المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(جـ) طواف الركن - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌(جـ) طواف الركن

(4)

ومنها حضور الحجاج عرفة بعد دخول وقت الوقوف فإن المطوفين يخرجون بهم ظهر يوم عرفة من مكة إلى عرفات رأساً فيفوتون عليهم بعض السنن وهي الخروج من مكة بعد شمس يوم التروية إلى منى وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والبيات بها حتى يصلى صبح يوم التاسع ، والتوجه بعد طلوع شمسه من منى إلى عرفة والنزول بنمرة ثم خطبة إمام الحج بعد الزوال والجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم بمسجد نمرة. كل هذه السنن يفوتها المطوفون على الحجاج جهلاً وتفريطاً. ومن الناس من يحضرون عرفة وقت الوقوف لأنهم يرحلون في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة رأساً وإنما السنة ما تقدم بيانه. (1)

(جـ) طواف الركن

(الثالث) من أركان الحج طواف الزيارة يعني زيارة مكة. ويسمى طواف الإفاضة. وهو مجمع على ركنيته. قال الله تعالى: {وَلَيَّطوَّفوا بِالبَيْتِ الْعَتِيق} (2) غير أن الحنفيين يرون أن الركن أربعة أشواط والثلاثة الباقية واجب. (ويدخل) وقته بطلوع فجر يوم النحر عند الحنفيين ومالك (وقال) الشافعي وأحمد: يدخل وقته بنصف ليلة النحر ولا آخر لوقته لكن يجب فعله في يوم من أيام النحر عند الحنفيين. فإن أخره عنها كره ولزمه دم. ومذهب المالكية أنه يجب فعله يوم النحر أو في يوم بعده من أيام ذي الحجة ، فإن أخره عنها كره ولزمه دم. هذا وفعله يوم النحر أفضل لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر

(1) ولذا تبعث الجمعية الشرعية الرئيسية بالقاهرة سنويا مع الحجاج مرشد أو أكثر يرشد الناس إلى المناسك فيؤدونها كاملة على الوجه الصحيح المشروع.

(2)

الحج آية: 29.

ص: 100

ثم رجع فصلى الظهر بمنى. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي (1){124}

فيسن للحاج النزول من منى إلى مكة يوم النحر لطواف الركن.

ولكن غالب الحجاج قد أماتوا هذه السنة في هذا الزمان فلا يطوفون طواف الركن إلا بعد نزولهم من منى بعد رمى الجمار في اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق. والكلام بعد ينحصر في عشرة مباحث:

(1)

شروط الطواف - يشترط لصحته تسعة شروط: الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة والنية والطواف بجميع البيت سبعة أشواط وداخل المسجد ووراء حجر إسماعيل ومحاذاة الحجر الأسود بجميع بدنه والترتيب ، وهو أن يطوف على يمينه والموالاة. وهاك تفصيلها.

(الأول) الطهارة من الحدث والنجس فلا يصح من محدث حدثا أصغر أو أكبر ، ولا من متنجس بدنه أو ثوبه عند مالك والشافعي والجمهور وهو المشهور عن أحمد ، لما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها ، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر (2).

والمراد بالطهارة هنا الغسل لما في حديث عائشة قالت: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابكي فقال: أنفستِ: يعني الحيضة قلت نعم قال: أن هذا شئ كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضى

(1) انظر رقم 261 ص 173 ج 2 تكملة المنهل العذب (الإفاضة في الحج) وباقي المراجع بهامش 1 ص 174 منه. و (أفاض) أي طاف طواف الإفاضة. و (فصلى الظهر بمنى) ولا ينافيه ما يأتي في حديث جابر الآتي في (حج النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: فصلى الظهر بمكة. لأن المراد أنه صلى الله عليه وسلم الظهر بمكة أول الوقت ولما رجع إلى منى صلاها ثانيا بأصحابه متنقلا. انظر ص 29 ج 2 تكملة المنهل العذب.

(2)

تقدم رقم 60 ص 45 (التنظيف)

ص: 101

الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي (الحديث) أخرجه مسلم (1){125}

نهيت الحائض والنفساء عن الطواف حتى ينقطع الدم وتغتسل "قالت"عائشة رضي الله عنها: أن أول شئ بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت (الحديث) أخرجه الشيخان والبيهقي (2){126}

(وقال) الحنفيون: الطهارة من الحدث ليست شرطاً في الطواف بل واجبة وهو رواية عن أحمد. فلو طاف محدثاً حدثاً أصغر صح طوافه ولزمه شاة. وإن طاف جنبا أو حائضا صح ولزمه بدنة ويعيده ما دام بمكة (وأما الطهارة) من النجس في الثوب والبدن والمكان فهي سنة مؤكدة عند الحنفيين لا تجبر بدم لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بالْبَيْت الْعَتيق} . وهو يتناول الطواف بلا طهارة قياسا على الوقوف بعرفة وسائر أركان الحج.

(وأجاب) الأولون عن الآية: (أ) بأنها عامة فيجب تخصيصها بما ذكر من الأحاديث.

(ب) وبأن الطواف بغير طهارة مكروه عند الحنفيين ولا يجوز حمل الآية على طواف مكروه لأن الله تعالى لا يأمر بالمكروه (والجواب) عن قياس الطواف على الوقوف وغيره ، أن الطهارة ليست واجبة في غير الطواف من أركان الحج فلم تكن شرطاً في غيره. بخلاف الطواف فأنها واجبة فيه عند الحنفيين (3).

(1) ص 146 ج نووي مسلم (وجوه الإحرام) و (أنفست) بفتح النون وتضم وكسر الفاء أي أحضت.

(2)

ص 310 ج 3 فتح الباري (من طاف بالبيت إا قدم مكة .. ) وص 220 ج 8 نووي مسلم (المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي) وص 86 ج 5 سنن البيهقي (الطواف على الطهارة).

(3)

ص 18 ج شرج المهذب.

ص: 102

(الثاني) من شروط الطواف ستر العورة عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أَمَّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. أخرجه الشيخان والنسائي والبيهقي (1){40}

(وقال) الحنفيون: ستر العورة فى الطواف واجب. فمن طاف عريانا أعاد ما دام في مكة. فإن خرج منها لزمه دم وهذا فائدة عده واجباً هنا مع أنه فرض مطلقاً.

(الثالث) يشترط لصحة طواف الوداع والتطوع النية إجماعاً وكذا طواف الإفاضة والعمرة عند أحمد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صلاة والصلاة لا تصح إلا بالنية اتفاقا (وقال) الحنفيون ومالك والشافعي: يجزئ الحاج طواف الركن والعمرة والقدوم بلا نية لأن نية النسك تسرى عليه كالوقوف بعرفة وغيره.

(الرابع) يشترط أن يكون الطواف سبعة أشواط من الحجر الأسود إليه ولو ترك خطوة من السبع لم يحسب طوافه وأن أنصرف عن مكة ولا يجبر بدم ولا بغيره عند مالك والشافعي وأحمد والجمهور ، لقول ابن عمر رضي عنهما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج إلى الصفا. أخرجه الشيخان (2){127}

(1) ص 314 ج 3 فتح الباري (لا يطوف بالبيت عريان) ص 115 ج 9 نووي مسلم وص 40 ح 2 مجتبي (خذوا مناسككم عند كل مسجد) وص 87 م سنن البيهقي (لا يطوف بالبيت عريان).

(2)

ص 316 ج 3 فتح الباري (من صلى ركعتي الطواف خلف المقام) وص 218 ، 219 ج 8 نووي مسلم (المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي .. ).

ص: 103

(وقال) الحنفيون: ركن الطواف أربعة أشواط وباقيه واجب يجبر بالدم.

(الخامس) أن يكون الطواف داخل المسجد الحرام فلا يجوز خارجه اتفاقاً.

(السادس) أن يكون وراء حجر إسماعيل ، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: من طاف بالبيت فليطف وراء الحِجْر ولا تقولوا الحطيم. أخرجه البخاري (1){41}

وعن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الحِجْر من البيت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من ورائه. قال الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفوا بالْبَيْتِ الْعَتِيق} . أخرجه البيهقي (2){128}

ولهذا قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور: يشترط لصحة الطواف كونه خارج الحجر والشاذِرْوان (3) فإن طاف ماشياً عليه ولو في خطوة

(1) ص 267 ، 268 ج 1 تسير الوصول (الطواف وراء الحجر). (والحجر) بكسر فسكون: فضاء شمال الكعبة محاط بقوس من البناء على شكل صف دائرة طرفاه إلى زاوية البيت الشمالية والغربية ارتفاعه 1،31 متر وسمكة 1،52 متر. والفضاء الذي بينه وبين حائط البيت هو المعروف بمحجر إسماعيل. ويدخل إليه من فتحتين بينه وبين البيت: شرقية واتساعها 2،3 متر. وغربية اتساعها 2،23 متر. والمسافة التي بين طرفي محيط الحجر وهو المسمي بالحطيم ثمانية أمتار ، والتي بين منتصف جدار الكعبة الشمالي ووسط تجويف الحطيم 8،4 أمتار. وليس الحجر كله من البيت بل نحو ثلاثة الامتار التي من البيت مقدره بسته أذرع «روت» عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد شرك لهدمت الكعبة فأزلقها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا أقتصرتها حيث بنت الكعبة. أخرجه مسلم والبيهقى ص 91 ج 9 نووي مسلم (نقض الكعبة وبناؤها) وص 89 ج 5 سنن البيهقي (موضع الطواف)(أنظر رسم 3) ص 105.

(2)

ص 90 ج 5 سنن البيهقي (موضع الطواف).

(3)

(الشاذروان) بشين معجمة وذال مفتوحة أو مكسورة وراء ساكنة ، القدر الذي ترك من عرض الأساس خارجا عن عرض الجدار مرتفعا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع.

ص: 104

لم تصح طوفته ، لأنه طاف في البيت لا بالبيت (وقال) الحنفيون: الطواف وراء الحجر واجب يجبر تركه بدم.

(السابع والثامن) يشترط البداءة في الطواف مطلقا من الحجر الأسود. وأن يمشي عن يمينه جاعلاً البيت عن يساره في الطواف ، لقول جابر رضي الله عنه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتي الحجر الأسود

ص: 105

فاستلمه ثم مشى عن يمينه فرَمَل ثلاثاً ومشى أربعا. أخرجه مسلم والنسائي. (1){129}

دل على أن الطائف يبتدئ من الحجر الأسود متيامناً جاعلاً البيت عن يساره. وهو شرط عند مالك وأحمد والشافعي ، وواجب عند الحنفيين. فإن تركه لم يصح عند الثلاثة وأعاده عند الحنفيين مادام بمكة. وإن لم يعده لزمه دم. وكذا لو نكِّس الطواف فجعل البيت عن يمينه لم يجزئه عند الثلاثة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلا لبيت في الطواف على يساره وقال: لتأخذوا عنى مناسككم. ولأنها عبادة متعلقة بالبيت فكان الاتباع فيها لازماً كالصلاة. (وقال) الحنفيون: يعد الطواف ما كان بمكة فأن رجع لزم دم ، لأنه ترك هيئة فلم تمنع الإجزاء.

(التاسع) يشترط لصحة الطواف موالاته عند مالك وأحمد. فإن فرق بين أجزائه استأنف إلا أن يكون التفريق يسيرا - ولو لغير عذر - أو كثيراً لعذر. (وقال) الحنفيون: الموالاة بين أجزاء الطواف سنة وهو الصحيح عن الشافعي. فلو فرق تفريقا كثيراً بغير عذر لا يبطل طوافه بل يبني على ما مضى منه. ولو أقيمت الصلاة المكتوبة وهو في الطواف النفل استحب قطعه للصلاة ثم يبني. وأن كان طوافاً مفروضاً كره قطعه لها. وإذا عرضت له حاجة ضرورية وهو في الطواف قطعه فإذا فرغ بنى وأن طال الفصل. وإذا أحدث في طوافه ولو عمداً لا يبطل ما مضى من طوافه على الصحيح عند الحنفيين والشافعي فيتوضأ ويبنى عليه (2).

(1) ص 196 ج 8 نووي مسلم (حجة النبي صلى الله عليه وسلم وص 39 ج 2 مجتبي (الرمل من الحجر إلى الحجر) و (الرمل) بفتحتين: الإسراع في المشي مع هز الكتفين.

(2)

ص 47 ج 8 شرح المذهب

ص: 106

(2)

واجبات الطواف - للطواف واجبات غير ما تقدم منها.

(1)

المشى فيه عند الحنفيين ومالك إلا لعذر يمنعه منه. فلو ركب فيه بلا عذر أعاده وإلا لزمه دم. وإن ركب لعذر فلا شئ عليه اتفاقاً «لقول» جابر بن عبد الله رضى الله عنهما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليُشرِف وليسألوه فإن الناس غَشَوْه. أخرجه الشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي. (1){130}

«وعن» أم سلمة رضي الله عنها أنها قدمت وهي مريضة فذكرت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة (الحديث) أخرجه الشافعي والسبعة إلا الترمذي (2). {131}

دل الحديثان على مشروعية الركوب في الطواف لمرض أو حاجة ككونه إماما يعلم الناس المناسك. أما إن ركب لغير عذر فعليه دم عند الحنفيين ومالك (وقال) الشافعيون: لا شئ عليه وهو الصحيح عن أحمد (والراجح) الأول لأنه لا دليل في طوافه صلى الله عليه وسلم راكباً على جواز الطواف راكباً بلا عذر ، لأنه طوافه صلى الله عليه وسلم راكباً هو وأم سلمة كان قبل أن يحوَّط المسجد. فإذا حُوط امتنع الركوب داخله إذ لا يؤمن التلويث (3).

(2)

(ومنها) صلاة ركعتين عند المقام أو حيث تيسر من المسجد بعد

(1) أنظر رقم 154 ص 214 ج 1 تكملة المنهل العذب (الطواف الواجب) وباقي المراجع بهامش 3 ص 215 منه. و (غشوه) بفتح الشين مخففة أي أزدحموا عليه

(2)

انظر رقم 156 ص 216 ج 1 تكملة المنهل العذب (الطواف الواجب) وباقي المراجع بهامش 3 منه.

(3)

ص 318 ج 3 فتح الباري الشرح (المريض يطوف راكبا)

ص: 107

كل طواف ولو تطوعا (وهي) واجبة عند الحنفيين وهو قول لمالك والشافعي للأمر بها في قوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (1) ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها (وعن جابر) رضي الله عنه أن لنبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة طاف بالبيت سبعاً وأتى المقام فقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. فصلى خلف المقام ، ثم أتى الحجر فاستلمه (الحديث) أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (2){132}

وأخرجه النسائي وفيه: فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت (3).

(وهذه) الصلاة تصح في أي مكان عند الجمهور ولا تفوت إلا بالموت ولا يجبر تركها بدم على الصحيح. ومشهور مذهب المالكية أنها تابعة للطواف ، فأن صلاها في غيره أعاد مادام متوضئا. (وقال) أحمد: صلاة الطواف سنة وهو الأصح عند الشافعية ، وقالوا: الأمر في الآية للاستحباب (ويسن) أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قبل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية قل هو الله أحد. لحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1) البقرة 125. ومقام إبراهيم: الحجر الذي كان يقوم عليه وقت بناء الكعبة وهو يليها من الشرق على حدود المطاف. حرر ابن جماعة أ، ارتفاعه 7/ 8 الذراع وأنه مربع ضلعه من كل جهة 3⁄4 الذراع. وقد أقاموا عليه قبة ذات أربعة أعمدة محاطة بمقصورة نحاسية مربعة ، كل ضلع منها نحو أربعة أمتار. أنظر رسم 3 ص 105 و (مصلى) أي صلوا إليه بأن يكون بين المصلي والكعبة. ولا يصح حمله على مكان الصلاة لأنه لا يصلى فيه بل عنده.

(2)

ص 93 ج 2 تحفة الأحوذي (يبدأ بالصفا .. )

(3)

ص 138 ج 2 مجتبي (كيف يطوف أول ما يقدم .. ).

ص: 108

لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى. فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب ، وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ، ثم عاد إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج إلى الصفا. أخرجه النسائي (1){133}

هذا. ولا يقوم مقام صلاة الطواف غيرها كركعتي الفجر عند الحنفيين ومالك وهو قول للشافعي. «قال» إسماعيل بن أمية: قلت للزهري عن عطاء يقول: تجزئ المكتوبة عن ركعتي الطواف ، فقال: السنة أفضل لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم أسبوعا إلا صلى. أخرجه البخاري معلقاً (2){134}

ومشهور مذهب أحمد أن المكتوبة تجزئ عنها وهو الصحيح عند الشافعية. هذا (ولا بأس) بالصلاة بمكة إلى غير سترة ، لقول المطلب بن أبي وداعة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغ من سبعه جاء حاشية المطاف فصلى ركعتين وليس بينه وبين الطوافين أحد. أخرجه النسائي وابن ماجة وقال: هذا بمكة خاصة (3){135}

(وتؤدي) هذه الصلاة في أي وقت عند الشافعي وأحمد وبعض الحنفيين ، لحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار. أخرجه الشافعي وأحمد والثلاثة وصححه الترمذي (4){136}

(1) ص 40 ج 2 مجتبي (القراءة في ركعتي الطواف)

(2)

ص 315 ج 3 فتح الباري (صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين).

(3)

انظر المراجع بهامش 3 ص 333 ج 2 ـ الدين الخالص (ترك السترة) و (سبعه) بفتح فسكون أو بضمتين ، أي لما فرغ من أشواط الطواف السبعه

(4)

انظر رقم 167 ص 231 ج 1 تكملة المنهل العذب (الطواف بعد العصر) وباقي المراجع بهامش 2 ص 222 منه.

ص: 109

(وقال) أبو حنيفة ومالك: لا تصلى في الأوقات المنهى عن الصلاة فيها ، لما روي حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن عبد القارى أخبره أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس فركب حتى أناخ راحلته بذي طوى فصلى ركعتين. أخرجه مالك بسند على شرط الشيخين (1){42}

«وعن عطاء» أن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف وأخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو حتى تطلع فصل لكل أسبوع ركعتين. أخرجه ابن أبي شيبة بسند حسن {43}

(وأجاب) الأولون عن هذين الأثرين بأنهما لا يعارضان حديث جبير المرفوع الصحيح.

مسائل - (الأولى) إذا قلنا صلاة الطواف واجبة فلا تجوز من قعود مع القدرة على القيام على الأصح كسائر الواجبات. وقيل تجوز كما يجوز الطواف راكباً ومحمولا مع القدرة على المشي. وعلى أنها سنة يجوز فعلها قاعداً كسائر النوافل (2) ويجهر فيها ليلاً ويسر نهاراً.

(الثانية) تطلب الصلاة عقب كل طواف. فأن طاف أكثر من طواف ثم صلى لكل طواف ركعتين جاز ولكنه ترك الأفضل عند الشافعي وأحمد. وكرهه الحنفيون ومالك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله.

(1) ص 213 ج 2 زرقانى الموطإ (الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف). (والقاري) بشد الياء نسبة إلى القارة بطن من خزيمة. و (ذو طوي) مثلث الطاء موضع قريب من مكة به آبار تعريف بآبار الزاهر.

(2)

ص 52 ج 8 شرح المذهب.

ص: 110

(الثالثة) تمتاز هذه الصلاة بأنها تدخلها النيابة فأن النائب في الحج يصلها وتقع عن المحجوج عنه على الأصح لأنها من أعمال الحج.

(الرابعة) إذا حج الصبي فأن كان مميزاً طاف بنفسه وصلى ركعتيه وأن كان غير مميز طاف به وليه وصلى ركعتي الطواف وتع عن الصبي على الأصح تبعاً للطواف (1).

(الخامسة) يستحب الدعاء عقب صلاة الطواف خلف المقام بما أحب من أمر الآخرة والدنيا. ويستحب أن يدعو بما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف المقام ركعتين ثم قال: اللهم هذا بلدك والمسح\جد الحرام وبيتك الحرام وأنا عبدك ابن عبدك ابن أمتك أتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة وأعمال سيئة. وهذا مقام والعائذ بك من النار فاغفر لي أنك أنت الغفور الرحيم. اللهم أنك دعوت عبادك إلى بيتك الحرام وقد جئت طالباً رحمتك مبتغياً مرضاتك وأنت مننت على بذلك فاغفر لي وارحمني أنك على كل شئ قدير. ذكره صاحب الحاوي (2).

(3)

سنن الطواف - للطواف سنن المذكور منها هنا ثلاث عشرة: -

(1)

الاضطباع - وهو جعل الناسك وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر. وهو سنة عند الحنفيين والشافعي وأحمد والجمهور ، لحديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعاً وعليه برد أخضر. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارمي البيهقي والترمذي وصححه (3){137}

(1) ص 54 ج 8 شرح المذهب.

(2)

ص 55 منه

(3)

أنظر رقم 157 ص 217 ج 1 تكملة المنهل العذب (الاضطباع في الطواف) وباقي المراجع بهامش 1 ص 217 منه.

ص: 111

«

وعن» ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من جعرانة فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم وقذفوها على عوأنقهم اليسرى. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي بسند رجاله رجال الصحيح (1){138}

شرع الاضطباع لأنه يعين على الرمل في الطواف.

(وقال) مالك: لا يستحب لأنه لا يعرف ولم ير أحداً يفعله (ورد) لثبوته بالأحاديث الصحيحة الكثيرة. وقد اتفقت النصوص على استحبابه وتعلى أنه يسن في طواف العمرة وطواف واحد في الحج وهو طواف القدوم أو الإفاضة. ولا يسن في صلاة الطواف ولا للمرآة اتفاقاً لأن حالها مبنى على الستر.

(2)

الرمل بفتحتين. وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطأ وتحريك المنكبين. ويسن في الأشواط الثلاثة الأول إجماعاً ويمشى في الباقي على رسله بسكينة ووقار «لقول» ابن عمر رضي الله عنهما: رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثاً ومشى أربعاً. أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي (2). {139}

شرع لإظهار القوة والنشاط. ولا يسن إلا في طواف العمرة وفي طواف يعقبه سعى في الحج وهو طواف القدوم أو الإفاضة ولا يشرع تداركه: فلو تركه في الثلاثة لم يقضه في الأربعة الباقية لأن هيئتها السكينة

(1) أنظر رقم 158 ص 217 ج 1 تكملة المنهل العذب ، وباقي المراجع بهامش 2 ص 219 منه

(2)

ص 18 ج 12 ـ الفتح الرباني. وص 7 ج 9 نووي مسلم (استحباب الرمل في الطواف.) وص 38 ج 2 مجتبي (كم بمشي) وص 115 ج 2 سنن ابن ماجه (الرمل حول البيت) وص 83 ج 5 سنن البيهقي.

ص: 112

والتمهل (ولا يشرع) للنساء ، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ليس على النساء سعي بالبيت (أي رمل) ولا بين الصفا والمروة. أخرجه البيهقي (1){44}

(3 و 4 و 5) ويسن في بدء الطواف استقبال الحجر الأسود مهللاً مكبراً اتفاقاً رافعاً يديه كالصلاة عند الحنفيين والشافعي وأحمد ، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر وأستلمه ثم وضع شفتيه يبكي طويلاً فالتفت فإذا عمر يبكي فقال: يا عمر ههنا تسكب العبرات. أخرجه الحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد وأقره الذهبي (2). {140}

«وعن عمر» رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا عمر أنك رجل قوى لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف أن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله فهلل وكبر. أخرجه الشافعي وأحمد. وفيه رأوا لم يسم (3). {141}

«وعن طلحة» بن مصرف عن إبراهيم النخعي قال: ترفع الأيدي في سبعة مواطن في افتتاح الصلاة ، وفي التكبير للقنوت في التوتر ، وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبجمع وعرفات وعند

الجمرتين. أخرجه الطلحاوي (4). {45}

«وكان» مالك رحمه الله لا يرى رفع اليدين ، لقول المهاجر المكي.

(1) ص 84 ج 5 سنن البيهقى (لا رمل على النساء).

(2)

ص 454 ج 1 مستدرك

(3)

ص 43 ج 2 بدائع المنن. وص 34 ج 12 ـ الفتح الرباني

(4)

ص 391 ج 1 شرح معاني الآثار (رفع اليدين عند رؤية البيت) والمراد بالجمرتين الصغرى والوسطي.

ص: 113

سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت أيرفع يديه؟ قال: ما كنت أرى أحداً يفعل هذا إلا اليهود وقد حججنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلم يكن يفعله. أخرجه الثلاثة والطلحاوي والبيهقي فلم يكن يفعله. أخرجه الثلاثة والطلحاوي والبيهقي (1){142}

(وأجاب) عنه الأولون بأنه فيا لرفع عند رؤية البيت. وما روينا في الرفع عند استلا الحجر.

(6 و 7) ويسن استلام الحجر الأسود بوضع يديه عليه وتقبيله بلا صوت أن استطاع بلا إيذاء وإلا مسه بشيء كيداً أو عود وقبله أو أشار إلى الحجر بنحو عصا مكبرا مهللا حامداً الله تعالى مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ، لقول الزبير بن عربي: سألت بن عمر رضي الله عنهما عن الحجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله. فقلت أرأيت أن زحمت عليه أو غلبت عليه فقال ابن عمر: اجعل أرأيت باليمن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله. أخرجه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود الطيالسي. وهذا لفظه (2){143}

وظاهرة أن ابن عمر لم ير الزحام عذراً في ترك الاستلام. وهو محمول على ما إذا لم يؤد الاستلام حينئذٍ إلى إيذاء وإلا اكتفي بما يتيس كما تقدم في حديث عمر رضي الله عنه (3)«وعن» ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أكب على الركن فقال: أني لأعلم أنك حجر

(1) أنظر رقم 144 ص 200 ج 1 تكملة المنهل المذهب (رفع اليدين إذا رأي البيت) وباقي المراجع بهامش 2 ، 3 ، 4 ، 6 ص 202 منه.

(2)

ص 33 ج 12 الفتح الرباني. وص 309 ج 3 فتح الباري (تقبيل الحجر) وص 39 ج 2 مجتبي (العلة في سعي النبي الله عليه وسلم بالبيت) وص 254 مسند الطيالسي (الزبير ابن العربي عن ابن عمر .. ).

(3)

انظر الحديث رقم 141 ص 113.

ص: 114

ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك وأستلمك ما أسلمتك ولا قبلتك ، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي بألفاظ مختلفة. وهذا لفظ أحمد. وأخرج السبعة نحوه عن عباس بن ربيعة عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: أني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (1){144}

وإنما قال ذلك عمر رضي الله عنه ، لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشى عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية. فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان. قاله الطبري (2).

«وقال» نافع: رأيت ابن عمر استلم الحج بيده ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. أخرجه مسلم (3){145}

والأحاديث في هذا كثيرة صريحة في مشروعية استلام وتقبيل الحجر الأسود دون غيره. وحكمة ذلك أنه لما جعل مبدأ للطواف منعاً لاضطراب

(1) ص 33 ج 12 ـ الفتح الرباني. وص 38 ج 2 مجتبي (كيف يقبل) وص 74 ج 5 سنن البيهقي. وانظر رقم 147 ص 205 ج 1 تكملة المنهل العذب (تقبيل الجمر) وباقي المراجع بهامش 4 ص 207 منه. (لا تضر ولا نفع) أي إلإ بإذن الله تعالي. وقد ورد أنه ينفع من استلمه بالشهادة له يوم القيامة بإذن الله تعالي «روي» ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق. أخرجه أحمد والحاكم وصححه وابن ماجه والترمذي وحسنه. انظر المراجع بهامش 1 ص 206 ج 1 تكملة المنهل العذب.

(2)

ص 300 ج 3 فتح الباري. الشرح (ما ذكر في الحجر الأسود).

(3)

ص 15 ج 9 نووي مسلم (استلام الركنين اليمانيين .. ).

ص: 115

الطائفين استحق أن يكرم ويقبل (وخص) بهذا لما ثبت من فضله. وقد اتفق العلماء على أن هذا للرجال دون النساء.

(8)

ويسن أيضاً وضع الخد على الحجر الأسود ، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الركن يعني الأسود ويضع خده عليه. أخرجه أبو يعلي. وفي سنده عب الله بن مسلم بن هرمز. وهو ضعيف (1){146}

«وقال» سويد بن غفلة: رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بك حفيا. أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي (2){147}

وجه الدلالة أن وضع الخد من معاني الالتزام. فيستحب أن يستلمه ثم يقبله ثم يضع جبهته عاليه. وبهذا قال الحنفيون والشافعي وأحمد والجمهور. وقال: مالك وضع الجبهة عليه بدعة. قال عياض: وقد شذ في هذا عن العلماء (3).

(9)

ويسن الدعاء عند استلام الحجر بما شاء من خيرى الدنيا والآخرة ، وبالمأثور أفضل (ومنه) ما روي الحارث عن على رضي الله عنه أنه كان يقول إذا استلم الحجر: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك واتباعا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم. أخرجه البيهقي والطبراني في الأوسط ، والحارث ضعيف وقد وثق. وأخرجه الطبراني في الأوسط بسند

(1) ص 241 ج 3 مجمع الزوائد (الطواف والرمل والاستلام).

(2)

ص 17 ج 9 نووي مسلم (تقبيل الحجر الأسود) وص 74 ج 5 سنن البيهقي. و (حفيا) أي معتنيا.

(3)

ص 16 ج 9 نووي شرح مسلم.

ص: 116

رجاله رجال الصحيح عن ابن عمر (1){46}

(10)

ويسن استلام الركن اليماني لحديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر الأسود منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمها في شدة ولا في رخاء. أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي (2){148}

«وقال» ابن عمر: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيين. أخرجه الطحاوي والسبعة إلا الترمذي (3){149}

والمراد باليمانيين الركن الذي فيه الحجر الأسود والركن اليماني. واقتصر صلى الله عليه وسلم على استلامها ، لأن ركن الحجر الأسود فيه فضيلتان كونه على قواعد إبراهيم ووجود الحجر فيه. فلذا يستلم ويقبل. وفي الركن اليماني فضيلة واحدة وهي كونه على قواعد إبراهيم. ولذا يستلم فقط ، وأما الركنان الآخران فليس فيهما شئ من ذلك فلذا لا يستلمان ولا يقبلان.

(11)

ويسن الدعاء والذكر في الطواف بالوارد (ومنه)

(أ) ما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي البيت فيستلم الحجر ويقول: باسم الله والله أكبر. أخرجه أحمد من حديث طويل (4){150}

(1) ص 79 ج 5 سنن البيهقي (ما يقال عند استلام الركن) وص 240 ج 3 مجمع الزوائد.

(2)

ص 15 ج 9 نووي مسلم (استلام الركنين اليمانيين) وص 39 ج 2 مجتبي. وص 76 ج 5 سنن البيهقي.

(3)

انظر رقم 148 ص 207 ج 1 تكملة المذهل العذب. و (اليمانيين) بتخفيف الياء المثناه التحتية على المشهور ، لأن الألف عوض من ياء النسبة.

(4)

ص 67 ج 12 ـ الفتح الرباني.

ص: 117

(ب) ما في حديث سعيد بن جبير قال. كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: احفظوا هذا الحديث وكان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان يدعو به بين الركنين: رب قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل عائبة لي بخير. أخرجه الحاكم بسند صحيح (1){151}

«وقال» أبو العباس الأصم: أنبأنا الربيع قال: قال الشافعي رضي الله عنه: أحب كلما حاذي به (يعني بالحجر الأسود) أن يكبر وأن يقول في رمله: اللهم اجعله حجا مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً. ويقول في الأطواف الأربعة: اللهم اغفر وارحم ، واعف عما تعلم ، وأنت الأعز الأكرم. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أخرجه البيهقي (2). {47}

هذا. ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف عند الحنفيين والشافعي وهو مشهور مذهب أحمد ، لقول عبد الله بن السائب رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بين الركن اليماني والحجر: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أخرجه الشافعي وأحمد البيهقي. وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححاه (3){152}

وعن مالك وأحمد أنه يكره قراءة القرآن في الطواف. وهو مردود بالحديث (ويستحب) أن يدع الحديث في الطواف إلا بذكر أو قراءة

(1) ص 455 ج 1 مستدرك (واخلف على .. ) أي اجعل لي عوضا حاضرا عما غاب على وفات أو مالا أتمكن من إدراكه.

(2)

ص 84 ج 5 سنن البيهقي (القول في الطواف) وباقي المراجع بهامش 1 ص 230 منه.

(3)

ص 46 ج 2 كشف الخفاء. وص 459 ج 1 مستدرك. وص 85 ج 5 سنن البيهقي (إقلام الكلام بغير ذكر الله في الطواف).

ص: 118

أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو مالا بدمنه ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطواف بالبيت صلاة ولكن الله أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير. أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي (1). {153}

(12)

ويسن للطائف الدنو من الكعبة إجماعاً لأن القرب من البيت في الصلاة أفضل فكذا فيا لطواف وهذا بشرط ألا يؤذي ولا يتأذي للزحمة. فأن تأذي أو آذى بالقرب فالبعد أولى.

وهذا في حق الرجل ، أما المرأة فيستحب لها ألا تدنو من الكعبة حال طواف الرجال بل تكون في حاشية المطاف بحيث لا تخالط الرجال. (ويستحب) لها أن تطوف ليلا فأنه أصون لها ولغيرها؛ فأن كان المطاف خالياً من الرجال استحب لها القرب من الكعبة كالرجل. وأصله حديث ابن جريح قال: أخبرني عطاء - إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال - قال: كيف تمنعهن وقد طاف نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قلت أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: لقد أدركته بعد الحجاب: قلت كيف يخالطن الرجال؟ قال لم يكن يخالطن. كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة: أنطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت: عنك وأبت فكن يخرجن متنكراتٍ بالليل فيطفن مع الرجال (الحديث) أخرجه البخاري والبيهقي (2){154}

(1) ص 311 ج 3 فتح الباري (طواف النساء مع الرجال) وص 78 ج 5 عبد الملك و (حجرة) بفتح فسكون أي ناحية من الناس معتزلة.

(2)

ص 38 ج 8 شرح المذهب.

ص: 119

فقد دل على طواف النساء ليلا متنكرات.

هذا. وأن تعذر الرجل القرب من الكعبة مع الرمل للزحمة فأن رجا فرجة استحب أن ينتظرها ليرمل أن لم يؤذ بوقوفه أحداً وأن لم يرجها فالمحافظة على الرمل مع البعد عن البيت أفضل من القرب بلا رمل (1).

(13)

وليس للطائف أن يكون خاشعاً خاضعاً متذللاً حاضر القلب ملازم الأدب ظاهراً وباطناً ملاحظاً أن الطواف صلاة فيتأدب بآدابها مستشعراً بقلبه عظمة من يطوف بيته (2).

(4)

مكروهات الطواف - يكره في الطواف أمور المذكور منها هنا ستة عشر:

(1)

ترك سنة من سنته ، كالرمل والاضطباع والاستلام والتقبيل والدعاء ولا يلزمه لترك ما ذكر دم.

(2)

وتكره المبالغة في الإسراع في الرمل ، بل يرمل على العادة.

(3 و 4) ويكره الأكل والشرب في الطواف وكراهة الشرب أخف (وقال) الشافعي: لا بأس بشرب الماء في الطواف ، وتركه أحب ، لما روي ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب ماء فيا لطواف. أخرجه البيهقي والحاكم وصححه {155}

(5)

ويكره للطائف وضع يده على فيه كما في الصلاة إلا أن يحتاج إليه أو يتثاءب فيضع يديه على فيه ، لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي

(1) ص 46 منه.

(2)

ص 85 ج 4 سنن البيهقي (الشرب في الطواف) وص 460 ج 1 مستدرك

ص: 120

صلى الله عليه وسلم قال: إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فأن الشيطان يدخل. أخرجه مسلم (1){156}

(6 - 11) ويكره للطائف أن يشبك أصابعه أو يفرقع بها وأن يطوف وهو يدافع البول أو الغائط أو الريح ، أو وهو شديد التوقان إلى الأكل وما في معنى ذلك كما تكره الصلاة في هذه الأحوال (2).

(12)

ويكره في الطواف الكلام بغير ذكر الله تعالى ولو تلبية.

(13 - 16) ويكره فيه أنشاد الشعر إلا ما قل. وبيع وشراء وطواف شخص عن غيره قبل أن يطوف عن نفسه (3).

(4)

أنواع الطواف - الطواف أربعة أقسام

(الأول) طواف الركن وقد تقدم بيانه (4).

(الثاني) طواف القدوم ويسمى طواف التحية ، وطواف اللقاء. وهو سنة عند الحنفيين والشافعي وأحمد ، لأنه تحية الكعبة فلا يجب كتحية المسجد. و «تقدم» أن عائشة رضي الله عنها قالت: أن أول شئ بدأ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت أخرجه الشيخان والبيهقي (5). دل الحديث على أن تحية المسجد الحرام الطواف فيطلب ممن دخله ولو غير محرم الابتداء بالطواف إلا أن دخل في وقت منع الناس فيه من الطواف أو كان عليه فائتة أو خاف فوت المكتوبة أو التوتر أو سنة الراتبة. أو الجماعة ، فيقدم ما ذكر على الطواف ثم يطوف. (وقال) مالك وبعض الشافعية: طواف القدوم واجب على من قدم

(1) ص 122 ج 18 نووي مسلم (تشميت العاطس وكراهة التثاؤب).

(2)

ص 46 ج 8 شرح المذهب.

(3)

ص 719 ج 1 ـ الفجر المنير

(4)

انظر ص 91 وما بعدها

(5)

تقدم رقم 126 ص 102

ص: 121

مكة محرماً بالحج من الحل ولو مقيما بمكة ثم خرج إليه. وهو الحق ، لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم مبين لمجمل واجب هو قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت «وعن جابر» رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتأخذوا مناسككم. فأني لا أدري لعلى لا أحج بعد حجتي هذه. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي. وساقه البيهقي أيضاً بلفظ: خذوا عني مناسككم لعلى لا أراكم بعد عامي هذا (1). {157}

وهذا يستلزم وجوب كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجه إلا ما خصه دليل. وأما من أحرم بعمرة أو بحج من الحرم ، فليس عليه طواف قدوم ولا دم كما لا يجب على ناس وحائض ونفساء ومغمي عليه ومجنون حيث بقى عذرهم بحيث لا يمكنهم الإتيان بالقدوم ، وكذا لا قدوم على من زاحمه الوقت وضاق عليه بحيث يخشى بالتشاغل به فوات الحج (2) هذا ، ويطلب في طواف القدوم ما يطلب في طواف الركن من شروط وواجبات وسنن ، ومنها الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى كما تقدم.

(الثالث) طواف الوداع - بفتح الواو ويسمى طواف الصدر بفتحتين وطواف آخر عهد بالبيت. وهو الطواف عند إرادة السفر من مكة.

وهو واجب لغير الحائض والمكي - وهو من كان مقيما داخل المواقيت - عند الحنفيين والشافعي وأحمد. فلا يجب على من كان داخلها ولا على الحائض.

(1) انظر رقم 234 ص 123 ج 2 تكملة المنهل العذب (رمي الجمار) وباقي المراجع بهامش 1 ص 124 منه. وانظر ص 125 ج 5 سنن البيهقي (الإيضاع في وادي محسر)

(2)

ص 720 ج 1 ـ الفجر المنير

ص: 122

ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما: قال: أمر الناس

أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض. أخرجه الشيخان (1){158}

وقال مالك طواف الوداع سنة لا شئ في تركه وهو قول للشافعي لأنه لو كان واجباً لما خفف عن الحائض (ورد) بأن التخفيف دليل الإيجاب على غيرها. فالحق أنه واجب.

ولطواف الوداع وقتان.

(1)

وقت استحباب وهو عند إرادة السفر.

(2)

ووقت جواز وأوله بعد طواف الزيارة إذا كان عازماً على السفر. فلو طاف له ثم أطال الإقامة بمكة بلا نية الإقامة لا يلزمه إعادته عند الحنفيين ولا آخر له ما دام بمكة. فلو طاف في أي وقت وقع أداءً. ولو سافر ولم يطفه لزمه الرجوع لطوافه ما لم يجاوز الميقات. فأن جاوزه فله أن يمضي وعليه دم ، وهو أفضل ، وله أن يرجع محرماً بعمرة ، فإذا فرغ منها طاف للوداع ولا شئ عليه بتأخيره عند الحنفيين. وقال غيرهم شرط الاعتداء بطواف الوداع ألا يقيم بعده فوق ساعة فلكية وإلا أعاده ، ومن سافر ولم يطفه رجع أن كان قريباً بأن كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر وإلا أرسل دما عند من يرى وجوبه ، وكذا من لم يمكنه الرجوع لعذر. ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لا يلزمه أكثر من دم.

فائدة: ليس على المعتمر طواف الوداع ، لأنه لم يرد إلا في الحج وقال الثوري: يجب على المعتمر أيضاً (2).

(1) ص 379 ج 3 فتح الباري (طواف الوداع) وص 79 ج 9 نووي مسلم. و (أمر) مبني للمفعول والآمر النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث موفوع.

(2)

ص 306 ج 2 سبل السلام.

ص: 123

(الرابع) طواف التطوع. وهو سنة ، فينبغي للناسك أن يغنتم مدة إقامته بمكة ويكثر الاعتمار والطواف والصلاة بالمسجد الحرام (1).

(6)

مسائل - (الأولى) من كان عليه طواف الركن فنوى غيره عن نفسه أو عن غيره تطوعا أو وداعا أو قدوما وقع عن طواف الركن كما لو أحرم بتطوع الحج أو العمرة وعليه فرضهما فأنه ينعقد عن الفرض. ولو نذر أن يطوف فطاف عن غيره ، فأن كان زمان النذر معيناً لم يجز أن يطوف فيه عن غيره اتفاقا. وأن كان غير معين أو معيناً وطاف في غيره قبل أن يطوف للنذر لا يجوز أن يطوف عن غيره على الصحيح كطواف الإفاضة (2).

(الثانية) لو طاف المحرم وهو لابس المخيط ونحوه صح طوافه وعليه الفدية ، لأن تحريم اللبس لا يختص بالطواف فلا يمنع صحته.

(الثالثة) إذا حاضت المرأة ولم تنك طافت للإفاضة لزم من معها من محرم أو زوج أو أجير الإقامة معها مدة اكثر الحيض وزيادة ثلاثة أيام عند مالك (وقال) الشافعي: لا يلزم الأجير الانتظار.

(7)

بدع الطواف - تقدم بيان ما ينبغي أن يتحلى به الطائف من صالح الأعمال ، وجميل الخصال التي يرجى لمن أتى بها على وجهها الرضا والقبول ، ولكن الشيطان العدو اللدود لبني الإنسان ، حسن لهم بدعا ارتكبوها في الطواف منها.

(1)

التمسح بحيطان الكعبة غير الحجر الأسود والركن اليماني اللذين شرع استلامهما دون غيرهما.

(1) ص 207 ج 8 شرح المذهب (ويكثر الاعتمار) أي الإتيان بعمرة يحرم بها من الحل. فإن تكريرها في السنة مشروع كما يأتي

(2)

ص 55 ج ى 8 شرح المذهب

ص: 124

(2)

ومنها تقبيل غير الحجر الأسود ، والتمسح بمقام سيدنا إبراهيم وتقبيله والطواف حوله.

(3)

ومنها ما ابتدع المطوفون من تلقينهم الحجاج في الطواف وغيره أدعية مخترعة بأصوات مرتفعة تشوش على الطائفين والمصلين.

(4)

ومنها اختلاط الرجال والنساء بشكل مريع في الطواف وغيره بحال يخجل منه وجه الحياء. فترى صفوف النساء أمام صفوف الرجال وكم حدث من تهتك وفتن. وهناك عند الحجر الأسود ترى الموت الأحمر من مزاحمة الرجال للنساء. والشرطة واقفون على يمين الحجر وشماله ، لا لإبعاد النساء عن الرجال بل لتمكين من يعطيهم النقود من استلام الحجر وإلا دفع عنيفاً. وكذلك يكون الأمر في المشاهد الكريمة بمكة والمدينة إن أعطى الشرطة منها رضوا بكل منكر يفعل وإلا فهم الساخطون المنكرون.

(5)

ومن البدع المستقبحة خروج المودع إلى الوراء مستقبلا البيت ماشياً إلى الخلف ، فهو مكروه لعدم الورود ، بل يخرج وظهره إلى البيت. والأدب والتعظيم بالقلب. والله تعالى ولي الهداية والتوفيق.

فظائع المطوفين - من المطوفين من كل همهم جمع المال بأي طريق كان ويعاملون الحجاج معاملة شاذة ويرون أن مالهم غنيمة مباحة يوحون إلى أوليائهم بجدة ومكة بتحصيل ضرائب من الحجاج فادحة وإلا لاقوا في الوصول إلى مصالحهم المرين. وأفظع من هذا حملهم الحجاج على دفع أثمان الدماء الواجبة أو الأضاحي لم يزعم أنهم أدوى بالثمن وأعرف بالمستحقين. واليقين انهم لهت آكلون وإذا لم يأخذوا من الحجاج أثمانهم استولوا في المذبح على الذبائح وباعوها أو فرقوها على معارفهم وأحبابهم ومن العجيب أنهم لا يتورعون عن الاختلاط الشائن بالسيدات والبنات.

ص: 125

فترى أحدهم متأبطا امرأة يجرى بها حول الكعبة أو في المسعى أو عند الجمرات. وهناك يكون المس والاحتكاك ويبلغ الشيطان مناه. والأفظع والأدهى استمرارهم على لهوهم حتى وقت الآذان وأقام الصلاة مع الإمام فترى المقاهي بهم عامرة والطرقات غاصة والمنازل مزدحمة. وهذا قليل من كثير. فليكن الحاج على حذر منهم وعلى بينة من أمره ومعرفة بالمناسك حتى يؤديها على الوجه المرضى. ولعل الحكومة السعودية تعد لمن يرغب في التطويف دراسة خاصة يعقبها اختبار ومن تحين حاله يعطي إجازة بعمله.

(9)

ما بعد الطواف - وبعد الطواف يصلى ركعتيه على ما تقدم بيانه ثم يأتي زمزم (1) ويشرب من مائها ويستحب ان يكثر منه وأن ينوي بشربه ما يريد من أمور الآخرة والدنيا وأن يستقبل القبلة ويسمى ويسرب ثلاثاً يقول في كل مرة: اللهم إني أسألك علماً نافعاً وقلبا خاشعا ونوراً ساطعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء. ثم يقول: اللهم غني أشربه لتغفر لي اللهم اغفر لي. أو اللهم إني أشربه مستشفياً به اللهم فاشفني ونحو هذا؛ فإذا فرغ حمد الله تعالى. وقد جاء في هذا أحاديث (منها) حديث محمد بن حبيب الجارودي ثنا سفيان بن عيينة عن ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له فإن شربته تستشفي به شفاك الله. وإن شربته مستعيذاً أعاذك الله. وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه. قال: وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: اللهم أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً

(1) زمزم يئر في المسجد الحرام شرقي الحجر الأسود بينها وبين الكعبة 28،5 نصف متر وثمانية وعشرون مترا سميت زمزم لكثرة مائها ، وقبل لضم هاجر رضي الله عنها ماءها حين أنفجر وزمها إياه. انظر رسم 3 ص 105.

ص: 126

وشفاء من كل داء. أخرجه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجاوردي (1){159}

«

وحديث» محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجال فقال من أين جئت؟ قال من زمزم فقال أشربت منها كما ينبغي؟ فقال وكيف؟ قال إذا شربت منها فاستقبل القبلة ثم اذكر اسم الله وتنفس ثلاثاً وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله تعالى فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم. أخرجه ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح رجاله ثقات (2). {160}

(10)

الوقوف بالملتزم - الملتزم بضم الميم وفتح الزاي ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة. يستحب للناسك بعد طواف الوداع أن يأتي الملتزم فيضع صدره وبطه وخده الأيمن على حائط البيت ويبسط يديه على الجدار جاعلاً يده اليمنى مما يلي الباب واليسرى مما يلي الحجر الأسود متعلقاً بأستار الكعبة ويدعوا بما أحب من خيرى الدنيا والآخرة متحسراً على فراق البيت ، لحديث المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله بن عمرو فلما فرغنا من السبع وكنا في دبر الكعبة فقلت ألا تتعوذ بالله من النار؟ قال نعوذ بالله من النار. ثم مضى حتى استلم الحجر وأقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطها بسطا وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه

(1) ص 374 ج 1 مستدرك.

(2)

ص 129 ج 2 سنن ابن ماجه (الشرب من زمزم) وص 147 ج 5 سنن البيهقي (ولا يتضلعون) أى يشبعون من ماء زمزم من تضلع امتلأ شبعا أو ريا.

ص: 127

وسلم يفعله. أخرجه أبو داود والبيهقي وابن ماجه والمثني ضعيف (1){161}

«

وعن ابن عباس» رضي الله عنهما أنه كان يلتزم ما بين الركن والباب ويقول: ما بين الركن والباب يدعى الملتزم لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه. أخرجه البيهقي بسند ضعيف (2){48}

والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال.

فائدتان: (الأولى) ذكرا لحسن البصري في رسالته لأهل مكة أن الدعاء يستحب في خمسة عشر موضوعا: في الطواف وعند الملتزم ، وتحت الميزان ، وفي البيت «الكعبة» وعند زمزم ، وعلى الصفا والمروة ، وفي المسعى ، وخلف المقام. وفي عرفات وفي المزدلفة ومنى وعند الجمرات الثلاث (3) فينبغي الحرص على الدعاء في هذه المواضع بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ومنه: اتللهم وفق ولاة الأمور في بلاد الإسلام لإزالة المنكرات والمخالفات وإقامة الحدود والعمل [أحكام التنزيل. اللهم لا تجعل لكافر على مسلم ولاية وطهر البلاد من أهل الشرور والفساد. ووفق المؤمنين للتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل والوقوف عند الحدود الشرعية والإخلاص لله الواحد المعبود. وصلى الله على النبي وعلى آله.

(الثانية) لا باس بنقل ماء زمزم إلى غير مكة ، لحديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحمل ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله. أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن

(1) انظر رقم 172 ص 240 ج 1 تكملة المنهل العذب (الملتزم) وباقي المراجع بهامش 1 ص 242 منه.

(2)

ص 164 ج 5 سنن البيهقي (الوقوف في الملتزم).

(3)

ص 261 ج 8 شرح المذهب.

ص: 128