الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الأركان (منها) ما يفوت الحج بتركه ولا يؤمر تاركه بشيء وهو الإحرام (ومنها) ما يفوت الحج بفواته ويؤمر تاركه بالتحلل من الحج بعمرة وبالقضاء في العام القابل وهو الوقوف بعرفة على ما يأتي بيانه في الإحصار والفوات أن شاء الله تعالى (ومنها) مالا يفوت الحج بفواته ولا يحلل منه أصلاحتى يؤديه. وهو طواف الإضافة والسعي والحلق. (وأما الترتيب) بين معظم الأركان فركن عند الشافعي وشرط عند غيرة. فيشترط تقديم الإحرام على جميعها ، وتقديم الوقوف بعرفة على طواف الركن. ويشترط كون السعي بعد طواف صحيح ولا يشترط تقدم الوقوف بعرفة على السعي بل صحيح سعيه بعد طواف القدوم. وهو أفضل ولا ترتيب بين طواف الركن والحلق (1).
المقصد الرابع في واجبات الحج
وهى جمع واجب وهو هنا ما يجب بتركه دم ويصح الحج ولو تركه عمدا ولكنه يأثم.
وواجبات الحج كثيرة منها:
(أ) المتفق على وجوبه وهو أربعة: الإحرام من المقيات ، ورمى الجمال ، والذبح للمتمتع والقارن والبعد عن محرمات الإحرام.
(ب) ومنها ما قيل فيه بالوجوب وغيرة ، وهو تسعة:
(1)
التلبية. وهى واجبة في المشهور عن مالك ، وشرط للإحرام لا يصح إلا بها عند الحنفيين. ويقوم مقامها ما في معناها ، وسنة عند الشافعي وأحمد. وهو رواية عن مالك على ما تقدم (2)
(2)
وطواف القدوم - وهو واجب عند مالك وسنة عند غيرة كما تقدم (3)
(1) ص 266 ج 8 شرح المهذب.
(2)
تقدم ص 55.
(3)
تقدم ص 121.
(3)
وصلاة الطواف وهو واجبة بعد كل طواف عند الحنفيين وهو قول لمالك والشافعي. وسنة عند أحمد وهو الأصح عند الشافعي كما تقدم (1).
(4)
والسعي بين الصفا والمروة. وهو واجب يجبر بدم عند الحنفيين وهو الصحيح عند أحمد. وركن عند مالك والشافعي وهو رواية عن أحمد كما تقدم (2).
(5)
ومد الوقوف بعرفة - أن وقف نهارا - إلى ما بعد الغروب. وهو واجب عند الحنفيين ومالك وأحمد. وسنة عند الشافعي كما تقدم (3).
(7،6) والمبيت بمزدلفة والوقوف بها.
(8)
والحلق أو التقصير. وهو ركن عند الشافعي. وواجب عند الثلاثة كما تقدم (4).
(9)
وطواف الوداع. وهو واجب عند الحنفيين والشافعي وأحمد. وسنة عند مالك كما تقدم (5). وهاك بيان ما لم يتقدم بيانه وهو ستة:
(أ) الإحرام من المقيات (6) - وهو واجب اتفاقا ، لحديث ابن عباس رض الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجاوزوا المقيات إلا بإحرام. أخرجه ابن أبى شيبة والطبراني في الكبير. وفي سنده خصيت الجزرى. وفيه كلام وقد وثقه جماعة (7){184}
(1) تقدم ص 108.
(2)
تقدم ص 129.
(3)
تقدم ص 93.
(4)
تقدم ص 142 وما بعدها.
(5)
تقدم ص 122 ، 123
(6)
الميقات لغة الحد مأخو 1 من الوقت وهو الزمان ، ثم صار حقيقة شرعية في كل من الزمان والمكان. والمراد به هنا الميقات المكاني الذي لا يحل لمريد مكة مجاوزته بلا إحرام. وقد تقدم بيانه بـ ص 49 وما بعدها وبرسم 1 ص 54.
(7)
ص 15 ج 3 نصب الراية. وص 216 ج 3 مجمع الزوائد (الإحرام من الميقات).
" وعن أبى الشعثاء " أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز المواقيت غير محرم. أخرجه الشافعي والبهقى (1){56}
(ب) المبيت بمزدلفة (2) - المبيت بها ليلة النحر بعد النزول من عرفة واجب عند أحمد.
ويجب عند الشافعية البيات بها ساعة في الصف الثاني من الليل (وقال) الحنفيون ومالك: البيات بها سنة ، لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: ودفع صلى الله عليه وسلم (يعنى من عرفة) وقد شنق للقصواء الزمام ويقول بيده المني: أيها الناس السكينة السكينة حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين
(1) ص 302 ج 1 بدائع المنن. وص 29 ، 30 ج 5 سنن البيهقي (من مر بالميقات
…
).
(2)
المزدلفة: بضم فسكون ففتح فكسر ، واد يمتد من غربا إلى المأزمين شرقا. طوله نحو أربعة آلاف متر. سمي بذلك لمجئ الناس إليه في زلف (أي ساعات) من الليل. ويقال لها جمع بفتح فسكون لاجتماع الناس بها (وهي) من الحرم وفيها يرى على يمين السائر إلى عرفة المشعر الحرام على بعد 2548 متر من أول الوادي من جهة المحسر (وهو) جبل بالمزدلفة. سمي بذلك لأن الجاهلية كانت تشعر عنده هداياها (أي تضر بها في صفحة سنامها حتى يسيل منها الدم) ويسمى قزح ويحيط جدران ارتفاع كل منهما أربعة أمتار في عرض ثلاثة. والمسافة بينهما ستون متراً وفي نهاية المزدلفة يضيق الوادي إلى خمسين متراً عرضاً في مسافة طولها 4372 متر تنتهي إلى الميلين اللذين هما حد الحرم من جهة عرفة. وهما بناءان أقل من بناء المشعر الحرام. والمسافة بينهما مائة متر. وهذا الوادي يسمى وادي المأزمين. مثنى مازم بكسر الزاي وهو الطريق بين الجبلين. وفي جنوبهما طريق ضب يستحب سلوكه حال الذهاب إلى عرفة. ثم يتسع الوادي ويسمى وادي عرنة وبه مسجد نمرة. ويسمي جامع إبراهيم. وهو مسجد كبير طوله تسعون متراً في عرض ثمانين محاطا بالبواكي وفي وسطه مجرى ماء يأتيه الماء من مجرى عين زبيدة. وفي شماله إلى الشرق بقليل علمان. وهما عمودان أقيما للدلالة على حد عرفة الغربي. بينهما وبين العلمين المحددين للحرم من الشرق 1553 متر. انظر رسم 2 جبل عرفات ص 92.
ولم يسبح بينهما ثم اضطجع صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر (1). (ويستقط) وجوب المبيت بمزدلفة لعذر كضعف أو خوف زحام أو فوات رفقة ، لقول عائشة رضى الله عنها: كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل فأذن لها ، ووددت أنى كنت استأذنته فأذن لي. أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه (2){185}
" وقال " ابن عباس رضى الله عنهما: أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله. أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه (3){186}
والمعنى ابن عباس رضى الله عنهما كان من الضعفة الذين أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا من المزدلفة ليلا إلى منى. وهذا إذن عام لكل ضعيف في الدفع إلى منى قبل الفجر لرمى جمرة العقبة قبل الزحام. وهذا متفق عليه.
(ج) الوقوف بمزدلفة - يجب الوقوف بها بعد طلوع فجر يوم النحر وقبل طلوع الشمس عند الحنفيين وأحمد وروى عن الشافعي ، لحديث على رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى جمعا فصلى بهم
(1) هذا بعض حديث جابر الآتي في (حج النبي صلى الله عليه وسلم. و (الفصواء) بفتح القاف والمد ، فاقه النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
ص 165 ج 12 - الفتح الرباني. وص 344 ج 3 فتح الباري (من قدم ضعفة أهله بليل .. ) وص 38 ج 9 نووي مسلم (تقديم دفع الضعفة .. من مزدلفة .. ) وص 126 ج 2 سنن ابن ماجة (من تقدم من جمع إلى منى) و (ثبطة) بفتح فسكون أو كسر ، أي بطيئة الحركة لسمنها. وودت عائشة رضي الله عنها أن تكون كسودة لما رأت في نفسها من الضعف عن تحميل مشاق الزحام.
(3)
انظر ص 81 ج 2 تكملة المنهل العذب (التعجيل من جمع) وباقي المراجع بهامش 1 ص 82 منه.
الصلاتين المغرب والعشاء ثم بات حتى أصبح ، ثم أتى قزح فوقف عليه فقال: هذا الموقف وجمع كلها موقف (الحديث) أخرجه أحمد - وهذا لفظه - وأبو داود الترمزى
وقال: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد رواه غير واحد عن الثوري مثل هذا. والعمل على هذا (1){187}
" وعن جابر " رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتأخذوا مناسككم (2) فإذا ضم هذا إلى ما قبله دل على وجود الوقوف بمزدلفة. (وقال) مالك الوقوف بما سنة لا دم في تركه. وهو المشهور عند الشافعية ثم الكلام ينحصر في خمسة مباحث:
(1)
ركن الوقوف بمزدلفة - وهو وجود الحاج بوادي مزدلفة ولو محمولا أو ناعما أو مغمى عليه أو على دابة وأن لم يعلم أمها مزدلفة لأنها لا يفوته حينئذ إلا النيبة وهى ليست شرطا. وأو مر بها بلا وقوف كفي. ولا يشترط له الطهارة عن الجنابة والحيض ، لأنه عبادة لا تتعلق بالكعبة فتصح بلا طهارة كالوقوف بعرفة.
(2)
مكانه - يصح الوقوف بأي جزء من مزدلفة إلا وادي محسر ، لما تقدم عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل عرفات موقف وار فعور عن بطن عرفة. وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن محسر (3)(الحديث)
(1) انظر رقم 206 ص 77 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة بجمع) وباقي المراجع بهامش 1 ص 79 منه.
(2)
تقدم رقم 157 ص 122 (أنواع الطواف).
(3)
تقدم رقم 120 ص 94 (مكان الوقوف) و (محسر) بضم ففتح فكسر السين مشددة ، واد بين منى ومزدلفة سمي بذلك ، لأن فيل أبرهة كل فيه وأعيا فتحسر أصحابه لذلك [انظر رسم 9].
(وقد) استبدل الناس بالوقوف على قزح الوقوف على بناء مستحدث في وسط المزدلفة. والصحيح صحة الوقوف عليه لحديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وقفت هاهنا بعرفة وعرفة كلها موقف. ووقفت هاهنا بجمع وجمع كلها موقف أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه (1){188}
والمعنى وقفت على قزح وجميع المزدلفة موقف ، لكن أفضلها قزح. والسنة استمرار الوقوف على قزح للذكر والدعاء إلى أن يسف الصبح إسفارا واضحا ، لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: وصلى الفجر " يعنى بالمزدلفة " حين تبين له الصبح بآذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فحمد الله وكبرة وهلله ووحدة ودعاه فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس (2).
(3)
وقت الوقوف بمزدلفة - وقته من طلوع فجر يوم النحر إلى طلوع شمسة ، لقول عمرو بن ميمون: صلى بنا عمر بجمع الصبح ثم وقف وقال: أن المشركين كانوا لا يفيضوا من جمع حتى تطلع الشمس ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم ثم أفاض قبل تطلع الشمس. أخرجه السبعة إلا مسلما وهذا لفظ أحمد. وقال الترمذى: هذا حديث صحيح (3){189}
(1) ص 195 ج 8 نووي ومسلم (حجة النبي صلى الله عليه وسلم وص 79 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة بجمع) وص 123 ج 2 سنن ابن ماجة (الموقف بعرفات).
(2)
هذا بعض حديث جابر الآتي في (حج النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
ص 80 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة بجمع) وباقي المراجع بهامش 2 ص 81 منه.
فمن وجد بمزدلفة في هذا الوقت ، فقد أدرك الوقوف وأن لم يبت بها. ومن لم بوجد بها فيه فاته الوقوف عند الجمهور. وقال الشافعي: يجوز الوقوف بمزدلفة في النصف الأخير من ليلة النحر (1).
(4)
سنن الوقوف بمزدلفة - يسن لذلك ستة أمور:
(1)
يسن الغسل للوقوف بمزدلفة بعد نصف الليل فأن لم يجد ماء تيمم (وهذه) الليلة جمعت أنواعاً من الفضل (منها) شرف الزمان والمكان ، فأن مزدلفة من الحرم وقد اجتمع فيها وفد الله ومن لا يشقى بهم جليسهم. فيطلب إحياؤها بأنواع العبادة من صلاة وتلاوة وذكر ودعاء وتضرع (2).
(2)
ويسن التعجيل بصلاة الصبح ليتسع وقت الوقوف بمزدلفة ولما تقدم عن جابر (3).
(3)
ويسن أن يأتي المشعر الحرام ويقف عنده أو يرقى عليه مستقبلا القبلة داعياً ذاكراً ملبياً ، لما تقدم في حديث جابر (4) (ومما يدعى) به في المشعر: اللهم كما وقفتنا فيه ورأيتنا إياه؛ فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك: فإذا أفضتم من عرفات اذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وأن كنتم من قبله لمن الضالين. ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله أن الله غفور رحيم (5) ويكثر من قوله: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
(1) ص 136 ج 2 بدائع الصنائع.
(2)
ص 126 ج 8 شرح المهذب.
(3)
تقدم ص 153 بعض حديث جابر في (حج النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
تقدم ص 153 بعض حديث جابر في (حج النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
البقرة: آية 198 و 199.
(4)
ويستحب النزول من مزدلفة بعد الإسفار جداً وقبل طلوع الشمس عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور ، لما تقدم عن عمرو بن ميمون أن عمر رضي الله عنه قال: أن المشركين كانوا لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس (1).
(وقال) مالك: يدفع من مزدلفة قبل الإسفار. والحجة مع غيره.
(5)
ويستحب أن يسير بسكينة ووقار في غير وادي محسرٍ ، لما في حديث مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى جمعاً ثم أردف الفضل بن عباس وقال: أيها الناس أن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل فعليكم بالسكينة. فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى مني. هذا عجز حديث وأخرجه أبو داود والبيهقي (2){190}
(6)
ويستحب الإسراع بوادي محسرٍ لو ماشيا وتحريك دابته لو راكبا قدر رمية حجر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم (فقد) روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في وادي محسر. أخرجه النسائي (3){191}
«وعن» نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر. أخرجه مالك والبيهقي (4). {57}
(1) تقديم رقم 189 ص 154.
(2)
ص 57 ج 2 تكملة المنهل العذب (الدفع من عرفة) وص 126 ج 5 سنن البيهقي (من لم يستحب الإيضاع) و (ليس بإيجاف) أي ليس التقرب إلى الله تعالى بحمل (الخيل والإبل) على سرعة المشي (فما رأيتها) أي الخيل والإبل (رافعة يديها) أي مسرعة.
(3)
ص 49 ج 2 مجتبي (الإيضاع في وادي محسر) و (أوضع) أي أسرع.
(4)
ص 238 ج 2 زرقاني الموطإ (السير في الدفعة) وص 126 ج 5 سنن البيهقي (الإيضاع في وادي محسر).
وحكمة مشروعية الإسراع ببطن محسر أن النصارى كانت تقف به فخالفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإسراع فيه «روى» المسور بن مخرمة أن عمر رضي الله عنه كان يوضع ويقول:
إليك تعدو قلقاً وضينها
مخالفا دين النصارى دينها
أخرجه البيهقي (1){58}
ويستحب للمار بوادي محسر أنشاد هذا البيت.
(5)
فوت الوقوف بمزدلفة - أن فات لعذر مما تقدم فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفه أهله ولم يأمرهم بالفدية. وأن كان فواته لغير عذر فعليه دم عند من قال بوجوبه.
(د) رمي الجمار - الجمار جمع جمرة ، وهي الحجر الصغير. ورميها لغة القذف بالحصى وشرعا القذف بالحصى في زمان ومكان وعدد مخصوص كما يأتي بيانه أن شاء الله تعالى (والجمار) التي ترمي ثلاث بمنى. الصغرى التي تلي مسجد الخيف ، والوسطى بينها وبين جمرة العقبة. والكبرى جمرة العقبة (2) ثم الكلام ينحصر في خمسة عشر مبحثاً.
(1) ص 126 ج 5 سنن البيهقي (الإيضاع في وادي محسر). و (الوضين الحبل كالحزام. ودين النصارى منصوب. ودينها مرفوع. والمعني أنا ناقتي تعدو إليك يا رب مسرعة في طاعتك قلقا وضينها من كثرة السير والإجهاد البالغ في طاعتك والمراد صاحب الناقة فهو لا يفعل فعلا لنصارى ولا يعتقد اعتقادهم.)
(2)
جمرة العقبة بأول منى من جهة مكة على يسار الداخل إلى منى ، وهي حائط مبنى بالحجر ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار في عرض مترين. أقيم على صخرة مرتفعة على الأرض بنحو متر ونصف. وأسفل هذا الحائط حوض من البناء تسقط به حجارة الرمي. بينها وبين الجمرة الوسطى 116.77 مترا. وبين الوسطى والصغرى 156.40 مترا. وليس لموضع الرمي حد معلوم ، غير أن كل جمرة عليها علم وهو عمود مرتفع فيرمي تحته وحوله ولا يبعد عنه احتياطا. وحد بعضهم بثلاثة أذرع من كل جانب إلا في جمرة العقبة فليس لها إلا وجه واحد لأنها تحت جبل. (انظر رسم 6 ص 158).
(1)
حكم الرمي - يجب رمي جمرة العقبة يوم النحر ورمي الجمار الثلاث كل يوم من أيام التشريق الثلاث ، لحديث جابر أن النبي صلى الله يوجد رسمة عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ضحى ، ورمى في سائر أيام التشريق بعد ما زالت الشمس. أخرجه السبعة والبيهقي وقال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح (1){192}
«وقال» عبد الرحمن بن عثمان التيمي: امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى الحذف في حجة الوداع. أخرجه الطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (2){193}
(ولذا) اتفق الأئمة الأربعة والجمهور على أن رمي الجمار واجب يجبر بدم.
(3)
وقت الرمي - أيام الرمي أربعة: يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة.
(أ) أما يوم النحر فترمى فيه جمرة العقبة فقط. ولرميها أربعة أوقات (وقت) أداء من طلوع فجر يوم النحر إلى فجر اليوم الثاني (ووقت) استحباب من طلوع شمس يوم النحر إلى الزوال. (ووقت) إباحة من زواله إلى الغروب (ووقت) كراهة قبل طلوع شمسه وبعد غروبها عند عدم العذر ، وإلا فلا كراهة في رمي الضعفة قبل طلوع الشمس ، ولا في رمي الرعاة ليلا ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر نساءه وثقله من صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد وألا يرموا الجمرة إلا مضجعين. أخرجه الطلحاوي والبيهقي (3). {194}
(1) ص 174 ج 12 - الفتح الرباني وص 128 ج 2 سنن ابن ماجة (رمي الجمار .. ) وانظر رقم 235 ص 124 ج 2 تكملة المنهل العذب. وباقي المراجع بهامش 2 ص 126 منه.
(2)
ص 285 ج 3 مجمع الزوائد (رمي الجمار) و (الخذف) بفتح فسكون ، الرمي والمراد الحصى الصغار كحب الفول بطرفي الإبهام والسبابة.
(3)
ص 412 ج 1 شرح معاني الآثار (وقت رمي جمرة العقبة للضعفاء
…
) وص 132 ج 5 سنن البيهقي (الوقت المختار لرمي جمرة العقبة) و (الثقل) بفتحتين ، متاع المسافر وحشمه.
«وعن» ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الإبل أن يرموا بالليل. أخرجه البزار. وفي سنده مسلم بن خالد الزنجي ضعيف وقد وثق (1){195}
«وعن» ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس. أخرجه الثلاثة وصححه الترمذي (2){196}
(وفي هذا) الحديث النهي عن الرمي حتى تطلع الشمس. وفيما قبله جواز الرمي قبل الطلوع (فأثبت) الحنفيون ومالك وأحمد في المشهور عنه: يجوز رمي جمرة العبة من بعد نصف ليلة النحر ، لحديث عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر ، فرمت قبل الفجر ثم أفاضت (الحديث) أخرجه أبو داود والبيهقي وإسناده صحيح (3){197}
(وأجابوا) عن الأحاديث السابقة بأنها محمولة عل الاستحباب جمعا بين الروايات (قال) ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن من رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقتها. فإن أخر رميها إلى الليل بلا عذر رمى ليلا مع الكراهة ولا دم عليه عند الحنفيين
(1) ص 260 ج 3 مجمع الزوائد (رمي الرعاء بالليل)
(2)
ص 103 ج 2 تحفة الأحوذي (تقديم الضعفة من جمع بليل) وص 83 ج 2 تكملة المنهل العذب (التعجيل من جمع) وص 50 ج 2 مجتبي (النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس).
(3)
ص 84 ج 2 تكملة المنهل العذب رقم 211 (التعجيل من جمع) وص 133 ج 5 سنن البيهقي (من أجاز رميها بعد نصف الليل).
والشافعي ، وروي عن مالك ، لما روي نافع أن ابنة أخ لصفية بنت أبي عبيد امرأة ابن عمر نفست بالمزدلفة فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر فأمرهما ابن عمر أن ترميا الجمرة حين قدمتا ولم ير عليهما شيئا. أخرجه مالك والبيهقي (1){59}
«وعن» مالك أن عليه دما ، لأنه لم يرم في الوقت المطلوب. وقال أحمد: أن أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل لم يرمها حتى تزول شمس الغد.
(والذي) دلت عليه الأحاديث أن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس لمن لا رخصة له. ومن كان له رخصة كالنساء والصبيان والضعفة يجوز له الرمي قبل ذلك من نصف ليلة النحر الأخير ولا يجزئ قبله إجماعاً.
(ب) وأما أيام التشريق وهي يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة ، فللرمي فيها ثلاثة أوقات (وقت) أداء من الزوال إلى طلوع شمس الغد (ووقت) استحباب من الزوال إلى الغروب (ووقت) كراهة من غرب شمسه إلى طلوعها من الغد. (فأول) وقت لرمي في أيام التشريق بعد الزوال ، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار عند زوال الشمس أو بعد زوال الشمس. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه (2){198}
«وعن» نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا ترمى الجمار في
(1) ص 262 ج 2 زرقاني الموطإ (الرخصة في رمي الجمار) وص 150 ج 5 سنن البيهقي (تأخير الرمي عن وقته حتى يمسي).
(2)
ص 218 ج 12 - الفتح الرباني. وص 128 ج 2 سنن ابن ماجة (رمي الجمار أيام التشريق) وص 104 ج 2 تحفة الأحوذي (الرمي بعد زوال الشمس).
الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس. أخرجه البيهقي (1){60}
(وبه) قال الأئمة الأربعة غير أن أبا حنيفة أجاز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال لما روى طلحة بن عمرو عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس قال: إذا أنتفخ النهار من يوم النفر الآخر حل الرمي والصدر أخرجه البيهقي وقال: طلحة بن عمرو المكي ضعيف (2){61}
(فالراجح) ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا يجوز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال كاليومين قبله.
(3)
مكان الرمي - مكانه في يوم النحر ، عند جمرة العقبة. وفي لأيام التشريق عند الجمرة الأولى والوسطى والعقبة (ويعتبر) في ذلك مكان وقوع الجمرة لإمكان الرمي حتى لو رماها من مكان بعيد فوقعت الحصاة عند الجمرة أجزأه وأن لم تقع عندها لم يجزه إلا إذا وقعت بقرب منها (3).
(4)
مأخذ الحصى - ويستحي أن يأخذ حصى الرمي من مزدلفة أو من مكان آخر ، لحديث الفضل بين العباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم غداة يوم النحر: التقط لي حصى فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف فوضعتهن في يده فقال: بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين. أخرجه البيهقي بسند حسن أو صحيح على شرط مسلم (4){199}
(ويكره) أخذ الحصى من موضع الرمي عند الحنفيين والشافعي وأحمد ، لأنه حصى من لم يقبل حجه ، لأن ما قبل من الحصى يرفع
(1) ص 149 ج 5 سنن البيهقي (الرمي أيام التشريق بعد الزوال).
(2)
ص 152 ج 5 سنن البيهقي. و (الانتفاخ) الارتفاع (والصدر) بفتحتين الانصراف من منى.
(3)
ص 138 ج 2 بدائع الصنائع.
(4)
ص 127 ج 5 سنن البيهقي (أخذ الحصى لرمي جمرة العقبة .. ).
وما لم يقبل يترك ، لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قلنا يا رسول الله هذه الجمار التي يرمي بها كل عام فنحتسب أنها تنقص فقال: أنه ما تقبل منها يرفع ولولا ذلك لرأيتموها أمثال الجبال. أخرجه الدارقطني والبيهقي والطبراني في الأوسط بسند فيه يزيد بن سنان التميمي وهو ضعيف. وأخرجه الحاكم وصححه وقال: يزيد بن سنان ليس بالمتروك (1){200}
(وقال) مالك: أن رمى بحصاة أخذها من الجمرة لا يجزئه لأنها حصى مستعملة. وهذا لا يستقيم على أصله ، لأن الماء المستعمل عنده مطهر يجوز الوضوء به. فالحجارة المستعملة أولى (2).
(5)
عدد الحصى - هو سبعون حصاة سبع ترمى يوم النحر وإحدى وعشرون يرمى بها في كل يوم من أيام التشريق. فيجب أن ترمي كل جمرة بسبع حصيات عند الحنفيين ومالك والشافعي والجمهور وروي عن أحمد، لقول جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة التي عند الشجرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف. رمي من بطن الوادي ثم أنصرف إلى المنحر فنحر. أخرجه النسائي (3). {201}
وعن أحمد أنه أن رمى بخمس حصيات أجزأه قال ابن قدامة: والأولى ألا ينقص في الرمي عن سبع حصيات. فأن نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس ولا ينقص أكثر من ذلك. واستدل له بما روي
(1) ص 128 ج 5 سنن البيهقي (أخذ الحصى لرمي جمرة العقبة) وص 289 سنن الدارقطني. وص 260 ج 3 مجمع الزوائد (رمي الجمار) وص 146 ج 1 مستدرك.
(2)
ص 156 ج 2 بدائع الصنائع.
(3)
ص 51 ج 2 مجتمي (عدد الحصى التي يرمي بها الجمار).
أبو مجلز قال: سألت ابن عباس عن شئ من أمر الجمار فقال: ما أدرى رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو سبع. أخرجه أبو داود والنسائي (1){202}
(والصحيح) مذهب الجمهور لقوة أدلته (وأجابوا) عن قول ابن عباس بأنه شك. وشك الشاك لا يقدح في جزم الجازو. ومتى أخل بحصاه واجبة من الأولى لم يصح رمي الثانية حتى يكمل الأولى. فأن لم يدر من أي الجمار تركها بنى على اليقين (2).
(6)
قدر حصى الرمي - يستحب كونه قدر حصى الخذف وهو صغار الحصى قدرحبة الفول اتفاقا لما تقدم (3). ولقول جابر رضي الله عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بمثل حصى الخذف. أخرجه مسلم والنسائي (4). {203}
(وعن) أحمد أن الرمي بصغير الحصى واجب ، فأن رمى بحجر كبير لا يكفي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمثل حصى الخذف ونهى عن تجاوزه. والأمر للوجوب والنهي يقتضي بفساد المنهى عنه ولأن الرمي بالكبير ربما آذى من يصيبه (وقال) الجمهور: يجزئه مع الكراهة.
(7)
جنس الحصى - يجوز عند الحنفيين الرمي بكل ما كان من
(1) ص 134 ج 2 تكملة النهل العذب رقم 240 (رمي الجمار) وص 51 ج 2 مجتبي (عدد الحصى التي يرمي بها الجمار).
(2)
ص 478 ج 3 مغنى لبن قدامة.
(3)
انظر رقم 193 ص 159 ورقم 199 ص 162 ، ورقم 201 ص 163
(4)
ص 47 ج 9 نووي مسلم (استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف) وص 51 ج 2 مجتبي (المكان الذي ترمي منه جمرة العقبة)
جنس الأرض حجراً أو طيناً أو آجراً (1) أو تراباً أو غيرها للأحاديث المطلقة في الرمي. ورمي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحصى محمول على الأفضلية لا الجواز توفيقاً بين الدلائل. (وقال) مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز الرمي إلا بالحجر فلا يجوز بالرصاص والحديد والذهب والفضة والزرنيخ والكحل ونحوها ، لما تقدم من امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرمي بالحصى. وهذا ما يشهد له الدليل.
(8)
كيفية الرمي - تقدم أن الرمي يكون يوم النحر وأيام التشريق
(أ) فيستحب لرمي جمرة العقبة يوم النحر أن يقف الرامي في بطن الوادي قريباً من المرمى بحيث يراه ، جاعلاً الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ، ويأخذ الحصاة بطرفي إبهامه وسبابته ثم يرميها بسبع حصيات صغار متفرقة. فلو رماها جملة لم تكف إلا عن واحدة ويكبر مع كل حصاة قائلا: باسم الله والله أكبر ترغيما للشيطان وحزبه. اللهم اجعل حجي مبروراً وسعيي مشكوراً وذنبي مغفوراً ، لقول عبد الرحمن بن يزيد: كنت مع عبد الله بن مسعود حتى انتهى إلى جمرة العقبة فقال: ناولني أحجاراً فناولته سبعة أحجار فقال لي: خذ بزمام الناقة ، ثم عاد إليها فرمى بها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة وقال: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً ، ثم قال / ههنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة. أخرجه أحمد والبيهقي. وفي رواية له: هكذا رمي الذي أنزلت عليه سورة البقرة (2). {204}
(1) الآجر: الطوب المحرق
(2)
ص 178 ج 12 - الفتح الرباني. وص ج 5 سنن البيهقي (رمي الجمرة من بطن الوادي). (وقال اللهم .. الخ) لفظ البيهقي: حتى إذا فرغ قال اللهم اجعله حجاً مبروراً. و (ههنا) يعني أن هذا المكان هو الذي كان يقوم فيه النبي صلى الله عليه وسلم وخص سورة البقرة بالذكر لما فيها من أحكام المناسك.
هذا. ويقطع التلبية مع أول حصاه أو بعد الفراغ من رمى جمرة العقبة على ما تقدم بيانه في بحث مدة التلبية (1) ولا يقف عند جمرة العقبة بعد الرمي ، لما روي مقسم عن أبن عباس رضى الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رمى جمرة العقبة مضى ولم يقف. أخرجه ابن ماجة وفي سنده سويد بن سعيد مختلف فيه (2){205}
(ب) ويبدأ في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة برمي الجمرة الصغرى وهى التي في الشمال الغربي لمسجد الخيف (3) فيرميها بعد الزوال بسبع حصيات متفرقات يكبر مع كل حصاة كما في رمي يوم الفجر. ويقف بعد تمام الرمي مستقبلا القبلة حامدا مهللا مصليا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ويدعو طويلا رافعا يديه حذاء منكبية مستغفرا لنفسه وأبوية والمؤمنين. خاضعا خاشعا حاضر القلب. ثم يتوجه إلى الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة. ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو طويلا ثم يأتي جمرة العقبة ويرميها من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع
(1) انظر ص 60.
(2)
ص 126 ج 2 سنن ابن ماجة (إذا رمى جمرة العقبة لم يقف عندها).
(3)
(الخيف) بفتح فسكون ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء فيه. وبه سمي مسجد الخيف. وهو مسجد عظيم فيسح مستطيل الشكل في الجنوب الشرقي من الجمرة الصغرى. بمنى على يعد 647 متر يتخذه حجاج المغاربة والدكارنة كبيت للسكن أيام منى ، ينصبون فيه خيامهم ويؤدون به أعمالهم العادية من طبخ وغسل وغيرهما. وقد زادوا الطين بلة فجعلوا الجهة لشمالية منه محل قضاء حاجتهم. وهذا أمر تشمئز منه الطباع ويمنعه الشرع الذي أمر بتطهير المساجد وتطييبها. وكان الأجدر بالحكومة السعودية أن تعني بذلك = =المسجد العناية اللائقة به وتكلف من يقوم بتنظيفه ، ويمنع العابثين به مما يحدثونه فيه. ولعلها سمعت رجاء الراجين. [انظر رسيم 6 ص 158].
كل حصاة ولا يقف عندها للذكر والدعاء ، لعدم وروده ولضيق المكان ولفراغه من رمي اليوم. والدعاء في صلب العبادة أفضل منه بعد الفراغ منها. والأصل في هذا أن كل رمي ليس بعده رمي في ذلك اليوم لا يقف عنده. وكل رمي بعده رمي في اليوم يقف عنده اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم.
ودليل ذلك ما روي الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمي الجمرة الأولي التي تلي المسجد رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادي فيقف ويستقبل القبلة رافعا يديه ، يدعو وكان يطيل الوقوف ، ثم يرمي الثانية بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادي فيقف ويستقبل القبلة رافعا يديه ، ثم يمضي حتى يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف ولا يقف. قال الزهري: سمعت سالم بن عبد الله يحدث بمثل هذا عن أبية عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد والبخاري والبيهقي (1){206}
ثم يرمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة بعد الزوال إلى آخر الليل كما في اليوم الحادي عشر. ثم هو مخير إن شاء رجع من مني إلى مكة قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر عند مالك والشافعي وأحمد أو قبل طلوع فجر اليوم الثالث عشر عند الحنفيين. وإن شاء أقام فيرمي فيه الجمار الثلاث من بعد الفجر عند أبي حنيفة. (وقال) أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد: لا يرمي فيه إلا بعد
(1) ص 219 ج 12 - الفتح الرباني. وص 278 ج 3 فتح الباري (الدعاء عند الجمرتين) وص 148 ج 5 سنن البيهقي (الرجوع إلى منى أيام التشريق والرمي بها
…
).
الزوال كغيره كما تقدم في وقت الرمي في أيام التشريق (1) فيرمي الصغرى ثم الوسطي يكبر مع كل حصاة ويدعو بعدهما. ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها (وهذه) الكيفية هي المسنونة. والواجب منها أصل الرمي بصفته السابقة في رمي جمرة العقبة. وهو أن يرمي بما يسمي حجرا أو بما هو من جنس الأرض ، وأما الدعاء والذكر وغيرهما فمستحب لا شئ عليه في تركة لمن تفوت به الفضيلة. (ويشترط) الترتيب بين الجمرات عند مالك والشافعي وأحمد. فيبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطي ثم جمرة العقبة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتيها في الرمي وقال: خذوا عني مناسككم. فلو ترك حصاة من الأولي أو جهل فلم يدر من أي جمرة تركها ، جلها من الأولي. فيرمي إليها حصاة ثم يرمي الجمرتين الأخريين ليسقط الواجب بيقين (وعند) الحنفيين خلاف في أن الترتيب بين الجمرات واجب أو سنة. اختار الكمال ابن الهمام أنه سنة ، لحديث العلاء بن المسيب عن رجل يقال له الحسن أنه سمع ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قدم من نسكه شيئا أو أخره فلا شيء عليه. أخرجه البيهقي (2){207}
ولو ترك حصاه من البعض لا يدرى من أيتها أعاد لكل واحدة حصاه ليبرأ بيقين (وأجاب) الأولون عن حديث ابن عباس بأنه إنما ورد في تقديم نسك عن نسك لا في تقديم بعض النسك علي بعض.
(9)
سنن الرمي ـ هي كثيرة تقدم بعضها (ومنها) أنه يسن في رمي
(1) تقدم بـ ص 161 وما بعدها.
(2)
ص 144 ج 5 سنن البيهقي (التقديم والتأخير في عمل يوم النحر).
يوم النحر أن يكون بعد طلوع الشمس ومن بطن الوادي جاعلا الكعبة عن يمينه ومني عن يساره راكعا مكبرا مع كل حصاة ولا يقف عندها ويقطع التلبية عند أول حصاة ويرفع يديه حال الرمي حتى يري بياض إبطه. وأن يكون الرمي باليمني وبالمثل حصى الخذف (وبسن) في رمي أيام التشريق أن يكون قبل الغروب وأن يستقبل القبلة راجلا وأن يقف بعد رمي الأولي والوسطى داعيا رافعا يديه وأن يوالي بين الحصيات والجمرات.
(ومنها) أنه يستحب عند الحنفيين الركوب في جمرة العقبة في كل أيام الرمي والترجل في رمي الصغرى والوسطى (قال) أبو يوسف: كل رمي بعده فالمشي أفضل وكل رمي لا رمي بعده فالركوب أفضل (وقال) مالك والشافعي: يستحب لمن وصل منى راكبا أ، يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا. وأما من وصلها ماشيا فيرميها ماشيا. وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسنة أن يرمي فيهما كل الجمرات ماشيا. وفي اليوم الثالث يرمي راكبا وينفر إلى مكة (وقال) أحمد: يستحب أن يرمي ماشيا ، لما روي نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمي الجمار مشي إليه ذاهبا وراجعا. أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (1){208}
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وقال بعضهم: يركب يوم النحر ويمشى في الأيام بعده. أراد بهذا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله ، لأنه روي عنه صلي الله عليه وسلم أنه ركب يوم النحر ولا يرمي فيه إلا جمرة العقبة (2) يعنى أن الذي ثبت على النبي صلى الله عليه وسلم
(1) ص 105 ج 2 تحفة الأحوذي (في رمي الجمار راكبا).
(2)
ص 105 ج 2 تحفة الأحوذي (في رمي الجمار راكبا).
الركوب لرمي جمرة العقبة يوم النحر والمشي بعد ذلك مطلقا. وهذا أولي بالاتباع.
(قال) نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر ولا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا ذاهبا وراجعا. ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا. أخرجه أحمد البيهقى. وأخرج أبو داود عجزه. وفي سنده عبد الله بن عمر بن حفص وفيه مقال (1)
(وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا. أخرجه أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه (2) فهما يدلان على طلب الركوب لرمي يوم النحر والمشي لرمي أيام التشريق.
(10)
ما يكره في الرمي ـ يكره فيه ترك سنه من سنن الرمي وتقديم متاع الحاج قبل نفره لما فيه من شغل البال (قال) عمر رضي الله عنه إن قدم ثقله قبل النفر فلا حج له. أخرجه ابن أبى شيبة (3){62}
يعني فلا حج له كامل.
(1) انظر رقم 233 ص 122 ج تكملة المنهل (رمي الجمار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 123 منه (ولا يأتي سائرها
…
) أي كان لا يأتي الجمرات الثلاث بعد يوم النحر إلا ماشيا.
(2)
ص 182 ج 12 - الفتح الرباني. وص 126 ج 2 سنن ابن ماجة (رمي الجمار راكباً) وص 104 ج 2 تحفة الأحوذي (ما جاء في رمي الجمار راكبا).
(3)
ص 88 ج 3 نصب الراية.
(11)
النيابة في الرمي ـ من كان مريضا أو مغمى عليه أو ضعيفا لا يستطيع الرمي يوضع في يده الحصى يرميه أو يرمى عنه غيره. ولو رمى شخص حصاتين إحداهما لنفسه والأخر للآخر جاز. ومن كان محبوسا أو ذا عذر يمنعه من مباشرة الرمي استناب من يرمى عنه ، لحديث أبى الزبير عن جابر قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم. أخرجه ابن ماجة (1){211}
(وينبغي) أن يستنيب العاجز حلالا أو من قد رمى عن نفسه. فإن استناب من لم يرم عن نفسه فينبغي أن يرمى عن نفسه ثم عن المستنيب. فلو اقتصر على رمى واحد وقع عنه لاعن المستنيب. وإذا رمى النائب ثم زال عذر المستنيب وأيام الرمي باقية ، فالأصح أنه يستحب له إعادة الرمي بنفسه ولا يلزمه. وهذا إذا رمى النائب قبل زوال العذر. أما إذا رمى بعد زواله فيلزم المستنيب فعله اتفاقا (2).
(12)
ترك الرمي وتأخيره - إذا ترك الرمي كله حتى غربت شمس آخر أيام التشريق أو ترك رمى يوم أو أكثره بأن ترك رمى أربع حصيات فأكثر من يوم النحر أو إحدى عشرة فيما بعده لزمه دم واحد عند الحنفيين ، لقول عطاء بن أبي رباح: من نسى جمرة واحدة أو الجمار كلها حتى يذهب أيام التشريق فدم واحد يجزيه البيهقى (3){63}
ولو أخر رمي يوم أو أكثر إلى آخر أيام التشريق قضاه على الترتيب ولزمه بالتأخير دم عند أبى حنيفة خلافا لأبى يوسف محمد ، لأن رمي
(1) ص 127 ج 2 سنن ابن ماجة (الرمي عند الصبيان).
(2)
ص 245 ج 8 شرح المهذب.
(3)
ص 153 ج 5 سنن البيهقي (من ترك شيئاً من الرمي
…
).
كل يوم مؤقت عنده خلافا لهما. وإن أخر رمي يوم إلى الليل ورمي قبل طلوع فجر اليوم الثاني فلا شيء عليه اتفاقا. ولو ترك أقل رمي يوم بأن ترك أقل من أربعة يوم النحر أو ترك عشرا فأقل فيما بعده ، رمي ما ترك أو صدق لكل حصاة صدفة كصدقة الفطر إلا أن يبلغ مجموع الصدقات قيمة دم فينقص منها ما شاء. (وقالت) المالكية: إن ترك حصاة أو حصاتين لزمه دم. (وقالت) الشافعية: من ترك حصاة من السبع حتى مضت أيام التشريق لزمه مد طعام. ومن ترك ثنتين فعلية مدان. ومن ترك ثلاثة فأكثر فعليه دم. ومن ترك شيئا من رمي أول أيام التشريق عمدا أو سهوا تداركه في اليوم الثاني أو الثالث. وإن ترك رمي الثاني تداركه في الثالث على الصحيح. ولو ترك رمي بعض الأيام فتداركه فلا دم عليه. وإن لم يتداركه وجب الدم. وإن ترك رمي يوم النحر وأيام التشريق فقيل عليه دم ، لأن الجميع نسك واحد. وقيل يلزمه أربعه دماء ، لأن رمي كل يوم نسك مستقل وإن ترك الرمي في اليوم الثالث سقط ، لفوات أيام الرمي ولزمه دم ، لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليرهق دما. أخرجه البيهقي (1){64}
(13)
حكمة الرمي ـ المقصود من رمي الجمار الانقياد والتعبد لله تعالى وحده بما لا حظ للنفس فيه اقتداء بسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. «روي» ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أتى إبراهيم عليه السلام المناسك عرض له الشيطان عند جمره العقبة
(1) ص 152 ج 5 سنن البيهقي (من ترك شيئا من الرمي
…
).
فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. ثم عرض له في الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. قال ابن عباس: الشيطان ترجمن ومله أبيكم تتبعون. أخرجه البيهقي (1){212}
(فالحكمة) في رمي الجمار إظهار الرق والعبودية لرب البرية ، وامتثال الأوامر الدينية ، وإظهار الأسف على ما أرتكبه الإنسان من الخطايا والتغيظ على المغرى بما هو الشيطان الذي يتمثله الإنسان في موضع الجمرات ، ويتخيل أنه يغريه بالمعاصي وهو يزجره ويطرده ولسان حالة يقول: اخسأ يا لعين فإني وإن أطعتك في الماضي فقد صممت على عدم طاعتك في المستقبل فاذهب عني.
(14)
النفر بعد الرمي ـ النفر بفتح فسكون النزول من منى إلى مكة بعد رمي أيام التشريق وهو نوعان
(الأول) الخروج من منى بعد رمي الجمار في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة قبل غروب شمسه عند مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون: للحاج النفر إلى مكة ما لم يطلع فجر اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، لأنه لم يدخ اليوم الآخر فجاز له النفر كما جاز قبل الغروب. لكن يكره له النفر بعد الغروب. فلو نفر قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه وقد أساء لأنه ترك السنة (2).
(الثاني) النفر بعد رمي جمار اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
(1) ص 153 ج 5 سنن البيهقي (بدء الرمي).
(2)
ص 159 ج 2 بدائع الصنائع.
وإليهما الإشارة بقول الله تعالي: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقي (1).
(15)
المبيت بمعنى (2) ليالي التشريق ـ يجب البيات بمنى ليالي التشريق الثلاث لمن يتعجل وليلتي الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة لمن تعجل عند مالك. وهو الصحيح عند الشافعي وأحمد ، لما روى عبد الرحمن بن فروخ قال: قلت لابن عمر إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال. فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بات بمنى وظل. أخرجه أبو داود والبيهقى (3){213}
أحد من وراء العقبة وكان يأمرهم أن يدخلوا منى. أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقى (4){65}
(والواجب) بيات معظم الليل فمن ترك مبيت ليلة لزمه دم. وإن
(1) 203 - البقرة. والمعنى انه لى إثم على من تعجل فنفر في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة ولا على من أن أخر النفر إلى اليوم الثالث عشر.
(2)
منى: قرية من الحرم بينها وبين المعلى (مقبرة مكة) 8807 متر يرى داخلها في مبدأ طريقها جمرة العقبة على اليسار وهي حد من منى من جهة مكة ثم يرى على يساره مسجد البيعة في المكان الذي بايع فيه الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة عمه العباس رضي الله عنه ، ثم يتسع الوادي اتساعا عظيما بعرض 637 متر. وطوله من جمرة العقبة إلى وادي محسر 528 متر وهذا الوادي يشقه طريق من الغرب إلى الشرق في أوله جمرة العقبة ثم الجمرة الوسطى ثم الصغرى. ويرى في جنوبه مسجد الخيف.
(3)
ص 107 ج 2 تكملة المنهل العذب (يبيت بمكة ليالي منى) وص 153 ج 5 سنن البيهقي (لا رخصة في البيتوتة بمكة ليالي منى).
(4)
انظر المراجع بهامش 2 ص 108 ج 2 تكملة المنهل العذب [انظر رسم 6 ص 158].
ترك ليلته لزمه دمان. وإن ترك ثلاث ليال لزمه ثلاثة دماء عند مالك. وقالت الشافعية والحنبلية في المشهور عنهم: إن ترك ليلة لزمه مد طعام. وإن ترك ليلتين لزمه مدان وإن ترك الليالي الثلاث لزمه دم. وقال الحنفيون: البيات بمني ليالي التشريق سنة لا شئ على من تركه وقد أساء لمخالفته السنة هذا وقد اتفق الفقهاء على سقوط المبيت بمنى ليالي التشريق عن ذوي الأعذار كالسقاة ورعاة الإبل فلا يلزمهم شئ بتركه ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له. أخرجه الشافعي وأحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة (1){214}
(وعن عاصم) بن عدى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى. أخرجه الإمامان والأربعة والبيهقي والحاكم بألفاظ متقاربة وصححه الترمذي (2). {215}
وإذا غربت الشمس والرعاة بمنى لزمهم المبيت تلك الليلة ورمى الغد عند غير الحنفيين. ويجوز لأهل السقاية أن ينفروا بعد الغروب لأن عملهم بالليل بخلاف الرعي (3). (وترك) المبيت ناسيا كتركه عامدا ولا يرخص للرعاة في ترك جمرة العقبة يوم النحر ولا في تأخير طواف الإفاضة عن يوم النحر.
(1) انظر رقم 227 ص 109 ج 2 تكملة المنهل العذب (يبيت بمكة ليالي منى) وباقي المراجع بهامش 2 ص 110 منه.
(2)
انظر رقم 238 ص 131 ج 2 تكملة المنهل العذب (رمي الجمار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 133 منه.
(3)
ص 247 ج 8 شرح المهذب.
فإذا أخرجوه عنه كان مكروها (ومن) لا عذر له إذا لم يبت ليلتي اليومين الأولين من أيام التشريق ورمى في الثاني وأراد النفر الأول ليس له ذلك لأنه لا عذر له. وإنما جوز لعامة الناس أن ينفروا الأول ليس له ذلك لأنه لا عذر له. وإنما
جوز لعامة الناس أن ينفروا لأنهم أتوا بمعظم الرمي والمبيت. ومن لا عذر له لم يأت بالمعظم فلم يجز له (1).
(هـ) الذبح للقارن والمتمتع - القارن هو من جمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد. والمتمتع من أحرم بالعمرة وأداها أو أكثر طوافها في أشهر الحج ثم تحلل منها وحج في عامة بلا نزول بأهله. ويجب على كل ذبح شاة أو بدنة أو سبعها في الحرم يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة عند الأئمة الأربعة والجمهور ، لقوله تعالى «فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استير من الهدى» (2) والتمتع بلغة القرآن وعرف الصحابة يشمل القران والتمتع في اصطلاح الفقهاء. والهدى اسم لما يذبح من النعم (الإبل والبقر والغنم) على جهة القربة إلى الحرم.
(و) ترتيب أعمال يوم النحر - هي الرمي والذبح لغير المفرد والحلق وطواف الركن. ويجب الترتيب بين الرمي والذبح والحلق عند أبي حنيفة وابن الماجشون المالكي ، لما تقدم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر. ثم قال للحلاق: خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر. ثم جعل يعطيه الناس (3). (وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: من قدم شيئاً من حجة أو أخره فليهرق دما. أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة بسند صحيح على
(1) ص 248 ج 8 شرح المهذب.
(2)
البقرة: 196
(3)
تقدم رقم 181 ص 147 (كيفية الحلق)
شرط مسلم (1){66}
(وقال) أبو يوسف ومحمد الشافعي وأحمد: الترتيب المذكور سنة فلا شئ في الحلق قبل الرمي والذبح ولا في نحر القارن قبل الرمي ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل في حجة الوداع فقال: يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح فأومأ بيده وقال: لا حرج وقال رجل: يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده وقال: لا حرج. أخرجه البيهقي والسبعة إلا الترمذي. وهذا لفظ أحمد. وأخرجه مسلم من حديث ابن عمرو وأيضاً (2){216}
فلا دم ولا إثم على من خالف هذا الترتيب ، ولا فرق في ذلك بين عالم وجاهل وعامد وناس عند الجمهور: وفرق أحمد في رواية بين الناسي والجاهل وغيرهما فقال: إن ترك الترتيب ناسياً أو جاهلاً فلا شئ عليه وإن أخل به عامداً عاملا ، ففي وجوب الدم روايتان (3).
(وقالت) المالكية: يجب تأخير الحلق والإفاضة عن رمي جمرة العقبة ، فتقديم أحدهما على الرمي يوجب دما. وأما تقديم الرمي على النحر وتقديم النحر على الحلق وتقديمهما على طواف الركن ، فمندوب. وهو محمل الحديث (4) والراجح أن الترتيب بين أعمال يوم النحر سنة.
ويسن كون الذبح والحلق قبل زوال يوم النحر.
(1) ص 424 ج 1 شرح معاني الآثار (من قدم نسكا قبل نسك) وص 142 ج 5 - الجوهر النقي (التقديم والتأخير في عمل يوم النحر).
(2)
ص 206 ج 12 - الفتح الرباني. وص 57 ج 9 نووي مسلم (تقديم الذبح على الرمي
…
) وانظر رقم 246 ج 2 تكملة المنهل العذب (والحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 3 ص 146 منه.
(3)
ص 461 ج 3 مغني ابن قدامة.
(4)
ص 735 ج 1 - الفجر المنير.