المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ رؤية الإنسي للجني وسماعه لكلامه - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ٤

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةفي بيان التكليف وما يتصل به

- ‌الأدلة الموجبة العملَ بالظن بشرطه

- ‌المسألة الأولىالاجتهاد والتقليد

- ‌ الإجماع المعتبر

- ‌ طلب رتبة الاجتهاد فرضَ كفاية

- ‌المسألة الثانيةالسنة والبدعة

- ‌ الأشياء الحادثة بعد عصر النبوة نوعان:

- ‌[البحث الأول: البناء على القبور]

- ‌[روايات حديث أبي الهيّاج عن علي]

- ‌ البحث الثانياتخاذ القبور مساجد أو اتخاذ المساجد على القبور

- ‌تنبيهات

- ‌البحث الثالثزيارة القبور

- ‌ الحكمة في استحباب زيارة القبور:

- ‌ هل تُزار قبور الكفّار

- ‌ كيفية الزيارة:

- ‌ فصلفي زيارة قبور الأنبياء والصالحين

- ‌البحث الرابعالتبرُّك

- ‌1): «ماء زمزم

- ‌ تقبيل اليدين والرجلين

- ‌[مسألة التبرك بالصالحين]

- ‌البحث الخامسالتوسُّل

- ‌ حديث «الصحيحين» في قصة الثلاثة أصحاب الغار

- ‌ الفرق بين التوسّل بالحيّ والميت

- ‌[بحث في اتخاذ ليلتي المولد والمعراج عيدًا]

- ‌المسألة الثالثةالنداء للغائبين والموتى وغيرهم

- ‌ المقام الأولعلم الغيب

- ‌ العلم الخبري بما هو غيب عن جميع الخلق

- ‌ معرفة الأنواء

- ‌ العَرافة

- ‌ الفأل والطِيَرة

- ‌ الطّرْق بالحصى

- ‌ رؤية الإنسيّ للجنيّ وسماعه لكلامه

- ‌[الكلام في حجية الإلهام وهل هو من الإظهار على الغيب

- ‌ المقام الثانيفي تصرُّف بعض بني آدم في الكون

- ‌ المقام الثالثالنداء والطلب

- ‌ الحكم على بعض الأعمال أنه كفر لا يسوغ إلا بعد اجتهادٍ ونَظَر

- ‌ الميزان

- ‌ملحق ــ 5 ــفي معنى التأويل

الفصل: ‌ رؤية الإنسي للجني وسماعه لكلامه

ومن ذلك أني كنت سنة 35

(1)

ببلدتي «عُتمة» بمركزها المعروف بـ «الربوع» ، وأنا إذ ذاك أكتب لحاكمها السيّد محمد بن علي الذّاري

(2)

، وكان قد أرسل رسولًا إلى الإمام يحيى بن محمد، فأبطأ الرسول. وبينا أنا يومًا جالس أمام القلعة خَطَر لي أن ذلك الرسول الذي ينتظره سيمرّ حينئذٍ من تحت القلعة، فصوّبت نظري إلى تحت القلعة؛ وإذا بذلك الرجل مارًّا من ذلك المكان.

والذي يهمّنا من هذا أن‌

‌ رؤية الإنسيّ للجنيّ وسماعه لكلامه

إنما يكون إذا تمثّل الجني بصورةٍ غير صورته الأصلية، قال الله تعالى في إبليس عليه اللعنة:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27]، فمشاهدة الإنسي للجني بعد تمثّله بغير صورته ليست من الاطلاع على الغيب، وكذلك سماعه لكلامه، وكذلك الاستفادة من كلامه عن حال بعض الحوادث الأرضية ليس من الاطلاع على الغيب، كما في خبر الإنسي للإنسي.

ومع هذا كله فالجنّ مغرمون بالكذب، ولا يمكن بلوغ خبرهم حدَّ التواتر، فلا يحصل بخبرهم القطع، ولو حصل لم يكن من الاطلاع على الغيب المنفيّ في الآيتين، والله أعلم.

[206]

ومما يُستدلّ به في هذا النوع: النظر في النجوم والعَرافة والطَّرْق والخطّ والتنويم المغناطيسي، وغير ذلك مما مرّ، وحكمُه ما مرّ في القسم الأول

(3)

.

(1)

أي (1335 هـ).

(2)

(ت 1344 هـ). ترجمته في «هجر العلم» : (2/ 661)، و «نزهة النظر» (ص 569).

(3)

(ص 343 - 357).

ص: 361

نعم، ربما أعانت الشياطين أصحاب تلك الطرق مع تمكّنها من معرفة الحوادث الأرضية كما مرّ، فيكثر صدقُهم، وعلى كلٍّ فإنَّ شيئًا من ذلك لا يحصّل العلم، والله أعلم.

ومما يدخل في هذا الباب ما يُؤثَر عن أهل الرياضات كالإشراقيين من الفلاسفة، والبراهمة في الهند، وبعض المتصوّفة من المسلمين ونحوهم، وذلك أنهم يعالجون أنفسهم بالجوع والسهر والبعد عن الناس، وغير ذلك، فيزعمون أنه يبلغ بهم ذلك مراتب؛ أدناها: سرعةُ الفهم للأشياء الغامضة ونحو ذلك، وأعلاها عند الإشراقيين ــ من

(1)

أدناها عند المتصوّفة ــ: تَمَكُّنُ أرواحِهم مِن الاطّلاع على بعض الحوادث الكونية، كما يُحكى أن الإشراقيين من أصحاب أفلاطون كانوا يقفون بمكان بعيدٍ عن مكانه ثم يتلقُّون منه الحكمة بخواطرهم، ومثل هذا كثير من حكايات المتصوّفة.

والذي أراه في هذا: أنه إن كان مع نومهم فهو نوعٌ من الرؤيا، غايةُ الأمر أنهم لما كانت أنفسهم متعلّقة بمعرفة الحكمة كلَّ التعلُّق صارت تحدِّثهم في النوم بما هي مشغولة به، فربما توصّلت بذلك إلى تسلسل النظر ومعرفة بعض الحقائق. ومثل هذا يقع لكثير من الناس، وما مِنّا أحدٌ إلا وقد يجد نحو ذلك من نفسه في بعض الأحيان، فإني أيّام تعلُّقي بقرض الشعر كنت كثيرًا ما أرى في النوم أني نظمتُ البيتَ أو البيتين أو الثلاثة فصاعدًا، وربما أسْتَيقظُ وأنا ذاكر لذلك. وأيام تعلُّقي بتأليف هذه الرسالة كثيرًا ما أرى في النوم أني أنظر في بعض مسائلها وأراجع الكتب وغير ذلك.

(1)

كلمة غير محررة ولعلها ما أثبت.

ص: 362

وإن كانوا يزعمون أن ذلك في حال يقظتهم كما هو ظاهر كلام بعضهم وصريح كلام آخرين، فقد ذكروا أن سببه هو أن الإنسان إذا استعمل الرياضة ضعف جسدُه حتى يصير شبيهًا بجسد النائم، فيتأتّى له حينئذٍ في اليقظة ما يتأتّى له في النوم، فيرى صورَ الأشياء لكن لا بعينيه الشحميَّتين بل بالقوّة التي يرى بها في النوم، وهكذا السماع وغيره بحيث يُطبق عينيه فلا تمتنع الرؤية، ويسدّ أُذنيه فلا يمتنع السماع، ونحو ذلك

(1)

.

وهذا ــ إنْ حسّنّا العبارة ــ نوعٌ من الرُّؤيا، أوَ لا ترى أنك إذا أردت تخيّل صورة شيءٍ غائب ثم أطبقت عينيك كان التخيُّل أقوى مما إذا فتحتهما، وذلك لأنّ في إطباقهما تفريغًا للنفس من الاشتغال بالمحسوسات.

وبهذا يعلم أنه كلما ازداد الإنسان بعدًا عن الاشتغال بالمحسوسات صار أقوى تخيُّلًا كما في النوم.

فمِنْ أعمال الجن: يُخيِّلون للإنسان المرئيات والمسموعات ويوسوسون في خاطره ببعض الوقائع كما مرّ. والرياضة هي السبب الوحيد لموالاة الجن والشياطين والاستعانة بهم كما هو معروف عند الوثنيين.

[206 ب] وفي كلامٍ لابن عربي نقله الآلوسي في بعض كتبه

(2)

قال: «لله تعالى ملَك موكّل بالرؤيا يسمى (الروح) وهو دون السماء الدنيا، بيده صور الأجساد التي يدرك فيها النائم نفسه وغيره، وصور ما يحدث من تلك الصور

(1)

عدة كلمات ذهبت أوائلها لمجيئها في طرف الورقة. ولعلها ما اجتهدت في إثباته.

(2)

لعله في رحلته «غرائب الاغتراب» . وكلام ابن عربي في «الفتوحات المكية» : (2/ 6).

ص: 363

من الأكوان، فإذا نام الإنسان أو كان صاحب غَيبةٍ وفناء، أو قوة إدراك لا تحجبه المحسوساتُ في يقظته عن إدراك ما بيد هذا الملك من الصور، فيدرك ما يدركه النائم، لأنّ اللطيفة الإنسانية تنتقل بقواها من حضرة المحسوسات إلى حضرة الخيال المتَّصل بها الذي محلّه مُقدَّم الدماغ، فيفيض عليها ذلك الروح الموكل بالصور من الخيال المنفصل عن الإذن الإلهي ما يشاء الحق أن يريه لهذا النائم أو الغائب ومَنْ ذُكِر معه من المعاني متجسِّدَةً في الصور التي بيد هذا المَلك، فمنها ما يتعلَّق بالله تعالى وما يوصَف به من الأسماء، فيدرك الحق في صورة أو القرآن أو العلم أو الرسول الذي هو على شرعه، فهنا يحدث للرائي ثلاث مراتب:

أحدها: أن تكون [الصورة]

(1)

المدْرَكة راجعة للمرئي بالنظر إلى منزلةٍ ما من منازله وصفاته الراجعة إليه، فتلك رؤيا الأمر على ما هو عليه بما يرجع إليه.

الثانية: أن تكون الصورة المرئية راجعة إلى حال الرائي في نفسه.

الثالثة: أن تكون راجعةً إلى الحقِّ المشروع والناموس الموضوع، أيِّ ناموسٍ كان في تلك البقعة التي ترى تلك الصورة فيها، وفي ولاة أمر ذلك الإقليم القائمين بناموسه. وما ثَمَّ رتبة رابعة.

فالأولى حسنةٌ كاملة لا تتصف بقبح ولا نقص، والأخيرتان قد تظهر الصورة فيهما بحسب الأحوال من حُسْن وقُبْح ونَقْص وكَمَال. فإن كان من تلك [الصورة] خطابٌ فهو بحسب ما يكون الخطاب، وبقَدْر ما يَفْهَم منه في رؤياه، ولا يعوِّل على التعبير في ذلك بعد الرجوع إلى عالم الحس إلا إذا

(1)

ما بين المعكوفين هنا وما بعده مستدرك من «الفتوحات» لابن عربي.

ص: 364

كان عالمًا بالتعبير أو يسأل عالمًا به.

وينظر حركة الرائي مع تلك الصورة مِن أدبٍ واحترام وغير ذلك، بحسب ما يصدر منه من معاملته لتلك الصورة، فإنها صورة حقّ من كل وجه، وقد يشاهد الروح الذي بيده هذه الصورة وقد لا [يشاهده]. وما عدا هذه الصورة فليست إلا من الشيطان أو مما يحدِّث المرءُ به نفسَه في يقظته، فلا يعوُّل عليها، ومع ذلك إذا عُبِّرَت كان لها حُكم ولا بدّ، ويحدث لها ذلك من قوة تعبير المُعَبِّر لا من نفسها

» إلخ.

والذي يتلخّص منه: أنّ ما يقع للمرتاضين من الصوفية وغيرهم في بعضهم هو من قبيل الرؤيا بأقسامها، مِن صادق وكاذب ومحتاج إلى التأويل وغيره. وتعيين الصادقة من الكاذبة، والصريحة من المؤوّلة، وتعيين التأويل= كلُّ ذلك مجرّد حَدْس وتخمين لا يحصل به الظن المعمول به شرعًا فضلًا عن اليقين.

قال الآلوسي

(1)

: وقال غير واحدٍ من المتفلسفة: هي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيّلة إلى الحس المشترك. والصادقةُ منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ، فيتصوّر بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك.

ثم إن المتخيّلة تحاكيه بصورة تناسبه، فترسلها على الحس المشترك، فتصير مشاهَدَةً، ثم إن كانت شديدةَ المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت عن التعبير وإلّا احتاجت إليه.

(1)

في «روح المعاني» : (12/ 181 - 182). وقوله: «هي انطباع الصورة

وإلّا احتاجت إليه» هو نص كلام البيضاوي في تفسيره: (3/ 274).

ص: 365

والفرق بين المحتاجة وغيرها عسر جدًّا

(1)

.

وذكر بعض أكابر السادة الصوفية ما يقرب من هذا، وهو: أن الرؤيا من أحكامها: حضرة المثال المقيد المسمّى بالخيال، وهو قد يتأثّر من العقول السماوية والنفوس الناطقة المدركة للمعاني الكلية والجزئية، فيظهر فيه صور مناسبة لتلك المعاني، وقد يتأثر من القوى الوهمية المدركة للمعاني الجزئية فقط، فتظهر فيه صور تناسبها، وهذا قد يكون بسبب سوء مزاج الدّماغ، وقد يكون بسبب توجُّه النفس بالقوّة الوهمية إلى إيجاد صورةٍ من الصور، كمن يتخيّل صورةَ محبوبه الغائب عنه تخيّلًا قويًّا، فتظهر صورته في خياله فيشاهده

(2)

إلخ.

[207]

ومن هذا ما ذكره بعضُ المتصوِّفة: أنهم يرون النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَقَظَةً، وهم إذا أرادوا أن يُرَبُّوا المريد إلى نيل هذه الدرجة يأمرونه بالرياضة الشاقة، فيواصل الصومَ المدّةَ الطويلة ويختلي عن الناس، وأن يفرغ فكره عن كل شيءٍ، ثم يستعمل الصلاةَ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويكلِّف نفسَه تخيّل ذات النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كما هو منعوت في «الشمائل الترمذية» وغيرها، ويداوم على هذا= فإنه يرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَقَظةً. وقد عرفتَ رأيي في هذا مما مرَّ.

فإن قيل: فقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن الشيطان لا يتمثّل به

(3)

.

(1)

هذه العبارة ليست من كلام الآلوسي، فلعلَّها تعليق من المؤلف.

(2)

إلى هنا ينتهي كلام الآلوسي.

(3)

سبق تخريجه.

ص: 366

قلت: ونحن لم نقل إنه تمثّل به، وإنما قلنا: إنّ قوّة التخيّل تبلغ بالإنسان أن يرى في اليقظة ما يراه في النوم، كما أنّ قوّة التخيّل قد توهم الإنسان أنه رأى بعينيه الشحميَّتين ما لم يره، ويسمع بأذنيه ما لم يسمعه، ويلمس ببعض أعضائه ما لم يلمسه، كمن يتراءى الهلال ليلة الثلاثين، ويطيلُ النظرَ، فإنه يتخيّل أنه رأى الهلال، ولكنه لا يلبث أن يزول، فيذهب بعضُ الجهّال يشهد برؤية الهلال.

وأما مَن يعرف السبب فإنه لا يعتبر تلك الخَطْفة حتَّى تثبت الرؤية. ولا يبعد أنه إذا قوي التخيّل، ولاسيّما مع الرياضة والتفرُّغ والتخلِّي عن الناس= يبلغ الإنسان إلى حدٍّ أعظم من هذا، فيظنّه قد رآى وتثبّت. وقد مرّ في المنقول عن الآلوسي ما يفيده.

وأما في تخيّل غير ذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنهم معرّضون لتلاعب الشياطين ــ والعياذ بالله ــ في حواسهم الباطنة والظاهرة برياضةٍ أو بدونها، وعُقلاؤهم عارفون بهذا ولكنهم يرون أن اشتغال المريد بأوصاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى حدّ استحضارها تمامًا بحيث يصير يراها في النوم، ويراها برؤيا المثال في اليَقَظة= مزية عظيمة وفائدة كبيرة، ومع ذلك فإنهم لا يزالون يرشدون كلَّ من سلك طريقهم أن يعرض كل ما ظهر له من الأفهام على كتاب الله تعالى وسنة رسوله، أي بدلالتيهما التي اعتبرها الشرع، فإن كان موافقًا عمل به، وإن كان مخالفًا حَذِره، وإن لم يعلم موافقته ولا مخالفته وَقَف، فينزِّلون الكشفَ منزلةَ الرؤيا، وهم في هذا مصيبون، وإنما خطؤهم من حيث مخالفتُهم لذلك أحيانًا، ومن حيث سلوكُهم طريقًا غير الطريق التي أمر الله تعالى بها ورسولُه، ولزمها الصحابةُ

ص: 367

والتابعون وتابعوهم، فلم يكن فيهم أحدٌ يخالف الشرعَ فيعمل بعمل هؤلاء القوم ويزعم ما يزعمونه، ويغترّ بما اغترّوا به.

فالشريعة تنهى عن الوصال في الصيام ولو يومين

(1)

، بل ورد في «الصحيح»

(2)

الأمر بالسحور وتعجيل الفطور. ومن حكمة ذلك ــ والله أعلم ــ أن لا تطول مدّة الإمساك. [208] وثبت في «الصحيح»

(3)

النهي عن صوم الدهر. وثبت في «الصحيح»

(4)

النهي عن سَهَر أكثر الليل، وثبت فيه

(5)

النهي عن الترهّب وغير ذلك. والحاصلُ أن الشرع اختار أوساط الأمور، وخيرُ الأمور أوساطها.

(1)

أخرجه البخاري (1962)، ومسلم (1102) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

تعجيل الفطر أخرجه البخاري (1957)، ومسلم (1098) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، وتأخير السحور أخرجه البخاري (1920) من حديثه أيضًا، وأخرجه مسلم (1094) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.

(3)

أخرج البخاري (5063) حديث الثلاثة الذين تقالّوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيهم من قال: «أنا أصوم الدهر

» الحديث. وأخرج مسلم (1162) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف بمَن يصوم الدهر؟ فقال: «لا صام ولا أفطر

» الحديث.

(4)

كما في حديث أبي برزه الأسلمي رضي الله عنه في البخاري (547)، ومسلم (647): «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء إلى ثلث الليل ويكره النوم قبلها والحديث بعدها

».

(5)

في البخاري (5073)، ومسلم (1402) عن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ على عثمان بن مظعون التّبَتُّل .. . وجاء في «مسند أحمد» (25893) وابن حبان (9) قول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن مظعون: «يا عثمان إن الرهبانية لم تُكتب علينا

» الحديث.

ص: 368

والكلامُ في هذا يطول، ولكن حسبك أن ربّنا سبحانه وتعالى هو الذي بيده الخير كلّه، وإليه يُرجع الأمر كلُّه، وهو الرزَّاق لخيرات الدنيا من مالٍ وعلمٍ وفهم وغيره، ولخيرات الآخرة. فمن كان يطلب ما هو خير له في دينه ودنياه معًا، فليعلم أن ذلك لا يتأتّى له إلا برضوان الله، ورضوانُ الله لا يتأتّى إلا بطاعته، وطاعتُه هي التزام ما ورد في كتابه وسنة رسوله، وليحذر أن يخالف ذلك أو يشرع من عنده ما لم يأذن به الله في كتابه أو على لسان رسوله، فيبوءُ بالخسران.

ومَن كان يطلب ما هو خير له في دنياه فقط فهو وما تولّى، وما أحراه أن يخسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك، واهدني لما اخْتُلِف فيه من الحقّ بإذنك، وارض عني رضًا لا سخط بعده، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

ص: 369

خاتمة

قد أتينا بحمد الله تعالى في هذا الفصل على جُلِّ أو كُلِّ الطرق التي يُستدلّ بها على المغيّبات، وبقي الكشف الذي يدّعيه الصوفية، وهو لا يخرج عما ذكرنا، وهو محتملٌ لأن يكون من الرؤيا أو حديث النفس أو التحديث، وأن يكون من تلاعب الشياطين والعياذ بالله. وهم معترفون بهذا، فتسمعهم يقولون:«كشف رحماني، كشف شيطاني» ، «خاطر روحاني، خاطر شيطاني» . والتمييز بالرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله.

ومن ذلك رؤيتهم لمن يظنونه أو يزعم أنه مَلَك، وسماع كلام من يظنونه أو يزعم أنه ملك. وقد سبق

(1)

أنهم يقولون: إنه لا يجتمع لهم الرؤية والسماع معًا، وإنما يرون ولا يسمعون، أو يسمعون ولا يرون. وهذا كسائر أنواع الكشف على كلِّ حال لا يُحصِّل اليقين، ولا يحصل به إلا بعض الظنّ، فتبيَّن أنه ليس فيه ولا في غيره من تلك الأمور ما يُعدّ إظهارًا على الغيب لغير الرسل. والحمد لله رب العالمين.

(1)

(ص 363).

ص: 370