجه السبعة فلا يعارضه حديث عثمان ، لأن البخاري لم يخرجه. والأصل في أفعال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم العموم إلا أن قام دليل الخصوصية ولا دليل.
(15)
تعرض المحرم للصيد - يحرم على المحرم قتل كل صيد برى مأكول وحشى بأصله واصطياده لقول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم"(3). والمراد صيد البر لأن صيد البحر حلال ، لقوله تعالى:" أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة "(4) ، وكذا يحل للمحرم بالإجماع ما ليس بصيد كالبقر والغنم والإبل وغيرها من الحيوان الإنسى.
(1) انظر رقم 120 ص 158 ج 1 تكملة المنهل (المحرم يتزوج) وباقي المراجع بهامش 7 ص 160 منه.
(2)
ص 89 ج 2 تحفة الأحوذي. (ما جاء في الرخصة في ذلك).
(3)
آية 95 المائدة.
(4)
آية: 96 المائدة. والمراد بالبحر كل ماء يوجد فيه صيد بحري. والمراد بطعامه ما لفظه البحر ، وقيل ما يطعم من الصيد أي ما يحل أكله وهو السمك ونحوه (وللسيارة) أي المسافرين يتزودونه بجعله قديداً.
16 -
ويحرم على المحرم الإعانة على قتل صيد البر المأكول الوحشى بدلالة أو إشارة أو إعارة آله إن اتصل بها القبض، ولم يكن المدلول عالماً بالصيد وصدق الدال، لأن ما حرم قتله حرمت الإعانة على قتله إجماعاً وإن أعان على قتله فقتل لم يجب عليه الجزاء، لأن ما لا يلزمه حفظه لا يضمنه بالدلالة على إتلافه، ودليل ذلك حديث أبى قتادة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف بعض أصحاب لهم محرمين وهو غير محرم، فرأي حماراً وحشياً فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه، فأبوا، فسألهم رمحه، فأبوا، فأخذ رمحه فشدَّ على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحابا لنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بعضهم، فلما أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك، فقال: إنما هي طُعمة أطعمكموها الله تعالى. أخرجه الأئمة ومسلم وأبو داود والبيهقي والطحاوي (1){111}
وعند الشيخين أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار غليها؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقى من لحمها (2). وهذا يدل على أن مجرد الأمر من المحرم للصائد بأن يحمل على الصيد والإشارة منه ، يوجب عدم الحل \لمشاركته للصائد.
17 -
ويحرم على المحرم تنفير الصيد وإتلافه وبيعه وشراؤه ، لحديث
(1) انظر رقم 127 ص 174 ج 1 تكملة المنهل العذب (لحم الصيد للمحرم) وباقي المراجع بهامش 5 ص 175 منه. و (القصة) كانت في عمرة الحديبية ، ففي رواية يحيى ابن أبي كثير عن ابن أبي قتادة أن أباه قال: انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، ولم يحرم أبو قتادة لأنه لم يقصد العمرة.
(2)
انظر المراجع بهامش 3 ص 107 منه.
ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرمة الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها ، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر ، فإنه لقينهم ولبيوتهم. فقال إلا الإذخر. أخرجه الشيخان والبيهقي، وكذا أبو داود مختصراً، وهذا لفظ مسلم (1){112}
دل (أولا) على حرمة قطع شوك الحرم. وبه قال الجمهور. (وقال) بعض الشافعية: لا يحرم قطعه لأنه مؤذ ، لكنه قياس في مقابلة النص فلا يعول عليه (قال القرطبي) خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبت بلا صنع آدمي. أما ما ينبته الآدمي فيجوز قطعه عند الجمهور. (وقال) الشافعي: في الجميع الجزاء. وقد اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم ، غير أن الشافعي أجاز قطع السواك، وأجاز أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها.
(1) انظر رقم 278 ص 207 ج 2 تكملة المنهل العذب وباقي المراجع بهامش 2 ص 207 منه. و (لا يعضد) أي لا يقطع (ولا ينفر) من التنفير وهو الإزعاج (واللقطة) بفتح القاف وقد تسكن ، الملقوط. أي لا تحل لقتطها إلا لمن يعرفها أبداً ولا يتملكها (والخلا) بفتح الخاء مقصوراً البنات الرطب ومده في الحديث خطأ واختلاؤه قطعه والخلاء بالمد المكان الخالي (والإذخر) بكسر فسكون فكسر نبت طيب = الريح تسقف به البيوت بين الخشب وبسدبه الخلل بين اللبنات في القبور وفت حهمزته خطأ (والفتن) بفتح فسكون ، الحداد والصائغ أي يحتاج إليه من ذكر في وقود النار.
(ثانيا) دل قوله صلى الله عليه وسلم: ولا ينفر صيده، على حرمة إتلافه، لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى.
(ثالثاً) دل قوله صلى الله عليه وسلم: ولا يختلي خلاها، على تحريم رعى الرطب من نبات الحرم ، لأنه أشد من القطع والاحتشاش، أما اليابس فيجوز قطعه على الأصح عند الشافعية.
18 -
أكل المحرم لحم الصيد: يحرم على المحرم أكل لحم صيد البر إلا إذا لم يصد لأجله ولا أعان عليه ولا أشار ، لحديث المطلب بن عبد الله عن جابر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم. أخرجه الشافعي وأحمد والثلاثة والحاكم والدارقطني والطحاوي والبيهقي ، وفي سنده عمرو بن عمرو مختلف فيه ، وإن كان من رجال الصحيح (1){113}
(قال) الترمذى: حديث جابر حديث مفسر (2)، والمطلب لا نعرف له سماعا من جابر. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لا يرون بأكل الصيد للمحرم بأسا إذا لم يصطده أو يصد من أجله. (قال) الشافعي: هذا أحسن حديث روى في هذا الباب وأقيس ، وهو قول أحمد وإسحاق (3)، وبمقتضاه قال مالك أيضا والجمهور: فإن صاده أو صيد له فهو حرام سواء صيد له بإذنه أم بغير إذنه، أما إن صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم ثم أهدى من لحمه المحرم أو باعه له لم يحرم عليه (وقال)
(1) انظر رقم 126 ص 172 ج 1 تكملة المنهل العذب (لحم الصيد للمحرم) وباقي المراجع بهامش 1 ص 173 منه.
(2)
(مفسر) أي مبين لأنه صريح في أنه لا يحل ما صاده المحرم أو صاده له حلال.
(3)
ص 90 ج 2 تحفة الأحوذي (ما جاء في أكل الصيد للمحرم).
الحنفيون: لا يحرم على المحرم ما صيد له بغير إعانة ولا إشارة منه ، لحديث عمير بن سلمة الضمري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالعرج ، فإذا هو بحمار عقير فلم يلبث أن جاء رجل من بهز ، فقال: يا رسول الله، هذه رميتي فشأنكم بها ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فقسمه بين الرفاق (الحديث) أخرجه الإمامان والنسائي والبيهقي. وهذا لفظ أحمد. وصححه ابن خزيمة (1){114}
19 -
ويحرم على المحرم كسر بيض الصيد وحلبه وبيعه وشراؤه، لحديث على بن زيد حدثنا عبد الله بن الحارث قال: كان أبي الحارث على أمرٍ من أمر مكة في زمن عثمان، فأقبل عثمان رضي الله عنه إلى مكة (الحديث) وفيه: ثم قال على: أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى ببيض النعام، فقال صلى الله عليه وسلم: إنا قوم حرم أطعموه أهل الحل فشهد دونهم من العدة من الأثنى عشر ، فثنى عثمان وركه عن الطعام فدخل رحله وأكل ذلك الطعام أهل الماء. أخرجه أحمد. وعلى بن زيد فيه كلام وقد وثق (2){115}
دل على أن كل طير وصيد حرم على المحرم صيده يحرم عليه بيضه، فإن أتلفه ضمنه بقيمته عند الحنفيين والشافعي وأحمد. (وقال) مالك: يضمنه بعشر ثمن أصله (3).
(1) انظر المراجع بهامش 1 ص 172 ج 1 تكملة المنهل العذب. و (العرج بفتح فسكون ، قرية جنوب ذي الحلفية. و (عقير) أي معقور مقتول.
(2)
ص 239 ج 11 - الفتح الرباني (فشهد دونهم من العدة)(أي شهد على بيض النعام بعض الأثنى عشر. وأهل الماء) أي المقيمون بهذا المكان من أهل الحل.
(3)
ص 332 ج 7 شرح المهذب.
(تتميم): لا شئ على المحرم عند الحنفيين والشافعي في قتل البعوض والبراغيث والبقَّ (وقال) مالك: إذا قتل الذباب والقمل يتصدق بشيء من الطعام. (وقال) الحنفيون: يحرم على المحرم قتل لقمل ، وروى عن أحمد لأنه يترفه بإزالته فحرم كقطع الشعر ، ولحديث عبد الرحمن بن أبي ليل عن كعب بن عجرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا كثير الشعر، فقال: كأن هوام رأسك تؤذيك؟ قلت: أجل، قال فاحلقه واذبح شاة نسيكة أو صم ثلاثة أيام ، أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين. أخرجه الشافعي وهذا لفظه. والجماعة بألفاظ متقاربة وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (1){116}
فلو كان قتل القمل وإزالته مباحا لم يكن كعب يتركه حتى يصير كذلك ، ولأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإزالته، والصئبان كالقمل لأنه بيضه ، ولا فرق بين قتل القمل ورميه لحصول الترفه به. ويجوز للمحرم حك رأسه برفق كيلا يقطع شعراً أو يقتل قملا. فإن تفلي المحرم أو قتل قملا فلا فدية فيه ، لأن كعب بن عجرة حين حلق رأسه قد اذهب قملاً كثيراً ولم تجب عليه فدية إلا للحلق (2)، ولو ظهر القمل في بدنه وثيابه فله إزالته ولا فدية اتفاقاً، بخلاف قمل الرأس لأنه يتضمن إزالة الأذى من الرأس وقد ورد فيه النص.
(1) انظر رقم 130 ص 179 ج 1 تكملة المنهل العذب (الفدية) وباقي المراجع بهامش 1 ص 182 منه. و (نسيكة) أي ما يجزئ في الأضحية.
(2)
ص 304 ج 3 شرح ابن قدامة.