الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصدق، والأمرُ بالعكس. وقد عُلِم أنّ الخط بالرمل لا يحصّل اليقين بل ولا الظنَّ الغالبَ، فليس من الاطلاع على الغيب في شيءٍ. والله أعلم.
[201]
ومن ذلك
العَرافة
، وهي عبارة عن الاستدلال بالأشياء التي تقارن وقتَ السؤال، من حال السائل والمسؤول، واسمه واسم المكان، وما يقع عند ذلك من كلام إنسان حاضر أو مرور حيوان، أو غير ذلك.
ويدخل تحت هذا
الفأل والطِيَرة
.
وفي حديث معاوية بن الحكم قال: كنا نتطيَّر، قال:«ذلك شيءٌ يجده أحدُكم في نفسه فلا يصدّنّكم» . وفي «الصحيحين»
(1)
عن أبي هريرة قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا طِيرَة، وخيرها الفأل» قالوا: وما الفأل؟ قال: «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم» .
وأقول ــ والله أعلم ــ: إن الإنسان إذا أراد سفرًا ــ مثلًا ــ فَعَرض له شيءٌ مما يتعَرَّف
(2)
به؛ كأن يسمع رجلًا ينادي: يا محمود، يا سعيد، يا مبارك؛ أو يسمع رجلًا ينادي: من يشتري النحاس؟ أو نحو ذلك= فالظاهر أن ذلك مجرَّد اتفاق، ويحتمل أن يكون الله سبحانه وتعالى يسّر
(3)
المنادي يا محمود، يا سعيد، يا مبارك؛ تبشيرًا لذلك المسافر إذا كان مؤمنًا وكان سفره مباحًا. ويحتمل أن يكون الشيطان ساق ذلك المنادي بالنحاس ليُحْزن ذلك المسافر، والشرعُ يرشد إلى اعتقاد الظاهر الغالب، وهو أن ذلك موافقة فقط.
(1)
البخاري (5754)، ومسلم (2223).
(2)
غير محررة، ولعلها ما أثبت.
(3)
رسمها «يسره» ولعل الهاء مضروب عليها.
ولا يكره الفرح بالتفاؤل بنحو: يا مبارك، بتجويز أن يكون تبشيرًا من الله تعالى، فإنه مما يقوّي التوكّل على الله تعالى، بخلاف التفاؤل على غير هذا الوجه، بل باعتقاد التأثير لغير الله تعالى، فإنه شركٌ والعياذ بالله. وبخلاف التطيّر مطلقًا بنحو سماع: مَنْ يشتري النحاس؟ فإنه إن لم يكن مجرّد اتفاق فهو من الشيطان ولا شكّ، فالعمل به إنما يكون عن اعتقاد التأثير لغير الله تعالى، والعياذ بالله، ولذلك أطلقَ الشرعُ ذمّ الطِّيرة، وورد أنها من الشرك، وإنما قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«ذلك شيءٌ يجدونه في أنفسهم» [202] يدلّ أنّ مجرّد وجوده في النفس لا يضر.
وهذا إذا كان مع اعتقاد أنه لا مؤثِّر إلا الله تعالى، فإن وجوده في النفس حينئذٍ يكون من وسوسة الشيطان المعفوّ عنها، كما في «الصحيحين»
(1)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورُها ما لم تعمل به أو تتكلّم» .
فأما إذا اعتقد الإنسان التأثير لغير الله تعالى فقد أشرك، وكذا إذا صدّه التطيّر عن عزمه، فإن هذا دليل اعتقاده ذلك، والعياذ بالله.
والتفاؤل الذي لا بأس به هو ما اتفق من غير قصد، فأما ما يقصده الإنسان، كاستنطاق إنسانٍ آخر بقصد التفاؤل وغير ذلك= فهو حرام قطعًا، كإهاجة الطير وغيرها؛ لأنها تدلّ على اعتقاد التأثير، بخلاف مَن سمع شيئًا اتفاقًا ولم يصدّه عن التوكل، والله أعلم.
ثم لا يخفى أن العَرافة مطلقًا لا تحصّل العلم بل ولا الظنّ الغالب، فليست من علم الغيب في شيءٍ. والله أعلم.
(1)
البخاري (2528)، ومسلم (127).