الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في «مستدركه» ، وأحمد في مسنده.
وقد ورد عن جماعة من الصحابة غير هؤلاء اليسير من التفسير، كأنس، وأبي هريرة، وابن عمر، وجابر، وأبي موسى الأشعري، وورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أشياء تتعلق بالقصص وأخبار الفتن والآخرة، وما أشبهها بأن يكون مما تحمله عن أهل الكتاب، كالذي ورد عنه في قوله تعالى:{فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210]: وكتابنا الذي أشرنا إليه جامع لجميع ما ورد عن الصحابة من ذلك.
طبقات التابعين:
قال ابن تميمة: أعلم الناس بالتفسير أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير، وطاوس، وغيرهم، وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود، وعلماء أهل المدينة في التفسير، مثل: زيد بن أسلم، الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد،
ومالك بن أنس. انتهى.
فمن المبرزين منهم مجاهد، قال الفضل بن ميمون: سمعت مجاهداً يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة.
وعنه أيضاً قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية منه، وأسأله عنها فيم نزلت؟ وكيف كانت؟ .
وقال خصيف: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد.
وقال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
قال ابن تيمية: ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي، والبخاري، وغيرهما من أهل العلم.
قلت: وغالب ما أورده الفريابي في تفسيره عنه، وما أورده فيه عن ابن عباس أو غيره قليل جداً.
ومنهم سعيد بن جبير، قال سفيان الثوري: خذوا التفسير عن أربعة: عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك.
وقال قتادة: كان أعلم التابعين أربعة، كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بالسير، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام.
ومنهم عكرمة مولى ابن عباس، قال الشعبي: ما بقى أحد أعلم
بكتاب الله من عكرمة.
وقال سماك بن حرب: سمعت عكرمة، يقول: لقد فسرت ما بين اللوحين.
وقال عكرمة: كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل، ويعلمني القرآن والسنن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سماك، قال: قال عكرمة: كل شيء أحدثكم في القرآن فهو عن ابن عباس.
ومنهم: الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن أبي مسلم الخرساني، ومحمد بن كعب القرظي، وأبو العالية، والضحاك بن
مزاحم، وعطية العوفي، وقتادة، وزيد بن أسلم، ومرة الهمداني، وأبو مالك.
ويليهم الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في آخرين.
فهؤلاء قدماء المفسرين، وغالب أقوالهم عن الصحابة.
ثم بعد هذه الطبقة ألفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين، كتفسير سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون.
وعبد الرزاق، وآدم بن أبي إياس، وإسحاق بن راهويه، وروح بن عبادة، وعبد بن حميد، وسنيد، وأبي بكر بن أبي
شيبة، وآخرين.
وبعدهم ابن جرير الطبري، وكتابه أجل التفاسير وأعظمها.
ثم ابن أبي حاتم، ..............................................................
وابن ماجه، والحاكم، وابن مردويه، وأبو الشيخ ابن حيان، وابن المنذر في آخرين.
وكلها مسندة إلى الصحابة، والتابعية، وأبتاعهم، وليس فيها غير ذلك إلا ابن جرير؛ فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب والاستنباط، فهو يفوقها بذلك.
ثم ألف في التفسير خلائق، فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بتراً، فدخل من هنا الدخيل، والتبس الصحيح بالعليل، ثم صار كل من يسنح له
قول يورده، ومن يخطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده، ظاناً أن له أصلاً، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن يرجع إليهم في التفسير، حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] نحو عشرة أقوال، وتفسيرها باليهود والنصارى، هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وجميع الصحابة، والتابعين، وأتباعهم، حتى قال ابن أبي حاتم: لا أعلم في ذلك اختلافاً بين المفسرين.
ثم صنف بعد ذلك قوم برعوا في علوم، فكان كل منهم يقتصر في تفسيره على الفن الذي يغلب عليه، فالنحوي تراه ليس له هم إلا الإعراب وتكثير الأوجه المحتملة فيه، ونقل قواعد النحو، ومسائله، وفروعه، وخلافياته، كالزجاج، والواحدي في «البسيط» ، وأبي حيان في «البحر» و «النهر» .
والإخباري ليس له شغل إلا القصص واستيفاؤها، والإخبار عمن سلف، سواء كانت صحيحة أو باطلة، كالثعلبي.
والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه من باب الطهارة إلى أمهات الأولاد، وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلق لها بالآية، والجواب عن أدلة المخالفين كالقرطبي.
وصاحب العلوم العقلية -خصوصاً الإمام فخر الدين- قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها، وخرج من شيء إلى شيء، حتى
يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية، قال أبو حيان في «البحر»: جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير، ولذلك قال بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير.
والمبتدع ليس له قصد إلا تحريف الآيات، وتسويتها على مذهبه الفاسد، بحيث إنه متى لاح له شاردة من بعيد اقتنصها، أو وجد موضعاً له فيه أدنى مجال سارع إليه، قال البلقيني: استخرجت من «الكشاف» اعتزالاً بالمناقيش، من قوله تعالى في تفسير:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185]: وأي فوز اعظم من دخول الجنة، أراد به إلى عدم الرؤية.
والملحد فلا تسأل عن كفره، وإلحاده في آيات الله، وافترائه على الله ما لم يقله، كقول بعضهم في:{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف: 155]: ما على
العباد أضر من ربهم، وكقوله في سحرة موسى ما قال، وقول الرافضة في:{يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] ما قالوا.
وعلى هذا وأمثاله يحمل ما أخرجه أبو يعلى وغيره عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في أمتي قوماً يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدقل، ويتأولونه على غير تأويله» .
فإن قلت: فأي التفاسير ترشد إليه، وتأمر الناظر أن يعول عليه؟ .
قلت: تفسير الأمام أبي جعفر بن جرير الطبري، الذي أجمع العلماء المعتبرون على أنه لم يؤلف في التفسير مثله.
قال النووي في «تهذيبه» : كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف أحد مثله.
وقد شرعت في تفسير جامع لجميع ما يحتاج إليه من التفاسير المنقولة والأقوال المعقولة، والاستنباطات والإرشادات والأعاريب واللغات، ونكت البلاغة، ومحاسن البدائع، وغير ذلك، بحيث لا يحتاج معه إلى غيره، وسميته: بمجمع البحرين ومطلع البدرين، وهو الذي جعلت هذا الكتاب مقدمة له، وأسأل الله أن يعين على إكماله بمحمد وآله.
انتهى كلام الحافظ السيوطي -رحمه الله تعالى-.
وهذا التفسير الذي ذكره لم نظفر به إلى الآن، والذي أظن -والله أعلم- أنه لم .... أو لم يتم، فإن تآليف الحافظ السيوطي تلقاها الناس بالقبول، ولو كان هذا الكتاب موجوداً لظهر وانتشر، وكتابه:«الدر المنثور» في تفسير القرآن العزيز بالآثار مشهور، وقد التزم فيه تفسير القرآن بالأحاديث والآثار عن الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة، وهو كتاب نفيس، فاق به على تفاسير المتقدمين ممن فسر بالآثار فإنه جمع أكثر تفاسيرهم، وزاد عليهم، وله تتميم: تفسير القرآن الشريف الذي كتبه الجلال المحلي، المسمى بالجلالين: وهو تفسير لطيف مختصر جداً، أتى فيه بتفسير القرآن جميعه.
ومن أحسن التفاسير التي فسر بها المتأخرون القرآن العزيز على طريقة المتأخرين: تفسير الإمام العلامة أبو السعود أفندي العمادي الرومي، فإنه تفسير جليل سلك فيه مسلكاً حسناً من تهذيب العبارة وحسن الإشارة، مع الفوائد النحوية، والمسائل البيانية، والدقيقات الأصولية، والتحقيقات الكلامية، والإشارات الصوفية، فهو تفسير بديع، لا يعدل به شيء من التفاسير المناظرة له، مثل:«الكشاف» وأمثاله.
وأما البيضاوي فحقيقته مختصر تفسير «الكشاف» ، ومأخوذ منه، ومع هذا فيه اعتراض من وجهين:
أحدهما: أنه أخل بكثير من فوائد «الكشاف» العربية والبيانية.
والثاني: متابعته له في الدسائس الاعتزالية التي ما تخفى على من له أدنى بصيرة.
وقد نبه صاحب «الانتصاف على الكشاف» على الدسائس التي أودعها
صاحب «الكشاف» في تفسيره، وغيره من المحشين على «الكشاف» ، مثل الطيبي وغيره.
وحاشية الطيبي على «الكشاف» عظيمة مفيدة.
وأما نقل الزمخشري والبيضاوي للأحاديث الواهية والباطلة، فقد نبه العلماء على ذلك، خصوصاً في فضائل السور التي يذكرها، فإنها باطلة لا أصل لها.
والعجب من البيضاوي -رحمه الله تعالى-[كيف] تابعه في دس الاعتزال والأحاديث الباطلة، ومع هذا فإن الناس متهافتون على تفسير البيضاوي -رحمه الله تعالى- تهافت الفراش، فقد حشي عليه نحواً من مائة حاشية من علماء الروم، والعجم، ومصر، والشام، مثل: حاشية الإمام السيوطي عليه، وحاشية حسن جلبي، وحاشية سعدي
جلبي، وحاشية قاضي زاده، وحاشية الخفاجي من المتأخرين، جمع فيها غالب ما في الحواشي، وغير ما ذكرت من الحواشي، والحقيق بهذا النظر والاعتبار تفسير أبي السعود، فإنه هو التفسير الحقيق بالنظر من تفاسير المتأخرين.
وأما «الكشاف» فإنه تفسير جليل لولا ما حشاه من مسائل الاعتزال التي جعلها محل نظره وصدد قصده خصوصاً مسألة الأفعال، وأن العبد يخلق أفعاله، وهي مسألة القدر، فقد حشى تفسيره بهذا الشرك الذي هو أجلى من شمس الظهيرة، وحث عليه، ودعا إليه، وأول معاني الآيات الصريحة في التوحيد، وجرها إلى المعاني الركيكة [المخالفة]
لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسمى هذا المسلك تارة بالعدل، وتارة بالتوحيد، وهو حقيق بضد ذلك، وهو شرك وجور، فينبغي للناظر في تفسير الكشاف الحذر من هذه العقيدة الرديئة أعاذنا الله وأحبابنا منها بمنه وكرمه، ولم يبلغنا عن أحد في هذا العصر القريب فسر القرآن بتفسير منقح مفيد بعد الشيخ أبي السعود أفندي، وأما تفسير شيخ مشايخنا الشيخ محمد بن علان المكي فهو تفسير لا بأس به، يعد من جملة التفاسير، وقد وقفت على مقدار تفسير الكشاف نسب إلى الشيخ العارف بالله محيي الدين بن العربي، ذكر فيه مسائل التفسير، وشيئاً من العربية، وكثيراً
من الإشارات الصوفية، والذي تحقق عندي أنه ليس تفسير الشيخ محيي الدين بن العربي، فإنه ليس فيه شيء من أنفاس الشيخ محيي الدين بن عربي قدس الله أسراره، ولا من فوائده، وكأنه قصد به مؤلفه رغبة الطالبين فنسبه إلى الشيخ محيي الدين بن عربي، والله أعلم.
وقد شرعت في تفسير لم يسبقني إليه أحد -فيما أعلم- ولم أقف عليه من الكتب أن أحداً سلك هذا المسلك، وهو تفسير القرآن بالأحاديث المرفوعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة والضعيفة والحسان، وما أشبه ذلك، ولم أورد فيه شيئاً من الأحاديث الموضوعة أو الواهية، وقد أتيت على جانب منه، أرجو الله تمامه على أحسن حال، وأنعم بال، بمن الله وكرمه وإحسانه.