الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(هـ) الحلق أو التقصير
هو الركن الخامس من أركان الحج على الصحيح عند الشافعية. وقال غيرهم: هو واجب يجبر تركه بدم. والمراد بالحلق إزالة شعر الرأس بأي آلة أو بالنورة أو بالنتف أو الإحراق. والأفضل كونه بالموسى أن أمكن. وأن لم يمكن كالأقرع وجب إمرار الموسى على رأسه عند الحنفيين (وقال) غيرهم: يسن إمراره أن أمكن ، لما روي عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما في الأصلع: يمر الموسى على رأسه. أخرجه الدارقطني والبهيقي بسند فيه يحي بن محمد الجاري صدوق يخطئ. قال البهيقي: وروى ذلك عن عبد الله بن عمر العمرى عن نافع عن ابن عم كذلك موقوفاً (1){54}
والمراد بالتقصير أن يأخذ الناسك ذكراً أو أنثى من شعر كل الرأس قدر الأنملة. والحلق والتقصير ثابتا بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: «لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين (2)» وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقي (3){173}
«وعن» ابن عباس عن معاوية قال: قصرت عن رأس رسول الله
(1) ص 270 سنن الدارقطني. وص 103 ج 5 سنن البيهقي (الأصلع أو المحلوق يمر الموسى على رأسه) و (الأصلع) من انحسر شعر مقدم رأسه.
(2)
الفتح: آية 27.
(3)
انظر رقم 243 ص 139 ج 2 تكملة المنهل العذب (الحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 4 ص 140 منه.
صلى الله عليه وسلم عند المروة. أخرجه أحمد ومسلم (1)[174]
ويستحب ألا ينقص في الحلق عن قدر الأنملة من أطراف الشعر. والتخيير بين الحلق والقص في حق الرجل عند عدم العذر. فلو تعذر أحدهما لعارض تعين الآخر. هذا. ويتعين التقصير في حق المرأة ، ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير. أخرجه أبو داود والدارقطني والطبراني والبيهقي بسند قوي وحسنه الحافظ ابن حجر (2){175}
وهذا مجمع عليه. ويكره لهن الحلق عند الحنفيين والشافعي لأنه بدعة في حقهن وفيه مثلة (وقال) الجمهور: يحرم عليهم الحلق ولو بنت عشر سنين ، لحديث على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها. أخرجه الترمذي وقال: فيه اضطراب. وزاد رزين: فيا لحج والعمرة وقال: إنما عليها التقصير (3){176}
وهذا أن لم يكن برأسها أذى. فأن كان جاز لها الحلق لضرورة كما يجوز لولى الصغيرة جداً حلق رأسها. ثم الكلام ينحصر في ستة مباحث:
(1)
الحلق نسك - هو نسك واجب في الحج يجبر بالدم عند الحنفيين ومالك. وهو ظاهر مذهب أحمد. والأصح عند الشافعية أنه ركن يفسد
(1) ص 190 ج 12 - الفتح الرباني. وص 231 ج 8 نووي ومسلم (تقصير المعتمر من شعره) و (عند المروة) يفيد أن هذا كان في عمرة كما صرح به عند النسائي. انظر ص 43 ج 2 مجتبي (أين يقصر المعتمر).
(2)
انظر رقم 247 ص 146 ج 1 تكملة المنهل العذب (الحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 5 ص 147 منه.
(3)
ص 109 ج 2 تحفة الأحوذي (الحلق والتقصير) وص 277 ج 1 تيسير الوصول.
الحج بتركه ولا يجبر بالدم (وروى) عن احمد وأبي يوسف والشافعي أنه ليس بنسك. وإنما هو إطلاق من محظور كان محرماً بالإحرام فأبيح عند الحل كاللباس والطيب وغيرهما من محظورات الإحرام. وعليه فلا شئ على تاركه مستدلين بقول أبي موسى الأشعري: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالأبطح فقال: بم أهللت؟ قلت لبيك بحج كحج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحسنت ثم قال لي: اذهب ثم طف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أحلل ففعلت ما أمرني (الحديث) أخرجه أحمد والشيخان (1){177}
أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإحلال من العمرة قبل الحلق فدل على أنه ليس بنسك (ورد) بأن الأمر بالإحلال مجمل بينه النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منه من الحلق والذبح. فلما كان الحلق مشهوراً استغنى عن ذكره. والصحيح أنه نسك ، لحديث جابر رضي الله عنه أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهلوا بالحج مفرداً فقال لهم: أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا. (الحديث) أخرجه الشيخان (2){178}
أمرهم بالتقصير والأمر للوجوب ولأن الله تعالى وصفهم به بقوله: محلقين رءوسكم ومقصرين. ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم به كاللبس وقتل الصيد.
(1) ص 138 ج 11 - الفتح الرباني. وص 363 ج 3 فتح الباري (الذبح قبل الحلق) وص 198 ج 8 نووي مسلم (جواز تعليق الإحرام) و (الأبطح) بطحاء مكة. وهو المحصب.
(2)
ص 278 ج 3 فتح الباري (التمتع والقران.) وص 166 ج 8 نووي مسلم (وجوه الإحرام).
(2)
وقت الحلق - يجب كون الحلق في الحرم وفي أيام النحر عند أبي حنيفة ومالك وروى عن احمد ، لقول معمر بن عبد الله العدوى: كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (الحديث) وفيه: فلما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه بمنى أمرني أن أحلقه (الحديث) أخرجه أحمد والطبراني في الكبير. وفي سنده عبد الرحمن بن عقبة مولى معمر ولم يوثق ولم يجرح (1){179}
فكان فعله صلى الله عليه وسلم بيانا للمطلق في قوله تعالى: لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين فأن أخرجه عن أيام النحر ولو قليلا أو ناسياً فعليه دم ، لأنه نسك عن أخره عن وقته (وقال) محمد بن الحسن والشافعي: يجب كون الحلق أو التقصير بالحرم دون أيام النحر. وهو مشهور مذهب أحمد. أما اختصاصه بالحرم فلقوله تعالى: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله (2) ومحله الحرم ، ولقوله تعالى: ثم محلها إلى البيت العتيق (3).
وأما عدم اختصاصه بأيام النحر ، فلحديث ابن عباس رضي الله
(1) ص 187 ج 12 - الفتح الرباني. وص 261 ج 3 مجمع الزوائد (الحلق والتقصير
…
) و (أرحل) أي أشد الرحل على البعير للنبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
البقرة: 196 وقوله: (ولا تحلقوا رءوسكم
…
) معطوف على وأتمو الحج؛ لا على قوله: فإن أحصرتم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما حصروا بالحديبية حلقوا خارج الحرم. أما في حال الأمن فلا يحلق حتى يبلغ الهدي محله ويفرغ من أعمال النسك.
(3)
الحج آية 33 أي محل ذبح الهدى ، حيث ينتهي إلى البيت وما يليه من الحرم.
عنهما أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: زرت قبل أن أرمي. قال لا حرج. قال: حلقت قبل أن أذبح. قال لا حرج. قال: ذبحت قبل أن أرمي قال لا حرج. أخرجه البخاري (1){180}
وجه الدلالة أنه أجاز تقديم الحلق على الرمي. يدخل وقته من نصف ليلة النحر أو بطلوع فجر يومه على ما يأتي. فأن أخر الحلق عن أيام النحر جاز ولا دم عليه ، لأن الله تعالى بين أول وقته بقوله: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله. ولم يبين آخره فمتى أتى به أجرأه.
(3)
مقدار ما يؤخذ من الرأس في النسك - يجب حلق أو تقصير كل الرأس ، لقوله تعالى: لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين ، محلقين رءوسكم ومقصرين. والرأس اسم للجميع. فالآية تدل على طلب حلق كل الرأس أو تقصيره ، لأنه ليس فيها ما يدل على التبغيض «وتقدم» عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع (2). «وهو يدل» أيضاً على وجوب استيعاب حلق الرأس ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق جميع رأسه وقال: خذوا عنى مناسككم. وهو مذهب مالك وأحمد وبه قال محققو الحنفيين (وقال) أبو حنيفة: يكفي حلق الربع أو تقصيره كالمسح في الوضوء (وعن) أبي يوسف يجب حلق النصف (وقال) الشافعي: يجزئ في الحلق والتقصير ثلاث شعرات. ولكن الدليل يقتضي وجوب الاستيعاب. وأما المرأة فتقصر من كل قرن مثل الأنملة عند الحنفيين والشافعي وأحمد (وقال) مالك: تأخذ من جميع قرونها أقل جزء ولا يجوز الاقتصار على بعضها.
(1) ص 362 ج 3 فتح الباري (الذبح قبل الحلق).
(2)
تقدم رقم 173. ص 142 (الحلق أو التقصير.)
(4)
كيفية الحلق - يسن في الحلق أن يبدأ بالشق الأيمن من رأس المحلوق وأن كان على يسار الحلق ، لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ، ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق: خذوا وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ، ثم جعل يعطيه الناس. أخرجه أبو داود ومسلم والبيهقي. وهذا لفظهما (1){181}
وبهذا قال الجمهور. ويستحب لمن حلق أو قصر أن يقلم أظفاره ويأخذ من شاربه ، لما روى مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه. أخرجه البيهقي وقال: ورواه ابن جريح عن نافع وزاد فيه: وأظفاره (2){55}
(5)
فضل الحلق - هو في حق الرجل أفضل من التقصير بالإجماع. لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين ، قالوا: والمقصرين؟ قال: والمقصرين. أخرجه الجماعة إلا النسائي (3){182}
(6)
ثمرة الحلق - إذا حلق الحاج أو قص يوم النحر حل له كل شئ من محظورات الإحرام إلا الجماع ودواعيه القريبة كالقبلة واللمس بشهوة بخلاف النظر ولو إلى الفرج فأنه لا يجب به دم وأن أنزل ،
(1) انظر رقم 244 ص 140 ج 2 تكملة المنهل العذب (الحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 6 ص 143 منه. و (يعطيه .. ) أي يعطي الناسي شعر رأسه. ففي رواية لمسلم: فحلق شقه الأيمن فقسمه فيمن يليه. وأعطى أبا طلحة شعر الشق الأيسر.
(2)
ص 104 ج 5 سنن البيهقي (من أحب أن يأخذ من شعر لحيته وشاربه
…
)
(3)
انظر رقم 242 ص 136 ج 1 تكملة المنهل العذب (الحلق والتقصير) وباقي المراجع بهامش 1 ص 139 منه.
لحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شئ إلا النساء. أخرجه احمد والدارقطني والبيهقي. وفي سنده ابن أرطاة متكلم فيه (1){183}
وفي الباب أحاديث كثيرة تقويه. وكلها تدل على أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر حل له كل شئ ما عدا النساء. وهذا هو التحلل الأصغر. والنحلل الأكبر يكون بطواف الإفاضة بعد ما ذكر ، وبالسعي بين الصفا والمروة أن لم يكن سعى عقب طواف القدوم. فمتى فعل المحرم ذلك حل له كل شئ من محرمات الإحرام بالإجماع.
مجمل أركان الحج
قد علمت بيان خمسة منها (اثنان) متفق عليهما ، وهما الوقوف بعرفة ومعظم طواف الإفاضة وباقيه ركن عند مالك والشافعي وأحمد. وواجب عند الحنفيين (2) (وثلاثة) مختلف فيها وهى:
(أ) الإحرام وهو ركن عند مالك والشافعي وأحمد. وشرط عند الحنفيين.
(ب) والسعي بين الصفا والمروة. وهو ركن عند مالك والشافعي ورواية عند أحمد.
(ج) والحلق أو التقصير. وهو ركن عند الشافعي على الأصح من أنه نسك. وواجب عند الحنفيين ومالك وأحمد على ما تقدم (3).
(1) ص 186 ج 12 - الفتح الرباني. وص 279 سنن الدارقطني. وص 136 ج 5 سنن البيهقي (ما يحل بالتحليل الأول).
(2)
انظر ص 91 (الوقوف بعرفة) وص 100 (طواف الركن).
(3)
تقدم الإحرام ص 43 وما بعدها ، والسعي ص 129 وما بعدها. والحلق 142 وما بعدها.