المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ معرفة الأنواء - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ٤

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةفي بيان التكليف وما يتصل به

- ‌الأدلة الموجبة العملَ بالظن بشرطه

- ‌المسألة الأولىالاجتهاد والتقليد

- ‌ الإجماع المعتبر

- ‌ طلب رتبة الاجتهاد فرضَ كفاية

- ‌المسألة الثانيةالسنة والبدعة

- ‌ الأشياء الحادثة بعد عصر النبوة نوعان:

- ‌[البحث الأول: البناء على القبور]

- ‌[روايات حديث أبي الهيّاج عن علي]

- ‌ البحث الثانياتخاذ القبور مساجد أو اتخاذ المساجد على القبور

- ‌تنبيهات

- ‌البحث الثالثزيارة القبور

- ‌ الحكمة في استحباب زيارة القبور:

- ‌ هل تُزار قبور الكفّار

- ‌ كيفية الزيارة:

- ‌ فصلفي زيارة قبور الأنبياء والصالحين

- ‌البحث الرابعالتبرُّك

- ‌1): «ماء زمزم

- ‌ تقبيل اليدين والرجلين

- ‌[مسألة التبرك بالصالحين]

- ‌البحث الخامسالتوسُّل

- ‌ حديث «الصحيحين» في قصة الثلاثة أصحاب الغار

- ‌ الفرق بين التوسّل بالحيّ والميت

- ‌[بحث في اتخاذ ليلتي المولد والمعراج عيدًا]

- ‌المسألة الثالثةالنداء للغائبين والموتى وغيرهم

- ‌ المقام الأولعلم الغيب

- ‌ العلم الخبري بما هو غيب عن جميع الخلق

- ‌ معرفة الأنواء

- ‌ العَرافة

- ‌ الفأل والطِيَرة

- ‌ الطّرْق بالحصى

- ‌ رؤية الإنسيّ للجنيّ وسماعه لكلامه

- ‌[الكلام في حجية الإلهام وهل هو من الإظهار على الغيب

- ‌ المقام الثانيفي تصرُّف بعض بني آدم في الكون

- ‌ المقام الثالثالنداء والطلب

- ‌ الحكم على بعض الأعمال أنه كفر لا يسوغ إلا بعد اجتهادٍ ونَظَر

- ‌ الميزان

- ‌ملحق ــ 5 ــفي معنى التأويل

الفصل: ‌ معرفة الأنواء

[199]

ومما يتعلّق بالنجوم:‌

‌ معرفة الأنواء

. والأنواءُ جمع نَوء، وهو وقت سقوط الكواكب، جرت العادةُ أن المطر ينزل غالبًا في أوقات أنواءٍ معروفة، فيتوهّم الجاهل أنَّ لها دخلًا في سبب نزول المطر، والحقيقةُ غير ما توهَّموه؛ وذلك أن الأرض تكون محتاجةً إلى المطر في أوقاتٍ مخصوصة من السنة الشمسية، واتفق أن كانت تلك الأوقات في أوقات تلك الأنواء، وربُّنا سبحانه وتعالى عليم حكيم رحيم، ينزّل الغيث غالبًا في أوقات حاجة الأرض إليه رحمةً بعباده، فإذا رأى الجاهلُ أن الغيثَ ينزل غالبًا في أوقات تلك الأنواء ظنَّها هي السبب في نزوله.

والمؤمن يعلم أن السبب في نزوله هو فضل الله ورحمته، وإنما يوافق نزول تلك الأنواء في غالب السنين؛ لأن الأرض تشتدُّ حاجتها إلى المطر في تلك الأوقات، فاقتضى فضل الله ورحمته إغاثتها في أوقات حاجتها، وليس للأنواء دخل في السببية.

وقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى دفع هذا الوهم بتقديم نزول المطر على تلك الأنواء في بعض السنين، وتأخيره عنها، وعدمه أحيانًا، ولكنَّ كثيرًا منهم لم ينتفع بذلك بل أصرّ على ضلاله.

وقد أخرج النسائي

(1)

بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لو أمسك الله القَطْرَ عن عباده خمس سنين ثم أرسله لأصبحت طائفةٌ كافرين يقولون: سُقينا بنَوءِ المِجْدَح» .

(1)

(1526). وأخرجه أحمد (11042)، وابن حبان (6130) بلفظ «سبع سنين» ، وأبو يعلى (1312) بلفظ «عشر سنين». وفي سنده عَتّاب بن حنين ذكره ابن حبان في «الثقات»:(5/ 274)، وروى عنه اثنان.

ص: 351

وفي «الصحيحين»

(1)

عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاةَ الصبح بالحديبية على إثْرِ سماءٍ كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال:«هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:«قال: أصبحَ مِن عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فأما مَن قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب. وأما مَن قال: مُطِرْنا بنوءِ كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمن بالكوكب» .

ولا يخفاك أنه لا سبيل إلى معرفة وقت نزول الغيث قبل نزوله، أما أولًا فلأنّ العادةَ غير مطّردة، بل كثيرًا ما يتقدَّم، وكثيرًا ما يتأخّر، وكثيرًا ما يخلف. وأما ثانيًا فلأنه إذا غلبت العادةُ بنزوله في أوقات مخصوصة من السنة الشمسية فالوقت الواحد منها يكون أيّامًا، فلا يُعلم في أيّ يوم منها وأيّ ساعة لاختلافِ ذلك. ولهذا كان وقت نزول الغيث مما لا يعلمه إلا الله تعالى، كما نصَّ عليه في كتابه. وإصابةُ الظنِّ في بعض الأوقات ليست علمًا. ونحو هذا يقال في هبوب الرياح وغير ذلك، والله أعلم.

[200]

مما يتعلّق بالنجوم: معرفةُ أحوالها المتعلّقة بذواتها، كأوقات طلوعها وغروبها، ومقادير سيرها، ومقادير أجرامها وارتفاعها، وخسوفها وكسوفها، وهو المعروف بعلم الهيئة. وقد تقدَّم أن معرفة ذلك ليست من علم الغيب في شيء؛ أما أولًا فلأنّ الخسوف ــ مثلًا ــ وإن كان غيبًا فالدلائل الجارية بالعادة المطَّرِدة ليست غيبًا، بل كل عاقل يمكنه أن يدركها. وهذا كعلمِ كلِّ أحدٍ إذا طلعت الشمسُ اليومَ أنها ستغرب بعد كذا وكذا ساعة،

(1)

البخاري (846)، ومسلم (71).

ص: 352

وستطلع مرةً ثانية بعد تمام أربعٍ وعشرين ساعة، وغير ذلك.

وأما ثانيًا فلأنّه لا يمكن حصول العلم القطعيّ لإمكان أن يخرق الله تعالى العادة، كما في طلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك. وعلى هذا المنوال يقال في سائر الأشياء التي اطّردت العادةُ بوقوعها، كتأثير السمّ، وإحراق النار، وغير ذلك، والله أعلم.

* * * *

ومما يستدلّ به أهلُ الأرض على بعض الغيب من القسم الأول ولا يحصِّل إلا الظن الضعيف: الخطّ في الرمل.

وفي حديث مسلم

(1)

عن معاوية بن الحكم قال: قلتُ: يا رسول الله، أمورٌ كنّا نصنعها

الحديث إلى أن قال: قلت: وههنا رجالٌ يخطّون خطًّا، قال:«كان نبيٌّ من الأنبياء يخط، فمَن وافق خطَّه فذاك» .

وهذا إذنٌ بالخطِّ بشرط موافقة خطِّ ذاك النبي، وموافقة خط ذاك النبي متعذِّرة، فالتعليق به تعليق بالمُحَال، فمعنى الكلام على هذا: إطلاق عدم الإذن.

فإن قيل: فلعلّ هذا الخط المنقول عن المتقدِّمين موافقٌ لخطِّ ذاك النبي.

فالجواب: أن هذا أمرٌ مشكوكٌ فيه، والمراد بالموافقة المعلَّق عليها الإذن: الموافقةُ يقينًا أو على الأقل بِظنٍّ يُعْمَل بمثله في الشرع، بل الموافقة منتفية يقينًا؛ لأن هذا الخط لو كان موافقًا لخطّ ذلك النبي لكان الغالب عليه

(1)

(537).

ص: 353