المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفرق بين التوسل بالحي والميت - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ٤

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةفي بيان التكليف وما يتصل به

- ‌الأدلة الموجبة العملَ بالظن بشرطه

- ‌المسألة الأولىالاجتهاد والتقليد

- ‌ الإجماع المعتبر

- ‌ طلب رتبة الاجتهاد فرضَ كفاية

- ‌المسألة الثانيةالسنة والبدعة

- ‌ الأشياء الحادثة بعد عصر النبوة نوعان:

- ‌[البحث الأول: البناء على القبور]

- ‌[روايات حديث أبي الهيّاج عن علي]

- ‌ البحث الثانياتخاذ القبور مساجد أو اتخاذ المساجد على القبور

- ‌تنبيهات

- ‌البحث الثالثزيارة القبور

- ‌ الحكمة في استحباب زيارة القبور:

- ‌ هل تُزار قبور الكفّار

- ‌ كيفية الزيارة:

- ‌ فصلفي زيارة قبور الأنبياء والصالحين

- ‌البحث الرابعالتبرُّك

- ‌1): «ماء زمزم

- ‌ تقبيل اليدين والرجلين

- ‌[مسألة التبرك بالصالحين]

- ‌البحث الخامسالتوسُّل

- ‌ حديث «الصحيحين» في قصة الثلاثة أصحاب الغار

- ‌ الفرق بين التوسّل بالحيّ والميت

- ‌[بحث في اتخاذ ليلتي المولد والمعراج عيدًا]

- ‌المسألة الثالثةالنداء للغائبين والموتى وغيرهم

- ‌ المقام الأولعلم الغيب

- ‌ العلم الخبري بما هو غيب عن جميع الخلق

- ‌ معرفة الأنواء

- ‌ العَرافة

- ‌ الفأل والطِيَرة

- ‌ الطّرْق بالحصى

- ‌ رؤية الإنسيّ للجنيّ وسماعه لكلامه

- ‌[الكلام في حجية الإلهام وهل هو من الإظهار على الغيب

- ‌ المقام الثانيفي تصرُّف بعض بني آدم في الكون

- ‌ المقام الثالثالنداء والطلب

- ‌ الحكم على بعض الأعمال أنه كفر لا يسوغ إلا بعد اجتهادٍ ونَظَر

- ‌ الميزان

- ‌ملحق ــ 5 ــفي معنى التأويل

الفصل: ‌ الفرق بين التوسل بالحي والميت

لهم بوعد الله تعالى، والمتوسّلُ بأحد الصالحين لم يسألّ حقًّا ثابتًا له، وهذا مما يُخْجَل من إيضاحه لوضوحه.

وأما ما في «سنن أبي داود» عن جُبير بن محمد بن جُبير بن مُطعِم عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابيّ

إلخ. ففي إسناده ابن إسحاق، وهو مختلَف فيه، وأقلّ ما فيه أنه يدلِّس، قاله الإمام أحمد، كما في «تهذيب التهذيب»

(1)

وغيره. والمدلِّس لا يحتج به إلا فيما صرَّح فيه بالتحديث، ولم يصرّح في هذا الحديث، فإن لفظ الراوي عنه: سمعتُ ابن إسحاق يحدِّث عن يعقوب بن عتبة وللحديث علّة أخرى نبَّه عليها أبو داود

(2)

.

وأما حديث استسقاء عمر والصحابة بالعبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنهم ومثله استسقاء معاوية بيزيد بن الأسود الجرشي، فهو عليكم لا لكم؛ لدلالته الظاهرة على إجماع الصحابة رضي الله عنهم على عدم التوسّل بالميّت والغائب، وهل يَشكُّ عاقل أن الصحابة رضي الله عنهم يعدلون عن التوسُّلِ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى طلب الدعاء من غيره إلّا لأمرٍ ما، وهو عدم جواز التوسّل بالمعنى المتعارف، وهذا صريح جدًّا من قول عمر:«اللهم إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبينا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبينا» .

فإن قيل: فما‌

‌ الفرق بين التوسّل بالحيّ والميت

؟

قلت: الفرق بيِّن، وذلك أنّ في الكلام حذف مضاف في الموضعين، أي: إنا كنّا نتوسّل إليك [225] بدعاء نبيّنا، أي: نطلب منه الدعاء لنا فيدعو،

(1)

(9/ 43).

(2)

(4726) وسبق ذكرها عند الكلام على الحديث (ص 270).

ص: 279

فيكون دعاؤه وسيلة لنا، وإنا الآن نتوسّل بدعاء عمّ نبينا، وها هو يدعو لنا، ودعاؤه وسيلة لنا.

وتقدير المضاف في الموضعين متعيّن؛ إذ لو لم يقدّر لكان الظاهر التوسّل بالذات، وذات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باقية بعد الموت، فعلامَ يعدل الصحابة عن التوسّل بها، ويقول الفاروق مقالته الدالة على امتناع التوسّل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى احتيج إلى العدول إلى عمّه؟ فتبيَّن أنه ليس المراد التوسّل بالذات.

ولا يصحّ تقدير المضاف «بأعماله الصالحة» وإن ارتضاه الشوكاني؛ لأن أعمال النبي صلى الله عليه وآله وسلم باقية فَعَلامَ يعدل عنها إلى التوسّل بأعمال عمه، فتعيَّن أن يكون المضاف هو أمر يمتنع حصوله من الميّت، ويحصل من الحيّ، وهو الدعاء في القضية بعينها.

إذا تقرّر ذلك فمعنى هذا الحديث: اللهم إنّا كنّا إذا أجْدَبْنا نتوسّل إليك بدعاء نبينا لنا بالسُّقيا فتسقينا، وإن نبينا قد قَدِم عليك فلا يمكن أن يدعو لنا بالسُّقيا الآن، ولكنا نتوسّل إليك بدعاء عمّ نبينا بالسُّقيا الآن فاسْقِنا.

فإن قيل: فهل قول عمر: «اللهم إنّا كنّا نتوسّل

» إلخ مجرّد خبر أو دعاء؟

فالجواب: أننا [226] نسلِّم أنه دعاء، ولكن ليس معنى التوسّل هو التوسُّل الذي تدّعونه، وإنما هو مطلق التقرب، كما هو معناه لغةً. فكأن عمر قال: إنا كنا نتقرّب إليك بطلب الدعاء من نبيّك، وقد تعذّر ذلك فتقرّبنا إليك بطلب الدعاء من عمّه، وها هو يدعو وندعو، فأنْجِزْ لنا وعدك بإجابة الدعاء.

ص: 280

وهذا كما ترى ليس فيه ما يدلّ على التوسّل وإنما هو من باب استنجاز الوعد الذي مرّ تقريره في حديث ثلاثة الغار.

ولا شكَّ أن الله تعالى وَعَد عبادَه إجابة الدعاء بقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وعوّدهم الإغاثة بالسُّقيا إذا طلبوا الدعاء من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بإجراء العادة بذلك، وإجراءُ العادة بمثابة الوعد، وذلك إجابة لدعاء رسوله، وجزاءً لهم حيث عرفوا الحقّ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ففزعوا إليه في ذلك.

وهذا كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64]، فَشَرَط في ذلك ثلاثة أشياء:

الأول: مجيئهم إلى الرسول طالبين منه أن يستغفر لهم.

والثاني: استغفارهم الله.

والثالث: استغفار الرسول لهم.

وكذلك السُّقيا كانوا يفزعون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم طالبين منه الدعاء، فيدعو ويدعون، فيسقيهم الله تعالى. وفي «سنن أبي داود»

(1)

بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوُضِع له في المصلّى، ووعد الناسَ يومًا يخرجون فيه. قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله

(1)

(1173).

ص: 281

عليه وآله وسلم حين بدا حاجبُ الشمس، فقعد على المنبر، فكبَّر وحَمِد الله عز وجل ثم قال:«إنكم شكوتم جَدْبَ ديارِكم، واستئخار المطر عن إبّان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم» ثم قال: «الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مَلِك يوم الدين، لا إله إلّا الله يفعل ما يريد

» الحديث. ثم قال أبو داود: «وهذا حديث غريب، إسناده جيّد، أهل المدينة يقرؤون {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وإن هذا الحديث حجة لهم» اهـ.

قلت: والغرابةُ هنا هي الفرديّة، وهي بمجرّدها غير قادحة، مع أن معنى الحديث في «الصحيح»

(1)

. فهذا هو التوسّل الذي أخبر عنه عمر بقوله: «إنا كنّا نتوسل بنبيك

» إلخ، وذلك سؤالهم الدعاء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعاؤه ودعاؤهم مستنجزين وعدَ ربّهم، كما أشار إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«وقد أمركم عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجب لكم» .

[227]

والصحابة رضي الله عنهم سألوا الدعاء من العبّاس رضي الله عنه لفضله وقرابته، فدعا ودعوا معه مُستنجزين لوعد ربهم. فهذا هو التوسُّل الذي يقول عنه عمر:«وإنّا نتوسّل بعم نبيّك» .

* * * *

(1)

أخرج البخاري (1012) ومسلم (894) حديث عبد الله بن زيد المازني في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى لصلاة الاستسقاء. وأخرجا أيضًا ــ البخاري (933) ومسلم (897) ــ حديث أنس في استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة.

ص: 282

فصل

قد تبيَّن لك مما مرّ أن المجيزين للتوسُّل المتعارَف لم يثبت لهم دليل صريح، وقد أجاز بعضُهم التوسُّل بالأعمال الصالحة مطلقًا، وخصَّ غيره ذلك بأعمال المتوسّل نفسه.

وسَبَق لي قولٌ قلتُ فيه: الذي يظهر أنه لا بأس أن يتوسّل

(1)

الإنسان بكلِّ عملٍ من شأنه أن ينفعه في حاجته التي يريد التوسّل به فيها، ومنه حديث ثلاثة الغار؛ لأن من شأن أعمالهم تلك أن تنفعهم في الإغاثة وتفريج الكرب.

ومنه أيضًا توسّل الصحابة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم بالعباس؛ لأن الصحابة كانوا يتوسّلون بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم في طلب السُّقيا، وهو عمل ينفعهم في ذلك، ثم توسّلوا بدعاء العباس لهم بالسُّقيا، وهو عمل ينفعهم في ذلك، ويُحْمَل عليه حديث الأعمى؛ لأنه لما شكا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسأله الدعاء، توجّه قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ربِّه في إغاثته، فأمره بالوضوء والصلاة والدعاء، ويُقَدَّر مضاف في الدعاء، فكأنه قال: اللهم إني أسألك وأتوجّه إليك بتوجّه قلب نبيك محمد

إلخ.

فإن قيل: فقد جاء في بعض الروايات: «فإن كان لك حاجة فمثل ذلك»

(2)

؟

(1)

قبلها كلمة «وتوسّط» نسي المؤلف أن يضرب عليها.

(2)

سبق الكلام على هذه الزيادة وإعلال شيخ الإسلام لها (ص 268).

ص: 283

فالجواب: أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك يدلّ أن قلبه صلى الله عليه وآله وسلم توجّه إلى ربِّه في قضاء حوائج هذا الأعمى مطلقًا، فهو كلما أراد أن يسأل الله حاجةً فإنما يتوسّل إليه بذلك التوجُّه. وعلى ذلك حديث السؤال بحقِّ السائلين، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«اللهم إني أسألك بحقّ السائلين عليك» معناه: أسألك بحقّ سؤالي، وأما ما بعده فواضح.

وأما حديث الاستشفاع فليس من التوسُّل في شيءٍ، وإنما معناه إنا نطلب منك الشفاعة، وعلى هذا فيجوز

(1)

للإنسان التوسُّل بجميع أعمال نفسه مطلقًا، وكذا بعمل غيره الذي قام الدليل الشرعيُّ على أنه ينفعه في حاجته التي يريد التوسُّل به فيها خاصة [228]، كالتوسل في السُّقيا بدعاء الغير بها، وهذا يوافق توسُّل الصحابة بالعبّاس، وذلك أنهم إنما كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو لهم بالسُّقيا في ذلك الوقت، فدعاؤه بذلك عمل ينفعهم في تلك الواقعة فقط، فإذا أجْدَبوا مرةً أخرى احتاجوا إلى دعاءٍ آخر بها، فلما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجدبوا لم يمكن أن يدعو لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسُّقيا حينئذٍ، فطلبوا الدعاء من عمه لفضله وقرابته، وتوسَّلوا به لكونه عملًا ينفعهم في السُّقيا حينئذٍ.

ويُستنتج مما ذكر أن الرجل من أمة محمد إذا عمل عملًا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدعاءُ لفاعله كان له أن يتوسّل بدعاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيما دعا له به، فكأن يصلي أربعًا قبل العصر عملًا بحديث أحمد والترمذي وأبي داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله

(1)

قبلها في الأصل «ثم» نسي المؤلف أن يضرب عليها.

ص: 284

صلى الله عليه وآله وسلم: «رحم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعًا»

(1)

. فله أن يتوسَّل في طلب الرحمة بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم له فيها، ولو أطلق التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، ناويًا التوسّل بذلك الدعاء فلا بأس كما جاء في حديث الأعمى وغيره.

ولا يقال: إن شَفَقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورحمته بأمته تدلّ أنه كان يدعو لهم بكل ما ينفعهم، فنتوصل بذلك إلى جواز التوسّل مطلقًا.

لأننا نقول: عدول الصحابة رضي الله عنهم إلى التوسّل بالعبّاس رضي الله عنه ينافي ذلك. فالمتعيّن قَصْر ذلك على ما ورد بالنص، كصلاة أربع قبل العصر.

وقد يُجاب عن هذا بأن يقال: إن كان المراد بالتوسّل السؤال بحقّ ذلك العمل وفضله عند الله تعالى، والإقسام به عليه، فهو ممنوع كما مَرَّ نقلُه عن «الفتح» في حديث الغار، مع أن حديث الغار وتوسّل الصحابة بالعبّاس لا يَدُلّان عليه أصلًا، وغيرهما مقدوح فيه كما مَرَّ.

وإن أُريد بالتوسّل مجرّد ذكر العمل استنجازًا للوعد، مع المحافظة على الأدب والحذر من الاعتماد على العمل، فهذا هو الذي سبق تقريره في حديث الغار، وهو حقّ لا شُبهة فيه. والله الموافق.

[229]

أقول: هذا آخر ما تيسَّر لي كتابته في هذا البحث، ومَن تأمّله حقَّ تأمّله عَلِم أنّ مدار التوسّل على حديث الأعمى، فمن أراد معرفة الحق فعليه

(1)

أخرجه أبو داود (1271)، والترمذي (430)، وأحمد (5980)، والطيالسي (2048)، وابن حبان (2453)، والبيهقي (2/ 473). قال الترمذي: حسن غريب.

ص: 285

أن يحقق البحثَ فيه والنظرَ في حاله حتى يطمئنّ قلبُه، فيعمل بما ظهر له.

وقد رأيتُ في «شرح الإحياء»

(1)

ما لفظه: وأخرج البيهقي في «الدلائل» والنسائي في «اليوم والليلة» من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان بن حنيف، فذكر قصة فيها حديث الأعمى هذا ولفظه: «فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ائت الميضأة فتوضّأ، ثم ائت المسجد فصلّ ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيك نبيّ الرحمة، يا محمد إني أتوجّه بك إلى ربي فتجلي لي عن بصري، اللهم شفِّعه فيّ وشفّعني في نفسي

» إلخ. ثم ذكر مَن رواه من الأئمة من طريق عُمارة بن خزيمة على نحو ما أسْلَفنا، فإن صحّت روايتُه من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمّه زالت غرابةُ الحديث في نفسه.

وقد سبق في تأويله والجمع بينه وبين غيره من الأدلة ما علمتَ، فراجِعْ ما هناك والله يتولّى هداك.

وأما العامة فتمسّكهم بالتوسّل بأنواعه هو فرعٌ عن تمسّكهم بالتقليد كل منهم لفقهاء المذهب الذي التزمَه من غير تفريق بين العقائد وغيرها، فتنازلهم إلى التوقف عن التوسّل لا يتم حتى يتنازلوا عن الانكباب على التقليد في كل شيء.

والذي أختاره لنفسي: أن أُكْثِر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوّل الدعاء وأثنائه وآخره، وأتتبّع الأدعية الواردة في الكتاب والسنة

(1)

«إتحاف السادة» : (3/ 472). والحديث في «الدلائل» : (6/ 167) للبيهقي، و «السنن الكبرى» للنسائي (10421). وانظر للاختلاف في إسناده «علل ابن أبي حاتم» (2064).

ص: 286

والإرشادات التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آداب الدعاء، وأكتفي بالترضِّي والترحُّم والاستغفار للعلماء والصالحين، وأدَعُ التوسُّل عملًا بحديث الحسن السبط رضي الله عنه:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»

(1)

أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث الحسن السِّبط رضي الله عنه، وما في معناه من الأحاديث.

وأرجو أن تكون هذه الطريقة هي الأسلم؛ لأني على يقين أنه لو ثبت التوسّل المتعارَف ثم تركه إنسانٌ لم يكن عليه إثم؛ إذ لا قائل بوجوبه، فكيف والحال أنه لم يثبت؟ فتَرْكه بنيّة الإحجام عما لم يطمئنّ القلبُ بثبوته مما أرجو أن يأجرني الله تعالى عليه.

فمن أحبّ السلامة فهذا سبيلها، ومَن أقْدَم على التوسُّل فهو وما تولّى، ولا أقطع بخطئه ولا ضلاله، بل أرجو له التوفيق والهداية إن شاء الله تعالى.

(1)

تقدم تخريجه.

ص: 287