الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثالث والخمسون بعد المائة
في طبقات المفسرين
النوع الثالث والخمسون بعد المائة
[في طبقات المفسرين]
قال الحافظ السيوطي: اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير.
أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم: علي بن أبي طالب.
والرواية عن الثلاثة نزرة جداً، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم، كما أن ذلك هو السبب في قلة رواية أبي بكر? للحديث، ولا أحفظ عن أبي بكر? في التفسير إلا آثاراً قليلة جداً لا تكاد تجاوز العشرة، وأما علي فروي عنه الكثير، وقد روى معمر عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل، قال: شهدت علياً يخطب، وهو يقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا
أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل.
وأخرج أبو نعيم في «الحلية» ، عن ابن مسعود، قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن.
وأخرج أيضاً عن عكرمة: من طريق أبي بكر بن عياش، عن نصير،
[عن] سليمان الأحمسي، عن أبيه، عن علي، قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت؟ وأين نزلت؟ إن ربي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً سؤولاً.
وأما ابن مسعود فروي عنه أكثر مما روي عن علي.
وقد اخرج ابن جرير وغيره عنه أنه قال: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناوله المطايا لأتيته.
وأخرج أبو نعيم: عن أبي البختري، قال: قالوا لعلي: أخبرنا عن ابن مسعود، قال: علم القرآن والسنة، ثم انتهى، وكفى بذلك علماً.
وأما ابن عباس فهو ترجمان القرآن الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» .
وقال له أيضاً: «اللهم آته الحكمة» ، وفي رواية:«اللهم علمه الحكمة» .
وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن ابن عمر، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس، فقال:«اللهم بارك فيه، وانشر منه» .
وأخرج من طريق عبد المؤمن بن خالد عن عبد الله بن بريدة، عن ابن عباس قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل، فقال له جبريل:«إنه كائن حبر هذه الأمة، فاستوص به خيراً» .
وأخرج من طريق عبد الله بن خراش، عن العوام بن حوشب، عن
مجاهد، قال: قال ابن عباس: قال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم:«نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس» .
وأخرج أبو نعيم عن مجاهد، قال: كان ابن عباس يسمى البحر لكثرة علمه.
وأخرج عن ابن الحنفية، قال: كان ابن عباس حبر هذه الأمة.
وأخرج عن الحسن، قال: إن ابن عباس كان من القرآن بمنزل، كان عمر يقول: ذاكم فتى الكهول، إن له لساناً سؤولاً، وقلباً عقولاً.
وأخرج من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أن رجلاً أتاه يسأله عن:{السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30]، فقال: اذهب إلى ابن عباس، فسله، ثم تعالى أخبرني، فذهب فسأله، فقال: كانت السموات رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات. فرجع إلى ابن عمر فأخبره، فقال: قد كنت أقول:
ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه أوتي علماً.
وأخرج البخاري من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكان بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم يدخل هذا معنا، وإن لنا أبناء مثله؟ ! فقال عمر: إنه ممن علمتم، ودعاهم ذات يوم، فأدخله معهم -فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ، إلا ليريهم- فقال: ما تقولون في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله، ونستغفره إذا نصرنا، وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه به، قال:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 2]، فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول.
وأخرج أيضاً من طريق ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيمن ترون هذه الآية نزلت: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} [البقرة: 266]؟ قالوا: الله أعلم، فغضب عمر، فقال: قولوا: نعلم، أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء [يا أمير المؤمنين! ]، فقال: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس: ضربت مثلاً لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لعمل. قال عمر لرجل غني يعمل بطاعة الله? ، ثم بعث له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب جلس في رهط من [المهاجرين من الصحابة] فذكروا ليلة القدر، فتكلم [كل بما عنده]، فقال عمر: ما لك يا ابن عباس صامت لا تتكلم! تكلم ولا تمنعك الحداثة، قال ابن عباس: فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الله وتر يحب الوتر، فجعل أيام الدنيا تدور على سبع، وخلق الإنسان من سبع، وخلق وفقنا سموات سبعاً، وخلق تحتنا أرضين سبعاً، وأعطى من المثاني سبعاً، ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع، وقسم الميراث في كتابة سبع، ونقع في السجود من أجسادنا على سبع، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة سبعاً، وبين الصفا والمروة سبعاً، ورمى الجمار بسبع، فأراها في السبع الأواخر من شهر رمضان، فتعجب عمر، وقال: ما وافقني فيها أحد، إلا هذا الغلام الذي لم تستو شؤؤن
رأسه، ثم قال: يا هؤلاء، من يؤديني في هذا كابن عباس.
وقد ورد عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة، وفيه روايات وطرق مختلفة.
فمن جيدها طريق علي بن أبي طلحة [الهاشمي، عنه، قال الإمام
أحمد: بمصر صحيفة] لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصداً ما كان كثيراً، أسنده أبو جعفر النحاس في ناسخه.
قال ابن حجر: وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في «صحيحه» كثيراً فيما يعلقه عن ابن عباس، وأخرج منها ابن جرير،
وابن أبي حاتم وابن المنذر كثيراً بوسائط بينهم، وبين أي صالح.
وقال قوم: ألم يسمع ابن أبي طلحة من ابن عباس التفسير، وإنما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير. قال ابن حجر: بعد أن عرفت الواسطة وهي ثقة، فلا ضير في ذلك.
وقال الخليلي في «الإرشاد» : تفسير معاوية بن صالح قاضي الأندلس عن علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، رواه الكبار، عن أبي صالح كاتب الليث، عن معاوية، وأجمع الحفاظ على أن ابن أبي طلحة لم يسمعه من ابن عباس.
قال: وهذه التفاسير الطوال التي أسندوها إلى ابن عباس غير مرضية، ورواتها مجاهيل، كتفسير جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس.
وعن ابن جريج في التفسير جماعة رووا عنه، وأطولها ما يرويه بكر بن سهل الدمياطي، عن عبد الغني بن سعيد، عن موسى بن محمد، عن ابن جريج، وفيه نظر.
وروى محمد بن ثور، عن ابن جريج نحو ثلاثة أجزاء كبار، وذلك صححوه. وروى الحجاج بن محمد، عن ابن جريج نحو جزء، وذلك صحيح، متفق عليه.
وتفسير شبل بن عباد المكي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن ابن عباس قريب إلى الصحة.
وتفسير عطاء بن دينار يكتب ويحتج به.
وتفسير أبي روق نحو جزء صححوه.
وتفسير إسماعيل السدي يورده بأسانيد إلى ابن مسعود وابن عباس، وروى عن السدي الأئمة، مثل الثوري، وشعبة، ولكن التفسير الذي جمعه رواه أسباط بن نصر، وأسباط لم يتفقوا عليه، غير أن أمثل التفاسير تفسير السدي.
فأما ابن جريج، فإنه لم يقصد الصحة، وإنما [روى ما ذكر] في كل آية من الصحيح والسقيم.
وتفسير مقاتل بن سليمان، فمقاتل في نفسه ضعفوه، وقد أدرك الكبار من التابعين، والشافعي أشار إلى أن تفسيره صالح.
انتهى كلام الإرشاد.
وتفسير السدي الذي أشار إليه يورده منه ابن جرير كثيراً من طريق السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن
مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة هكذا، ولم يورد منه ابن أبي حاتم شيئاً؛ لأنه التزم أن يخرج أصح ما ورد، والحاكم يخرج منه في «مستدركه» أشياء، ويصححه، لكن من طريق مرة، عن ابن مسعود، وناس
فقط، دون الطريق الأول، وقد قال ابن كثير: إن هذا الإسناد يروي به السدي أشياء فيها غرابة.
ومن جيد الطرق عن ابن عباس طريق قيس، عن عطاء ابن
السائب، عن سعيد بن جبير، عنه.
وهذه الطريق صحيحة على شرط الشيخين، وكثيراً ما يخرج منها الفريابي، والحاكم في «مستدركه» .
ومن ذلك أيضاً طريق ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد
مولى آل زيد بن ثابت، عن عكرمة -أو سعيد بن جبير- عنه، هكذا بالترديد، وهي طريق جيدة، وإسنادها حسن، وقد أخرج منها ابن جرير، وابن أبي حاتم كثيراً، وفي «معجم الطبراني
الكبير» منها أشياء.
وأوهى طرقه طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير، فهي سلسلة الكذب.
وكثيراً ما يخرج منها الثعلبي، لكن قال ابن عدي في «الكامل»: للكلبي أحاديث صالحة، وخاصة، عن أبي صالح، [وهو معروف] بالتفسير، وليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع، وبعده مقاتل بن سليمان، إلا أن الكلبي يفضل [عليه لما في مقاتل] من
المذاهب الرديئة.
وطريق الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس منقطعة، فإن الضحاك لم يلقه، فإن انضم إلى ذلك رواية بشر بن عمارة، عن أبي روق، عنه، فضعيفة لضعف بشر.
وقد أخرج من هذه النسخة كثيراً ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وإن كان من رواية جويبر عن الضحاك فأشد ضعفاً؛ لأن جويبراً شديد الضعف متروك.
ولم يخرج ابن جرير، ولا ابن أبي حاتم من هذا الطريق شيئاً إنما أخرجها ابن مردويه، وأبو الشيخ ابن حيان.
وطريق العوفي عن ابن عباس، أخرج منها ابن جرير،
وابن أبي حاتم كثيراً، والعوفي ضعيف ليس بواه، وربما حسن له الترمذي.
ورأيت عن فضائل الإمام الشافعي لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن شاكر القطان أنه أخرج بسنده من طريق ابن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث.
وأما أبي بن كعب، فعنه نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي،
عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عنه، وهذا إسناد صحيح.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم منها كثيراً، وكذا الحاكم