الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا. ويستحب عند الحنفيين والشافعي وأحمد قتل القراض للمحرم وغيره، فللمحرم أن يقرض بعيره. وكرهه مالك. وروي عن سعيد ابن المسبب أنه قال في المحرم يقتل قراضاً: يتصدق بتمرة أو تمرتين (1)، والله تعالى ولى التوفيق.
(ب) الوقوف بعرفة
عرفة واد بين المزدلفة والطائف ، يمتد من علمي عرفة إلى جبل عرفة الذي يحيط بالوادي من الشرق على هيئة قوس ، وفي طرفه من الجنوب الطريق إلى الطائف ، وفي طرفه من الشمال لسان يبرز إلى المغرب يسمى جبل الرحمة ، وسفحه الجنوبي هو حد عرفة الشمالي ، وفي طرفه الغربي صخرة عالية هي موقف الخطيب ، وفي أسفله مصلى تسمى مسجد الصخرات والمسافة من علمي على عرفة إلى فح جبل الرحمة تبلغ نحو خمسمائة وألف متر. (أنظر رسم رقم 2)
هذا. والوقوف بعرفة يتحقق بالوجود في أي جزء من أجزائها محرماً واقفاً أو راكباً أو مضطجعاً عالما أنها عرفة أو غير عالم في وقته (وهو ركن) من أركان الحج إجماعاً لحديث عبد الرحمن بن يعمر قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة وأتاه ناس من أهل نجد فقالوا يا رسول الله كيف الحج؟ فقال: الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه. أخرجه أحمد وهذا لفظه والأربعة والبيهقي والحاكم وصححه الترمذي (2){117}
(1) ص 334 ج 7 شرح المهذب.
(2)
انظر رقم 217 ص 94 ج 2 تكملة المنهل (من لم يدرك عرفة) وباقي المراجع بهامش 3 ص 96 منه. و «يعمر» بفتح فسكون ففتح أو ضم. و " جمع " بفتح فسكون المزدلفة وليلتها هي ليلة النحر.
وقال: والعمل عليه عند أهل العلم أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر ، فقد فاته الحج ولا يجزئ عنه أنه جاء بعد طلوع الفجر ويجعلها
عمرة وعليه الحج من قابل ، وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق (1). ثم الكلام ينحصر في ثمانية مباحث:
(1)
وقت الوقوف - هو ما بين زوال شمس يوم عرفة وطلوع فجر يوم النحر عند الحنفيين ومالك والشافعي والجهور، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقف بعد الزوال وكذا الخلفاء الراشدون
(قال) ابن إسحاق: حدثنى نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: غدا رسول الله صلى الله تعالى وآله وسلم من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم راح فوقف على الوقوف من عرفة. أخرجه أحمد وأبو داود ، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فهو حجة (2){118}
وفي حديث ابن يعمر: فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد أدرك الحج " فكان " فعل النبي صلى الله عليه وسلم بيانا لأول الوقت " وقوله " بيانا لآخره. ويكفي عند الحنفيين والشافعي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا وهو مشهور مذهب مالك غير أنه أن وقف بالنهار وجب عند الحنفيين ومالك وأحمد مدّ الوقوف إلى ما بعد الغروب. أما إذا وقف ليلا فلا واجب في حقه. ومشهور مذهب الشافعي أن مد الوقوف إلى الليل سنة. (وقال) أحمد: وقت الوقوف بعرفة ما بين طلوع فجر يوم
(1) ص 102 ج 3 تحفة الأحوذي. (من ادرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج)
(2)
انظر رقم 84 ص 147 ج 2 تكملة المنهل (الخروج إلى عرفة) وص 114 ج 12 - الفتح الرباني. و (نمرة) بفتح فكسر: موضع جنوب عرفة. (ومهجراً) أي ذاهبا وقت الهاجرة وهو شدة الحر.
عرفة وفجر يوم النحر. ويكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا لحديث عروة بن مُضرِّس الطائى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى معنا صلاة الغداة بجمع ووقف معنا حتى نفيض وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهاراً فقد تم حجه عجز حديث أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح (1){119}
وجه الدلالة أن لفظ الليل والنهار مطلق يشمل كل النهار (وأجاب) الجمهور عنه بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله (فالراجح) الذي يشهد له العقل والنقل ما ذهب إليه الجمهور من أن وقت الوقوف بعرفة يبتدئ من زوال شمس يوم عرفة.
(2)
مكان الوقوف: عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة لحديث سليمان بن موسى عن جُبير بن مُطعم رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كل عرفات موقف وارفعوا عن بطن عُرفة (الحديث) أخرجه أحمد والبزار الطبراني في الكيير بسند رجاله موثقون. قاله الهيثمى (2){120}
قال بن عبد البر: أجمع العلماء على أن من وقف بعرنة لا يجزئه ،
(1) انظر رقم 218 ص 97 ج 2 تكملة المنهل العذب (من لم يدرك عرفة) وباقي المراجع بهامش 2 ص 98 منه. و (مضرس) بضم ففتح فشد الراء مكسورة.
(2)
ص 122 ج 12 - الفتح الرباني. وص 251 ج 3 مجمع الزوائد (الخروج إلى منى وعرفة). و (عرنة) بضم ففتح واد غرب عرفة. انظر رسم 2 ص 92.
والأفضل الوقوف عند الصخرات موقف النبي صلى الله عليه وسلم أو بالقرب منها. وأما ما اشتهر من الاهتمام بالوقوف على جبل الرحمة وترجيحه على غيره فخطأ مخالف للسنة.
(3)
آداب الوقوف - يسن لمريد الوقوف بعرفة أمور. (منها) الغسل لما تقدم (1)(ومنها) أن يقف راكبا عند الصخرات مستقبلا القبلة رافعا يديه للدعاء حامدا مهللا مكبرا ملبيا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم داعيا ربه باجتهاد وحضور قلب اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
دعاء عرفة: ويستحب الإكثار من ذكر الله تعالى والدعاء يوم عرفة فإنه يوم إجابة الدعاء وإفاضة الخير من الجواد الكريم الرءوف الرحيم. ويستحب أن يدعو بالمأثور (ومنه) ما في حديث موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله عن على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلى بعرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم اجعل في قلبي نوراً ، وفي صدري نوراً ، وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً. اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر. اللهم أني أعوذ بك من شر ما يَلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تُهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر. أخرجه البيهقي وقال: تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف ولم يدرك أخوه عليا (2){121}
(1) تقدم عن ابن عمر أثر رقم 11 ص 45.
(2)
ص 117 ج 5 سنن البيهقي. و (بواثق الدهر) مهلكاته.
ومن الأدعية المختارة: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ: اللهم أني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، وأنه لا يغفرا لذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني رحمة أسعد بها في الدارين ،
وتب على توبة نصوحا لا أنكثها أبداً وألزمني سبيل الاستقامة لا أزبغ عنها أبداً. اللهم أنقلني عن ذل المعصية إلى عز الطاعة واكفني بحلالك عن حرامك. وأغني بفضلك عمن سواك ، ونور قلبي وقبري واغفر لي الشر كله ، واجمع لي الخير. اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم يسرني لليسرى وجنبنى العسرى وارزقني طاعتك ما أبقيتني ، أستودعك منى ومن أحبابي والمسلمين أدياننا وأدناتنا وخواتم أعمالنا وأقوالنا وأبدلنا وجميع ما أنعمت به علينا (1) ولا يتكلف السجع في الدعاء. ويستحب أن يخفض صوته به وأن يكرر كل دعاء ثلاثا ويكثر من التلبية رافعاً بها صوته وليدْع لنفسه ولوالديه ومشايخه وأقاربه وأصدقائه وكل من أحسن إليه وسائر المسلمين ، وليحذرْ من التقصير في شئ من هذا فأن اليوم لا يمكن تداركه وينبغي أن يكرر الذكر والاستغفار والتوبة من جميع المخالفات مع الندم الشديد.
(5)
حكمة الوقوف: وحكمة مشروعية الوقوف بعرفة: أن الحجاج إذا اجتمعوا بها آملين رغباً ورهباً سائلين خوفاً وطمعاً وهم بين مقبول ومخذول ، يتذكرون موقف القضاء (يَوْمَ لَا تَكَلَّمُ نَفْسَ إلا بإذنه فَمِنْهُمْ شَقيٌ وَسَعِيدٌ) ولا تخفي الثمرات العمرانية المترتبة على اجتماع
(1) انظر ص 116 ج 8 شرح المهذب.
أطراف العالم الإسلامي في ساحة تجمع وفودهم ، وتضم شتيتهم ، ويقوم فيها خطيبهم يدلهم على ما فيه سعادتهم الباقية وهدايتهم الخالدة فلو شاءوا لا تنفعوا أعظم انتفاع في الدين والدنيا والآخرة.
(6)
فضل يوم عرفة: قد ورد في فضله أحاديث:
(منها) حديث عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يُعتِق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي (1). {122}
(وعن) طلحة بن عُبيد الله بن كَرِيز عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما رُؤى الشيطان يوماً هو فيه أَصغر ولا أَدْحَر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأَى من تَنَزُّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام ، إلا ما رأُي يوم بدر. قيل وما رأي يوم بدر يا رسول الله؟ قال: أما إنه قد رأي جبريل يزَع الملائكة. أخرجه مالك مرسلا والحاكم موصولا (2){123}
(7)
مسائل في الوقوف - (الأولى) أجمع العلماء على أنه يصح وقوف غير الطاهر ، كالجنب والحائض.
(1) ص 116 ج 9 نووي مسلم (فضل يوم عرفة) وص 44 ج 2 مجتبي (ما ذكر في يوم عرفة) وص 123 ج 2 سنن ابن ماجة (الدعاء بعرفة) وص 118 ج 5 سنن البيهقي (فضل عرفة) و (ليدنو) أي بقرب إليهم بالرحمة والمغفرة والفضل.
(2)
ص 280 ج 2 زرقاني الموطإ (جامع الحج) و (يزع) بفتحتين أي يصف الملائكة القتال ويمنعهم عن الخروج من الصف.
(الثانية) لا يصح وقوف المغمي عليه عند الشافعي وأحمد. (وقال) الحنفيون ومالك: يصح.
(الثالثة) إذا ضاق وقت العشاء والوقوف بأن كان لو مكث ليصلى العشاء في الطريق يطلع الفجر قبل وصوله إلى عرفة ولو ذهب ووقف يفوت وقت العشاء. (فقيل) يدع الصلاة ويذهب لعرفة. ورجحه المالكية واختاره بعض الحنفيين والنووي ارتكاباً لأخف الضررين لسهولة قضاء الصلاة بخلاف الحج (وقيل) يصلى العشاء قبل الفجر ولو فاته الوقوف ، لأن تأخير الوقوف لعذر مع إمكان التدارك في العام القابل جائز وليس في الشرع ترك فرض حاضر لتحصيل فرض آخر. واختاره بعض الحنفيين والرافعي والشافعي (وقيل) يصلى ماشياً موميا ثم يقضبه احتياطياً وهو قول حسن وجمع مستحسن.
(الرابعة) إذا التبس هلال ذي الحجة ووقفوا بعرفة بعد إكمال ذي القعدة ، ثم تبين بشهادة أن ذلك اليوم كان يوم النحر فوقوفهم صحيح وحجهم تام ، ولا تقبل الشهادة لأن التدارك غير ممكن. وفي الأمر بإعادة الحج حرج بين فوجب أن يكتفي به عند الاشتباه بخلاف ما إذا وقفوا يوم التروية ، لأن التدارك ممكن في الجملة ، بأن يزول الاشتباه في يوم عرفة.
هذا ولو شهد شهود يوم التروية (1) أن هذا اليوم يوم عرفة ، فإن أمكن إمام الحج أن يقف مع الناس أو أكثرهم قبلت الشهادة للتمكن من الوقوف فإن لم يقفوا فاتهم الحج. وإن لم يمكنه أن يقف ليلا مع أكثر الناس لا تقبل الشهادة ويقفوا من الغد.
(1) يوم التروية اليوم الثامن من ذي الحجة.
(8)
بدع عرفة: تقدم أن يوم عرفة فضله عظيم ، فيه يتجلى الله على العباد ويعمهم بالرحمة والإحسان ، ويباهي بهم الملائكة وأهل السماء. وتقدم بيان ما ينبغي للمؤمن أن يتحلى به في هذا اليوم من صالح الآداب وخير الأعمال ، لكن الشيطان للإنسان بالمرصاد. أقسم بعزة الله تعالى أنه يغوي الناس ويبعدهم عن الطريق القويم فحَّسن لهم بدعاً ارتكبوها في هذا اليوم المبارك ما أنزل الله بها من سلطان. منها.
(1)
التعريف بغير عرفة: وهو اجتماع الناس بعد عصر يوم عرفة في المساجد أو غيرها يدعون ويهللون ويكبرون تشبها بمن بعرفة فقد كرهه قربة في غيره (قال) شعبة: سألت الحكم وحماداً عن اجتماع الناس يوم عرفة في المساجد ، فقالا هو محدث. ونحوه عن إبراهيم النخعي. ذكره البيهقي (1){39}
(2)
ومنها ما اعتاده بعض العوام في هذه الأزمان ، من إيقاد الشمع بحبل عرفة ليلة التاسع أو غيرها يصطحبون الشمع من بلادهم لذلك. وهذه ضلالة فاحشة ارتكبوا فيها أنواعاً من القبائح (منها) إضاعة المال في غير وجهه (ومنها) إظهار شعائر المجوس في الاعتناء بالنار (ومنها) اختلاط الرجال بالنساء.
(ومنها) تقديم دخول عرفة على وقتها المشروع. فعلى ولي الأمر وكل من تمكن من غزالة هذه البدع أن يزيلها.
(3)
ومنها اعتقاد العامة أن جبل الرحمة هو الأصل في الوقوف بعرفة دون باقي بقاعها. وهذا خطأ بل أفضلها موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات عن يسار الجبل.
(1) ص 117 ج 5 سنن البيهقي (التعريف بغير عرفات).