المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقصد السابع: في كيفية الحج - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌المقصد السابع: في كيفية الحج

قبل أَن يَحُجَّ مرتين، أَخرجه البخاري (1){258}

(وإِنما اعْتَمَر) النبي صلى الله علية وآله وسلم هذه العُمْرَة في ذِي القعدة لِفَضِيلة هذا الشهر، ولمخلفة الجاهلية في ذلك فإِنهم كانوا يرون الاعتمار فيه من أَفجر الفُجُور.

‌المقصد السابع: في كيفية الحج

النسك يكون من الرجل والمرأة

1 -

حج الرَّجل: إِذا أَراد الإِحرام بحجّ أَو عُمْرَةٍ أَوْ بهما، نَدَبَ له قَصّ أَظافره وشارِبه، وحَلْق عانَتَه، ونَتْف إِبَطَيْه ثم يَتَوَضَّأْ أَوْ يغتسل، والغُسْل أَفضل، ويَلْبَس إِزاراً من الوسط - ويُكْرَه شَدُّه بحَبْل ونحوه - ورداءٌ من الكَتِف غسيلين أّو جديدين أَبيضين، والجديد أَفْضَل، ويتَطَيَّب قبل الإِحرام، ويُصَلِّى ركعتين في غير وقت كراهة يَنْوِي بها سْنَّة الإِحرام، كما تقدم (2)، ثم يُلَبِّى نَاوِياً بالتلبية النُّسُك الذي أَراده مَنْ حجٌ أَوْ عُمْرَة أَوْ هُما، ولا يتلَفْظ بالنِّية، لأَنَّ التَّلَفُّظ بها بِدْعَة.

(ويجتنب) محظورات الإِحرام ويُكْثر التلبية ما استطاع رافعً بها صَوْتَهُ عَقِبَ الصَّلَوَات، وكُلَّمَا عَلَا مكاناً أَوْ هَبَطَ وَادِياً أَوْ لَقِيَ أَحَداً أَوْ دَخَلَ في وَقتِ السَّحَر، وكما شَرَعَ فيها كَرَّرَها ثلاثَ مرات، وإِذا وصل مكة سنٌ الغُسْل والمبيت بذِي طُوي، ودخول مكة نهاراً من الثنية العليا

(1) انظر ص 390 ج 3 فتح البارى (كم اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم؟ ).

(2)

تقدم ص 49.

ص: 233

التي تُشْرف على الحجون، وإِذا دخل مكة ابتدأَ بالمسجد الحرام يدخُله من البابِ الشماليٌ الشرقيٌ، المعروف بباب السَّلام، متواضِعاً خاشِعاً مُلَبِّياً مُلَا حِظاً جلالةَ المكانِ مُلَاطِفاً المزاحم، مُقَدِّماَ رِجْلَهُ اليمنَي قائلاً: باسم الله والحمد لله والصَّلاة والسلام على رسول الله، اللَّهُمَّ اغفر لي ذُنوبي وافْتَحْ لي أَبوابَ رحمتك، وإِذا عَايَنَ الكَعْبَةَ كَبَّرَ وهَلَّلَ ثلاثاً، ودعا بما بدا له وقال: اللَّهُمَّ زِدْ بيتَكَ هذا تَشْرِفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابةٌ، ورفَعَ يَدَيْهِ قائلاً: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلام ومنك السلام حَيِّنَا ربنا بالسَّلام. أَعُوذُ بربِّ البيت مِنَ الكُفْر والفَقْر ومن ضيق الصَّدْر ومن عذابِ القَبْر، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكً رِضَاكَ والجَنَّة، وأَعُوذُ بِكَ من سَخَطِكَ والنَّار. اللَّهُمَّ أَدخلني الجنة بلا سابقة عذاب ولا مناقشة حساب، ويجتَهِدُ في الدعَاءِ فإِنه مُستجابٌ حينئذ (ويبدأُ) بالحجَر الأَسْواد ويستقبله ويُكَبِّر ويُهَلِّل رافعاً يديه كالصَّلاة، ويسلم الحجَر بوضْع يَدَيْهِ عليه ويُقَبِّلُه بلا صَوْت إِن استطاع، وإلَاّ مَسَّه بيد أَوْ عصا وقَبَّلَ ما مَسَّه، أَوْ أَشار إِلى الحجَر مستقبلاً مُكَبِّراً مُهَلِّلاً حامِداً الله تعالى، مُصَلِّياَ على النبي صلى الله عليه وسلم، داعِياً بما شاءَ.

(زمن المأْثور) عند الاستلام: اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ علىَّ حقوقاً فتصدق بها على. اللهم إِيماناً بك، وتًصْدِيقاً بكتابك، ووفاءٌ بعهدك، واتِّباعاً لِسُنَّةِ نبيك مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم، لَا إِلهَ إِلَاّ الله واللهُ أَكبر (ويقول) عند محاذاة الملتزَم: اللَّهُمَّ إِليكَ بَسَطْتُ يَدِي، وفيما عندك عظيمت رغبتي فاقبل دعوتي، وأَقِلْنى من عثرتي، وارحم تَضَرُّعي وجُدْ لي بمغفرتك، وأَعِذْني من مُضِلَاّت الْفِتَن.

(ويطوف) طواف القدوم سبعةَ أَشواط، آخِذاً فيه عن يمينه ممَّا يلي

ص: 234

باب الكعبة، جَعِلاً البيت عن يساره مضطبعاً رداءَهُ، جَعِلاً طوافه وراءَ حِجْر إِسماعيل، ويرمُل في الأَشواط الثلاثة الأُوَل، ويمشى في الباقي على رِسْله بسَكِينةٍ ووقار ويستلم الحجَر الأَسود كلما مر به إِن استطاع، وإِلَاّ استقبله وكَبِّر.

(ويقول) عند محاذاة باب الكعبة: اللَّهُمَّ هذا البَيْتُ بيتُكَ وهذا الحرم حرمُكَ، وهذا الأَمْنُ أَمْنْك، وهذا مقام العائذِ بكَ مِنَ النار فأَعِذْني منها.

(وإِذا) أَتى الرُّكن الشماليٌ الشرقيٌ قال: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعوذُ بكَ من الشَّكِّ والشِّرْك والشِّقَاق والنِّفَاق ومساوِئ الأَخلاق وسُوء المنقَلَبِ في المالِ والأَهْلِ والولد. (وإِذا) حاذَي الميزاب (1) قال: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك إِيماناً لا يَزُول، ويَقِيناً لا يَنْفَد ومُرَافقة نَبِيِّك مُحمد صلى الله عليه وسلم. الَّهُم أَظِلَّني تحت ظِلكِّ عَرْشِكَ يوم لا ظِلَّ إِلَاّ ظِلُّكَ، واسْقِني بكَأْس مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم شَرْبةً لا أَظَمَأُ بعدها أَبداً.

(وإِذا) حاذَي الركن الشماليٌ الغربيٌ قال: اللَّهُمَّ اجعله حجًّا مبروراً، وسَعْياً مشكُوراً وذَنْباٌ مغفوراً وتجارةٌ لن تَبُور يا عَزِيز يا غَفُور.

(ويستلم) الركن اليمانيٌ كما تقَدَّم ولا يُقَبِّله ويقول عنده: اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْر، وأَعُوذُ بكَ مِنَ الْفقْر من عذابِ القبر، ومن فتنةِ المحيا والممات، وأَعُوذُ بك مِنَ الْخِزْى في الدنيا والآخرة.

(ويقول) بين الركن اليمانيٌ والأَسْوَد: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك الْعَفْو والعافيةَ في الدنيا والآخرة، رَبَّنّا آتِنَا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً، وقِنَا عذاب النار. ويَدْعُو بما شَاءَ. (ومنه) رَبٌ اغْفِرْ وارْحَمْ واهْدِني الطريق الأَقْوَم، وتَجَاوَزْ عَمَّا تّعْلَم إِنكَ أَنْتَ الأَعَزٌ الأَكْرم. (وإِذا)

(1)(الميزاب) ما سورة من نحاس أو غيره وضعت بمنتصف أعلى الجدار الشمالى للكعبة لتصريف ماء المطر.

ص: 235

استلم الركن اليمانيٌ قال: باسم الله والله أَكبر، ولا يستلم الركنّيْن الشَّامِيِّيْن، (وكلما) أَتَي الحجَر الأَسْوَد قال: اللهُ أَكبر، ويختم طوافه باستلامه (وبعد) فراغِه من الطواف يُصَلِّي في غير وقت كراهة ركعتين عند مقام إِبراهيم أَو حيث تَيَسَّر من المسجد أَو غيره كما تقدم (1)، ثم يعود إِلي الحجَر الأَسْوَد فيستلمه كما مَرَّ (وبعد) الطواف يشرب من ماءَ زمزم مستقبلاً البيت قائلاً: اللَّهْمَّ إِنِّي أَسْأَلك فإِنِّي أَشْرَبه لعطش يوم القيامة.

(وينبغي) التضلُّع منه بعد طواف القُدُوم لتأْثيره على الجهاز الهضميّ بما ينظفه من المواد التي تكون قد وصَلَتْ إِليه مدة السَّفَر، فتنْشَطُ به الأَعضاءُ وتَصِحُّ الأَجساد. ثم يخرج بسكينةٍ من باب الصَّفا إِلى الصَّفا، مقدماً رِجْلَهُ اليسرى قائلاً: باسم الله والصَّلاة والسَّلام عل رسوله. اللَّهُمَّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أَبواب فَضُلِك، فيصعَدُ على الصَّفا حتى يرى الكعبة ويستقبلها ويُكَبِّر ويُهَلِّل، ويُصَلِّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويَدْعُو بما شاءَ رافعاً يديه قائلاً: لَا إلهَ إلَاّ الله وحده أَنْجَزَ وَعْدَهُ ونصر عبده وهزم الأَحزاب وحده، ويَدْعُو بين ذلك ويُكَرِّره ثلاث مرَّات، ثم ينزل من الصَّفا قاصِداً نحو المرْوَة ماشِياً بسكينةٍ ووقار، ويقول: اللَّهُمَّ أَحْيِني على سُنَّة نبيك، وتَوَفَّني على مِلَّتِه، وأَعِذْني من مُضِلَاّتِ الفِتَن برحمتك يا أَرْحَمَ الرَّحمين، فإِذا وَصَلَ بطن الوادي سَعَى بين الميلين سعياً شديداً، قائلاً: ربٌ اغْفِرْ وَارْحَم، واهْدِني الطريق الأَقْوَم، وتَجاَوَزْ عَمَّا تعلم إِنَّكَ أَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَم، ثم يمشِى على مَهل، حتى يَصْعَدَ المروة فيفعل عليها كفِعْله على الصَّفا. (وهذا) شَوْطٌ واحد، فيسعى

(1) تقدم ص 108.

ص: 236

بين الصَّفَا والمروة سبعةَ أَشواطٍ، يبدأُ بالصَّفَا ويختم بالمروة. (وَلَا يُصَلِّى) بعد السَّعْي على المروة، ثم يحلق ويتحلل إِن كان متمتعاً. (ثم يحرم) بالحج يوم الثامن من ذي الحجة، وإِن كان مفرداً أَو قارناً يقيم بمكة على إِحرامه يطوف بالبيت تطَوُّعاً ما أَراد.

(ويُسَنُّ) لإِمام الحجِّ أَن يخطُبَ في يوم السابع من ذِي الحجَّة: خُطبة بعد صلاةِ الظهر يُعَلِّم الناس فيها أَعمال الحج من الخروج إِلى مِنى وعرفات والصَّلاة بهما وسائر الأَعمال المطلوبة من الحاج في اليوم الثامن إِلى زوال يوم عرفة (وإِذا) صَلَّى الحاجُّ الصُّبح بمكة يوم ثامن ذِي الحجة خرج بعد الشمس إِلى مِنى داعياً بما شاءَ (ومنه) اللَّهُمَّ إِيَّاكَ أَدْعُو وإِليك أَرْغَبُ، اللَّهُمَّ بَلِّغْني صالح عملي وأَصْلِحْ لي ذُرِّيَّتي. (ويَسِيرُ) متجهاً إِلى الشمال ماراً بالمعلى ثم يتَّجِه إلي الشرق ويَسِرُ حتى يصل مِنى فيقول: اللَّهُمَّ هذا مِنى وهذا ما دللتنا عليه من المناسك فَمُنَّ علينا بجوامع الخيرات، وبما مَنَنْتَ به على إِبراهيم خليلك ومُحمد حبيبك وبما مَنَنْتَ به على أَهل طاعتك، فإِنِّي عبدك وناصِيتي بيدك، جِئْتُ طالباً مرضاتك، فارْضَ عَنِّى وارْحَمَ الرَّاحمين (ويُقِيم) بمنى يُصَلِّى بها الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعِشاءَ ويبيتُ بها حتى يُصَلِّي صُبْحَ يوم عَرَفة.

(وبعد) طُلُوع الشمس يتوجَّه من مِنى إِلي عرفات قائلاً: اللَّهُمَّ إِليك تَوَجَّهْتُ وعليك توكَّلْتُ ولوَجْهِكَ الكريم أَرَدْت، فاجْعَلْ ذَنْبي مغفوراً وحَجِّى مبروراً وارحمني ولا تُخَيِّبْني، واقْضِ حاجتي إِنكَ على كُل شيءٍ قدير، ويُلَبِّي ويُهَلِّل ويُكَبِّر، ويمر في طريقه بمزدلفة، ثم يَسِير في طريق ضبً وهو المعروف الآن بطريق السيارات حتى ينزل بنَمِرَة. (فإِذا زالت) شمس يوم عرفة خَطَبَ إِمامُ الحجِّ قبل الصَّلاة خُطبتين

ص: 237

خفيفتين يُعَلِّم الناس فيهما المناسِكَ التي من زوال يوم عرفة إِلى ظهر يوم الحادي عشر، (ثم يُصَلِّى) بالناس الظهر والعصر جامِعاً بينهما بمسجد نَمِرَة بأَذانٍ وإِقامةٍ للظهر وأُخرى للعصر، ويُكْرَه التنفُّل بينهما.

(وبعد) الصَّلاة يذهبُ الحجَّاجُ إِلى الموقف في سطح جبل الرحمة عند الصَّخرات فيقفون رُكباناً مع الإِمام بوضوءٍ أَوْ غُسْل وهو السُّنة، وعرفات كلها موقف إِلَاّ بطن عُرَنة، والأَفْضَل الوقوف عند الصَّخرات موقف النبي صلى الله عليه وسلم أَوْ بالقرب منها، ويستقبلُ الإِمامُ القِبْلَةَ رافعاً يديه حامداً مُهَلِّلاً مُكَبراً مُصَلِّياً على النبي صلى الله عليه وسلم، داعِياً ربه باجتهاد وحضور قلبٍ ويقفُ الناسُ خلف الإِمام مستقبلين القِبْلَة ويجتهدون في الدُّعاءِ، ويُلَبُّونَ وَقْتاً بعد وقت ويَدْعُو كلٌّ بما في نفسِه، فإِنه وقت إِجابة الدعاءِ وإِفاضة الخير من الجواد الكريم (وبعد) غروبِ الشمس يُفِيضُ الحجَّاجُ مع الإِمام ماشِياً كلٌّ على مَهَل سائرين من الطريق المأْزمين إِلى مزدلفة مُكثِرين من الذِّكْر والتلبية.

(ويُسْتَحَبُّ) النزول بقرب جَبَل قُزَح وهو المشعر الحرام، ويقول عند دخولها: اللَّهُمَّ هذا جَمْعٌ أَسْأَلك أَن تُصْلح لي دِيني وذُرِّيتي وتَشْرَح لي صَدْرِي وتُطَهِّر قلبي وترزُقني الخير كله وأَن تَقِيني مِنَ الشَّرِّ كُلِّه إِنَّكَ وليّ ذلك والقادِر عليه، ويُكْثر من الاستغفار، ويُصَلِّي بمزدلفة المغربَ والعشاءَ في أَول وقتها بأَذانٍ وإِقامتين، ويبيت بمزدلفة ليلةَ النَّحْر، فإِذا طلع الفجرُ صَلَّى الصُّبْحَ مُبَكِّراً، ثم يتوجه إِلى المشعر الحرام ويقف مستقبلاً رافعاً يديه حامداً مبكراً مهللاً ملبياً مُصَلِّياً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، دَاعِياً بنحو: اللَّهُمَّ كما وَفَّقْتَنَا فيه وأَرَيْتَنَا إِيَّاه فَوَفِّقْنَا لذِكْرِك كما هديتنا

ص: 238

واغْفِرْ لنا وارْحَمْنا كما وعدتنا. اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وَقِنَا عذاب النَّار، ويُكْثِر من الدعاءِ، فإِذا أَسْفَرَ الصُّبْحُ أَفَاضَ قبل طُلُوع الشمس إِلى مِني قائلاً: اللَّهُمَّ إِليك أَفَضْتُ ومن عذابك أَشْفَقْت وإِليك توجهتُ ومنك رهِبت.

اللَّهُمَّ تَقَبَّل نُسُكي وأَعْظِمُ أَجْرى وارحم تَضَرُّعي واسْتَجِبْ دُعائي واقبل تَوْبَتي، ويُكْثِر منِ التلبيةِ والصلاةِ علي النبيِّ صلي الله عليه وسلم والدعاء (فإِذا) وصل بطن محسر أَسْرَع قَدْرَ رَمْيَة حَجَر ثم يسير إلى مِني سالِكاً الطريق الوسطي إِلى العقبة (فيرمي) جمرة العقبة من أَسفل الوادي - جاعِلاً الكعبةَ عن يسارِه ومني عن يمينه - بسبع حصَياتٍ صِغَار متفرقة يُكَبِّر مع كل حصاةٍ يقول: باسم الله والله أَكبر تَرْغِيماً للشيطان وحِزْبِه، اللَّهُمَّ اجعل حجِّي مبروراً وسَعْي مشكوراً وذَنْبي مغفوراً، ويقطع التلبية مع أَول حصاةٍ يرميها، ولا يقف عند جمرةِ العقبة، بل ينصرف ويذبح المفرد إِنْ أَحَبَّ ثم يُقَصِّر شَعْر رأَسِه أَوْ يحلق، والحلْقُ أَفْضَل في حقِّ الرَّجُل، وبالحلْق أَو التَّقَصِير يحلٌ للمُحْرِم كلَّ شَيْءِ من محظوراتِ الإِحرام إِلَاّ الجِماع ودواعِيه القريبة (ثم) يذهب اليوم أَو بعده إِلى مكة فيطوف طواف الركن سبعةَ أَشواطٍ بلا رمَل ولا سَعْي بين الصَّفَا والمروة إِنْ قدمها في طواف القدوم، وبطوافِ الركن يحلَّ له النساءُ، ثم يُصَلِّي الظهر بمكة، ويعود إِلى مِني. (ويُسْتَحَبُّ) للإِمام بعد صلاةِ ظهر أَول أَيام التشريق أَن يخطُبَ بمني خُطبة يُعَلِّم فيها الناس باقي المناسِك من رمي الجِمار في أَيام التشريق والرجوع إِلى مكة والنزول بالمحصَّب وطواف الوداع.

ويَرْمي الحاجٌ الجِمار الثلاث في الحادي عشَر من ذِي الحجَّة بعد الزَّوال يبدأُ بالجمرة الصُّغرى فيرميها بسبع حصياتٍ متفرقاتٍ يُكَبِّر مع كلِّ حصاةٍ، ويقفُ بعد الرَّمي عندها مستقبل القبلةَ حامِداً مُهَلِّلاً مُصَلِّياً

ص: 239

علي النبي صلى الله عليه وسلم ويَدْعٌو كثيراً رافعاً يديه حِذْوَ مَنْكِبيه، مستغفراً لنفسه ولأَبويه والمؤمنين، ثم يَرْمي الجمرة الوسطي بسبع حصياتٍ متفرقاتٍ يُكَبِّرُ مع كل حصاةٍ، ثم ينحَدِر ذات اليسار مَّما يلي الوادي، فيقف مستقبلَ القبلة رافعاً يديه، يَدْعُو قريباً من وقوفه عند الجمرة الأُولى، ثم يأَتي جمرة العقبة وبرميها من بطن الوادي بسبع حصياتٍ يكبِّر مع كل حصاةِ وينصرف ولا يقف عندها للذكر والدعاءِ، ثم يرمى الجِمار الثلاث في اليوم الثاني عشر من ذِي الحجَّة بعد الزَّوال كما رمى في اليوم السابق.

(ثم) هو مخير، إن شاء رجع إلى مكة قبل غروب الشمس أو قبل طلوع فجر اليوم الثالث عشر أو أقام ورمى فيه الجمار الثلاث من بعد الزوال كما رمي فيه اليومين قبله (ومن كان) مريضا لا يستطيع الرمي يوضع في يده الحصى ويرميها أو يرمي عنه غيره.

(فإذا) فرغ من الرمي ونزل إلى مكة استحب له النزول بالمحصب، ويصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويهجع هجعه ليلة الرابع عشر، ثم يدخل مكة، فإذا أراد السفر منها، طاف طواف الوداع سبعة أشواط بلا رمل فيه ولا سعي بعده، ويصلي ركعتين، ثم يأتي زمزم ويستقي منها بنفسه ويشرب من مائها مستقبلا متنفسا ثلاث مرات داعيا بما مر.

(ثم يأتي) الملتزم فيضع صدره وبطنه وخده الأيمن عليه، ويبسط يديه على جدار الكعبة متعلقا بأستارها مجتهدا في الدعاء بما أحب باكيا أو متباكيا تحسرا على فراق البيت قائلا: اللهم إن البيت بيتك والعبد عبد: ، حملتي على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك وأعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا، وإلا فمن على الآن قبل أن أنأى عن بيتك، هذا أو أن

ص: 240

انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا بيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم اصحبني العافية في بدني والعصمة في ديني، وأحسن منقلبى، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي خير الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير (1) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون وصدق الله وعده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده؛ ثم يخرج من باب الوداع. وهاك رسم مشاعر الحج بين مكة وعرفة.

[أنظر رسم 9 ص 242]

(ب) حج المرأة: هي كالرجل في كل ما تقدم من أعمال الحج والعمرة، غير أنها تخالفه في ثمانية أمور:

1 -

لا تكشف رأسها لأن إحرام الرجل في رأسه ووجهه فيكشفهما. وإحرامها في وجهها فقط فتكشفه دون الرأس.

2 - ولا ترفع صوتها بالتلبية لما فيه من الفتنة.

3 - ولا ترمل في الطواف ولا بين الميلين في السعي ولا تضطبع فيهما.

4 - ولا تحلق رأسها بل تقصر.

5 - وتلبس المخيط والمخيط كالدرع والقميص والخفين غير القفازين والصبوغ بورس أو زعفران.

6 - ولا تقرب الحجر الأسود حال الطواف إذا كان عنده رجال تحرزا عن مماسة الرجال، أما إذا لم يكن عنده رجال فلها لمسه لعدم المانع.

7 - ولو خاضت أو نفست عند الإحرام اغتسلت له وأدت كل المناسك إلا الطواف بأنواعه كما تقدم بيان كل ذلك بأدلته.

8 - وإن حاضت بعد طواف الركن سقط عنها

(1) هذا الدعاء ذكره البيهقى وقال: هذا من قول الشافعى وهو حسن، انظر ص 164 ج 5 (الوقوف بالملتزم).

ص: 241

طواف الوداع، لما روي طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت، قال: وسمعت ابن عمر يقول:

ص: 242