الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كان بحائل كثيف أو أنزل بمقدمات الجماع قبل تمام سعي العمرة ولو بشرط، فسدت عمرته وعليه القضاء وشاة تكفي الأضحية.
…
(وقالت) الشافعية والحنبلية: إذا وطئ المعتمر بعد الطواف وقبل السعي، فسدت عمرته وعليه المضي في فاسدها والقضاء وبدنة.
…
ولو وطئ قبل الطواف فسدت عمرته إجماعا.
المقصد العاشر: في الهدى
الهدى لغة وشرعا: أسم لما يهدي من النعم قربة إلى الحرم، فهو لا يكون إلا من الإبل والبقر والغنم بالإجماع (وهو) في الفضل على هذا الترتيب اتفاقا. وحكمية مشروعية ذبح الهدى والفدية ما فيه من طاعة الله تعالى وامتثال أمره وإظهار نعمته بتوسعة المسلمين على أنفسهم وعلى المحتاجين في أيام العيد التي هي أيام ضيافة الله للمؤمنين. وفيه تطهير للنفوس من دنس الشح، وتذكير لنا (بنزول) الفداء لإسماعيل حين جاد بنفسه تصديقا لرؤيا أبيه (وبقيام) أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بما أمر به، وبأن من يمتثل أمر ربه مع الإخلاص لا يصاب بأذى، بل ينال كل الخير والسعادة:"ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"(1)، وأقل الهدى شاة كما تقدم (2)، ثم الكلام ينحصر في خمسة عشر مبحثا.
…
1 - ما يجزئ في الهدى وما لا يجزئ: يجزئ فيه ما يجزئ في الأضحية، وهو:
…
(أ) الجذع من الضأن، وهو ما تم له ستة أشهر وكان سمينا.
(1) الآية 2 من سورة الطلاق.
(2)
تقدم أثر 91 ص 273.
(ب) الثني من الضأن وغيره، وهو ما له خمس سنين من الإبل اتفاقا وما له حولان من البقر والجاموس عند الحنفيين والشافعي وأحمد. (وقالت) المالكية: الثني من البقر والجاموس ما له ثلاث سنين ودخل في الرابعة، والثني من الضأن ما له سنة ودخل في الثانية اتفاقا. وكذا الثني من المعز عند الحنفيين ومالك وأحمد، (وقالت) الشافعية: الثني من المعز ما له سنتان ودخل في الثالثة. ودليل ذلك ما روي أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضمان. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وأبن ماجه وأبو الزبير مدلس (1). {281}
(ولا يجزئ) في الهدى ما لا يجزئ في الأضحية. وهو مقطوع أكثر الأذن أو الذنب، لأن للأكثر حكم الكل، والعوراء والعمياء بالأولى، والعجفاء أي المهزولة التي ذهب مخها من الهزال، والعرجاء التي لا تمشي برجلها المعيبة إلى مكان الذبح. ودليل ذلك قول على رضي الله عنه: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحى بعوراء ولا بمقابلة ولا مدابرة ولا شرفاء ولا خرقاء. أخرجه أحمد والأربعة والدرامي وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم (2). {282}
…
(وروي البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها،
(1) أنظر رقم 10 ص 14 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يجوز في الضحايا من السن وباقي المراجع بهامش 2 ص 16 منه. والمسن: الثني.
(2)
أنظر رقم 17 ص 26 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يكره من الضحايا) وباقي المراجع بهامش 6 ص 27 منه و (المقابلة) بفتح الباء التي قطع من مقدم أذنها قطعة وتركت معلقة، فإن كانت من مؤخرها فهي المدابرة (والشرقاء) التي شقت أذنها طولا (والخرفاء) التي في أذنها خرق، وهو ثقب مستدير.
والعرجاء بين عرجها، والعجفاء التي لا تنقى. أخرجه الإمامان والأربعة والدارمي، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم (1). {283}
…
2 - الدماء الواجبة في الإحرام: هي ثمانية: (الأول والثاني) دم القرآن والتمتع، وهو شاة أو بدنة أو سبعها، وهو واجب على غير حاضري المسجد الحرام كما تقدم (2)، فإن عجز القارن أو المتمتع عن الدم صام عشرة أيام (3).
…
(الثالث) دم الإحصار، وهو شاة تذبح في الحرم (4).
(الرابع) دم الفوات، وهو واجب عند الجمهور، خلافا للحنفيين (5).
…
(الخامس) الدم الواجب بترك واجب من واجبات النسك كالإحرام من الميقات والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار وغير ذلك (6). (السادس) الدم الواجب بارتكاب محظور غير الوطء كالتطيب والحلق والقبلة (7).
…
(السابع) الدم الواجب بالجماع في النسك (8).
…
(الثامن) الدم الواجب بالجناية على الحرم كالتعرض لصيده أو شجره على ما تقدم بيان كل في بحثه (9).
…
3 - ما تلزم فيه بدنة: تجزئ الشاة في كل جناية ونذر إلا في أربعة
(1) أنظر رقم 15 ص 22 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يكره من الضحايا) وباقي المراجع بهامش 3 ص 24 منه. و (لا تنقى) من الإنقاء، أي التي لا نقي (بكسر فسكون) لها، أي لا مخ لها من الهزال.
(2)
تقدم ص 251 (حاضرو المسجد الحرام).
(3)
تقدم ص 247 (وقت ومكان صيام القارن).
(4)
تقدم ص 273 (ما يطلب من المحصر).
(5)
أنظر ص 283 (هدى الفوات).
(6)
أنظر ص 266 (الجناية على السعي .. ).
(7)
أنظر ص 254 (الجناية بغير الوطء لعذر).
(8)
أنظر ص 257 و 259 و 260 و 262 و 263 و 264.
(9)
أنظر 267 (الجناية على الحرم).
لا يجزئ فيها إلا بدنة، وهي إذا طاف للزيارة جنبا أو حائضا أو نفساء أو جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق أو نذر بدنة أو جزوؤا.
…
4 - هدى التطوع: يستحب لمن قصد مكة حاجا أو معتمرا أن يسوق هديا من النعم لينحر في الحرم ويفرق على المساكين هناك، لقول جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: وكان جماعة الهدى الذي قدم به على من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة. ثم قال: فنحر (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثا وستين، ثم أمر عليا فنحر ما غبر (1).
…
دل على استحباب سوق الهدى من الحل، فإن اشتراه من الحرم أجزأه، ولا يلزمه الخروج به إلى الحل عند الحنفيين والشافعي وابن القاسم المالكي، والمشهور عن مالك أنه يخرج به إلى عرفة، وإن لم يفعل فعليه البدل، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: الهدى ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة. أخرجه مالك والبيهقي بسند صحيح (2). {95}
(وإن اشترى الهدى من الحل استحب له أن يوقفه بعرفة عند مالك لما روي نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدموا مني غداة النحر نره قبل أن يحلق أو يقصر. أخرجه مالك (3). {96}
(1) تقدم تاما رقم 242 ص 217، 219.
(2)
أنظر ص 227 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى حين يساق) وص 232 ج 5 سنن البيهقي (الاختيار في التقليد والإشعار).
(3)
أنظر ص 226 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى حين يساق).
(وقال) الشافعي: إنما يوقف الهدى بعرفة إذا لم يسق من الحل، وهو سنة لمن شاء، لقول إبراهيم النخعي: أرسل الأسود غلاما له إلى عائشة رضي الله عنها، فسألها عن بدن بعث بها معه أيقف بها بعرفات؟ فقالت: ما شئتم إن شئتم فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا. أخرجه البيهقي (1). {98}
…
(وقال الحنفيون: لا يسن سوق الهدى مطلقا إلى عرفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق الهدى من الحل ولم يثبت أنه ساقه إلى عرفة.
…
5 - الشعار والتقليد: الإشعار لغة الإدماء، وشرعا شق سنام الهدى حتى يلطخ ليعلم أنه هدى فلا يتعرض له. والتقليد أن يجعل في عنق الهدى قطعة جلد أو نعل أو نحوه ليعلم أنه هدى.
…
هذا، ويسن لمن أراد النسك وساق معه هديا أن يشعره إن كان من الإبل والبقر وأن يقلده ولو منهما أو من الغنم في ميقات الإحرام، لما تقدم أن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وسلم الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة (2).
(دل) على أن النبي صلى الله عليه وسلم أشعر هدية وقلده بذي الحليفة قبل الإحرام. فمن أراد أن يحرم بنسك وساق معه هديا لا يقلده إلا من الميقات. وأما من لم يرد نسكا وبعث هديا إلى البيت فإنه ينبغي له أن يقلده ويشعره في بلده ثم يبعثه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم،
(1) أنظر 232 ج 5 سنن البيهقي (الاختيار في التقليد والإشعار).
(2)
تقدم رقم 275 ص 275 (ما يطلب من المحصر).
إذا بعث بهدية مع أبي بكر رضي الله عنه سنة تسع (1). والإشعار يكون في الإبل والبقر وإن لم يكن لها سنام عند غير مالك (لقول) عائشة رضي الله عنها: فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرم عليه شيء كان أحل له. أخرجه السبعة والطحاوي (2). {284}
…
(وقال) مالك: لا تشعر البقر إلا إن كان لها سنام. وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يبالي في أي الشقين أشعر، في الأيسر أو في الأيمن. (قال) الشافعي في غير هذه الرواية: الإشعار في الصفحة اليمنى، وكذلك أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكره البيهقي (3). فاختار مالك وأحمد في رواية الإشعار في الأيسر، واختار الشافعي وأحمد في رواية، والجمهور: الإشعار في الأيمن، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أولى من فعل ابن عمر. والحكمة في الأشعار ألا يختلط الهدى بغيره، وإذا ظل يعرف وقد يعطب فينحر، فإذا رأى الفقراء عليه علامة الهدى أكلوه. وفي الإشعار أيضا تعظيم شعائر الدين وحث الغير على سوق الهدى.
هذا، والتقليد يكون في الإبل والبقر والغنم لما تقدم، ولقول عائشة رضي الله عنها: أهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة غنما إلى البيت فقلدها. أخرجه السبعة بألفاظ متقاربة (4). {285}
(1) أنظر ص 38 ج 10 عمدة القاري (من أشعر وقلد بلدي الحليفة).
(2)
أنظر رقم 37 ص 14 ج 1 تكملة المنهل العذب (من بعث بهديه وأقام) وباقي المراجع بهامش 5 ص 15 منه. و (البدن) بضم فسكون، جمع بدنة تطلق على الجمل والناقة والبقرة، سميت بذلك لعظمها وسمنها.
(3)
أنظر ص 232 ج 5 سنن البيهقي (الاختيار في التقليد والإشعار).
(4)
أنظر رقم 35 ص 11 ج 1 تكملة المنهل العذب (في الإشعار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 10 وهامش 2 ص 11، 12 منه.
دل قولها مرة على أن أكثر هدى النبي صلى الله عليه وسلم كان من الإبل لأنها أفضل، وأهدى مرة الغنم لبيان الجواز. وتقلد الغنم بخيوط مفتولة ونحوها ولا تقلد بالنعال لثقلها عليها عند الجمهور، وابن حبيب المالكي.
…
(وقال) الحنفيون: لا يسن تقليد الغنم. ومشهور مذهب مالك أنه يكره تقليدها، وهو مردود بحديث عائشة رضي الله عنها، ويحرم إشعارها لأنها تعذيب.
…
6 - ما يطلب في الهدى: يطلب فيه تسعة أمور: (أ) يستحب أن يكون سمينا حسنا، لقوله تعالى:"ومن يعظم شعائر الله فإنها نمن تقوى القلوب"(1). (قال) ابن عباس: تعظيمها: استسمانها واستحسانها.
…
(ب) ويستحب توجيه الهدى إلى القبلة عند إشعاره وأن يقول: باسم الله والله أكبر، لما روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا طعن في سنام هدية وهو يشعره قال: باسم الله واله أكبر. أخرجه مالك (2). {98}
…
(جـ) ويستحب تجليل الهدى بكساء ونحوه وأن يتصدق به بعد ذبح الهدى على مساكين الحرم، لقول على رضي الله عنه: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه (3){286}
(1) الآية 32 من سورة الحج.
(2)
أنظر ص 217 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى حين يساق).
(3)
أنظر ص 357 ج 2 فتح الباري (الجلال للبدن) وأنظر رقم 49 ص 29 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف تنحر البدن؟ ) وباقي المراجع بهامش 2 ص 31 منه. و (الجلال) بالكسر: ما يستر به ظهر الحيوان من الإبل وغيرها. والمراد به هنا ما يغطي به الهدى.
(د) ويستحب أن يشق الجلال من موضع السنام ليظهر الإشعار ولئلا يسقط عنها الجلال. فقد كان ابن عمر لا يشق من الجلال إلا موضع السنام. وإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها ذكره البخاري معلقا (1). {99}
…
(هـ) ويستحب للمهدي أن ينحر هديه بيده إذا كان يحسن ذلك، لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: نحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياما وضحى بالمدينة بكبشين أقرنين أملحين. أخرجه البخاري وأبو داود (2). {287}
…
ومن لم يحسن الذبح يندب له أن يشهد ذبحه، لحديث عمران ابن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بكل قطرة من دمها كل ذنب عملتيه وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. قال عمران: يا رسول الله، هذا لك ولأهل بيتك خاصة- فأهل ذلك أنتم- أو للمسلمين عامة؟ قال: بل المسلمين عامة. أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ورد بأن هذا في سنده أبا حمزة الثمالي ضعيف جدا (3). {288}
…
(و) ويستحب أن يتولى المهدي تفريق لحم الهدى بنفسه لأنه أحوط وأقل للضرر على المساكين. وإن خلى بينه وبين المساكين جاز، لقول
(1) أنظر ص 356 ج 3 فتح الباري (الجلال للبدن).
(2)
أنظر ص 358 ج 3 فتح الباري (من نحر هدية بيده) ورقم 6 ص 10 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يستحب من الضحايا).
(3)
أنظر هامش 2 ص 11 ج 3 تكملة المنهل العذب (ما يستحب في الأضحية).
عبد الله بن قرط: قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدنات خمس، أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ. فلما وجبت جنوبها قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة خفية لم أفهمها، فقلت للذي إلى
جنبي: ما قال؟ قال: من شاء اقتطع. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي (1). {289}
…
(ز) ويطلب من المهدي التسمية عند نحر الهدى، لقوله تعالى:"والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير، فاذكروا اسم الله عليها صواف"(2) والمنقول فيها: باسم الله والله أكبر، لقول أنس رضي الله عنه: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ويقول: باسم الله والله أكبر. أخرجه السبعة والدارمي (3). {290}
…
(والتسمية) عند الذبح شرط عند الذكر والقدرة عند الحنفيين، وهو المشهور عن مالك وأحمد؛ فإن تركها عمدا مع القدرة لا تؤكل الذبيحة لقوله تعالى:"ولا تأكلوا مما لم يذكر أسم الله عليه وإنه لفسق"(4)(وقالت) الشافعية: التسمية سنة لا شرط؛ فإن تركها عمدا
(1) أنظر ص 350 ج 4 مسند أحمد (حديث عبد الله بن قرط .. ) وأنظر رقم 45 ج 1 تكملة المنهل العذب (من نحر الهدي بيده
…
) وهامش 2 ص 26 منه. و (وجبت جنوبها) أي سقطت إلى الأرض بعد النحر.
(2)
الآية 36 من سورة الحج: و (صواف) أي قائمات على ثلاث.
(3)
أنظر ص 120، 121 ج 13 نووي مسلم. وأنظر سائر المراجع بهامش ص 12 ج 3 تكملة المنهل العذب. وأنظر رقم 7 ص 11 منه (ما يستحب من الضحايا).
(4)
الآية 121 من سورة الأنعام (مما لم يذكر أسم الله عليه) أي ما أهل به لغير الله (وإنه) أي الأكل منه (لفسق) أي خروج عما يحل.
تحل مع الكراهة، وإن تركت سهوا نح اتفاقا. وتقدم تمامه في الأضحية (1).
…
(ح) ويستحب نحر الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى لقوله تعالى: "فاذكروا اسم الله عليها صواف". قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي قياما على ثلاثة قوائم معقولة. أخرجه الحاكم (2). {100}
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقى من قوائمها. أخرجه أبو داود والبيهقي بسند صحيح على شرط مسلم (3). {291}
…
(أما) البقر والغنم فيستحب ذبحها مضطجعة على جنبها الأيسر مرسلة رجلها اليمنى، مشدودة قوائمها الثلاث.
…
(ط) ويسن نحر الإبل وذبح البقر والغنم. والنحر: الطعن في اللبة وهي أسفل العنق. والذبح: قطع الحلقوم والمرئ والدوجين (4) من أعلى العنق؛ فإن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر جاز مع الكراهة عند أبي حنيفة ومالك والشافعي. وقال أحمد: لا يكره.
…
7 - الانتفاع بالهدى: يجوز ركوب الهدى إذا دعت إليه ضرورة، لقوله تعالى: "لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت
(1) أنظر ص 119، 120 ج 5 الدين الخالص.
(2)
أنظر ص 359 ج 3 فتح الباري الشرح (نحر البدن قائمة).
(3)
أنظر رقم 47 ص 28 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف تنحر البدن) وص 237 ج 5 سنن البيهقي (نحر بالإبل قياما .. ).
(4)
(الحلقوم) مجري النفس (والمرئ) مجري الطعام والشرب (والودجان) عرقان بجانبي العنق.
العتيق" (1) ومن المنافع ركوبها والحمل عليها، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يسوق بدنة، وقد جهده المشي قال: أركبها، قال إنها بدنة، قال: اركبها وإن كانت بدنة. أخرجه النسائي (2). {292}
…
(ولهذا) قال الحنفيون: لا يركب الهدى بلا ضرورة.
(وقال) الشافعي وأحمد في المشهور عنه: يجوز ركوب الهدى للحاجة، وروى عن مالك، ومشهور مذهبه أنه يجوز ركوب الهدى بلا حاجة إن لم يضره الركوب، وروى عن أحمد، لإطلاق حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال: اركبها، قال: إنها بدنة، فقال: اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة. أخرجه الشافعي والسبعة غير أنه عند الترمذي عن أنس (3). {293}
…
(وأجاب) الأولون بأن المطلق محمول على المقيد، والراجح ألا يركب الهدى إلا عند الحاجة، (وكره) الحنفيون ومالك والشافعي والجمهور شرب لبن الهدى بعد ري فصيله، وإن نقصه الركوب والشرب فعليه قيمة ذلك النقص عند الحنفيين والشافعي، وقال مالك: لا يغرم شيئا، ولا يحمل على الهدى متاعه عند مالك، وأجازه الجمهور عند الحاجة، (وقال) أحمد: لا يكره شرب لبن الهدى الفاضل عن ولده، لما روي المغيرة بن حذف العبسي أنه سمع رجلا من همدان سأل عليا رضي الله عنه عن رجل اشترى بقرة ليضحى بها فنتجت فقال له: لا تشرب لبنها
(1) الآية 23 من سورة الحج.
(2)
أنظر ص 23 ج 2 مجتبى (ركوب البدنة لمن جهده المشي).
(3)
أنظر رقم 40 ص 16 ج 1 تكملة المنهل العذب (ركوب البدن) وباقي المرجع بهامش 1 ص 18 منه.
إلا فضلا وإذا كان يوم النحر فاذبحها وولدها عن سبعة، أخرجه البيهقي (1). {101}
(وهذا) وإن كان في الأضحية فالهدى مثلها، فإن شرب ما يضر بالأم أو ما لا يفضل عن الولد ضمنه لأنه تعدى بأخذه وإن كان صوفها يضرها بقاؤه وتصدق به على الفقراء (2) وإذا ولد الهدى فولده بمنزلته إن أمكن سوقه، وإلا حمله على ظهر أمه وسقاه من لبنها، فإن لم يمكن سوقه ولا حمله صنع به ما يصنع بالهدى إذا عطب، لما روى نافع أن أبن عمر رضي الله عنهما كان يقو: إذا نتجت البدنة فليحمل ولدها حتى ينحر معها، فإن لم يوجد له محمل فليحمل على أمه ختى ينحر معها. أخرجه مالك والبيهقي (3). {102}
…
8 - عطب الهدى وتعيبه: العطب بفتحتين: الهلاك، فإذا عطب الهدى الواجب أو تعيب عيبا فاحشا يمنع جواز الأضحية به لزمه غيره لوجوبه عليه، وصنع بالمعيب ما شاء لأنه التحق بملكه، وإن عطب أو تعيب هدى التطوع لا يلزمه غيره. وإذا أشرف على الموت وعجز عن السير نحره وصبغ قلادته بدمه وضرب بها جانب سنامه ليعلم أنه هدى فيأكل منه الفقراء ولا يأكل منه المهدى ولا غنى، لما روى عن ناجية الخزاعى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدى فقال: إن عطب منه شيء فانحره ثم أصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس. أخرجه
(1) أنظر ص 237 ج 5 سنن البيهقي (لبن البدنة لا يشرب إلا بعد ري فصيلها .. ).
(2)
أنظر ص 563 ج 3 المغنى لابن قدامة.
(3)
أنظر ص 226 ج 2 زرقاني الموطأ (ما يجوز من الهدى) وص 237 ج 5 سنن البيهقي (لبن البدنة لا يشرب إلا بعد ري فصيلها .. ).
الشافعي وأحمد والأربعة إلا النسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (1). {294}
(دل) على أنه إذا عطب هدى التطوع قبل وصوله إلى الحرم وجب ذبحه وتخليته للفقراء ولا بدل عليه، لأنه موضع بيان ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك (بخلاف) الهدى الواجب إذا عطب قبل محله فإنه يأكل منه صاحبه والأغنياء لتعلقه بذمته وقد التحق بملكه، ويجوز بيعه عند الجمهور ومنعه مالك، فإن بلغ الهدى محله لا يأكل صاحب منه إن كان جزاء صيد أو فدية أو نذرا للمساكين، وأكل مما سوى ذلك عند الجمهور (2).
…
9 - ضياع الهدى: إذا ضل الهدى، فإن كان تطوعا لم يلزمه شيء، ويستحب ذبحه والتصدق به إذا وجده، وإن كان واجبا بالنذر ونحوه وضل بلا تقصير لا يلزمه ضمانه، وإن وجده لزمه ذبحه، لما روى نافع أن أبن عمر رضي الله عنهما قال: من أهدى بدنة ثم ضلت أو ماتت فإنها إن كانت نذرا أبدلها، وإن كانت تطوعا فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها. أخرجه مالك (3). {103}
…
10 - وقت ذبح الهدى: (قال) الحنفيون: يختص ذبح هدى التمتع والقرآن بأيام النحر، ودم النذر والكفارات والتطوع لا يختص ذبحه بوقت، وتقدم بيان زمن ذبح دم الإحصار عندهم (3) (وقال) مالك وأحمد: يختص ذبح الهدى ولو تطوعا بأيام النحر. والصحيح عند الشافعي أن وقت ذبح الهدى يوم النحر وأيام التشريق، وقيل لا يختص
(1) أنظر رقم 42 ص 19 ج 1 تكملة المنهل العذب (الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ) وباقي المراجع بهامش 3 ص 20 منه.
(2)
أنظر ص 229 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى إذا عطب .. ).
(3)
تقدم ص 274 (ما يطلب من المحصر).
بزمان كدماء الجبران. والصواب الأول. وعليه إذا فات وقته ذبح الواجب قضاء وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته، لأن القضاء يحكي الأداء. فأما التطوع فهو مخير فيه؛ فإن فرق لحمه كانت القربة بذلك دون الذبح لأنها شاة لحم.
وقالوا: إذا كان الهدى للتمتع أو القرآن فوقت وجوبه الإحرام بالحج لقوله تعالى: "فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي"(1) ووقت استحباب ذبحه يوم النحر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووقت جواز ذبحه بعد الفراغ من العمرة وبعد الإحرام بالحج، لأن الذبح قربة تتعلق بالبدن فلا يجوز قبل وجوبها كالصلاة والصوم، وقبل: يجوز بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج، لأنه حق مال يجب بسببين فجاز تقديمه على أحدهما كالزكاة بعد ملك النصاب (2)، وهذا يتفق ويسر الدين. ولكن الراجح خلافه.
مكان ذبح الهدى: يختص ذبح الهدى ولو تطوعا بالحرم في أي موضع منه، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر. أخرجه أبو داود وابن ماجه (3). {295}
…
(والأفضل) أن يكون نحر الهدى بمنى عند الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف إن أمكن وصوله إلى الحرم وإلا فمكانه حيث أحصر.
…
(قال) الشافعي: يجوز نحر الهدى ودماء الجبرانات في جميع الحرم،
(1) الآية 196 من سورة البقرة.
(2)
أنظر ص 380 ج 8 شرح المهذب وص 183 ج 7 منه.
(3)
أنظر رقم 208 ص 80 ج 2 تكملة المنهل العذب (الصلاة يجمع) وص 128 ج 2 سنن ابن ماجه (الذبح) و (فجاج) جمع فج، وهو الطريق الواسع.
لكن الأفضل في حق الحاج النحر بمنى وأفضل موضع فيها موضع نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاربه. والأفضل في حق المعتمر أن ينحر في المروة، لأنها موضع تحلله، كما أن منى موضع تحلل الحاج (1).
…
(قال) على القاري: يجوز ذبح جميع الهدايا في أرض الحرم بالاتفاق إلا أن منى أفضل لدماء الحج ومكة لدماء العمرة والأفضل أن يكون بالمروة (2).
12 -
الاشتراك في الهدى: تجزئ الشاة في الهدى عن واحد إجماعا. وتجزئ البدنة وهي البقرة أو الناقة أو البعير عن سبعة، لقول جابر رضي الله عنه: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي (3). {296}
…
وهاك أقوال العلماء في هذا: (قال) الحنفيون: تجزئ البدنة عن سبعة إذا كان كل منهم يريد بنصيبه- الذي لا ينقص عن السبع- القربة وهو مسلم، سواء في ذلك هدى التطوع والواجب. (وقال) الشافعي وأحمد والجمهور: يجوز اشتراك سبعة في البدنة سواء أكان الكل متقربا أم البعض (ومشهور) مذهب المالكية أنه لا يجوز الاشتراك في الهدى مطلقا. والأحاديث ترده.
13 -
إبدال الهدى: لا يجوز إبدال الهدى الواجب ولو بأفضل أو أكثر منه. لحديث جهم بن الجارود عن سالم عن ابن عمر رضي الله
(1) أنظر ص 196 ج 8 نووي شرح مسلم (حجة النبي صلى الله عليه وسلم:
(2)
أنظر ص 218 ج 3 شرح المشكاة.
(3)
أنظر ص 37 ج 13 الفتح الرباني وص 67 ج 9 نووي مسلم (إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة) وص 234 ج 5 سنن البيهقي (الاشتراك في الهدى).
عنهما قال: أهدى عمر بن الخطاب بختية أعطى بها ثلاثمائة دينار، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهديت بختية لي أعطيت بها ثلاثمائة دينار فأنحرها أم اشترى بثمنها بدنا؟ قال: انحرها إياها. أخرجه أحمد وأبو داود- وقال هذا لأنه كان أشعرها- والبيهقي بسند جيد، لكن لا يعرف لجهم سماع من سالم (1). {297}
وفي هذا خلاف بين العلماء (قال) الحنفيون: لا يجوز إبدال هدى التطوع لأنه لما جعله هديا تعين لذلك، ويجوز تبديل الهدى الواجب بأن كان منذورا أو دم قرآن أو تمتع أو جناية أو إحصار بعدو ونحوه لأنه واجب في الذمة فلا يتعين بالشراء والأولى تركه، وعلى هذا حملوا الحديث فقالوا:"إن كان" الهدى الذي أهداه عمر رضي الله عنه تطوعا (فقول) النبي صلى الله عليه وسلم له: انحرها، محمول على عدم جواز التبديل "وإن كان" واجبا فهو محمول على الأولى والأفضل.
(وقالت) المالكية: إن قلد الهدى أو أشعره، وكان منذورا بعينه لا يجوز تبديله وإلا جاز، لقول أبي داود في الحديث: هذا لأنه كان أشعرها.
(وقالت) الشافعية: للمهدي التصرف في هدى التطوع بالأكل والبيع والتبديل ونحوها ولو قلده وأشعره، لأنه لم يوجد منه إلا مجرد نية ذبحه هديا، وهذا لا يزيل الملك، وكذا لو كان واجبا في ذمته وعينه بغير نذر، كأن قال: جعلت هذا عما في ذمتي، أما لو عينه بالنذر،
(1) أنظر رقم 36 ص 12 ج 1 تكملة المنهل العذب (تبديل الهدى) وباقي المراجع بهامش 2 ص 13 منه. و (بختية) بضم فسكون فكسر فياء مشددة: أنثى الجمال البخت، وهي ذات العنق الطويل.
كأن قال: لله على أن أذبحه عن الدم الواجب في ذمتي ونذر هدى حيوان معين، فيزول ملكه عنه ويصير حقا للمساكين، فلا يتصرف فيه ببيع وهبة وتبديل ونحوها.
(وقالت) الحنبلية: إن أوجب الشخص على نفسه هديا بقوله: هذا هدى أو بتقليده أو إشعاره ناويا الهدى، جاز له إبداله بما هو خير منه لحصول المقصود مع نفع الفقير بالزيادة، وأما إذا تطوع به فلا يلزمه إمضاؤه وله نماؤه وأولاده والرجوع فيه ما لم يذبحه، لأنه نوى الصدقة يشئ من ماله فأشبه ما لو نوي الصدقة بدرهم، ولا دليل على هذا التفصيل.
(هذا) ومن لزمته بدنة ولم يجدها فله ذبح سبع شياة بدلها، لحديث عطاء الخراساني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: إن على بدنة وأنا موسر بها ولا أجدها فأشتريها، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند جاله رجال الصحيح (1)، لكن عطاء لم يسمع من ابن عباس. {298}
14 -
مصرف الهدى: يستحب الأكل والتصدق من هدى التمتع والقرآن والتطوع إذا بلغ محله وذبح في الحرم، لقوله تعالى:"فإذا رجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر"(2)، ولأن المطلوب في الحرم الإراقة. وأما إذ ذبح في غيره وجب التصدق بالكل على الفقراء وليس له ولا لغنى الأكل منه، وإن أكل مما لا يحل له الأكل منه غرم
(1) أنظر ص 35 ج 13 الفتح الرباني، وص 142 ج 2 سنن ابن ماجه (كم يجزئ من الغنم عن البدنة؟ ) و (على بدنة) أي واجبة بنذر أو جزاء صيد أو كفارة وطء.
(2)
الآية 36 من سورة الحج. و (وجبت) أي سقطت و (القانع) الراضي بما يعطي ولا يسأل (والمعتر) السائل أو المتعرض للسؤال.
ما أكل، لقول سعيد بن المسيب: من ساق بدنة تطوعا فعطبت فنحرها ثم تخلى بينها وبين الناس فأكلوها فليس عليه شيء وإن أكلها أو أمر من يأكل منها غرمها. أخرجه مالك والبيهقي (1). {104}
(أما هدى) غير التمتع والقرآن والتطوع فلا يأكل منه المهدي عند الحنفيين وأحمد، لأنها دماء كفارة، ولما تقدم في حديث ناجية الخزاعي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن عطب منه شيء فأنحره ثم أصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس (2).
(وقال) مالك: يأكل من كل الهدى إلا جزاء الصيد ونسك الأذى والمنذور وهدى التطوع إذا عطب قبل محله، لما روي نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ويؤكل مما سوى ذلك. أخرى البخاري (3). {105}
(وقال) الشافعي: لا يجوز الأكل من الواجب إذا كان جبرانا أو منذورا.
(هذا) ويستحب عند الحنفيين أن يتصدق بثلث هدى التطوع ويأكل الثلث ويدخر الثلث، لقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فأرخص لنا صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا وتزودوا وادخروا. أخرجه الشيخان والنسائي (4). {299}
(1) أنظر ص 229 ج 2 زرقاني الموطأ (العمل في الهدى إذا عطب أو ضل) وص 243 ج 5 سنن البيهقي، و (غرمها) أي لزمه بدلها هديا كاملا لا قدر أكله أو ما أمر بأكله على الأصح عند مالك.
(2)
تقدم رقم 293 ص 297 (عطب الهدى).
(3)
أنظر ص 361 ج 3 فتح الباري (ما يأكل من البدن وما يتصدق).
(4)
أنظر ص 361 منه، وص 131 نووي مسلم (النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ونسخه)(وص 208 ج 2 مجتبي؟ الإذن في ذلك).
(وقال) أحمد: يتصدق بثلث هدى التطوع ويهدي الثلث ويأكل الثلث. وروي عن الشافعي، لقول علقمة: بعث معي عبد الله بن مسعود بهدى تطوعا فقال لي: كل أنت وأصحابك ثلثا وتصدق بثلث وأبعث إلى أهل أخي عتبة ثلثا. أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي بسند رجاله رجال الصحيح (1). {106}
وعن الشافعي أنه يأكل النصف ويتصدق بالنصف، لقوله تعالى:"ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير"(2)
(وقالت) المالكية: يستحب أن يأكل المهدي من الهدى الذي يباح الأكل منه ويتصدق ويهدي بلا تحديد بثلث وغيره.
15 -
التصرف في جلد الهدى ونحوه: يندب التصدق بجلد الهدى وجلاله وخطامه، ولا يجوز أن يعطي الجزار أجره منه، لقول علي رضي الله عنه: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجازر منها. وقال: نجن نعطيه من عندنا. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه (3). {300}
دل على استحباب سوق الهدى وجواز النيابة في نحره وتفرقته، وأنه يتصدق بلحومها وجلودها وجلالها وألا يعطي الجزار منها أجره لأنه في
(1) نظر ص 228 ج 3 مجمع الزوائد (فيما يعطب من الهدى والأكل منه) وص 240 ج 5 سنن البيهقي (الأكل من الضحايا والهدايا.).
(2)
الآية 28 من سورة الحج. و (أيام معلومات) هي عشر ذي الحجة أو يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق. و (البائس) من أصابه بؤس وشدة.
(3)
أنظر رقم 49 ص 29 ج 1 تكملة المنهل العذب (كيف تنحر البدن) وباقي المراجع بهامش 2 ص 31 منه.
معنى بيع جزء منها وهو لا يجوز. وفيه جواز الاستئجار على الذبح ونحوه (1). (هذا) ولا يجوز عند الأئمة الأربعة بيع جلد الهدى ولا شيء من أجزائه ولا ينتفع به في البيت وغيره، سواء أكان تطوعا أم واجبا، لكن إن كان تطوعا فله الانتفاع بالجلد وغيره باللبس وغيره.
بدع الحج ومنكراته
تبين أن الحج فضله عظيم لو أديت مناسكه على الوجه المشروع، ولكن الناس ارتكبوا فيه أمورا تغضب الواحد الديان، لا يقبلها العقل السليم، ولا يرضاها الشرع الشريف، (منها): ما تقدم من بدع عرفة (2) والطواف (3). (ومنها) أن كثيرا من المطوفين ينزلون بالحجاج من عرفة قبل الغروب ويسيرون رأسا إلى منى ولا يبيتون بمزدلفة ليلة النحر، ولا يقفون بها بحجة أن السيارات لا تستطيع الانتظار. وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نزل من عرفة بعد الغروب وبات بمزدلفة وصلى بها الصبح، ولم يأذن لأحد بالذهاب ليلا من مزدلفة إلى منى إلا للنساء والضعفة. (وكذا) يضيعون على الحجاج الغسل لدخول مكة من بئر ذي طوى، لأن السيارات تدخلها من طريق آخر. (وكذا) يتعجلون على الحجاج في رمي الجمار، يحملونهم على الرمي قبل زوال اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، مع أن لا يدخل وقته إلا بعد الزوال، وذلك ليستريح المطوفون من عناء الإقامة بمنى. (ومنها) جلوس الناس حول الكعبة بالمطاف قبل دخول الوقت بزمن طويل منتظرين الجماعة قريبا
(1) ص 65 ج 9 نووي شرح مسلم (الصدقة بلحوم الهدايا .. ).
(2)
تقدم ص 98 (بدع عرفة).
(3)
تقدم ص 124 (بدع الطواف).
من الكعبة فيسد المطاف أمام الطائفين، ويكون الإضرار الشديد والنزاع الطويل بين الجالسين والطائفين، ولا تزال آثار الوثنية عالقة بالأذهان، فترى غالب الحجاج يعمدون إلى ستائر الكعبة يقبلونها ويأخذون منها قطعا للتبرك. (ومنها) أن تقام الصلاة بالمسجد الحرام وكثير من الحجاج يسعون بين الصفا والمروة ولا يحرصون على صلاة الجماعة التي هي من أعظم شعائر الإسلام. والأدهى والأمر أن تقام صلاة المغرب وهم في السعي ويتمادون في سعيهم إلى أن تفوتهم صلاة المغرب، ولا أدري كيف يرجو هؤلاء الحجاج الخير والرحمة من الله تعالى وهم يتركون فريضة الله التي هي عماد الدين وينسون قول النبي صلى الله عليه وسلم: لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. أخرجه أحمد (1). {301}
وقال: فكل مستخف بالصلاة مستهين بها، فهو مستخف بالإسلام مستهين به. وتمامه بكتاب الصلاة له.
فعلى ولاة الأمور الأمر بإيقاف السعي حين تقام الصلاة، وخصوصا المغرب، كما يوقف الطواف إذا أقيمت الصلاة، لأن أمر الصلاة أعظم منهما. (ومنها) ما ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس قال: قد يسقط الإنسان الفرض بالحج مرة ثم يعود لا عن رضاء والديه، وهذا خطأ، وربما خرج وعليه ديون أو مظالم، وربما حج بمال فيه شبهة. ومنهم من يحب أن يتلقى ويقال له: الحاج، وجمهورهم يضيع فرائض من الطهارة والصلاة ويجتمعون حول الكعبة بقلوب دنسة وبواطن غير نقية، وإنما المراد من الحج القرب بالقلوب لا بالأبدان، وكم من قاصد إلى مكة همته عدد حجاته، فيقول: لي عشرون وقفة، وقد لبس إبليس
(1) ص 7 كتاب الصلاة للإمام أحمد.
على قوم منهم فابتدعوا من المناسك ما ليس منها، فمنهم من يكشفون عن كتف واحد ويبقون في الشمس أياما فتكشط جلودهم وتنتفخ رءوسهم ويتزينون بين الناس بذلك.
(وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يطوف بالكعبة بزمام أو غيره فقطعه. أخرجه البخاري. وكذا أبو داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانا بخزامة في أنفه فقطعها النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم أمره أن يقوده بيده (1). {302}
وهذا الحديث يتضمن النهي عن الابتداع في الدين وإن قصد بذلك الطاعة. وقد لبس إبليس على قوم يدعون التوكل فخرجوا بلا زاد وظنوا أن هذا هو التوكل، وهو خطأ. (قال) رجل للإمام أحمد رضي الله عنه: أريد أن أخرج إلى مكة على التوكل من غير زاد، فقال له: فأخرج في غير قافلة. قال: لا إلا معهم. قال: فعلى جراب الناس توكلت (2). (وقال) ابن الحاج في المدخل: فمن ذلك- يعني مما يتعين التحذير منه- أن الحجاج يضيعون الصلوات ويخرجونها عن وقتها لأجل فريضة الحج، وذلك لا يجوز إجماعا. وقد قال العلماء: من علم أنه تفوته الصلاة إذا خرج إلى الحج سقط الحج عنه. وكثير من الناس يعتقد أن نزول المرأة وركوبها عورة مطلقا، لما يتوقع من كشفها، ونظر غير المحارم لها، وهذا ليس على إطلاقه، فقد أمر الله النساء أن يصلين على
(1) ص 314 ج 3 فتح الباري (إذا رأى سيرا أو شيئا يكره في الطواف قطعه) وص 235 ج 3 سنن أبى داود (باب النذر في المعصية) والخزامة بالكسر: ما يعمل من الشعر.
(2)
ص 154 تلبيس إبليس.
الوجه المشروع، ولم يرخص لهن في ترك الصلاة ولا في إخراجها عن وقتها أو صلاتها على المحمل إلا لعذر عدم إمكان النزول وإلا وجب عليها أن تنزل للطهارة، فإن تعذر عليها النزول تطهرت على الراحلة. ويجب عليها النزول للصلاة وتستتر جهدها. (ويحرم) على الرجال الأجانب النظر إليها، فيتعين على المكلف أن يحذر مما يفعله بعضهم من السفر للحج وإضاعة الصلاة. ومن الممنوع إيقاعها في وقتها بالتيمم مع القدرة على الماء. ومن الجهل الاعتقاد بأن نفس السفر يبيح التيمم مع وجود الماء، ومن فعله فقد ارتكب المحذور في عدم سؤال أهم العلم، وفي إيقاعه الصلاة بالتيمم مع وجود الماء (1). (ومن) الاغترار والرياء رغبة بعض الجهلة في تتابع الحج والإكثار منه بعد أداء الفريضة، ويبخلون بمواساة الجار وإعطاء البائس الفقير. (قال) ابن مسعود: في آخر الزمان يكثر الحجاج بالبيت يهون عليهم السفر ويبسط عليهم الرزق، ويرجعون محرومين مسلوبين يهوى بأحدهم بعيره بين القفار والرمال وجاره مأسور إلى جنبه لا يواسيه.
وقد ورد أن رجلا جاء يودع شر بن الحارث وقال: عزمت على الحج، افتأمرني بشيء؟ فقال له: كم أعددت للنفقة؟ قال: ألفي درهم. قال: فأي شيء تبتغي بحجك، نزهة أو اشتياقا إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله تعالى؟ فقال: ابتغاء مرضاة الله. قال: فإن أصبت رضاء الله وأنت في منزلك وتنفق ألفي درهم، وتكون على يقين من مرضاة الله تفعل ذلك؟ قال: نعم. قال: أذهب فأعطها عشرة أنفس: مدين تقضي دينه، وفقير ترم شعثه (2)، ومعيل تحيى عياله، ومربى يتيم تفرحه، وتغيث لهفان، وتكشف ضر محتاج، وتعين
(1) أنظر ص 320 - 232 ج 3 المدخل.
(2)
ترم شعثه: أي تصلح حاله.
رجلا ضعيف اليقين، وإن قوى قلبك أن تعطيها لواحد فأفعل، فإن إدخالك السرور على قلب امرئ مسلم أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام، قم فأخرجها كما أمرنا، وإلا فقل لنا ما في قلبك. فقال: يا أبا نصر سفرى أقوى في قلبي، فتبسم بشر وقال له: المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس أن تقضي به وطرأ تسرع إليه تظاهرا بالأعمال الصالحات. وقد آلى الله على نفسه ألا يقبل إلا عمل المتقين (1)(وليحذر) مما يفعله بعض من لا علم عنده وهو أنهم يزينون الجمل بالحلي من الذهب والفضلة والقلائد ويلبسونه الحرير، يفعلون به ذلك عند خروجهم من البلد.
(وكذلك) يفعلون في الرجوع مثله، وهم آثمون في ذلك، ويشاركهم في الإثم من تطاول لرؤية ذلك. ومن أعجبه ذلك أو استحسنه فإثمه أكبر (وليحذر) مما يفعله بعضهم من أن بعض النسوة إذا كان لهن قريب أو معارف يريدون الحج يخرجن ليلا يمشين في الطرق ويرفعن عقيرتهن بما يقلنه من التحنين والرجال يسمعون وينظرون إلى فعلهن ولا ينكرون عليهن. وهذا فعل قبيح محرم سيما في ابتداء هذه العبادة العظيمة ومثل هذا ما يفعله بعضهم عند الرجوع من الحج إذا وصلوا إلى بيوتهم ويضرب عند أبوابهم بالطبل والمزامير مهنئين بذلك الحاج. ومن يفعل ذلك فهو آثم، وكذلك من شاركهم بالحضور والذهاب إليهم أو أعجبه ذلك منهم، لأن ذلك منكر يتعين على المكلف تغييره، فإن لم يستطع غيره بقلبه (2).
(ومن البدع) المنكرة الاحتفال بالمحمل والكسوة الشريفة بالقاهرة في ذي القعدة من كل عام بحضور الأمراء والعلماء والوزراء، ويؤتى
(1) ص 234 ج 3 المدخل.
(2)
ص 242 منه.
بجمل يقود زمامه أمير الحج ويطوف به تحت القلعة حول دائرة هناك سبع مرات، كما يطوف زوار الكعبة حولها. وبعد الطواف يتجه الجمل نحو مكان الانتظار فيقف الملك أو نائبه والعلماء وغيرهم. فذلك غير جائز، لأن الطواف لا يشرع إلا حول الكعبة. وكذلك اختلاط النساء مع الرجال ونحوه مما يؤدي إلى الفسق وارتكاب الفواحش ظاهرة وباطنه (ولا يجوز) أيضا ما يفعله الرعاع والمتصوفة من ضرب الطبول والمزامير، فيجب على كل قادر على إزالة المنكر أن يزيله إما بيده وإما بلسانه وإما بقلبه. و (كذا) الاحتفال في مدينة (السويس) لعودة المحمل في المحرم أو صفر من كل عام. (ومن البدع) ما اعتاده كثير من الجهلة من تبييض بيت الحاج بالجير ونقشه بالصور وكتابة آية الحج وأسم الحاج على الحائط، فإنه رياء وجهل. ومنه نصب السرادق وتوزيع اللفائف (السجائر) على المهنئين وملاقاة الحجاج بالبيارق والباز والطبل وزغاريد النساء واجتماع الذاكرين بالتمطيط والتلحين، واختلاط الجنسين واجتماع النساء للرقص والشخلعة. كل هذا ومثله لا ينبغي حصوله ممن عنده ذرة من إيمان، وهو من تلبيس إبليس. لم يترك عبادة إلا وأدخل فيها على الناس بدعا وخرافات أفسدتها وشوهتها، وأهل العلم لا يأمرون ولا ينهون ولا يرشدون إلى الصالح. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
الحكومة الحجازية والشعائر
كنا نظن أن هذه الحكومة- التي بها استتب الأمن بالحجاز وأقامت به الحدود- تعمل على تطهير المساجد من البدع والخرافات والبلاد من المنكرات. وتعمل جهدها على راحة الحجاج بتوضيح سبل المناسك لهم ليتمكنوا من تأديتها على الوجه الأكمل. ولكن الحال هو الحال. وهاك بعض البدع والمخالفات.
1 -
فالأذان يؤدي بالتغني والتمطيط والتلحين والقراء يقرأون بعده جهرة معا مفاخرة ورياء. وقد آلمنا ما سمعنا في الحرمين المكي والمدني وسائر المساجد من أذان الجماعة (الأذان السلطاني) وهو بدعة مذمومة ومكروه اتفاقا، لما فيه من التلحين والتغني وإخراج كلمات الأذان عن وضعها العربي وكيفيتها الشرعية بصورة قبيحة تقشعر منها الجلود وتنفطر لها القلوب. وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك. وأملنا في الحكومات الإسلامية أن تطهر مساجدها من البدع سيما الحرمين الشريفين.
(روي) على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (الحديث) أخرجه الشيخان والثلاثة (1). {303}
2 -
ويقال في الإقامة مثل ما قيل في الأذان.
3 -
التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن بلغ المأمومين صوت الإمام، وهو بدعة منكرة، وعند الاحتياج يستحب. وصرح العلماء أنه يكره للمبلغ الزيادة في الإعلام على قدر الحاجة. والآن المذياع موجود بالحرمين الشريفين وسائر المساجد، فلا داعي للتبليغ سيما إذا لاحظنا أن المبلغ يتغنى بألفاظ التكبير والتسميع بشكل يؤدي إلى بطلان صلاته. ومن المبلغين من يضع يديه على خده كالمتغني، وهذه حالة لا يقره عليها أحد فليأخذ ولاة الأمور على أيدي هؤلاء المتغنين المحرفين ويمنعونهم من هذا التخريف.
(1) ص 120 ج 3 تيسير الوصول (فضل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم و (عير وثور) جبلان بالمدينة. وقيل ليس بها ثور ولكنه بمكة ولعل الحديث ما بين عير إلى أحد.: والصحيح أن بها ثورا. و (الصرف) النافلة و (العدل) الفريضة.
4 -
لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه ولا أحد من الأئمة أذان داخل المسجد، لأن الأذان شرع لإعلام الناس في وقت الصلاة وقد حضروا، فالأذان داخل المسجد بدعة لا يجوز أن تقع في المساجد عامة وفي الحرمين وسائر مساجد المملكة السعودية خاصة. ومن أحق بمنع هذه البدع من أولى الأمر.
5 -
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنه صلى قبلية للجمعة. فلا يجوز ترك الناس يتعبدون بما لم يشرعه رب العالمين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. والسبب في إحداث هذه البدعة التسامح في إحداث أذانين يوم الجمعة. (قال) الشافعي رضي الله عنه في الأم: وأحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه، وحينئذ يأخذ المؤذن في الأذان، فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه. وأحب أن يؤذن مؤذن واحد لا جماعة مؤذنين. ثم قال: أخبرني الثقة عن الزهري عن السائب ابن يزيد أن الأذان كان أوله للجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. فلما كانت خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان بأذان ثان، فأذن به، فثبت الأمر على ذلك. وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول: أحدثه معاوية.
قال الشافي: وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى (1)، فعلى من بيدهم الأمر المنع من الزيادة في الشعائر على ما كان عليه الأمر في عهد السلف الصالح.
6 -
يسن صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب، لحديث عبد الله بن مغفل
(1) ص 173 ج 1 الأم.
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال عند الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة. أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود (1). {304}
(وعن) عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين. أخرجه ابن حبان (2). {305}
والأمل في ولاة الأمور أن يأمروا بإحياء هذه السنة.
7 -
يسن اتخاذ منبر للخطبة لأنه أبلغ في إسماع الناس ومشاهدة الخطيب. (قال) يا قوم الرومي: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبرا من طرفاء له ثلاث درجات: المقعدة ودرجتان. أخرجه ابن عبد البر (3). {306}
ولم يزل المنبر ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله. وهذا بدعة محدثة. والأمل في الحكومات الإسلامية أن تأمر بأن تكون منابر المساجد ثلاث درجات كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخفاء (4).
8 -
كثير من المصلين في الحرمين وسائر المساجد لا يطمئنون في ركوعهم واعتدالهم وسجودهم وجلوسهم بين السجدتين الطمأنينة التامة، بل ينقرون الصلاة نقرا ويسرعون فيها إسراعا ينافى الخشوع فيها، وقد قال الله تعالى:"قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون"، ومن نقر الصلاة تدعو عليه لا له (روى) عبادة بن
الصامت أن النبي
(1) أنظر المراجع بهامش 1، 2 ص 305 ج 2 الدين الخالص:
(2)
أنظر المراجع بهامش 1، 2 ص 305 ج 2 الدين الخالص:
(3)
ص 72 ج 1 الاستيعاب.
(4)
أنظر تمام الكلام في بدع المساجد بص 281 - 312 ج 3 الدين الخاص.
صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحسن الرجل الصلاة فأتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني فترفع. وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها وسجودها قالت الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني (الحديث) أخرجه أبو داود الطيالسي (1). {307}
وهذا التساهل في الصلاة وقع في عهد السلف فحذروا وخوفوا منه (قال) الإمام أحمد رحمة الله: قد جاء في الحديث: يأتي على الناس زمان يصلون ولا يصلون. وقد تخوفت أن يكون هذا الزمان، ولقد صليت في مائة مسجد فما رأيت أهل مسجد يقيمون الصلاة على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم. فاتقوا الله وانظروا في صلاتكم وصلاة من يصلي معكم (2)، فلعل السادة الأئمة والعلماء يجعلون قول الإمام أحمد نصب أعينهم فيؤدون الصلاة كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصحون العامة بحسن أداء الصلاة.
9 -
تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلي ركعتي الطواف في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطوافين أحد وأن هذا خاص بالحرم المكي (3)، ولكن الجهال يجرأون على المرور بين يدي المصلي في المسجد النبوي، ومهما حاولت المنع فلا سميع ولا مطيع- وقد اتسع الخرق على الراقع- كأنهم يرون جواز هذا فيه كما في المسجد الحرام، وهذا جهل واضح.
10 -
قد ترك أمر الحجاج في المناسك إلى المطوفين يهيجون ويموجون ويحرفون ويرتكبون ما سلف من البدع والمنكرات على مرأى ومسمع من الحكومة ولا مغير ولا منكر.
(1) ص 80 مسند الطيالسي.
(2)
ص 5 كتاب الصلاة.
(3)
تقدم رقم 135 ص 109.
11 -
سير الحجاج بمنى وعرفة غير ميسور إلا بدليل. فالواجب أن تنظم أرض منى وعرفات ومزدلفة بجعلها شوارع مرقومة ليسهل على الحجاج الرجوع إلى منازلهم والاهتداء إلى منازل إخوانهم؛ فإنه الآن من خرج من سرادقه وابتعد عنه بضعة أمتار ضل سواء السبيل وهيهات أن يعود. والواجب وضع لافتات بجانب الجمار الثلاث يبين في كل لافتة أسم الجمرة ومن أي جهة ترمي وكيف ترمي وبم ترمي وبكم ترمي ومتى ترمي؟ ومبدأ الرمي ومنتهاه (1).
(ومثل) هذه اللافتات لازم لكل المناسك كوادي محسر وحدود المزدلفة والمشعر الحرام والمحصب وغيرها من المشاهد والمزارات.
12 -
ومن المؤلم والمحزن ترك ذبائح الهدى بمنى تنبعث منها الروائح الكريهة أمام الخيام وفي الطرقات. والواجب حرصا على صحة الناس وضع نظام لمنع مثل هذا والضرب على أيدي المخالفين، ويكون هذا بجعل مذابح خاصة تراقبها الحكومة حتى لا تبقى الذبائح تلقى جيفا منتنة في الطرقات وغيرها.
13 -
وإن ننس لا ننسى هؤلاء الشحاذين الملحفين في السؤال، المؤذين للناس بإلحاحهم عليهم داخل الحرمين حتى قبيل إقامة الصلاة.
(هذا) والأمل في الحكومة السعودية أن تعمل سريعا على إزالة البدع والمخالفات وأن تنظم طرق المناسك وترفع الأضرار على زوار البيت الحرام والله تعالى يحب المحسنين وينصر الناصرين لدينه المحافظين على حدوده "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز"(2).
(1) وقد بلغنا أن الحكومة السعودية بدأت تنظم أرض منى وعرفة وغيرها، فجعل في بعضها شوارع مرقومة، فشكرا لله ولها، ونسأله أن يوفقها للعمل مع تلافي ما في بندي 12 و 13.
(2)
سورة الحج، عجز الآية 40 وصدرها:"الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق".