المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقصد الحادي عشرزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌المقصد الحادي عشرزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم

‌المقصد الحادي عشر

زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم

زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن القرب وآكد المستحبات حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث (منها) حديث موسى ابن هلال العبدي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من زار قبري وجبت له شفاعتي. أخرجه البزار والدارقطني وابن عدى. وفي سنده عبد الله بن إبراهيم الغفاري. وهو ضعيف (1). {308}

وذكره عبد الحق في الأحكام الوسطى والصغرى وصححه هو وابن السكن وتقي الدين السبكي (2) وأقل درجاته أن يكون حسنا. وقد روي من عدة طرق (منها) طريق مسلمة بن سالم الجهني قال: حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جاءني زائرا لا تعمده حاجة إلا زيارتي كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة. أخرجه الدارقطني في أماليه والطبراني في الأوسط والكبير. قال الهيثمي مسلمة ضعيف (3). {309}

(وفيه) متابعة مسلمة موسى بن هلال في شيخه.، وأنه لم ينفرد

(1) ص 2 ج 4 مجمع الزوائد (زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وص 280 سنن الدراقطني، وموسى بن هلال قال أبو حاتم: مجهول. وقال ابن عدى: أرجو أنه لا بأس به. وقال الذهبي: هو صالح الحديث، وأنكر ما عنده هذا الحديث.

(2)

ص 79 ج 5 نيل الأوطار (حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

ص 2 ج 4 مجمع الزوائد.

ص: 316

بالحديث، (ومنها) حديث حفص بن أبي داود عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي. أخرجه الدارقطني في السنن والطراني في الكبير والأوسط والبيهقي في السنن. وقال الهيثمي: حفص وثقة أحمد وابن حبان وضعفه جماعه (1). {310}

(قال) القاضي عياض: زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم سنة بين المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها (وقال) بعض المالكية والظاهرية: إنها واجبة، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حج ولم يزرني فقد جفاني. أخرجه ابن عدى في الكامل والدارقطني في العلل وابن حبان في الضعفاء. وفي سنده النعمان

بن شبل وهو ضعيف جدا (2){311}

(قالوا): الجفاء للنبي صلى الله عليه وسلم محرم فتجب الزيارة (ورد) بأن الجفاء يطلق على ترك المندوب كما في ترك البر والصلة. وأيضا فإن الحديث لشدة ضعفه لا تقوم به الحجة (وقال) بعض الحنبلية: إنها غير مشروعة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى. أخرجه السبعة وأخرجه مسلم أيضا عن

(1) ص 279 سنن الدارقطني، وص 2 ج 4 مجمع الزوائد، وص 246 ج 5 سنن البيهقي (زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

ص 244 و 278 ج 2 كشف الخفاء، وقال: لا ينبغي الحكم عليه بالوضع.

ص: 317

أبي سعيد الخدري (1). {312}

(ورد) بأن معنى الحديث: لا تشد الرحال إلى مسجد غير المساجد الثلاثة المذكورة. فالمستثنى منه في الحديث عموم المساجد لا المواضع، ويؤيده قول شهر بن حوشب: سمعت أبا سعيد الخدري وذكرت عنده صلاة في الطور، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا. (الحديث) أخرجه أحمد بسند حسن. وشهر بن حوشب وثقة جماعة (2){313}

وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المسجد.

(فالزيارة) خارج عن النهى للإجماع على جواز شد الرحال للتجارة وسائر مطالب الدنيا. وعلى وجوبه إلى عرفة للوقوف، وإلى منى للمناسك التي فيها، وإلى مزدلفة وإلى الجهاد والهجرة من دار الكفر والبدعة، وعلى وجوبه أو استحبابه لطلب العلم. فالراجح أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة ومستحبة استحبابا مؤكدا، وأن شد الرحال إلهيا جائز عند الجمهور، لما تقدم وللاتفاق على مشروعة زيارة القبور. قال النووي: واختلف العلماء في شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين والمواضع الفاضلة؛ فقال الشيخ أبو محمد الجويني:

(1) أنظر رقم 290 ص 234 ج 2 تكملة المنهل العذب (إتيان المدينة) وباقي المراجع بهامش 6 ص 238 منه، وص 104، 105 ج 9 نووي مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره) و (الرحال) جمع رحل. وهن في الأصل الإبل. والمراد مطلق السفر عليها أو على غيرها.

(2)

ص 64 ج 3 مسند أحمد (مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وص 3 ج 4 مجمع الزوائد (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).

ص: 318

هو حرام، واختاره القاضي عياض، وكذا أبن تيمية. والصحيح عند أصحابنا والمحققين أنه لا يحرم ولا يكره. واختاره إمام الحرمين. قالوا: والمراد بالحديث أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد الثلاثة خاصة (1). ثم الكلام في أربعة فروع:

1 -

وقت الزيارة: الحج إن كان فرضا فالأفضل أن يبدأ به ثم يزور، وإن كان تطوعا فله الخيار إن لم يخش فوات الوقوف بمعرفة، وليس للزيارة وقت معي. وإذا نوى زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، فلينو معها زيارة المسجد، فإنه أحد المساجد التي تشد إليها الرحال، والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.

2 -

آداب الزيارة: إذا توجه إلى الزيارة يطلب منه الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم مدة الطريق، وإذا وقع بصره على أشجار المدينة (2)

وحرمها وما يدل عليها أكثر من الصلاة والتسليم على

(1) ص 106 ج 9 شرح مسلم (سفر المرأة مع محرم إلى حج أو غيره).

(2)

(المدينة) هي العاصمة الثانية للحجاز، وهي شمال مكة على بعد 470 كيلو مترا. وهي في صحراء مستوية متسعة مكشوفة من جهاتها الأربع، ولها أسماء أشهرها ما نطق به القرآن والحديث.

(أ) يثرب: سميت باسم من يناها يثرب بن قانية بن مهلاء يل بن إرم بن عبيل ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح. قال الله تعالى: "وإذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا" الآية 13 من سورة الأحزاب. خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الخندق حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع (جبل شمال المدينة) والخندق بينهم وبين القوم. فقال عبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين: ليس ههنا موضع إقامة، فارجعوا إلى منازلكم بالمدينة (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي =

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الكير خبث الحديد. أخرجه الشيخان (ص 62 ج 4 فتح الباري- فضل المدينة، وص 54 ج 9 نووي مسلم- المدينة تنقى خبثها .. ) و (تنفي الناس) أي الشرار منهم. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها يثرب وسماها طيبة (بفتح فسكونِ) وطابة وقبة الإسلام ودار الهجرة (روي) البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمي المدينة يثرب فليستغفر الله، هي طابة، هي طابة. أخرجه أحمد بسند ضعيف (ص 285 ج 4 مسند أحمد- حديث البراء بن عازب .. ).

(ب) المدينة: قال تعالى: "يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"(الآية 8 من سورة المنافقون). قائل هذا عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وعني بالأعز نفسه ومن معه، وبالأذل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وأراد بالرجوع وجوعهم من غزوة بني المصطلق. ونسب القول إلى المنافقين، والقائل فرد منهم، لأنه كان رئيسهم وهم راضون بما يقول (قال) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة يرون أنها غزوة بني المصطفى، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار (أي ضرب دبره بيده أو برجله) فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوة الجاهلية؟ قالوا: رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة، فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال: أوقد فعلوها؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فقام عمر فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، أخرجه الشيخان والترمذي وزاد: فقال له ابنه عبد الله: والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله العزيز، ففعل (ص 460 ج 8 فتح الباري- سورة المنافقين).

(جـ) الدار: قال تعالى: "والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم"(الآية 9 من سورة الحشر).

المراد بالدار المدينة، وهي دار الهجرة، والذين تبوأوها (أي سكنوها من قبل المهاجرين) هم الأنصار (يحبون) من كرمهم وشرف أنفسهم (من هاجر إليهم) ويواسونهم بأموالهم. قال أنس بن مالك: قال المهاجرون: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أسحن بذلا في كثير، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم. أخرجه أحمد. قال ابن كثير: لم أره في الكتب من هذا الوجه. أنظر =

ص: 320

النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى أن ينفعه بهذه الزيارة، وأن يقبلها من (ويستحب) له أن يغتسل لدخول المدينة ويلبس أنظف ثيابه جديدا أو غسيلا، فإذا دخل قال: باسم الله، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وأجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا (1)، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وارزقني من زيارة رسولك صلى الله عليه وسلم ما رزقت أولياءك وأهل طاعتك، وأغفر لي وارحمني يا خير مسئول. اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وارزقني من زيارة رسولك صلى الله عليه وسلم ما رزقت أوليائك وأهل طاعتك، واغفر لي وارحمني يا خير مسئول. اللهم إني أسألك خير هذه البلدة وخير أهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها. وليكن متواضعا خاشعا مستحضرا أنها البلد التي اختارها الله تعالى دار هجرة نبيه صلى الله عليه وسلم ومهبطا للوحي ومنبعا لأحكام الشريعة، ولا يركب في طرقها كما فعل مالك

= ص 291 ج 8 (سورة الحشر)"وعن أبي هريرة" أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المدينة قبة الإسلام ودار الإيمان وأرض الهجرة ومبوأ (أي مكان نزول) الحلال والحرام. أخرجه الطيراني في الأوسط بسند رجاله ثقات. أنظر ص 298 ج 3 مجمع الزوائد (فضل المدينة). وللمدينة سوران: داخلي وخارجي. أما الداخلي فجدده السلطان سليمان بن سليم سنة 939 هـ. ومحيطة 2304 متر، وله أربعة أبواب: باب البقيع يخرج منه إلى البقيع (مقبرة المدينة) وفي شماله الباب المجيدي. وفي الشمال الغربي الباب الشامي المقابل لجبل سلع. ثم الباب المصري في منتصف الجهة الغريبة. وقد فتح هذا الباب محمد علي باشا وعمر هذا السرور.

(وأما السور الخارجي) فيحيط بالبيوت التي خارج السور الأول في غربه وجنوبه. ويتدئ من البقيع في الجنوب الشرقي. وينتهي بالقلعة التي أنشأها السلطان سليمان سنة 939 هـ في الشمال الغربي: وله خمسة أبواب: بابان عند البقيع، باب العوالي يخرج منه إليها رباب الوسط. ويليهما من الجنوب باب قباء يخرج إليها منه. وفي الغرب باب الرشادي يخرج منه إلى الحرة: وعند القلعة باب الكومي وهو يقابل سلعا (أنظر رسم 10) ص 322.

(1)

مقتبس من الآية 80 من سورة الإسراء. والمدخل والمخرج المراد بهما مكان الإدخال وهو المدينة، والإخراج وهو مكة، نزلت الآية حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة.

ص: 321

رحمه الله. وإذا أراد دخول المسجد (1)

قدم اليمني وقال: باسم الله

(1) المسجد النبوي في الجهة الشرقية من المدينة. أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على قطعة أرض، طولها 35 خمسة وثلاثون مترا، في عرض 30 ثلاثين مترا. فمساحتها 1050 خمسون مترا وألف متر مربع (ربع فدان) جعل أساسه الحجارة وبني الجدار باللبن (الطوب البنيء) وجعل عمده جذوع النخل ونسقفه الجريد. =

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (توسعته) ثم زيد فيه زيادات: 1 - ففي سنة سبع من الهجرة بعد خيبر زاد النبي صلى الله عليه وسلم فيه من الشرق والغرب والشمال 1450 خمسين مترا وأربعمائة وألف متر مربع، فصارت مساحته 2500 خمسمائة متر وألفي متر مربع، فصار المسجد مربعا طول ضلعه خمسون مترا، وهو المكتوب عليه في رسمي 11 و 12 حد المسجد النبوي ص 328 و 229.

2 - وفي سنة 17 هجرية، زاد عمر رضي الله عنه في المسجد من الجنوب نحو خمسة أمتار، ومن الشمال خمسة عشر مترا، ومن الغرب عشرة أمتار، فصار طوله 70 مترا وعرضه ستين مترا، والمساحة 4200 مائتي متر وأربعة آلاف متر مربع (فدان) فتكون الزيادة 1700 سبعمائة وألف متر مربع. وبناه باللبن والجريد وجعل عمده من الخشب. أنظر زيادة عمر برسمي 11 و 12 ص 328 و 329

3 - وفي سنة 39 هجرية جدد عثمان بن عفان رضي الله عنه بناء المسجد وزاد فيه رواقا من الشمال والغرب والجنوب مساحتها 496 ستة وتسعون مترا وأربعمائة متر مربع. وبناه بالحجارة المنقوشة والقصة (بفتح القاف وشد الصاد: الجص) وجعل عمده من حجارة منقورة أدخل فيها عمد الحديد وصب فيها الرصاص وسقفه بالساج. أنظر زيادة عثمان برسمي 11 و 12 ص 328 و 329.

4 - وفي سنة ثمان وثمانين أمر الوليد بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز أمير المدينة، أن يجدد المسجد، فجدده وأدخل فيه حجر أمهات المؤمنين. وزاد فيه من الشرق والشمال والغرب 2369 تسع وستين وثلاثمائة وألفي متر مربع. فصارت مساحة المسجد 7065 خمسة وستين مترا وسبعة آلاف متر مربع، وبناه بالحجارة والقصة وجعل عمده من حجارة حشوها عمد الحديد والرصاص. أنظر زيادة الوليد برسمي 11 و 12 ص 228 و 329.

5 - وفي سنة 161 هجرية زاد المهدي العباسي في المسجد من الشمال 2450 خمسين وأربعمائة متر وألفي متر مربع. فرغ منها سنة 165 هجرية. أنظر زيادة المهدي برسمي 11 و 12 ص 328 و 329

6 - وفي سنة 879 هـ أجرى السلطان قايتباي عمارة هامة بالمسجد شملت بعض أسقفه وعمده وجدره ومآذنه، وزاد فيه 12 عشرين ومائة متر مربع بالجهة الشرقية الجنوبية في الجنوب الشرقي لزيادة الوليد.

7 - وفي ليلة الثالث عشر من رمضان سنة 886 هـ أبرقت السماء وأرعدت رعدا شديدا وانقضت صاعقة على المئذنة الكبرى قضت على رئيس المؤذنين الذي كان يترنم عليها، وانتقلت إلى سقف المسجد فالتهمته وهدمت جدره وتداعى أكثر عمده، فأرسل الأشرف قايتباي الأمير. سنقر الجمالي إلى المدينة لعمارة المسجد ومعه الصناع والآلات اللازمة. فعمروا المسجد على =

ص: 323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أتم وجه وزادوا في عرضه من الجهة الشرقية 1672 أثنين وسبعين وستمائة متر وألف متر مربع. وقد أنفق الأشرف قايتباي على هذه العمارة ما يقرب من 60.000 ستين ألف جنيه مصري.

8 -

وفي سنة 980 هـ عمره السلطان سليم الثاني وبني محرابا غرب المنبر النبوي على حد المسجد الأصلي من الجهة القبلية. أنظر المحراب السليمي برسمي 11 و 12 ص 328 و 329

9 - وفي سنة 1265 هـ أمر السلطان عبد المجيد بن مراد العثماني بعمارة المسجد عمارة شاملة تناولته كله خلا المقصورة وبعض جدر محكمة الأساس، وغيرت الأعمدة القديمة بأعمدة أجود، ووسعت الأروقة الشمالية والشرقية، فجعلت رواقين بدل ثلاثة وجعلت الغربية ثلاثة أروقة بدل أربعة، وزاد المعمرون رواقين في الجهة القبلية مما يلي صحن المسجد وخرجوا بالجدار الشرقي من الجنوب إلى باب جبريل خمسة أذرع وربعا: وكان في شرق المسجد تجاه الصحن حظيرة أرضها مرتفعة عن سطح المسجد فسويت به ووسعت بطول ثلاثة أعمدة في عرض رواقين وصارت مكانا خاصا بصلاة النساء (مصلى للنساء) أنظر رسم 11 ص 328 وزادوا مساحة المسجد 1293 ثلاثة وتسعين ومائتين وألف متر مربع، وبعد إتمام البناء رخموا ارض المسجد كلها والنصف الأسفل من الجدار القبلي. وتم هذا التجديد سنة 1277 هـ فكانت مدته (أثنتي عشرة سنة (*) - وقد بلغت نفقات هذه العمارة 750000 خمسين وسبعمائة ألف جنيه مجيدي (**) وبهذه الزيادات صارت مساحة المسجد 12600 متر مربع (ثلاثة فدادين) وهو مستطيل. وكان له قبل الزيادة السعودية خمسة أبواب: باب السلام في الجنوب الغربي، وباب الرحمة ثلث الجدار الغربي، والباب المجيدي في الشمال، وباب النساء في ثلث الجدار الشرقي، وفي جنوبه باب جبريل. أنظر رسم 11 المسجد النبوي قبل التوسعة السعودية ص 328 =

ص: 324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (المنبر) وفي الرواق الثالث من الجهة الجنوبية تجد المنبر وعن يساره محراب الرسول صلى الله عليه وسلم.

(*) تولى الخلافة السلطان عبد المجيد يوم الثلاثاء 19 من ربيع الآخر 1255 هـ 2 يوليو سنة 1839 م. وتوفي يوم الأربعاء 17 من ذي الحجة سنة 1277 هـ - 26 يونيو سنة 1861 م. وفي عهده: (أ) أسندت رياسة الأزهر للعلامة الشيخ إبراهيم بن محمد ابن أحمد الباجوري في شهر شعبان سنة 1263 هـ وقد توفى رحمة الله عام وفاة السلطان سنة 1277 هـ. (ب) ولد الشيخ الإمام طيب الله ثراه في عهده سنة 1274 هـ.

(**) كانت قيمة الجنيه المجيدي (نسبة لعبد المجيد) وقتئذ في المعاملة 131 قرش، وقيمة الجنيه المصري 150 قرشن فتكون قيمة النفقات بالمصري 655000 خمسة وخمسين وستمائة ألف جنيه مصري.

(القبر الشريف) وفي الجنوب الشرقي جزء فصل من المسجد بور من النحاس الأصفر، كل من ضلعيه الجنوبي والشمالي 15 مترا، وكل من الشرقي والغربي 16 مترا، جنوبه القبر الشريف، ويليه من الشمال الشرقي قبر أبي بكر ثم قبر عمر شرقي قبر أبي بكر رضي الله عنهما.

(الروضة الشريفة) وبين المنبر والقبر الروضة وطولها 32 مترا في عرض 16 مترا ويفصلها عن الرواقين القبليين سور من نحاس مرتفع نحو متر.

10 - وفي يوم الجمعة 11 رمضان سنة 1370 هـ - 15 يونيو سنة 1951 م أصدر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أمرا بعمارة المسجد النبوي عمارة شاملة وتوسعته توسعة كاملة، وفي يوم الثلاثاء 5 من شوال سنة 1370 هـ 10 من يوليو سنة 1951 م بدئ في تنفيذ هذا المشروع بهدم الدور المحيطة بالمسجد، وقد انتزعت ملكيتها بثمن قدره 115000 خمسة عشر ألف ومائة ألف جنيه من ذهب، وفي ربيع الأول سنة 1372 هـ نوفمبر سنة 1952 م زار المدينة ولي العهد الأمير سعود، وفي حفل كبير حاشد وضع الحجر الأساسي للمسجد نيابة عن موالده، وفي يوم الأربعاء 9 من رجب سنة 1372 هـ 25 من مارس سنة 1952 م زار المدينة ولي العهد ملكي بالاستمرار في توسعه الحرم النبوي (إصلاحه على أساس التصميم الذي وضعه المهندسون، واقتضى هذا التصميم نقص ثلاثة أقسام من الحرم النبوي: الشرقي والغربي والشمالي، وبقى القسم الجنوبي الذي به المقصورة الشريفة والروضة المنيفة والآثار النبوية المباركة، وفي يوم الأحد 24 من رمضان سنة 1372 هـ 7 من يونيو سنة 1952 م بدئ في حفر الأسس للمسجد الشريف بالجناح الغربي الذي به باب الرحمة، وفي ربيع الأول سنة 1373 هـ- نوفمبر سنة 1953 م توفى الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وتولى بعده الملك سعود، ثم زار المدينة المنورة ووضع بيده أربعة أحجار في إحدى زوايا الجدار الغربي للمسجد، وسارت العمارة سيرا حسنا بهمة ونشاط يرعاها الملك سعود حتى تمت على أحسن وجه وأكل صنع، واحتفل بتمامها مساء الأحد 6 من ربيع الأول سنة 1375 هـ 23 من أكتوبر سنة 1955 م، وبذلك تكون العمارة استغرقت نحو ثلاث سنوات من تاريخ وضع الحجر الأساسي، وقد بلغت نفقات هذه العماة (50.000.000 خمسين مليون) ريال سعودي (أي خمسة ملايين جنيه مصري) ومساحة هذه الزيادة 6024 أربعة وعشرون مترا وستة آلاف متر مربع، أي عشرة =

ص: 325

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أسهم وعشرة قراريط وفدان، وبهذه الزيادة صارت مساحة المسجد 18624 مترا مربعا، أي عشرة أسهم وعشرة قراريط وأربعة أفدنة.

وصارت البواكي الشمالية خمسا، وكل من الشرقية والوسطى والغربية ثلاثا، وأبواب المسجد عشرة:

(1)

باب السلام في الجنوبي الغربي.

(2)

باب الصديق في شمال باب السلام:

(3)

باب الرحمة في ثلث الجدار الغربي.

(4)

باب سعود بن عبد العزيز في شماله أنشيء في ربيع الأول سنة 1373 هـ- نوفمبر سنة 1953 م.

(5)

باب عمر بن الخطاب بالشمال الغربي:

(6)

باب عبد المجيد شرقي باب عمر:

(7)

باب عثمان بن عفان في الشمال الشرقي:

(8)

باب عبد العزيز في الشرق.

(9)

باب النساء في ثلث الجدار الشرقي.

(10)

باب جبريل في جنوب الجدار الشرقي.

وهاك بيان مساحة المسجد النبوي بالمتر المربع والفدان وأجزائه والزيادات فيه من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد آل سعود: متر مربع س

ط

ف

العهد

التاريخ الهجري التاريخ الميلادي 1050

00

6

00

عهد النبي صلى الله عليه وسلم

1

622

1450

7

8

00

عهد النبي صلى الله عليه وسلم

7

628

1700

17

9

00

عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

17

638

496

21

2

00

عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه

29

649 - 650

2369

13

13

00

عهد الوليد بن عبد الملك

... 88

707

2450

00

14

00

عهد المهدي 161 - 162

777 - 778

120

17

00

00 عهد قايتباي (1) 879

1474

1672

12

9

00 عهد قايتباي (2) 886

1481

1293

9

7

00 عهد السلطان عبد المجيد 1265 - 1277

1849 - 1861

6024

10

10

1 عهد آل سعود 1372 - 1375

1952 - 1955

18624

10

10

4

هذا وبالمسجد خمسة محاريب: 1 - محراب الرسول بالروضة على يسار المنبر.

(قال) اللواء إبراهيم رفعت رحمه الله: ولم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم محراب مجوف، وإنما كان يصلي مكان المحراب أو قريبا منه، وأول من أحدث المحراب المجوف عمر بن عبد العزيز وإلى المدينة في خلافة الوليد، وإنا لنشك في صحة تلك النسبة =

ص: 326

والصلاة والسلام على رسول الله، رب أغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، ويصلي تحية المسجد عند المنبر بحيث يكون عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن إن أمكنه؛ فهذا موقف النبي صلى الله عليه وسلم على ما قيل- قبل أن يوسع المسجد، (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي. أخرجه مالك والشيخان والترمذي وصححه (1). {314}

= إليه، فإن عمر أرى الناس لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تجويف المحراب سنة نصرانية فكيف يستن عمر بن عبد العزيز بسنة النصارى؟ وقد عثرنا على رسالة في دار الكتب المصرية ألفها السيوطي بين فيها بدعة المحاريب المجوفة وأقام الدليل على ذلك من السنة متكلما على الأحاديث سندا سندا (أنظر ص 468 ج 1 مرآة الحرمين) ونقل ملخص الرسالة، واسمها (إعلان الأريب بحدوث بدعة المحاريب)، انظرها تامة ص 96 ج 4 من المنهل العذب المورود، وملخصه ص 114 ج 2 من الدين الخالص طبعة ثانية:

2 - محراب عثمان في حائط المسجد القبلي، وهو محدث في مصلى عثمان، وكانت محاطة بسور من لبن اتخذها عثمان- لما طعن عمر رضي الله عنهما ينقى بها الأشرار:

3 - المحراب السليمي (نسبة لسليم الثاني) بني بأمره كما تقدم، أنظر هذه المحاريب الثلاثة برسمي 11 و 12 ص 328 و 329.

4 - محراب التهجد وهو خلف منزل على شمال حجرة السيدة فاطمة خارج المقصورة الدائرة عليها وعلى المقصورة الشريفة من جهة الشمال.

5 - المحراب المجيدي وهو شمال دكة الأغوات، أحدث في العمارة التي أمر بها وابتدئت سنة 1265 هـ. أنظر رسم 13 الروضة والمقصورة ص 336.

(1)

ص 358 ج 1 زرقاني الموطأ (ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وص 46 ج 3 فتح الباري (فضل ما بين القبر والمنبر) وص 162 ج 9 نووي مسلم و (بيتي) أي الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم (روضة) أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة، وقيل: المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة، هذا وبين القبر والمنبر ثلاث وخمسون ذراعا وشبر (ومنبري على حوضي) المراد أن منبره صلى الله عليه وسلم يكون على الحوض يوم القيامة، وقيل إن له هناك منبرا على حوضه.

ص: 327

3 -

كيفية الزيارة: ثم يأتي القبر الشريف ولا يهجم عليه ولا يلتصق به ولا يمد يديه عليه، بل يستقبل جداره ويستدبر القبلة متبادعا عنه نحو أربعة أذرع، لما روى أبو حنيفة أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من السنة أن تأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة وتجعل ظهرك إلى القبلة وتستقبل القبر بوجهك ثم تقول: السلام عليك ورحمة الله وبركاته (1). {107}

(هذا) وللزائر أن يزيد: السلام عليك يا خير خلق الله، يا إمام المتقين، يا سيد المرسلين، إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله. قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم إنك قلت:"ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما"(2)، وقد أتيتك يا رسول الله مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته. اللهم أجعله أول الشافعين يا أرحم الراحمين. ثم يدعو لوالديه وللمسلمين (3)

(1) ص 27 مسند أبي حنيفة (آخر كتاب الحج).

(2)

عجز الآية 64 من سورة النساء، وصدرها:"وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله".

(3)

ص 590 ج 3 مغنى ابن قدامة.

ص: 330

ويبلغ سلام من أوصاه بتبليغ سلامه، فيقول: السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان، أو فلان ابن فلان يسلم عليك يا رسول الله. ثم يتأخر عن يمينه قدر ذراع فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. السلام عليك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنيسه في الغار وأمينه على الأسرار. جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا. ثم يتأخر عن يمينه قدر ذراع ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين. السلام عليك يا ناصر المسلمين. السلام عليك يا من أعز الله به الإسلام. جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا (ومن) طال عليه هذا اقتصر على بعضه. وأقله السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا قدم من سفر دخل المسجد ثم أتى القبر فقا: السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر. السلام عليك يا أبتاه.

أخرجه البيهقي (1). {108}

(وينبغي) للزائر أن يلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كلامه ويرد عليه السلام، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد بيسلم علي إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي بسند صحيح (2). {315}

(1) ص 245 ج 5 سنن البيهقي (زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم:

(2)

أنظر رقم 300 ص 251 ج 2 تكملة المنهل العذب (زيارة القبور) وباقي المراجع بهامش 4 ص 253 منه، و (رد الله على روحي

) قال عياض: لعل معناه أن روح النبي صلى الله عليه وسلم متعلقة بالحضرة الإلهية فإذا بلغه سلام أحد رد الله روحه من تلك الحالة فترد على من سلم عليه، وكذلك كانت عادته صلى الله عليه وسلم في الدنيا.

ص: 331

(هذا) وهل الزائر يبدأ بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أفضل أو بالصلاة؟ الظاهر أن البدء بالسلام عند كل زيارة أفضل، وأن الصلاة بعده أفضل من استمرار السلام، وإن كان باقيا في مكان الزيارة.

(ويتأكد) على الزائر ألا يرفع صوته بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول السائب بن يزيد: كنت مضطجعا في المسجد، فحصبني رجل، فرفعت رأسي، فإذا عمر رضي الله عنه، فقال: اذهب فأتني بهذين الرجلين، فجئت بهما، فقال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد ما فارقتماني حتى أوجعتكما جلدا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أخرجه البخاري (1). {109}

(ويسن) للزائر بعد الزيارة أن يكثر من الصلاة والدعاء في الروضة الشريفة. ويتحري الوقوف والدعاء عند المنبر الشريف متأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم. وأن يتحري الصلاة أيضا فيما كان مسجدا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا فيما زيد بعده. وأن ينوي الاعتكاف كلما دخل المسجد، وإن كان مارا عند الشافعي. وألا يمر بالقبر الشريف ولو خارج المسجد حتى يقف ويسلم. وقد سئل مالك: أترى أن يسلم كلما مر؟ قال: نعم أرى ذلك عليه كلما مر. وكره مالك لأهل المدينة الوقوف بالقبر الشريف كلما دخل أحدهم المسجد وخرج، ولا بأس لمن قدم منهم من سفر أو خرج إلى سفر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم

(1) ص 375 ج 1 فتح الباري (رفع الصوت في المسجد).

ص: 332

عليه وعلى صاحبيه، كما يطلب ذلك من الغرباء كلما دخلوا المسجد وخرجوا.

(وقال) الحنفيون والشافعي وأحمد: يستحب الإكثار من زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لكل أحد من أهل المدينة وغيرهم، لأن الإكثار من الخير خير وإفضاء ذلك إلى ملل لا نظر إليه. فمن اطمأن قلبه وتوفر أدبه طول ما شاء ومن لا سلم وانصرف.

(ومن الأدب) إذا أراد الصلاة ألا يجعل الحجرة الشريفة وراء ظهره ولا بين يديه، وأن يتحرى الأماكن الفاضلة من المسجد بالصلاة فيها والدعاء كأساطين المسجد الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم لا سيما الأساطين الثمانية التي ورد لها فضل خاص (1) وهي:

(1) أسطوانة المصحف: وهي علم على مصلي النبي صلى الله عليه وسلم كان أمامها الجذع الذي كان يخطب إليه النبي صلى الله عليه وسلم. (قال) يزيد بن أبي عبيد: كان سلمة بن الأكوع يتحري الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف. قلت: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عندها. أخرجه الشيخان والبيهقي (2). {316}

(2)

أسطوانة المهاجرين: لأنهم كانوا يجتمعون عندها- وهي في الصف الذي خلف القائم في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي الثالثة من المنبر ومن القبر. صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وابن الزبير، وورد أن الدعاء عندها مستجاب. وتسمى أسطوانة عائشة.

(1) ص 108 نزهة الناظرين.

(2)

ص 385 ج 1 فتح الباري (الصلاة إلى الأسطوانة) وص 247 ج 5 سنن البيهقي (أسطوانة التوبة).

ص: 333

(3)

أسطوانة التوبة: وتعرف بأسطوانة أبي لبابة، لأنه ارتبط إلى جذع كان في محلها لما وقع منه في شأن بني قريظة (1) ولم يحل حتى تاب الله عليه، وهي الرابعة من المنبر والثانية من القبر. كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليها النوافل وينصرف بعد صلاة الصبح، ويعتكف وراءها مما يلي القبلة مستندا إليها (روي) نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يطرح له فراشه أو سريره إلى أسطوانة التوبة مما يلي القبلة يستند إليها. أخرجه ابن ماجه والبيهقي بسند صحيح رجاله ثقات (2). {317}

(4)

اسطوانة السرير: وهي اللاصقة بالشباك داخل المقصورة، تلي أسطوانة التوبة من جهة الشرق، سميت بذلك لأنه كان يوضع سرير النبي صلى الله عليه وسلم عندها (وهذه) ثلاث الأساطين في صف واحد لا فاصل بينهن سوى نصف أسطوانة لاصقة بالشباك من خارجه (3).

(1)(قال) عبد الله بن أبي قتادة: نزلت هذه الآية: "لا تخونوا الله والرسول"، في أبي لبابة بن عبد المنذر، سألوه يوم قريظة: ما هذا الأمر؛ فأشار إلى حلقه أنه الذبح فنزلت (قال) أبو لبابة ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله، أخرجه ابن جرير وابن المنذر (أنظر ص 288 ج 2 فتح القدير للشوكاني) ولما رأى انه خان حلف لا يذوق ذواقا حتى يموت أو يتوب الله عليه، فربط نفسه بسارية بالمسجد فمكث تسعة أيام حتى كاد يخر مغشيا عله من الجهد، ثم أنزل الله توبته، فبشره الناس وأرادوا حله من السارية، فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحله.

(2)

ص 277 ج 1 سنن ابن ماجه (المعتكف يلزم مكانا في المسجد) وص 247 ج 5 سنن البيهقي (أسطوانة التوبة).

(3)

أحدثت هذه الأساطين زمن الأشرف قايتباي عند بناء القبة على الحجرة الشريفة.

ص: 334

(5)

أسطوانة المحرس: وهي شمال أسطوانة التوبة، وتسمى أسطوانة على، لأنه كان يجلس شرقيها يحرس النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هو وأمراء المدينة يصلون إليها.

(6) أسطوانة الوفود: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إليها الوفود العرب إذا جاءته، وهي شمال أسطوانة المحرس.

(7) أسطوانة مربعة القبر الشريف: وهي محاذية للحجرة الشريفة بالجهة الغربية عند انحراف جانبها إلى الشمال. بينها وبين أسطوانة الوفود الأسطوانة اللاصقة بالشباك داخل المقصورة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليها ويقول: السلام عليكم أهل البيت "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"(1).

(8) أسطوانة التهجد: وهي أسطوانة مربعة شمال بيت علي رضي الله عنه، وفيها محراب على يسار المتوجه إلى باب جبريل. كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إليها حصيرا كل ليلة فيطرح له وراء بيت علي، ثم يصلي صلاة الليل، فلما رأى المصلين بصلاته قد كثروا أمر بالحصير فطوى وصار يصلي في الحجرة خشية أن تجب صلاة الليل على الأمة (2). [أنظر رسم 13 ص 336]

4 -

بدع الزيارة: تبين أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أهم القربات وعلمت كيفيتها المشروعة التي بها ترجى الرحمة والقبول،

(1) الآية 33 من سورة الأحزاب، نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل البيت نساؤه وفاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم.

(2)

ص 54 نزهة الناظرين.

ص: 335

وينال بها المرغوب والمأمول، ولكن الشيطان العدو اللدود حسن للجاهلين بدعا في الزيارة تبعدهم عن المقصود وهو رضا الرب المعبود، منها:

1 - تجرد بعضهم عن المخيط تشبها بحال الإحرام.

ص: 336

2 -

ومنها استلام المقصورة وتقبيلها والتمسح بها والطواف بها والصلاة إليها والانحناء للقبر الشريف، وأقبح منه تقبيل الأرض. وكل هذا مجمع على حرمته لأنه أشبه بالسجود. وكذا الطواف والصلاة للقبر، لأن الطواف بمنزلة الصلاة (1).

3 - ومنها ما يفعله أهل المدينة وغيرها من الوقوف بالجهة الشرقية من المقصورة يصلون ويسلمون على جبريل وميكائيل وإسرافيل؛ فهو بدعة لا أصل له.

4 - ومنها ما عتاده عامة أهل المدينة من أنهم بعد السلام على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والرجوع إلى القبر الشريف يذهبون لزيارة السيدة فاطمة الزهراء، ثم يعودون إلى الموقف الأول أمام القبر الشريف ويقفون وقفة لطيفة. ثم يمشون إلى ناحية المحراب العثماني ويقفون هناك مستقبلين القبلة ويدعون؛ فهو بدعة لا أصل له (2).

5 -

ومنها أن الزوار يصطفون عقب كل فريضة عدا العشاء- يصرخون بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه صرخة رجل واحد بصوت مزعج جدا بواسطة المدعو مزورا حتى يزعجوا بأصواتهم من في المسجد وسكان البيوت المجاورة. وهذا منكر فظيع محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون"(3) أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عند

(1) ص 109 نزهة الناظرية.

(2)

ص 110 منه.

(3)

الآية 2 من سورة الحجرات.

ص: 337

الرسول خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه ويحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري (1). وتقدم تحذير عمر رضي الله عنه من رفع الصوت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2). وقد أجمعت الأمة على أن حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا. وغن الله تعالى قد مدح قوما بغض أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بأجر عظيم. قال تعالى: "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم"(3). وذم آخرين لرفع أصواتهم عنده صلى الله عليه وسلم ونفى العقل عنهم، قال:"إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون"(4). وقد روى أن أبا جعفر المنصور ناظر مالكا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله أدب قوما، فقال: "لا ترفعوا أصواتكم

الآية" وذم آخرين، فقال: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات

الآية" فاستكان لها أبو جعفر.

6 -

ومنها إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر ومسحه باليد، فهو مكروه. والأدب أن يبعد منه كبعده من النبي صلى الله عليه وسلم لو حضره في حياته. ولا يغتر بمخالفة كثير من العوام وفعلهم ذلك، فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالقرآن والأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء المؤيدة بالدليل.

(قال) الفضيل بن عياض رحمه الله: اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين. وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين. ومن

(1) ص 8 ج 8 تفسير ابن كثير.

(2)

تقدم آثر رقم 109 ص 332.

(3)

الآيتان 3 و 4 من سورة الحجرات.

(4)

الآيتان 3 و 4 من سورة الحجرات.

ص: 338

خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة، فهو من جهله وغفلته لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع. وكيف يبتغي الفضل في مخالفة الصواب؟ (1)

7 - ومنها تقرب جهلة العامة بأكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة وقطعهم شعورهم ورميها في القنديل الكبير. وهذا من المنكرات الشنيعة والبدع القبيحة.

8 - ومنها استصحاب شيء من الأواني المصنوعة من تراب حرم المدينة كالكيزان والأباريق وإخراجها إلى وطنه. وكذا حكم الأحجار والتراب كما هو الحال في حرم مكة (2).

9 - ومن المنكر ما يزعمه بعض العامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من زارني وزار أبي غبراهيم في عام واحد ضمنت له الجنة.

(وهذا) باطل موضوع لا يعرف. وكذا قول بعضهم: إذا حج وقدس كان كحجتين. ولا تعلق لزيارة الخليل بالحج، بل هي قربة مستقلة وفضيلة لا تنكر. وإنما المنكر ما رووه واعتقدوه. وكذا زيارة بيت المقدس فضيلة وسنة مستقلة لا تتعلق لها بالحج (3). هذا، ويطلب ممن بالمدينة أمور منها:

يستحب لمن بالمدينة المنورة أن يخرج كل يوم إلى البقيع خصوصا يوم الجمعة فيزور القبور التي به. (قالت) عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول:

(1) ص 275 ج 8 شرح المهذب.

(2)

ص 277 منه.

(3)

ص 277 منه.

ص: 339

السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، إذا مؤجلون. وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. أخرجه مسلم والبيهقي (1). {318}

ويخص بالزيارة القبور المعروفة كقبر إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم وعثمان والعباس والحسن بن علي وغيرهم، ويختم بزيارة قبر صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويستحب أن يأتي أحدا يوم الخميس مبكرا فيزور شهداءها ويبدأ بقبر حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وليحذر العاقل من بدع الزيارة، كاستلام القبر وتقبيله والطواف به وسؤال من به والصلاة عنده، بل المشروع الدعاء والاستغفار لهم. أما طلب الحاجات من الأنبياء والصالحين أو دعاؤهم والإقسام بهم على الله تعالى أو ظن أن الدعاء أو الصلاة عند قبورهم أفضل منه في المساجد والبيوت، فهو ضلال وبدعة باتفاق أئمة المسلمين. ولم يكن أحد من الصحابة يفعل ذلك ولا كانوا يقفون على قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعون لأنفسهم. ولذا كرهه مالك وغير من العلماء، لأنه من البدع التي لم يفعلها السلف. واتفق الأئمة على أنه يطلب ممن أراد الدعاء أن يستقبل القبلة ولا يستقبل القبر، وأما إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيستقبل القبر عند مالك والشافعي وأحمد. (وقال) الحنفيون: يستقبل القبلة ويكون القبر عن يساره (2).

(1) ص 40 ج 7 نووي مسلم (ما يقال عند دخول القبور) وص 249 ج 5 سنن البيهقي (زيارة القبور في البقيع) و (البقيع) موضع بظاهرة المدينة فيه قبور أهلها، كان به شجر الغرقد فذهب وبقى أسمه.

(2)

ص 173 تقسير سورة الإخلاص لابن تيمية.

ص: 340

(ب) زيارة المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم

وهي كثيرة- أهمها خمسة:

1 -

مسجد قبا (1): يستحب استحبابا مؤكدا أن يأتيه يوم السبت ويصلي فيه، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور مسجد قباء كل سبت راكبا وماشيا ويصلي فيه ركعتين. أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي والبيهقي (2). {319}

وهو أول موضع صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة.

2 -

مسجد الفتح: وهو في الشمال الغربي للمدينة على جبل سلع (3) تسن زيارته والصلاة فيه والدعاء، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثا يوما الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين، فعرف البشر في وجهه، قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت

(1) قبا بالضم والقصر وقد يمد، في الأصل: أسم بئر سميت به قرية متصلة بالمدينة بها مساكن بني عمرو بن عوف، وهي على ميلين من المدينة المنورة في سيرة القاصد إلى مكة، ومسجدها أوةل مسجد بني في الإسلام، وضع أول حجر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم، وهو في الجنوب الغربي من المدينة مربع الشكل وضلعه أربعون مترا وارتفاعه ستة أمتار، به تسعة وعشرون عمودا بينه وبين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم 3528 ثمانية وعشرون وخمسمائة وثلاثة آلاف متر، وفي وسطه مبرك الناقة بالنبي صلى الله عليه وسلم وعليه حظيرة قصيرة شبه روضة صغيرة، وفي صحنه 8 مما يلي القبلة شبه محراب عليه مصطبة وله باب من جهة الغرب، وفي قبلته دار أبي أيوب الأنصاري، وفي غربه رحبة فيها بئر هي منبع عين الأزرق، يسميها العامة العين الزرقاء جدده السلطان محمود خان الثاني سنة 1210 هـ.

(2)

أنظر رقم 299 ص 249 ج 2 تكملة المنهل العذب (تحريم المدينة) وباقي المراجع بهامش 7 ص 250 منه.

(3)

سلع بفتح فسكون: جبل شمال المدينة.

ص: 341

تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة. أخرجه أحمد والبزار بسند رجاله ثقات (1). {320}

(وعن) أبن الحكم بن ثوبان قال: أخبرني من صلى وراء النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح ثم دعا فقال: اللهم لك الحمد، هديتني من الضلالة فلا مكرم لمن اهنت، ولا مهين لمن أكرمت، ولا معز لمن أذللت، ولا مذل لمن أعززت، ولا ناصر لمن خذلت، ولا خاذل لمن نصرت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا رازق لمن حرمت، ولا رافع لمن خفضت، ولا خافض لمن رفعت، ولا خارق لمن سترت، ولا ساتر لمن خرقت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت. أخرجه أحمد (2). [321]

(فينبغي) للمصلى في مسجد الفتح أن يدعو فيه بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصا يوم الأربعاء قبل العصر.

3 - مسجد الجمعة: ويسمى مسجد الوادي، وهو في منازل بني سالم ابن عوف غرب الوادي على طريق الحرة. وفي الحديث: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن وادي رانونا، وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة (3). {322}

وكان ذلك في اليوم السادس عشر من ربيع الأول من السنة الأولى من الهجرة.

4 -

مسجد الفضيح: بفتح الفاء وكسر الضادن سمي بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني النضير ضرب قبته في موضع هذا المسجد وأقام بها فجاء تحريم الخمر، فوصل الخبر إلى أبي أيوب الأنصاري

(1) ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (مسجد الفتح) ولعل المراد بالصلاتين الظهر والعصر.

(2)

ص 151 عمدة الأخيار.

(3)

ص 144 منه.

ص: 342

في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في موضعه معهم رواية خمر من فضيح، أي بسر مفضوح. فأمر أبو أيوب رضي الله عنه بمزلاء الراوية (1) ففتحت فسأل الفضيح فيه، فسمى مسجد الفضيح. ويعرف بمسجد الشمس. وهو شرقي مسجد قباء على شفير الوادي. وهو مسجد صغير (روى) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بفضيح في مسجد الفضيح فشربه فلذلك سمي. أخرجه أحمد وفي سنده عبد الله بن نافع ضعفه الجمهور. وقيل يكتب حديثه (2). {323}

وسمي مسجد الشمس لعله لكونه واقعا شرقي مسجد قباء على مكان عال أول ما تطلع الشمس عليه.

5 - مسجد الأحزاب (3): تسن زيارته والصلاة فيه. وهو مسجد معروف في المدينة بني في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى مسجد الأحزاب فوضع رداءه وقام ورفع يديه مدا يدعو عليهم ولم يصل ثم جاء ودعا عليهم وصلى. أخرجه أحمد. وفي سنده رجل لم يسم (4). {324}

(جـ) زيارة آبار المدينة التي شرب منها النبي صلى الله عليه وسلم

وهي كثيرة أهمها خمسة:

1 -

بئر أريس (5): وهي في الجنوب الغربي لمسجد قباء على 200

(1)(عزلاء) كحمراء فم القربة الأسفل، والجمع عزالي بفتح اللام وكسرها. و (الراوية) الدابة يستسقى عليها الماء.

(2)

ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (مسجد الفضيح) والفضيح: شراب يتخذ من اليسر المفضوح، أي المشدوخ.

(3)

(الأحزاب) في الأصل: القوم تألفت قلوبهم وتشابهت أعمالهم.

(4)

ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (مسجد الأحزاب).

(5)

(أريس) كأمير: أسم رجل يهودي، ومعناه بلغة أهل الشام الفلاح، أضيف إليه البئر، وهي بئر عمقها اثنا عشر مترا، وفي أسفلها فتحتان يجري منهما الماء إلى قاع البئر وفتحة ثالثة تصلها بمجرى العين الزرقاء التي يشرب منها أهل المدينة.

ص: 343

مائتي متر منه (وفيها) سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من عثمان رضي الله عنه. (قال) أنس بن مالك رضي الله عنه: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر. فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط، فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده. أخرجه البخاري (1). {325}

وكان ذلك بعد ست سنين من خلافته. ويسن لمن بالمدينة أن يتوضأ ويشرب من بئر أريس. (روى) أبو موسى الأشعري من حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بئر أريس فتوضأ منها وجلس على قفها وكشف عن ساقية ودلاهما في البئر. (الحديث) أخرجه الشيخان (2). {326}

(قيل): كان في خاتم النبي صلى الله عليه وسلم سر مما كان في خاتم سليمان عليه السلام، لأن سليمان عليه السلام لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان رضي الله عنه لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر وخرج عليه الخارجون. وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان.

2 - بئر إهاب: وهي معروفة اليوم بزمزم في الحرة الغربية، ماؤها شبيه بزمزم، وبقربها هضبات يجلس عليها المتريضون من أهل المدينة، وسميت بزمزم لكثرة التبرك بمائها ونقله إلى الآفاق كما ينقل ماء زمزم.

(1) ص 254 ج 10 فتح الباري (هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟ ).

(2)

ص 26 ج 7 منه (قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا) وص 171 ج 15 نووي مسلم (فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه و (قف) بضم القاف وتشديد الفاء: حافة البئر.

ص: 344

3 -

بير حاء: بفتح الباء أو كسرها وفتح الراء أو ضمها ممدودا في الكل وبفتحهما مقصورا- فيعلى- من البراح، وهي الأرض المنكشفة، وقيل: حاء اسم رجل امرأة أضيف إليه البئر. وهي بئر وبستان شمالي سور المدينة من جهة الشرق. وقد صارت لأبي بن كعب وحسان بن ثابت دفعها إليهما أبو طلحة.

(قال) أنس رضي الله عنه: لما نزلت: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" جاء أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، يقول الله تعالى في كتابه:"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"، وإن أحب أموالي إلى بير حاء- وكانت حديقة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويستظل بها ويشرب من مائها- فهي إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجو بره وذخره فضعها- أي رسول الله- حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ يا أبا طلحة ذلك مال رابح، قبلناه منك ورددناه إليك، فاجعله في الأقربين- فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه. قال: وكان منهم أبي وحسان، وباع حسان حصته منه من معاوية، فقيل له: تبيع صدقة أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيع صاعا من تمر بصاع من دراهم؟ وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني حديلة الذي بناه معاوية. أخرجه البخاري (1). {327}

4 - بئر بضاعة: - بضم الباء وتكسر- في الشمال الغربي من بير حاء يستشفى

(1) ص 251 ج 5 فتح الباري (من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل إليه) و (بخ) بفتح فسكون، فإن وصلت كررت ونونت، فقلت: بخ بخ، وهي كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء، وتكرر للمبالغة. و (حديلة) بحاء مهملة مصغرا: بطن من الأنصار.

ص: 345

بالغسل من مائها ثلاثة أيام. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب منها.

(قال) سهل بن سعد: سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من بئر بضاعة. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات (1). {328}

5 -

بئر رومة: هي المشهورة ببئر عثمان، لأنه اشتراها فتصدق بها، وهي في وادي العقيق في الشمال الغربي من المدينة. (روي) بشر بن بشير الأسلمى عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها: رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تبيعنيها بعين في الجنة؟ فقال يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها. فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنجعل لي ما جعلته له؟ قال: نعم: قد جعلتها للمسلمين. أخرجه البغوي في معجم الصحابة (2). {329}

(وعلى الجملة) فينبغي لمن بالمدينة أن يزور جميع المحال المباركة والمساجد والمشاهد المفضلة التي بالمدينة المنورة إذا طالت إقامته بها، وإلا فالمقام عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم واغتنام مشاهدته أفضل.

(ويستحب) أن يصوم بالمدينة ما أمكنه، وأن يتصدق على أهلها والغرباء بما أمكنه، ويخص أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بمزيد الرعاية، لقول زيد بن أرقم: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به،

(1) ص 12 ج 4 مجمع الزوائد (بئر بضاعة).

(2)

ص 72 ج 14 عمدة القاري، شرح البخاري.

ص: 346

ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، فقيل له: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده: آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس. أخرجه أحمد ومسلم (1). {330}

آداب الرجوع إلى الأهل

(يسن) لمن أراد الخروج من المدينة المنورة أن يودع المسجد الشريف بركعتين ينوي بهما سنة وداع المسجد ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى: قل يأيها الكافرون، وفي الثانية الإخلاص، ويدعو بما أحب دينا ودنيا ويختم بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجدد التوبة، ثم يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم كما زاره أولا، ثم يقولك اللهم ولا تجعل هذا آخر العهد بنبيك ومسجده وحرمه، ويسر لنا العودة إلى زيارته والعكوف في حضرته سبيلا سهلا، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة. ثم يتوجه تلقاء وجهه، ولا يمشي القهقري، ثم يقول اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما تحب وترضى.

(ويستحب) أن يستصحب معه هدية إلى أهله من تمر المدينة ونحوه. وأن يكبر على كل شرف من الأرض ويدعو بما تقدم. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو، أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم

(1) ص 366 ج 4 مسند أحمد (حديث زيد بن أرقم

) وص 179 ج 15 تروى مسلم (فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ص: 347

يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون. صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. أخرجه البيهقي والسبعة إلا النسائي (1).

(وظاهره) اختصاص هذا الدعاء بالرجوع من غزو أو حج أو عمرة وبه قال بعض العلماء (وقال) الأئمة الأربعة والجمهور: يشرع هذا في كل سفر طاعة كصلة الرحم وطلب العلم. وقيل: يتعدى ذلك إلى السفر المباح، لأن المسافر فيه لا ثواب له، فله فعل ما يحصل له الثواب (2) وإذا أشرف على بلده سعى وقال: ىيبون، تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون. صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. اللهم اجعل لي فيها قرارا ورزقا حسنا.

(ويرسل) إلى أهله من يخبرهم ولا يبغتهم بمجيئه. وإذا دخل البلد بدأ بالمسجد فصلي فيه ركعتين إن لم يكن وقت كراهة. ثم ينصرف إلى منزله ويصلي فيه ركعتين، لحديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل من حجته دخل المدينة فأناخ على باب مسجده ثم دخله فركع فيه ركعتين ثم أنصرف إلى بيته. قال نافع: فكان عبد الله بن عمر كذلك يصنع. أخرجه أحمد وأبو داود بسند جيد (3). {331}

(1) تقدم رقم 29 ص 16 وأنظر ص 259 ج 5 سنن البيهقي (ما يقول في القفول) وص 25 ج 12 الفتح الرباني، وص 88 ج 3 سنن أبي داود (التكبير على كل شرف في السير)(وص 119 ج 2 تحفة الأحوذي) ما يقول عند القفول من الحج والعمرة).

(2)

ص 148 ج 11 فتح الباري الشرح (الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع).

(3)

ص 26 ج 13 الفتح الرباني، وص 91 ج 3 سنن أبي داود (الصلاة عند القدوم من السفر).

ص: 348

ثم يجلس في مكان بارز لمقابلة المهنئين ويكثر من حمد الله تعالى والشرك له على ما أولاه من إتمام العبادة والرجوع مصحوبا بالسلامة.

ملاقاة الحاج وتهنئته

يستحب ملاقاة الحجاج قبل دخول بيوتهم والسلام عليهم ومصافحتهم وطلب الدعاء منهم وتهنئة كل بنحو: قبل الله نسكك وأعظم أجرك، وأخلف نفقتك وغفر ذنبك. (روي) ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته، فإنه مغفور له. أخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح علي شرط مسلم (1). {332}

ورد بأن في سنده محمد بن عبد الرحمن السلماني ضعفه الهيثمي وغيره، وهذا بالنسبة لمن كان حجه مبرورا خالصا لوجه الله ولمن تمكن من ملاقاته قبل دخول بيته، وإلا طلب الدعاء منه ولو بعد دخول البيت.

(وعن) ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد هذه الناحية للحج، فمشى معه النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه إليه فقال: يا غلام، زودك الله التقوى ووجهك في الخير وكفاك الهم. فلما رجع سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه إليه فقال: يا غلام، قبل الله حجك، وكفر ذنبك وأخلف نفقتك. اخرجه الطبراني في الأوسط. وفي سنده مسلمة بن سالم الجهني ضعفه الدارقطني (2). {333}

(1) ص 26 ج 13 الفتح الرباني، وص 437 ج 1 فيض القدير.

(2)

ص 311 ج 3 مجمع الزوائد (ما يقال للحاج عند الوداع والرجوع).

ص: 349

وليمة الحج

يستحب للحاج بعد قدومه أن ينحر بدنة أو بقرة أو ما يستطيع ويطعم أصحابه وجيرانه ولا سيما الفقراء، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة. أخرجه البخاري والبيهقي (1). {334}

الخاتمة

في فضل مكة وحرم المدينة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

1 - فصل مكة: هي أفضل البلاد عند الحنفيين والشافعي وأحمد، لحديث عبد الله بن عدى بن الحمراء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول: والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى اله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت. أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب صحيح (2). {335}

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمكة: ما أطيبك من بلد وأحبك إلى، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب (3). {336}

وبهذا قال الجمهور وابن وهب وابن حبيب من أصحاب مالك رحمه

(1) ص 261 ج 5 سنن البيهقي (الطعام عند القدوم).

(2)

ص 205 ج 4 مسند أحمد (حديث عبد الله بن عدى بن الحمراء الزهري .. ) وص 138 ج 2 سنن ابن ماجه (فضل مكة) وص 375 ج 4 تحفة الأحوذي (فضل مكة) و (الحزورة) كقورة: مكان مرتفع بمكة عند باب الوداع.

(3)

ص 376 ج 4 تحفة الأحوذي (فضل مكة).

ص: 350

الله، والمشهور عنه تفضيل المدينة على مكة، لما تقدم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة (1).

ولقول رافع بن خديج: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المدينة خير من مكة. أخرجه الطبراني. وفي سنده محمد ابن عبد الرحمن بن داود مجمع علي ضعفه (2). {337}

(وأجاب) الجمهور:

(أ) عن حديث أبي هريرة بأنه خارج عن محل النزاع فإن الكلام في تفضيل مكة على غيرها لا في خصوص هذه البقعة. (قال) ابن عبد البر: هذا الاستدلال بالخبر في غير ما ورد فيه ولا يقاوم النص الوارد في فضل مكة. وساق حديث عبد الله بن عدى (3) وقال: إن هذا الحديث نص في محل الخلاف فلا ينبغي العدول عنه.

(ب) وعن حديث رافع بأنه ضعيف لا يقاوم الأحاديث الصحيحة الواردة في تفضيل مكة. ولذا رجع عن هذا القول كثير من المالكية.

2 -

حرم المدينة: حرم المدينة كحرم مكة يحرم صيده وقطع شجره عند مالك والشافعي وأحمد، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة وأني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها. أخرجه مسلم (4). {338}

(1) تقدم رقم 314 ص 325.

(2)

ص 298 ج 3 مجمع الزوائد (فضل المدينة).

(3)

تقدم رقم 335 ص 350.

(4)

ص 136 ج 9 نووي مسلم (فضل المدينة). و (إني حرمت المدينة) أي حرمت صيد حرمها وقطع شجرها. و (لابتيها) تثنية لابة، وهي أرض ذات حجارة سود. وللمدينة لا بتان شرقية وغربية وهي بينهما عرضا، وطولها ما بين عير وثور، وهما جبلان أحدهما جنوبها والآخر شمالها (والعضاه) بكسر العين المهملة: شجر له شوك.

ص: 351

(وعن عبد الله) بن زيد بن عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة ودعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة. أخرجه أحمد ومسلم (1). {339}

(وعن جابر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المدينة كالكير وحرم إبراهيم مكة وأنا أحرم المدينة وهي كمكة حرام ما بين حرتيها وحماها كلها لا يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل منها (الحديث). أخرجه أحمد (2). {340}

(دل) على جواز أخذ أوراق الشجر للعلف. أما قطعة فحرام عند الأئمة الثلاثة، غير أن مالكا والشافعي قالا: لا ضمان في قتل صيده أو قطع شجره، لأنه ليس محلا للنسك، (وقال) بعض المالكية: يجب فيه الجزاء كحرم مكة لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة.

(وقال) الحنفيون: ليس للمدينة حرم فلا يمنع أحد من أخذ يدها ولا قطع شجرها، لحديث أبي التياح عن انس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له: أبو عمير كان فطيما، فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه

(1) س 40 ج 4 مسند أحمد (حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني .. ) وص 134 ج 9 نووي مسلم (فضل المدينة).

(2)

ص 393 ج 3 مسند أحمد (مسند جابر بن عبد الله

) و (حماها) هو في الأصل مكان يمنع القرب منه. والمراد هنا مكان حماه النبي صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة ومنع العامة أن يرعوا فيه دوابهم وهو يريد من كل ناحية من المدينة. و (كلها) تأكيد له. وأنث الضمير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه.

ص: 352

قال أبا عبيد: ما فعل النغير؟ فكان يلعب به. أخرجه مسلم والنسائي في اليوم والليلة والبزار والطحاوي (1). {341}

(وقالوا) إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قطع شجرها استبقاء لزينتها ليستطيبوها ويألفوها، (وأجاب) الجمهور عن الحديث باحتمال أنه كان قبل تحريم المدينة أو أن النغير كان من صيد الحل. والرسول صلى الله عليه وسلم إنما حرم صيد الحرم. والراجح القول الأول لقوة أدلته.

3 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

هي مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الله تعالى:"إن الله وملائكته يصلون على النبي، يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"(2). قال أبو العالية: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء. ذكره البخاري (3). {110}

(والمقصود) من الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة نبيه عنده في الملإ الأعلى، بأنه يثنى عليه عند ملائكته، وأن الملائكة تصلي عليه، وأمر عباده بأن يقتدوا بذلك ويصلوا عليه (4). وعن سعيد ابن جبير عن ابن عباس أن بني غسرائيل قالوا لموسى عليه الصلاة والسلام: هل يصلي ربك؟ فناداه ربه: يا موسى سألوك: هل يصلي ربك؟ فقل: نعم أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي، فأنزل الله تعالى على

(1) ص 128 ج 14 نووي مسلم (تكنية الصغير) و (الغنير) تصغير نغر بضم فقتح، وهو ظائر يشبه العصفور أحمر المنقار.

(2)

الآية 56 من سورة الأحزاب.

(3)

ص 376 ج 8 فتح الباري (قوله: إن الله وملائكته يصلون على النبي .. )

(4)

ص 291 ج 4 فتح القدير للشوكاني.

ص: 353

نبيه: "إن الله وملائكته يصلون على النبي

" الآية. أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه (1). {111}

(وظاهر الأمر) بالصلاة والتسليم في الآية أن يقول القائل: صليت وسلمت، أو الصلاة عليه والسلام عليه، أو عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى أمرنا بإيقاع الصلاة عليه والتسليم منا، فمقتضاه ألا يتحقق الامتثال بقول أحدنا: اللهم صل وسلم على رسولك، أو على محمد، أو على النبي، لأن الله تعالى أمرنا أن نصلي ونسلم عليه لا أن نطلب منه تعالى ذلك. (وأجيب) بأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الصلاة والتسليم المأمور بهما في الآية هما أن تقول: اللهم صل عليه وسلم. أو نحو ذلك. فاقتضى أن هذه الصلاة هي المأمور بها: (قال) كعب ابن عجرة: قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلي آل محمد كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد. أخرجه السبعة (2). {342}

(هذا) ويستحب الجمع بين الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، (ويكره) الاقتصار على أحدهما. وهما شعار خاص بالأنبياء والملائكة؛ فلا يصلي ولا يسلم على غيرهم إلا تبعا. والمتبع الترضي عن الصحابة والمترحم على من بعدهم والدعاء لهم بالمغفرة والعفو. قال الله تعالى:

(1) ص 293 ج 4 فتح القدير للشوكاني.

(2)

أنظر المراجع وشرح الحديث بهامش 3 ص 170 ج 2 الدين الخالص، طبعة ثانية (كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 354

"والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا"(1).

(ولا يجوز) لنا أن نصلي ونسلم على أحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم عند جمهور العلماء إلا تبعا وهو محرم أم مكروه تحريما أو تنزيها؟ أقوال ثلاثة، (وقال) قوم منهم الإمام أحمد: تجوز الصلاة على غير الأنبياء لقوله تعالى: "وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم"(2) ولقوله: "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة"(3)، ولقوله:"هو الذي يصلي عليكم وملائكته"(4)، ولقول عبد الله بن أبي أوفي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل عليهم، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفي. أخرجه السبعة إلا الترمذي (5). {343}

ويجاب: (أ) عن الآيات بأنها ليس فيها إلا أن الله تعالى يصلى على طوائف من عباده. وليس في هذا أمر لنا ولا شرعه الله في حقنا، بل لم يشرع لنا إلا الصلاة والتسليم على رسله وملائكته، عليهم الصلاة والسلام.

(ب) وفي حديث ابن أبي أوفي بأن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بالشعار الخاص به صلى الله عليه وسلم.

ثم الكلام ينحصر في خمسة مباحث:

(1) الآية 10 من سورة الحشر.

(2)

الآية 103 من سورة التوبة. و (سكن) أي رحمة وطمأنينة.

(3)

الآية 157 من سورة البقرة.

(4)

الآية 43 من سورة الأحزاب.

(5)

ص 353 ج 4 مسند أحمد (بقية حديث عبد الله بن أبي أوفي

) وباقي المراجع بهامش 4 ص 236 ج 8 الدين الخالص (ما يطلب من المزكى والآخذ).

ص: 355

1 -

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات، لأن الله تعالى صلي عليه هو وملائكته وأمر بها المؤمنين. وليس هذا لسائر العبادات. وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة (منها) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا. أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة (1). {344}

(وحديث) أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر، خطيئات، ورفع له عشر درجات. أخرجه أحمد والنسائي والحاكم، وابن حبان وصححاه (2). {345}

(وحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. أخرجه أبو داود والبيهقي (3). {346}

(وحديث) أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته

(1) ص 310 ج 14 الفتح الرباني، وص 127 و 128 ج 4 نووي مسلم (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد) وص 191 ج 1 مجتبي (فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وص 190 ج 8 المنهل العذب (الاستغفار).

(2)

ص 310 ج 14 الفتح الرباني، وص 191 ج 1 مجتبي، وص 550 ج 1 مستدرك.

(3)

ص 95 ج 6 المنهل العذب (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد).

ص: 356

كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. أخرجه مسلم (1). {347}

2 - كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

تجوز الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بأي صيغة. والأفضل كونها بصيغة من الصيغ الواردة، لأنها أكثر ثوابا. وهي كثيرة تقدم بعضها.

3 - حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

هي فرض وسنة:

(أ) فتفترض في أربعة مواضع:

1 - تفترض في العمر مرة للأمر بها في قوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" وهو للوجوب.

2 - وتفترض كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على (الحديث) أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم (2). {348}

وقيل: تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره. والاحتياط الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند كل ذكر (3).

(1) ص 127 ج 4 نووي مسلم (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد).

(2)

ص 308 ج 14 الفتح الرباني، وص 271 ج 2 تحقة الأحوذي (باب من الدعوات) و (رغم أنفه) أصله لصق أنفه بالرغم وهو تراب مختلط يرمل. والمراد أصابه الذل والهوان. و (الحديث) تمامه: ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم أنسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه أو أحدهما الكبر فلم يدخلاه الجنة.

(3)

ص 233 ج 14 تفسير القرطبي.

ص: 357

3 -

وتفترض في التشهد الأخير عند الشافعي، وروى عن أحمد، لما تقدم في حديث فضالة بن عبيد (1).

(وقال) الحنفيون ومالك: إنها سنة في التشهد الأخير لا واجبة، وروى عن أحمد، لما تقدم عن أبي هريرة رضي الله عنه (2)(وهذا) هو الراجح لأن الوجوب إنما يكون بدليل شرعي، ولم يرد (وحديث) فضالة بن عبيد لا يدل على وجوبها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فيه بالدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وهو ليس بواجب اتفاقا، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم تاركها بإعادة الصلاة. ولو كانت واجبة لأمرة بالإعادة.

4 -

وتجب في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية عند الشافعي وأحمد لحديث جابر عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة لم يصل فيها على وعلى أهل بيتي لم تقبل منه. أخرجه الدارقطني وقال جابر: ضعيف (3). {349}

ومن ذلك فهو لا يدل على المطلوب، لأن الصلاة على الآل لا تجب اتفاقا. ولذا قال الحنفيون ومالك والجمهور: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة مستحبة لا واجبة. وهو الراجح من جهة الدليل (4).

(ب) وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع ذكر منها هنا 31 واحد وثلاثون موضعا:

(1) تقدم رقم 222 ص 167 ج 2 الدين الخالص (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد).

(2)

تقدم رقم 224 ص 168 ج 2 الدين الخالص.

(3)

ص 136 سنن الدارقطني.

(4)

قال الطبري والطحاوي: أجمع المتقدمون والمتأخرون على عدم الوجوب. وقال بعضهم: لم يقل بالوجوب إلا الشافعي. وهو مسبوق بالإجماع. أنظر ص 136 التعليق المغنى على سنن الدارقطني.

ص: 358

1 و 2 - بعد حكاية الأذان والإقامة، لما روي جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وارض عني رضا لا تسخط بعده، استجاب الله له دعوته. أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط. وفي سنده ابن لهيعة. وفيه ضعف. وفي الباب أحاديث تقويه (1). {350}

(وكان) أبو هريرة رضي الله عنه إذا سمع المؤذن يقيم قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة (2) والصلاة القائمة صل على محمد وآته سؤله يوم القيامة. أخرجه ابن السني. {112}

وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي.

3 -

وتسن بعد التشهد الأول عند الشافعي في الجديد. ولا دليل على هذا. ولذا قال الحنفيون ومالك وأحمد: لا تسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول. وهو قول الشافعي في القديم، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسم في حديث قط أنه صلى على نفسه في التشهد الأول. ومن استحب ذلك فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبيين موضعها وتقيدها بالتشهد الأخير (3).

4 و 5 - وتسن قبل الدعاء وبعده إجماعا، لما تقدم عن فضالة بن عبيد قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال:

(1) ص 32 ج 3 الفتح الرباني، وص 332 ج 1 مجمع الزوائد (إجابة المؤذن وما يقال عند الأذان والإقامة).

(2)

(الدعوة) بفتح الدال مشددة، المراد بها الأذان (والتامة) أي التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل إلى يوم القيامة.

(3)

ص 62 ج 1 زاد المعاد (تشهده صلى الله ليعه وسلم في الصلاة).

ص: 359

اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فأحمد الله بما هو أهله وصل على ثم أدعه. ثم صلي رجل آخر فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أيها المصلي أدع تجب. أخرجه الترمذي وحسنه والطبراني (1). {351}

6 - وتسن بعد القنوت، لأنه دعاء ولما تقدم عن عبد الله بن على عن الحسن بن على قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيمن أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى الله علي النبي محمد. أخرجه النسائي والبيهقي (2){352}

7 -

وتسن في خطب الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها عند الحنفيين ومالك وروى عن أحمد، لقول عون بن أبي جحيفة: كان أبي من شرط على وكان تحت المنبر، فحدثني أن عليا رضي الله عنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (الأثر) أخرجه عبد الله بن أحمد (3). {113}

والمشهور عن الشافعي وأحمد أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

(1) تقدم رقم 521 ص 353 ج 2 الدين الخالص، طبعة ثانية. وأنظر ص 155 ج 10 مجمع الزوائد (ما يستفتح به الدعاء

).

(2)

تقدم رقم 32 ص 16 ج 3 الدين الخالص. وهناك بيان حاله وغريبه.

(3)

ص 256 جلاء الأفهام. و (شرط) بضم ففتح كرطب، أي من جند على رضي الله عنه.

ص: 360

شرط في صحة خطبة الجمعة. وليس له دليل سليم ينتهض للدلالة على الاشتراط، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرها في خطبه.

8 - وتسن ليلة الجمعة ويومها إجماعا، لحديث صفوان بن سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة على. أخرجه الشافعي في مسنده (1). {353}

وتقدم في هذا أحاديث كثيرة (2)

9 - وتسن عند كتابة اسمه صلى الله عليه وسلم، لحديث الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب. أخرجه الطبراني في الأوسط وابن أبي شيبة بسند ضعيف (3). {354}

10 - وتسن أول النهار وآخره، لحديث خالد بن معدان عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة. أخرجه الطبراني بسندين أحدهما جيد ورجاله وثقوا. لكن فيه انقطاع، لأن خالدا لم يسمع من أبي الدرداء (4). {355}

11 -

ويسن الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تكفيرا للذنوب، لما روى ابن معاذ عن أبي كاهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا كاهل، من صلى علي كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاث مرات حبا أو شوقا إلي كان حقا على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم. أخرجه ابن أبي عاصم وذكره المنذري في الترغيب والترهيب

(1) ص 151 ج 1 بدائع المنن.

(2)

أنظر ص 144 ج 4 الدين الخالص.

(3)

ص 257 ج 2 كشف الخفاء للمجلوني.

(4)

ص 120 ج 10 مجمع الزوائد (ما يقول إذا أصبح وإذا أمسى) وص 170 ج 6 فيض القدير للمناوي.

ص: 361

وسكت عليه (1). {356}

(وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم. أخرجه أبو الشيخ في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وابن أبي شيبة (2). {357}

(فهذا) فيه الإخبار بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم زكاة للمصلي عليه. والذي قبله فيه أنها مغفرة لذنوبه. فتضمن الحديثان أن بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تحصل طهارة النفس من الرذائل، ويثبت لها النماء والزيادة في الكمالات والفضائل، وأنه لا كمال للنفس إلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي هي من لوازم محبته، ومتابعته وتقديمه على كل من سواه من المخلوقين.

12 - وتسن عند دخول المسجد والخروج منه، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم. أخرجه أبن خزيمة في صحيحه وابن حبان (3). {358}

وفي هذا أحاديث تقدمت.

13 - وتسن عند نزول الفقر أو خوف وقوعه، لحديث جابر بن سمرة السوائي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كثرة الذكر والصلاة على تقنين الفقر. أخرجه أبو نعيم (4). {359}

(1) ص 281 ج 2 (الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وس 289 جلاء الأفهام.

(2)

ص 289 جلاء الأفهام.

(3)

ص 262 منه.

(4)

ص 290 منه.

ص: 362

14 -

وتسن في مجالس الذكر والطاعة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض: أقعدوا، فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم. فإذا صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم صلوا معهم حتى يفرغوا، ثم يقول بعضهم لبعض: طوبي لهؤلاء يرجعون مغفورا لهم. أصل الحديث في مسلم (1). {360}

15 - وتسن إذا نسي الشيء ليذكره، لحديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نسيتم شيئا فصلوا على تذكروه إن شاء الله. أخرجه أبو موسى المديني (2). {361}

16 - وتسن لقضاء أمر هام، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي كل يوم مائة مرة قضى اله له مائة حاجة، سبعين منها لآخرته وثلاثين منها لدنياه. أخرجه ابن منده. وقال الحافظ أبو موسى: حديث حسن (3). {362}

17 - وتسن عند طنين الأذن، لحديث أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل على، وليقل ذكر الله بخير من ذكرني بخير. أخرجه العقيلي وابن عدى والخرائطي والطبراني في الكبير والأوسط والصغير. وسنده في الكبير حسن (4). {363}

قال المناوي: وبه بطل قول من زعم ضعفه فضلا عن وضعه، بل

(1) ص 293 جلاء الأفهام.

(2)

ص 294 منه.

(3)

ص 296 منه.

(4)

ص 399 ج 1 فيض القدير للمناوي.

ص: 363

أقول المتن صحيح. فقد رواه ابن خزيمة في صحيحه. وهو ممن التزم تخريج الصحيح.

18 - وتطلب من المصلى إذا أمر بذكر النبي صلى الله عليه وسلم في غير التشهد. قال الحسن البصري: إذا مر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فليقف وليصل عليه في التطوع. وبه قال أحمد (1). {114}

19 -

وتطلب عند الاجتماع قبل التفرق، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله عز وجل فيه ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة. أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري وسنده صحيح (2). {364}

20 - وتسن عند دخول المنزل، لحديث سهل بن سعد أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر وضيق العيش أو المعاش، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخلت منزلك فسلم إن كان فيه أحد أو لم يكن فيه أحد، ثم سلم على واقرأ:"قل هو الله أحد" مرة واحدة، ففعل الرجل، فأدر الله عليه الرزق حتى أفاد على جيرانه وقراباته. أخرجه أبو موسى المديني (3). {365}

في الحديث ذكر السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يستلزم الصلاة عليه لطلب اقترانهما، لقوله تعالى:"صلوا عليه وسلموا تسليما".

(1) ص 299 جلاء الأفهام.

(2)

ص 235 ج 2 (الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه ولا يصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم وص 79 ج 10 مجمع الزوائد (ذكر الله

والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

ص 293 جلاء الأفهام.

ص: 364

21 -

وتطلب من الفقير ليكون له بها ثواب الصدقة، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما ورسولك وصلي على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنها له زكاة. أخرجه ابن وهب وابن حبان في صحيحه وزاد. وقال: لا يشبع المؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة (1). {366}

22 - وتسن بين تكبيرات صلاة العيد عند الشافعي وأحمد.

(روى) علقمة أن ابن مسعود وأيا موسى وحذيفة خرج إليهم الوليد ابن عقبة قبل العيد فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟ فقال عبد الله: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك. ثم تكبر وتفعل مثل ذلك. ثم تقرأ، ثم تكبر وتركع، ثم تقوم وتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تركع، فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن. أخرجه إسماعيل بن إسحاق وذكر البيهقي صدره (2). {115}

(فيه) الموالاة بين القراءتين في صلاة العيد، وهو مذهب الحنفيين ورواية عن أحمد (وفيه) أن تكبيرات العيد ثلاث، وهو مذهب الحنفيين (وفيه) حمد الله والصلاة على رسوله بين التكبيرات، وهو مذهب الشافعي وأحمد، (وقال) الحنفيون ومالك: يستحب سرد الكبيرات بلا ذكر

(1) ص 299 جلاء الأفهام.

(2)

ص 301 منه، وص 291 ج 3 سنن البيهقي (يأتي بدعاء الافتتاح عقب تكبيرة الافتتاح).

ص: 365

ولا صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبيرات. وأجابوا عن أثر أبن مسعود:

(أ) بأنه مضطرب كما تقدم (1).

(ب) بأن في سنده من يحتاج إلى كشف حاله، وفيه حماد بن أبي سليمان ضعفه البيهقي ومحمد بن سعد. واختلط أخيرا وكان مرجئا وكذبه المغيرة (2).

23 -

وتسن عند ركوب الدابة وغيرها لحديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال" إذا ركب دابة: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء سبحانه ليس له سمي. سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله عليه سيدنا محمد. (قالت) الدابة: بارك الله عليك من مؤمن خففت ظهري وأطعت ربك وأحسنت إلى نفسك. بارك الله لك في سفرك وأنجح حاجتك. أخرجه الطبراني (3). {367}

24 - وتسن عند القيام لصلاة الليل، لقول أبي هريرة رضي الله عنه:"من قام" الليل فتوضأ فأحسن الوضوء ثم كبر عشرا وسبح عشرا وتبرأ من الحول والقوة على ذلك. ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن الصلاة "لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه من الدنيا والآخرة". أخرجه عبد الملك بن حبيب (4). {116}

25 - وتسن على الصفا والمروة، لما روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يكبر على الصفا ثلاثا ويقول: لا إليه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ثم يصلي على النبي

(1) تقدم ص 15 ج 5 الدين الخالص (الفصل بين تكبيرات العيد).

(2)

ص 291 ج 3 الجوهر النقي.

(3)

ص 155 الحرز المنبع للسيوطي.

(4)

ص 99 منه.

ص: 366

صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو ويطيل القيام والدعاء، ثم يفعل على المروة مثل ذلك. أخرجه إسماعيل بن إسحاق (1). {117}

26 - وتسن بعد التلبية، لما تقدم فيما يقال بعدها (2).

27 - وتسن عند استلام الحجر الأسود، لما تقدم في الدعاء عند استلامه (3).

28 -

وتسن للخروج للسوق أو لأمر آخر، لقول أبي وائل: ما رأيت عبد الله (يعني ابن مسعود) جلس في مأدبة ولا جنازة ولا غير ذلك فيقوم حتى يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بدعوات. وإن كان يخرج إلى السوق فيأتي أغفلها مكانا فيجلس فيحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بدعوات. أخرجه ابن أبي حازم (4). {118}

29 - قال بعض المالكية: تطلب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس، لقول نافع: عطس رجل عند ابن عمر، فقال له ابن عمر: لقد بخلت، هلا حيث حمدت الله تعالى صليت على النبي صلى الله عليه وسلم؟ أخرجه أبو موسى المديني (5). {119}

وبه قال أبو موسى المديني وغيره (ونازعهم) الجمهور وقالوا: لا تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند العطاس. وهي وإن كانت من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى. ولكن لكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه (ويؤيده) ما روي نافع أن رجلا عطس إلى

(1) ص 263 جلاء الأفهام.

(2)

تقدم رقم 85 ص 63.

(3)

تقدم أثر 46 ص 166.

(4)

ص 277 جلاء الأفهام.

(5)

ص 291 منه.

ص: 367

جنب ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله، فقال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمنا إذا عطسنا أن نقول: الحمد لله على كل حال. أخرجه الطبراني والترمذي وقال: هذا حديث غريب (1). {368}

(وهذا) أقوى مما قبله (ولا يثبت) ما روي مرفوعا: لا تذكروني عند ثلاث: عند تسمية الطعام، وعند الذبح، وعند العطاس. (قال) العلامة ابن قيم الجوزية: وهذا الحديث لا يصح، فإنه من حديث سليمان بن عيسى السجزي عن عبد الرحيم بن زيد العمى عن غوير عن النبي صلى الله عليه وسلم. وله ثلاث علل:

(أ) تفرد سليمان بن عيسى به. قال البيهقي: وهو في عداد من يضع الحديث.

(ب) ضعف عبد الرحمن العمى.

(جـ) انقطاعه (2).

30 - وتستحب عند مالك بعد الطهارة، لما روي أبو وائل عن عبد الله ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم ليصل على. فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة. أخرجه أبو الشيخ. {369}

وهو حديث مشهور له طرق ليس في شيء منها ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا في هذه الرواية.

31 - وتستحب عند الذبح عند الشافعي. قال رضي الله عنه: والتسمية على الذبيحة: باسم الله؛ فإن زاد بعد ذلك شيئا فزيادة خير، ولا أكره مع التسمية أن يقول: صلى الله على رسول الله. وبه قال بعض الحنبلية.

(1) ص 291 جلاء الأفهام، وص 2 ج 4 تحفة الأحوذي (ما يقول العاطس).

(2)

ص 292 جلاء الأفهام.

ص: 368

(وقال) الحنفيون: تكره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح، وهو مذهب مالك، لحديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: موطنان لاحظ لي فيهما: عند العطاس والذبح. أخرجه أبو محمد الخلال (1). {370}

4 - ثمرات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثمرات كثيرة، ذلك منها هنا سبع عشرة ثمرة:

1 -

امتثال أمر الله تعالى.

2 -

موافقته تعالى في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف.

3 -

أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة صلى الله تعالى عليه بها عشرا.

4 -

وأنه يرفع له بها عشر درجات.

5 -

ويكتب له بها عشر حسنات.

6 -

ويمحي عنه بها عشر سيئات.

7 -

ويرجى بها إجابة الدعاء إذا قدمت أمامه (2).

8 -

وأنها سبب لقرب العبد من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

9 -

وأن بها يصلى الله وملائكته على المصلي.

10 -

وأنها زكاة للمصلي وطهارة له.

11 -

وأنها سبب النجاة من أهوال يوم القيامة.

12 -

وأن بها يرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه.

13 -

وأن بها يطيب المجلس ولا يكون عسرة على أهله يوم القيامة.

14 -

وأنها تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره (3).

15 -

وأن بها ينجو من

(1) ص 298 جلاء الأفهام.

(2)

ص 302 منه.

(3)

ص 303 منه.

ص: 369

الدعاء عليه بالذل والهوان إذا تركها عند ذكره صلى الله عليه وسلم.

16 -

وأن بها يزداد نور العبد على الصراط.

17 -

وأنها سبب لنيل رحمة الله للمصلي عليه صلى الله عليه وسلم، لأن الرحمة إما معنى الصلاة أو من لوازمها؛ فلابد للمصلي عليه من رحمة تناله (1).

(وعلى الجملة) فللصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثمرات كثيرة، ذكر منها ابن القيم في جلاء الأفهام أربعين ثمرة، وقال: وها هنا نكتة حسنة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم له من الأجر- الزائد على أجر عمله- مثل أجور من اتبعه. فالداعي إلى سنته ودينه ومعلم الأمة الخير إذا قصد توفير هذا الحظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرفه إليه، وكان مقصوده بدعاء الخلق إلى اله تعالى التقرب إليه بإرشاد عباده وتوفير أجور المطيعين له صلى الله عليه وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع توفيتهم أجورهم كاملة، كان له من الأجر في دعوته وتعليمه بحسب هذه النية. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم (2).

5 -

الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم

آله صلى الله عليه وسلم أزواجه ومن تحرم عليهم الصدقة من بني هاشم والمطلب، ومنهم فاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم وذريتهم (فقد تقدم) عن زيد بن أرقم أنه قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر، وآل العباس (3).

هذا. وتطلب الصلاة على الآل تبعا للنبي صلى الله عليه وسلم اتفاقا.

(1) ص 304 جلاء الأفهام.

(2)

ص 311 منه.

(3)

تقدم في الحديث رقم 330 ص 246، وهذا آخره.

ص: 370

أما الصلاة عليهم انفرادا فعلى نوعين:

(أ) أن يقال: اللهم صل على آل محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهذا جائز، ويكون النبي صلى الله وسلم داخلا في آله؛ فالإفراد وقع في اللفظ لا في المعنى.

(ب) أن يفرد واحد منهم بالذكر، فيقال: اللهم صل على علي أو على حسين ونحو ذلك. وفيه خلاف للعلماء (فكره) ذلك الحنفيون ومالك وقال: لم يكن ذلك من عمل من مضي. والصحيح عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه، (وقال) أحمد: يجوز بلا كراهة. واختلفوا في السلام هل هو كالصلاة، فيكره أن يقال: السلام على فلان، أو فلان عليه السلام. قال بالكراهة جماعة، ومنعوا أن يقال: عن علي عليه السلام. وفرق آخرون بينه وبين الصلاة. فقالوا: السلام يشرع في حق كل مؤمن حيا وميتا. فإنك تقول: بلغ فلانا مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، بخلاف الصلاة فإنها من حق الرسل والملائكة. ولذا لا يقول المصلي: الصلاة علينا وعلى عباد الله الصالحين. ويقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

(تنبيه) اشتمل هذا الجزء (إرشاد الناسك) على 69 دليلا من الكتاب، و 507 سبعة وخمسمائة دليل من السنة، منها 387 حديث، المكرر منها 17 حديثا، ومنها 120 عشرون ومائة أثر المكرر منها واحد. والله ولي التوفيق والهداية.

(ثم) تنسيقه على هذا الوضع وإعداده للطبع للمرة الثانية صباح يوم السبت الثالث والعشرون من جمادي الأولى سنة 1380 ثمانين وثلثمائة بعد الآلف من هجرة من كلمه ربه بالعز والشرف. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيد الكائنات وآله الأطهار وصحابته الأخيار، ومن تبعهم بإحسان، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 371

شكر وتقدير

.. إني أحمد الله تعالى وأشكر له ما أولاني من توفيق وهداية، إلى إتمام هذا السفر الجليل وإخراجه على هذا الوضع والنظام البديع. وأرى لزاما على أن أقدم جزيل الشكر وعظيم الثناء لكل من عاونني وساعدني على إظهار هذا الكتاب، ولا سيما حضرة الأستاذ أحمد بن يوسف بن مصطفى رئيس قسم الترميمات بمصلحة الآثار المصرية. أشكر له ما أسداه إلى من مساعدة قيمة خالصة ومجهود مشكور في عمل رسومات هذا الكتاب المستطاب متقنة غاية الإتقان، الأمر الذي استغرق من وقته الكثير. فأسأل الله تعالى أن يتولى جزاءه ومثوبته، فإنه القادر على ذلك، وهو ذو الفضل العظيم والخير العميم، والهادي إلى سواء السبيل.

(تنبيه) قد بينا بهامش هذا الجزء أهم المراجع التي استعنا بها في تخريج أحاديثه وآثاره ومراجع النصوص العلمية، فلينظر بيانها بصفحتي 375 و 376 من الجزء السابع من الدين الخالص. والله الموفق. وله الحمد أولا وأخرا.

وقد قرظ هذا الكتاب فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ عبد اللطيف ابن مشتهرى بن إبراهيم من أفاضل علماء الأزهر الشريف والواعظ العام بالجمهورية العربية المتحدة. قال حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله القائل: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، والصلاة والسلام على من بلغ الرسالة وأدى الأمانة وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده

ص: 372

بأيديهم وقلوبهم وبألسنتهم وأموالهم، حتى كانوا بحق كما وصفهم الله:"خير أمة أخرجت للناس".

.. أما بعد: فإن من سنة الله الرحيمة أن يبعث في كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ويكشف لها ما خفي من شريعتها. وكان من فضله تعالى على هذه الأمة أن منحها إمام العصر وفقيه الزمن العالم المخلص المجاهد المحدث والمفسر والمتحقق الشيخ محمود بن محمد بن أحمد خطاب رحمه الله، فأحيا ما أمات الناس من الهدى النبوي، وكشف ما غمض من أسرار الشريعة حتى انقطعت به المعاذير وقامت به الحجة- وأفضى إلى ربه- إن شاء الله- راضيا مرضيا، وخلفه خليفته الأمين، فسار على العهد، ووفي الوعد، وواصل الليل والنهار في السهر والسفر والتأليف والدرس والتمحيص، حتى تكاملت المكتبة المحمودية بما أضاء السبيل أمام المسلمين في أمر دينهم ودنياهم.

ولقد أطلعت على كتاب (الدين الخالص) الجزء التاسع الخاص بشعيرة الحج والمسمى (إرشاد الناسك إلى أعمال المناسك) تأليف الإمام الكبير رئيس الجمعية الشرعية فضيلة الشيخ أمين بن محمود بن محمد خطاب، قرأيته حلقة مضيئة في سلسلة مؤلفاته ومؤلفات والده رحمه الله. وقد امتازت هذه الطبعة الثانية بضبط الآيات والأحاديث والآثار وترقيمها برقم مسلسل، كما تكفل هذا الجزء الفذ ببيان مذاهب العلماء وأدلتهم في كل حكم تعرض له مع بيان الراجح من أقوالهم من حيث الدليل.

وبالجملة لم يدع الكتاب أمرا من أمور مريدي الحج من ساعة خروجهم من منازلهم يقصدون النسك، إلى حين عودتهم إليها راشدين غانمين.

ص: 373

وما من مسألة تخطر على بال أي إنسان أن يحتاج الحاج إلى معرفتها إلا وتعرض لها الكتاب بالتحليل والقول الفصل. ولقد كان هذا الكتاب لي نعم المرشد والزاد عندما قمت بأداء المناسك وكلفت بإرشاد الحجاج إلى مناسكهم. كما كان يسألنا عنه كثير من قاصدي بيت الله الحرام.

.. يا آل محمود خطاب السبكي، لله ما جاهدتم، ولله ما بذلتم، ولله ما نفعتم من بشر. وشهادتي لله أننا ما عرفنا طريق الحق إلا على أيديكم، ولا أدركنا صحيح الدين والدخيل عليه إلا من إرشادكم، فجزاكم الله أهل البيت الخطابي عنا وعن الإسلام خير ما جزى به عباده المصلحين المخلصين، آمين.

عبد اللطيف مشتهرى

الواعظ العام بالأزهر

وقد أطلع على هذا الكتاب الأستاذ المفضال الصاوي بن على شعلان مدير إدارة التعليم والوعظ بمصلحة السجون ورئيس تحرير مجلة مكارم الأخلاق الحائز على العالمية من الأزهر وعلى دبلوم الماجستير في اللغات الإسلامية وآدابها من جامعة القاهرة. فقدم هذه التحية:

إرشاد الناسك- كتاب الدين الخالص

لكل أمة جعلنا منسكا- ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا

الله أكبر سر بنا يا حادي

إني اتخذت من المناسك زادي

أهدي الأمين بها جواهر حكمة

وكنوز عرفان وضوء رشاد

فهي الدليل إلى المشاهد كلها

وهي السبيل إلى تقى وسداد

ص: 374

في مسجد البلد الأمين رحابه

أو مسجد القمر المنير الهادي

فكأن مكة والمدينة حلتا

فيها محل الروح في الأجساد

فترى بها البيت المحرم والحمى

وترى المقام وكعبة القصاد

والمروة العليا هنالك والصفا

والسعي رمز عقيدة وجهاد

وترى مني والناس ملء شعابها

بين الهضاب الشم والأطواد

والسفح من عرفات بحر مائج

بمواكب الأبرار والعباد

مستشرفين إلى الكريم بأنفس

طهرت من الآثام والأحقاد

وكأن دمع الشوق ماء وضوئهم

والشوق موصول بغير نفاد

مستبشرين بفوزهم وكأنهم

من جنة المأوى على ميعاد

فإذا رجعت إلى مني نلت المنى

ما شئت من بشرى ومن أعياد

فاذبح هوى الشيطان وارجم شره

لتفوز بالغفران والإسعاد

سر بالمناسك واحتسب

أملي هناك ومهجتي وفؤادي

في المسجد الأسمى جمال محمد

فاقرأ السلام وقل بلغت مرادي

حي الخليفة والخليفة بعد

والعترة الكبرى بذلك النادي

وأشهد على أرض البقيع وروضه

صورا من الآيات والأمجاد

يا وارثا فضل الإمام وإنه

إرث الحجا والنصح والإرشاد

هذى المناسك يا أمين مناهل

فيها رحيق العلم للرواد

لما استقيت من النبي سطورها

كانت لها الأنوار خير مداد

الصاوي علي شعلان

ص: 375