الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: هو ــ والله أعلم ــ أن تقول لأخيك المسلم: «يا كافر» على جهة السبّ من غير أن يكون هناك دليل يدلّ على كفره، كما يفسِّره حديث «الصحيحين»
(1)
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أيما رجلٍ قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما» . وحديث البخاري
(2)
عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يرمي رجلٌ رجلًا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» .
قال: فما وجه كفر القائل؟
قلت: هو ــ والله أعلم ــ إلزامٌ له بلازم قوله حيث أطلق أن صاحبه كافر، فكان ظاهر ذلك أن الدين الذي عليه صاحبه كُفْر، وحيث كان الدينُ الذي عليه صاحبُه هو الإسلام، فكأنه قال: إن الإسلام كُفْرٌ، أي: أنّ الإسلام دينٌ باطل. وأسْتَغْفِر الله تعالى من حكاية هذا. وهذا بخلاف مَن قال لتارك الصلاة: يا كافر، مستندًا إلى أدلة الإمام أحمد؛ وذلك أنه لم يُطْلِق عليه:«يا كافر» إلا بالنظر إلى بعض أعماله، وهو ترك الصلاة، فلم يلزم على قوله أن جميع أعمال ذلك الشخص
(3)
كالنُّطق بالشهادتين كفر.
[ص 95] ثم
الحكم على بعض الأعمال أنه كفر لا يسوغ إلا بعد اجتهادٍ ونَظَر
في الأدلة حتى يغلب على الظنّ كونه كفرًا. فمن قال في شيءٍ من الأعمال إنه كفر بدون تثبّت ولا نظر في الأدلة، فهو غير معذور لتقصيره، وحينئذٍ فهو حريّ بالدخول في الوعيد المذكور.
(1)
البخاري (6103)، ومسلم (60).
(2)
(6045).
(3)
كلمتان شبه مطموستين، ولعلهما ما أثبت.
وعلى كل حال، فإن هذه الأشياء التي يقول الوهّابيّون إنها كفر ليس منها شيءٌ إلا وقد قام الدليل على المنع منه، فلو سُلّم أن الأدلة لا تدلّ أن ذلك كفر فلا أقلَّ من أن تفيد أن ذلك فسوق وضلالة؛ لأن جميع ذلك من المحدثات، وقد ورد:«كل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة»
(1)
إلى غير ذلك من الأحاديث التي قد مرّ بعضها، بل قد دلّ على ذلك القرآن كما مرّ بيان بعض ذلك.
وحينئذٍ فما لكم وللتعصّب؟ تعالوا بنا نصطلح، ونَصِل ما أمر الله به أن يوصل، ونقطع ما أمر الله به أن يُقطع، ونحرص كل الحرص على جمع كلمة هذه الأمة، والتأليف بين أوصالها المقطعة، وأشلائها الممزّعة، وفقنا الله تعالى لرضاه آمين.
(1)
أخرجه أبو داود (4607) والترمذي (2676)، وأحمد (17144) وابن حبان (5) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. وأخرجه النسائي (1578)، وأحمد (14984) وابن خزيمة (1785) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهو عند مسلم (867) بلفظ:«شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» .