الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الرابع والخمسون بعد المائة
آداب ختم القرآن
النوع الرابع والخمسون بعد المائة
آداب ختم القرآن
قد تقدم في علم أدب القراءة مسائل في ختم القرآن، ذكرت على وجه الاستطراد، وهذا النوع خاص في أدب الختم [وفضله]، وبه نختم الكتاب.
قال الشيخ القسطلاني -رحمه الله تعالى- في لطائف الإشارات [في] علوم القراءات: اعلم- ختم الله لي ولك بالحسنى، ورزقنا التغالي في المعالي إلى [الحل الأسمى]-أن الخاتمين للقرآن على ثلاثة أحوال.
فمنهم من كان إذا ختم أمسك عن الدعاء، وأقبل على الاستغفار، وقيل ليوسف ابن أسباط: بأي شيء تدعو إذا ختمت القرآن، فقال: أستغفر الله
من تلاوتي؛ لأني إذا ختمت ثم تذكرت ما فيه خشيت على نفسي من المقت، فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح.
فهذا ومن عمل عمله قوم غلب عليهم الخوف من الله تعالى، وشهود التقصير من النفس في العمل، ولم يأمنوا عليها آفات الأعمال، وخشوا مناقشة الحساب، فأقبلوا على الاستغفار، وقنعوا من الثواب على العمل [بأن يخرجوا منه] كفافاً لا لهم ولا عليهم.
ومنهم قوم كانوا إذا ختموا دعوا، وهو مروي عن ابن مسعود، وأنس، وغيرهما.
وهؤلاء قوم غلب عليهم شهود الربوبية لله تعالى، وشهدوا من أنفسهم حق العبودية لله تعالى، ووجدوا في أنفسهم الفقر والفاقة إلى ربهم، وعاينوا منه سعة
الرحمة وعموم الفضل للمحسن والمسيء، وسبوغ النعم على المقبل والمدبر، فأطعمهم ذلك [وفور] رجائهم في الله، وعلموا أن القرآن شافع مشفع، فلم [يسهمهم شيء من أمرٍ] ذنوبهم وإن عظمت، فمدوا إلى الله يد المسألة، وتضرعوا إليه، وابتهلوا وصدقوا في الطلب، وتحققوا في الرغبة، وعلموا أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، مع ملاحظة قوله تعالى:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [البقرة: 60]، {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [البقرة: 186].
ومنهم قوم كانوا يصلون الخاتمة بالفاتحة، عوداً على بدء، من غير فصل بينهما، لا بدعاء ولا غيره، وذلك لوجهين:
أحدهما: ما رواه الترمذي في حديث أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يقول الله تعالى: شغله القرآن عن دعائي، ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» .
والثاني: ما في ذلك من التحقق بمعنى الحلول والارتحال المذكور في الحديث المروي من طريق عبد الله بن كثير، عن درباس مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس? عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قرأ:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]: افتتح في {الْحَمْدُ لِلَّهِ}
[الفاتحة: 1] ثم قرأ من البقرة إلى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 4]، ثم دعا بدعاء الختمة، ثم قام. قال ابن الجزري: وإسناده حسن. ورواه أبو الشيخ.
ورووا فيه حديثاً مسلسلاً بالتكبير وقراءة (الفاتحة) وأول (البقرة) إلى ابن كثير إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد صار العمل على هذا في جميع الأمصار في قراءة ابن كثير وغيرها، ويسمونه: الحال المرتحل، أي: الذي حل في قراءة آخر الختمة، وارتحل إلى ختمة أخرى، فلا يزال سائراً إلى الله تعالى، شبه القارئ بشروعه بالختمة مسافر حل منزلاً، فهو خاتم الأولى، والمرتحل للأخرى بالمرتحل من المنزل سائراً إلى منزل آخر.
وأصل هذا الحديث في جامع الحافظ أبي عيسى بن سورة الترمذي في حديث صالح المري، ..................................................................................
عن قتادة، عن [زرارة بن أوفى]، عن ابن عباس? قال: قال [رجل]: يا رسول الله: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ [قال: ]«الحال المرتحل» .
ورواه أبو الحسن بن غلبون، وزاد فيه: يا رسول الله! ما الحال المرتحل؟ قال: «فتح القرآن وختمه، صاحب القرآن يضرب في أوله إلى آخره، وفي آخره إلى أوله» .
ورواه البيهقي، والطبراني، وكذا أبو الشيخ بلفظ:«عليكم بالحال المرتحل» .
وصاحب الفردوس، ولفظه:«خير الأعمال الحل والرحلة افتتاح القرآن وختمه» .
في قوله: «الحال المرتحل» حذف مضاف، تقديره علم الحال المرتحل، لكن الحديث تكلم فيه من جهة صالح المري، فقد قال البخاري: هو منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، ومن ثم ضعفه أبو شامة، وقال: إن مداره على صالح المري، وهو وإن كان عبداً صالحاً فهو ضعيف عند أهل الحديث.
وفسر الحال المرتحل -كابن قتيبة- بالمجاهد، كلما ختم غزوة افتتح أخرى.
وأجيب بأنه ليس مدار الحديث على صالح، بل رواه زيد بن أسلم أيضاً -كما رواه الداني- وبأن تفسيره إن لم يكن ثابتاً في الحديث فذكر الترمذي له في أبواب القراءة يدل قطعاً على أنه أراد هذا التأويل، وكذا إيراد البيهقي والحليمي وغيرهما له في قراءة القرآن مع عدهم ذلك من آداب الختم، والمصير إليهم أولى مع ما ورد من الأحاديث المصرحة بتفسيره كذلك، وإن كانت ضعيفة، فكثرة طرقها تكسبها قوة، وقد روى الحافظ أبو عمرو الداني بإسناد صحيح كما قال في النشر، عن الأعمش، عن إبراهيم قال:[كانوا يستحبون] إذا ختموا القرآن أن يقرؤوا من أوله آيات.
وهذا صريح في صحة ما اختاره القراء، وذهب إليه السلف، وليس لزوم ذلك، بل فعله حسن، ولا حرج في تركه.
ثم إن في قراءة (الفاتحة) بعد سورة (الناس) التي هي آخر القرآن فوائد ولطائف.
قال الإمام فخر الدين الرازي: القرآن مشتمل على خمس سور، مفتتحة بالحمد، اثنتان في النصف الأول وهما:(الأنعام) و (الكهف)، واثنتان في النصف الثاني:(سبأ) و (فاطر) وواحدة مشتركة بينهما، وهي: أم القرآن مع النصف الأول والآخر. انتهى.
ومعنى قراءة (الفاتحة) مع النصفين أنها تقرأ مع النصف الأول من أوله، ومع النصف الثاني من آخره افتتاحاً شأن المتعلمين الصغار، أو اختتاماً كما إذا فرغ الخاتم من قراءة سورة (الناس)، ثم يقرأ أم القرآن، وهذا هو المناسب لفرضنا.
ثم إنه في الختم بقراءتها أوجه:
أحدها: أنها كالتلخيص لجميع مقاصد القرآن [فإنه قيل: إن (الفاتحة) مشتملة على جميع مقاصد القرآن] إجمالاً، فوضعت أولاً لتكون كالترجمة لتلك المقاصد، وما بعدها إلى سورة (الناس) كالتفصيل لذلك المجمل، فإذا فرغ التالي من التلاوة وختم حسن منه أن يقرأ (الفاتحة) لتجدد العهد بها، فيستحضر في الذهن ما أريد بها من كونها مشتملة على مقاصد القرآن، فيقع [التصديق] من ذلك عن دليل وبرهان، فوضعت في أوله تأسيساً وتأصيلاً، وتلاوتها [في آخره] تلخيص وتحصيل، وذكر معانيها في سائر القرآن شرح لها وتفصيل.
الوجه الثاني: أن القرآن نعمة عظيمة على حملته، فحقيق بمن قرأه وختمه أن يحمد الله تعالى عليه، ويشكره على ذلك بقدر جهده، ولكنه لو عمد التالي إلى أنه يخترع لهذا الحمد ألفاظاً من قبل نفسه، لم يستطع أن يثني على الله بمثل ما أثنى به على نفسه، كيف ورأس الحامدين صلى الله عليه وسلم يقول:«لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» .
فكان الجزم للحامد أن يلجأ في الحمد إلى [ما فرضه] الله تعالى لنفسه من المحامد، وقد علمه عباده فيحمده به، فتلاوته لهذه السورة العظيمة شكراً لله تعالى، وحمداً له على أبلغ وجه وأكمله، [إذ] فيها الحمد على نعمة القرآن بالقرآن الذي هو كلام الله، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه، وأين ذلك ممن يخترعه التالي لنفسه.
الوجه الثالث: ما ورد في استحباب الدعاء عند التلاوة، وعند الختم للقرآن، ومجالس الذكر، و (الفاتحة) قد تضمنت صريح الدعاء، وهو الدعوة العظيمة الشاملة الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وذلك قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] إلى آخره، وتضمنت الدعاء بالتعريض، وذلك لما فيها من الحمد والثناء على طريق قوله:
إذا أثنى عليك المرء يوماً
…
كفاه من تعرضه الثناء
فصارت السورة كلها دعاء.
الوجه الرابع: في ختم القرآن بها وقد كان افتتاحه بها تحققاً بمعنى قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الانشراح: 7]، على أن تأويله: فإذا فرغت من العبادة فاشرع فيها، وهو معنى الحال المرتحل أيضاً.
وقد كان من الخاتمين قوم يطعمون الفقراء، شكراً لله تعالى على ما أولاهم من نعمة الختم، كما حكي عن ابن عمر: أنه لما ختم سورة (البقرة) ذبح بقرة وأطعم.
ولا ريب أن ختم القرآن كله فيه ختم (البقرة) وغيرها.
وقد كان الإمام أبو العباس أحمد بن علي القسطلاني عند ختم القرآن في آخر كل شهر يعمل طعاماً، ويجمع عليه من كان يحضره، كما حكاه عنه ولده الشيخ قطب الدين أبو بكر في ورد الزبد.
فهؤلاء قوم بسطتهم رؤية النعمة في الطاعة من الله، ففرحوا بها وقاموا بشيء من واجب شكرها، وقد قال الله تعالى:{فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [يونس: 58].
فينبغي الجمع بين هذه الأربعة، فيصل الخاتمة بالفاتحة، ويتعرض لنفحات الله بالاستغفار، ثم الدعاء، ثم يطعم الطعام.
وأما تكرار سورة (الإخلاص)، فقال في النشر: إنه لم يقرأ به، ولا يعلم أحد نص عليه من القراء، ولا الفقهاء إلا أبا الفخر حامد بن علي بن سنويه القزويني في كتابه حلية القراء، فإنه قال فيه: القراء كلهم قرؤوا سورة (الإخلاص)[مرة] واحدة إلا الهرواني بفتح الهاء والراء عن الأعشى فإنه أخذ بإعادتها ثلاثاً، والمأثور مرة واحدة. قال: والظاهر أن ذكر كان اختياراً من الهرواني، فإن هذا لم يعرف في رواية الأعشى، ولا ذكره أحد من علمائنا عنه، وقد صار العمل على هذا في أكثر البلاد عند الختم، والصواب ما عليه السلف؛ لئلا يعتقد أن ذلك سنة، ولهذا نص أئمة الحنابلة
على أنه لا يكرر سورة (الصمد)، وقالوا -وهم يعنون أحمد-: لا يجوز. انتهى.
لكن عمل الناس على خلافه، قال بعضهم: والحكمة فيه ما ورد أنها تعدل ثلث القرآن، فيحصل بذلك ثواب ختمة.
فإن قلت: كان ينبغي أن تقرأ أربعاً ليحصل ختمتان، أجيب بأن المراد أن يكون على يقين من حصول ختمة، إما التي قرأها، وإما التي حصل ثوابها بتكرير السورة، فهو [خير] لما لعله حصل في القراءة من خلل، انتهى.
ثم إن الدعاء عند الختم سنة تلقاها الخلف عن السلف، ويشهد له الحديث السابق، وحديث جابر بن عبد الله? قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن، أو قال: من جمع القرآن كانت له عند الله دعوة مستجابة، إن شاء عجلها له في الدنيا، وإن شاء ادخرها له في الآخرة» . رواه الطبراني، ورواه البيهقي، وقال: في إسناده ضعف.
وعن حبيب بن أبي عمرة قال: إذا ختم الرجل القرآن قّبَّل الملك بين عينيه.
وكان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان أول ليلة من رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم، فيقرأ في كل ركعة عشر آيات، وكذلك إلى أن يختم القرآن، ويختم بالنهار كل يوم ختمة، ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة، ويقول: عند كل ختمة دعوة مستجابة.
وعن ابن مسعود -فيما رواه أبو بكر بن داود في فضائل القرآن-: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة.
وعن مجاهد: تنزل الرحمة عند ختم القرآن.
وكان أنس بن مالك يجمع أهله وجيرانه عند الختم رجاء بركة الختم.
وكان كثير من السلف يستحب الختم يوم الاثنين، وليلة الجمعة، واختار بعضهم الختم وهو صائم، وآخر عند الإفطار، وقد كان بعض أئمتنا من القراء يختار أدعية يدعو بها عند الختم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند ختم القرآن: «اللهم ارحمني بالقرآن، واجعله لي إماماً ونوراً وهدي، اللهم ذكرني منه ما نسيت، وعلمني
منه ما جهلت، وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واجعله لي حجة يا رب العالمين».
قلت: أخرجه أبو منصور المظفر بن الحسين الأرجاني في فضائل القرآن، وأبو بكر بن الضحاك في الشمائل، كلاهما من طريق أبي ذر الهروي من رواية داود بن قيس معضلاً، ذكره الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء.
وروى البيهقي في الشعب وقال: إنه منقطع، وإسناده ضعيف عن أبي
جعفر قال: كان علي بن الحسين يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا ختم القرآن حمد الله بمحامد، وهو قائم، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، والحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، لا إله إلا الله، كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالاً بعيداً، لا إله إلا الله، كذب المشركون بالله من العرب والمجوس، والنصارى، والصابئين، ومن دعا الله ولداً، وصاحبة، ونداً، وشبيهاً، أو مثلاً، أو مماثلاً، فأنت ربنا أعظم من أن تتخذ شريكاً فيما خلقت، والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وكبره تكبيراً، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجاً، قرأها إلى قوله تعالى:{إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5]، و {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ} [سبأ: ? ] الآيات، {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآيتين [فاطر: 1 - 3]، والحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، الله خير أما يشركون، بل الله خير، وأبقى، وأحكم، وأكرم، وأجل، وأعظم مما يشركون، والحمد لله، بل أكثرهم لا يعلمون، صدق الله، وبلغت رسله، وإنا على
ذلك من الشاهدين، اللهم صل على جميع الملائكة والمرسلين، وارحم عبادك المؤمنين من السموات والأرضين، واختم لنا بخير، وافتح لنا بخير، وبارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بالآيات والذكر الحكيم، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، بسم الله الرحمن الرحيم».
ثم إذا افتتح القرآن قال مثل ذلك، ولكن ما كان أحد يطيق ما كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يطيق.
وأبو جعفر المذكور هو محمد بن علي الباقر. وعلي بن الحسين هو الإمام زين العابدين. والحديث مرسل، وفي إسناده جابر الجعفي، وهو شيعي، ضعفه أهل الحديث، ووثقه شعبة وحده.
قلت: أخرج البخاري في صحيحه لجابر الجعفي أحاديث كثيرة، ووثقه البخاري، وناهيك به، فلا يعتد بغيره.
ويؤيده ما ورد عن الإمام أحمد أنه أمر الفضل بن زياد أن يدعو
عقيب ختم، وهو قائم في صلاة التراويح، وأنه فعل ذلك معه.
كان بعض السلف يرى أن يدعو للختم وهو ساجد، وهو مروي عن عبد الله بن المبارك، كما رواه البيهقي، ويؤيده ما في الصحيح:«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك، رواه أبو داود من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها-.
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغني» .
«اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي،
اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم والمؤخر، وأنت على كل شيء قدير».
«اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني علماً ينفعني» .
«اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة» .
«اللهم عافني في جسدي، وعافني في بصري، واجعله الوارث مني» .
«لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين» .
* وينبغي أن يكون الداعي مستقبل الكعبة، لحديث عبد الله بن مسعود? : استقبل النبي الكعبة فدعا [على] نفر من قريش.
* وأن يكون متوضئاً؛ لحديث عثمان بن حنيف في قصة الرجل الضرير، وفيه: أنه عليه السلام أمره أن يتوضأ ويدعو. رواه الترمذي.
* وأن يرفع يديه؛ لحديث سلمان يرفعه: «إن الله حيي كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إلى السماء أن يردهما صفراً» رواه أبو داود وغيره.
* وأن يكونا مكشوفتين؛ لما روي أن [أبا] سليمان الداراني غطى
إحدى يديه من البرد في الدعاء، فهتف به هاتف: يا أبا سليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها، ولو كانت الأخرى مكشوفة لوضعنا فيها.
وأن يكون جاثياً على ركبتيه مع المبالغة في الخضوع لله، والخشوع بين يديه؛ لحديث أبي عوانة في صحيحه:[أن قوماً] شكوا إليه صلى الله عليه وسلم قحط المطر، فقال:«اجثوا على الركب، وقولوا: يا رب! يا رب! ففعلوا، فسقوا» .
* وأن يقدم عملاً صالحاً؛ لحديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فانطبقت عليهم الصخرة، المروي في الصحيح.
* وأن يجتنب الحرام أكلاً وشرباً ولبساً؛ لحديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك، رواه مسلم.
* وأن لا يتكلف السجع في الدعاء؛ لما في صحيح البخاري: عن ابن عباس? : وانظر إلى السجع في الدعاء فإني عهدت -صلى الله تعالى عليه وسلم- وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك، أي: لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب.
* وأن يثني على الله عز وجل، قبل الدعاء وبعده، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كذلك. عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من قرأ القرآن، وحمد الرب، وصلى على النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم-، واستغفر ربه، فقد طلب الخير» . رواه البيهقي في الشعب.
وفي سنده: أبان بن أبي عياش، وهو ضعيف.
وفي الأوسط للطبراني بإسناد جيد، عن علي: كل دعاء محجوب، حتى يصلي على محمد وآل محمد.
وكل ما كان في معنى التنزيه فهو ثناء، وقد كان بعضهم يبتدئ بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وقال تعالى:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10]، فلذلك استحب أن يختم الدعاء بقوله:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} [الصافات: 180 - 182].
وكختم كتابه الإحسان بدعاء ختم القرآن، تأليف العبد الفقير مؤلف الكتاب:
اللهم يا من أنزل القرآن رحمة لعبادة، وتنويراً لأرضه وبلاده، على قلب نبيه محمد -صلى الله تعالى عليه وسلم-، من غير صوت ولا حرف، بل تجلى إلهي بوصف كلام يفهم فيه اللفظ والمعنى، وتندرج فيه الحقيقة والمعاني، صل على عبدك ونبيك محمد -صلى الله تعالى عليه
وسلم- بإفاضة أنوارك وأسرارك على قلبه الشريف، وعلى روحه اللطيف؛ ليزداد شرفاً إلى شرفه، ويعلو في مقام القرب إلى شرفه، وعلى آله الأمجاد الأخيار، وعلى أصحابه الأصفياء والأبرار، وتقبل منا، ما وفقتنا بمنك وكرمك به من الأعمال الصالحة، وتجاوز عنا ما أسلفنا من الأفعال الفاحشة الفاضحة، واجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونعيم ذواتنا، وقرة أعيننا، ولذة أنفسنا، ومرتع أرواحنا، ومجال أفكارنا، ومنتشر صدورنا، وجالي همومنا، وكاشف غمومنا، ومنفس كروبنا، وموسع ضيقنا، ونور قبورنا، [ومثبت] أقدامنا على الصراط يوم الفزع الأكبر، وضياءً من بين أيدينا، ومن خلفنا، ومن فوقنا، ومن تحتنا، وعن يميننا، وعن شمالنا، وقدسنا بالقرآن، واحفظنا بالقرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على النحو الذي يرضيك عنا، واجعلنا من الفاهمين لمعانيه، الواقفين عند أوامره ونواهيه، المؤمنين بمحكمه، ومتشابهه الموقنين بنصه وظاهره، وخفيه ومشكله، ومؤوله وباطنه، ومفهومه، ومنطوقه، ومتبادره،
المتلذذين بتلاوته، المتنعمين بدراسته، المتغنين به في الأسحار، المترنمين به آناء الليل، وأطراف النهار، المستغنين به فهو الغني الأكبر، المنتفعين به فهو الإكسير الأحمر، اللهم أجعل ثواب قراءتنا مقبولاً لديك، ومرضية عندك، وبلغنا به الشرف الأعلى في الدار الآخرة، واجعله لنا سبباً لنيل الفوز بجنة الخلد، والتمتع بالنظر إلى وجهك الكريم، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وأوصل اللهم ثواب قراءتنا إلى
أشرف المخلوقات: عبدك ورسولك، وصفيك، وحبيبك، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، صلى الله تعالى عليه، وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأتباعه، وإلى سائر الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وإلى أتباعهم المؤمنين، وإلى سائر ملائكة الله المقربين، وإلى أهل بيت نبيك محمد -صلى الله تعالى عليه وسلم- المطهرين، وإلى كل الصحابة المهديين، وأتباع التابعين إلى يوم الدين في العلماء والراشدين، والأئمة المتبحرين، والصوفية الصادقين، والعباد الزهاد، والمتجردين، الأحياء منهم والأموات، في مشارق الأرض ومغاربها، عم الجميع برحمتك التي وسعت كل شيء، رب العالمين، وأوصل اللهم ثوابها إلى والدينا، ووالد والدينا، وآبائنا وآباء آبائنا، وأمهاتنا، وأمهات أمهاتنا، ومشايخنا، ومشايخ مشايخنا، ومن علمنا وأرشدنا إلى طرق الخير، ومن تسبب لنا في سلوك الرشاد، وقدس اللهم الجميع ببركة القرآن، وعمهم بفضل القرآن، وخصنا بفيض القرآن، وأنزل علينا من بركات القرآن، يا رب العالمين، ومن حضرنا من إخواننا المؤمنين، ومن غاب عنا، ومن بعد ومن قرب، ومن كان سبباً في اجتماعنا، ومعيناً لنا على تلاوة كتابك العظيم، وكتابك الفخيم، أوصل إليهم نوراً وسروراً يا رب العالمين، اللهم لا تأخذنا على غرة، ولا تمتنا على غفلة، واجعل التوحيد لك، والتفريد لذاتك، ممازج أرواحنا،
وقلوبنا، وأسرارنا، وألبابنا، واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وهي عقيدتنا، واجعلنا من أهل الموالاة لأوليائك، والمعاداة لأعدائك، وأكرمنا بما أكرمت به خاصة أصفيائك، اللهم إن القرآن مأدبتك، وقد أوصلتني بفضلك وكرمك إلى مأدبتك، فنحن منتظرون القرى، .. عاداتك، والأضياف والفقراء، اجبر كسورنا، وسهل أمرنا، واجعل معونتك الحسنى لنا مدداً، ولا تكلنا إلى تدبير أنفسنا، فإنا لا نستطيع إصلاح
…
، يا رب العالمين.
اللهم أصلح أمة محمد، وارحم أمة محمد، واجبر أمة محمد، وتجاوز عن أمة محمد، اللهم أصلح أمور المسلمين، وانصر سلاطين المسلمين، وأعل كلمة الموحدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.
فدونك هذا الكتاب الذي لم يسمح الزمان بمثله، ولم يجمع أحد من المتقدمين والمتأخرين كجمعه ومنواله، فإنه كتاب -بفضل الله ومنته- حقيق بأن يشار عليه، ويقصد من كل قريب وبعيد إليه، فهو بحر زاخر، وخزانة علم، وذخيرة كل ذاخر، قد قطعت فيه أزماناً، ونقحته تنقيحاً، وبينته تبياناً وتوضيحاً، وهذبته تهذيباً، وقاربته تقريباً، وجعلته خدمة لقاصد معاني القرآن العزيز، ولطالب تفسير الكتاب العظيم الحريز، فالناظر فيه يتبوأ مقعد صدق عند مليك عظيم، في المعاني القرآنية، والحقائق الفرقانية، ويتنعم بها بنعيم الفردوس، من الدقيق الإيمانية، وينشق أرواح المقامات الإحسانية، اللهم اجعله خالصاً لوجهك الكريم، ونفعاً لعبادك، آمين، وانفعني به في الدنيا
والآخرة، يا أرحم الراحمين! يا رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وصحبه، وتابعيه، وحزبه أجمعين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.