المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

[96] ‌ ‌ الميزان لو أنَّ علماء الفِرَق الإسلامية استيقظوا من سُباتهم، واجتمعوا - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ٤

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةفي بيان التكليف وما يتصل به

- ‌الأدلة الموجبة العملَ بالظن بشرطه

- ‌المسألة الأولىالاجتهاد والتقليد

- ‌ الإجماع المعتبر

- ‌ طلب رتبة الاجتهاد فرضَ كفاية

- ‌المسألة الثانيةالسنة والبدعة

- ‌ الأشياء الحادثة بعد عصر النبوة نوعان:

- ‌[البحث الأول: البناء على القبور]

- ‌[روايات حديث أبي الهيّاج عن علي]

- ‌ البحث الثانياتخاذ القبور مساجد أو اتخاذ المساجد على القبور

- ‌تنبيهات

- ‌البحث الثالثزيارة القبور

- ‌ الحكمة في استحباب زيارة القبور:

- ‌ هل تُزار قبور الكفّار

- ‌ كيفية الزيارة:

- ‌ فصلفي زيارة قبور الأنبياء والصالحين

- ‌البحث الرابعالتبرُّك

- ‌1): «ماء زمزم

- ‌ تقبيل اليدين والرجلين

- ‌[مسألة التبرك بالصالحين]

- ‌البحث الخامسالتوسُّل

- ‌ حديث «الصحيحين» في قصة الثلاثة أصحاب الغار

- ‌ الفرق بين التوسّل بالحيّ والميت

- ‌[بحث في اتخاذ ليلتي المولد والمعراج عيدًا]

- ‌المسألة الثالثةالنداء للغائبين والموتى وغيرهم

- ‌ المقام الأولعلم الغيب

- ‌ العلم الخبري بما هو غيب عن جميع الخلق

- ‌ معرفة الأنواء

- ‌ العَرافة

- ‌ الفأل والطِيَرة

- ‌ الطّرْق بالحصى

- ‌ رؤية الإنسيّ للجنيّ وسماعه لكلامه

- ‌[الكلام في حجية الإلهام وهل هو من الإظهار على الغيب

- ‌ المقام الثانيفي تصرُّف بعض بني آدم في الكون

- ‌ المقام الثالثالنداء والطلب

- ‌ الحكم على بعض الأعمال أنه كفر لا يسوغ إلا بعد اجتهادٍ ونَظَر

- ‌ الميزان

- ‌ملحق ــ 5 ــفي معنى التأويل

الفصل: [96] ‌ ‌ الميزان لو أنَّ علماء الفِرَق الإسلامية استيقظوا من سُباتهم، واجتمعوا

[96]

‌ الميزان

لو أنَّ علماء الفِرَق الإسلامية استيقظوا من سُباتهم، واجتمعوا على تأليف ميزان في مسائل الاعتقاد؛ ما كان متفَقًا عليه فأمْرُه واضح، وما كان مختَلَفًا فيه ردُّوه إلى الله ورسوله، فصدَّقوا بما جاء عن الله ورسوله بدون بحثٍ عن كيفية و ..... وغيرها، عاملين بما أمر الله عز وجل به في قوله:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].

والتزموا الوقف عن الخوض فيه، وألزموا عامة المسلمين ذلك، ورموا بالأغلوطات العقلية وراء ظهورهم، وأرشدوا الأمة إلى ما كان عليه سلفها الصالح، من تعلُّم العربية وتدبُّر كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله، وترك الخوض في المضايق العقلية التي لا ثمرةَ لها إلا النزاع والجَدَل، والخلاف والفشل، والعداوة والبغضاء، وتجزئة الدين إلى أديان لا تُحْصَى.

وهذه هي الطريقة الوحيدة في ضم شمل الإسلام وأهله، والتأليف بين قلوبهم.

وكذلك يعملون فيما كان من العادات الحادثة بعد القرون الأولى، يرشد العلماء إلى تركها والاستغناء بما شرعه الله تعالى، والإقبال عليه، وهو الكثير الطيّب. ومتى وفّينا حقّ الفرائض المشروعات بصريح الشرع فضلًا عن المستحبّات، حتى نذهب إلى أشياء لم تثبت نحاول بها التقرّب إلى الله تعالى؟

وجِماع القول: أن الله عز وجل إنما يُعْبَد بما شرع، وهذه الأشياء المحدثة قد قامت الأدلة القطعية على بطلانها. وهب أنَّ بعض الأذهان

ص: 454

قاصرة عن فهم ذلك الشيء الواضح، أو أن بعض هذه الأشياء مما لم يتبيّن فيه الحق، ولم يترجّح جانب الحَظْر، فلا أقلّ مِن أن تكون عندهم مما لا حَرَج في تركه.

وإذًا فالاحتياط يقضي بتركها، عملًا بالأحاديث الكثيرة، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من [الناس]»

(1)

فالسلامة منحصرة في اجتناب تلك الأشياء، فمن تركها سالم لا محالة، إذ ليس فيها شيءٌ يقول المجيزون إنه فرض واجب، بل غاية الأمر أنهم يزعمون أنها مستحبة أو مباحة. وإذا تأمّلوا ما بُيِّن من الأدلة تبيّن لهم ما فيها من الخطر، فإن لم يتبين لهم فعليهم تركها؛ لأنها إن كانت كما يقول المانعون فيها الكفر وفيها الحرام والمكروه، فقد اجتنبوها، وإن كانت مباحة أو مستحبّة فلهم في تركها أجرُ اجتناب الشُّبْهة، وليس منها شيء إلا وفي الشرع ما يُغني عنه.

والمسلم مَن حَرَص على السلامة بأيّ تقديرٍ كان، ولا أسلم ولا أعلم ولا أفضل ولا أتمّ مما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وتابعوهم، والله يهدي من يشاء إلى سراط مستقيم.

(1)

سبق تخريجه (ص 152).

ص: 455

ملحق ــ 1 ــ

[ص 49]

اتباع القطعي مطلقًا والظنّي في العمليات، واجتناب المرجوح مطلقًا، فلم يبقَ إلّا

لا يفهم دلالة، بأن كان مستغلق المعنى أصلًا، وإلّا الظنّي في العقائد

مطلقًا. وهذه الثلاثة يصدُق عليها التشابه، أما مستغلق المعنى

أيضًا في الاستغلاق، وأما الظني في العقائد فلأن بعض آياته تشبه بعضًا ....

كل آية من آياته متشابهة المعاني في احتمال الإرادة ..... يكفي فيها إلا الجزم،

لا يفيد إلّا الظنّ

يكفي الإيمان به وأن يُوكَلَ تأويلُه إلى الله تعالى.

وإنما جاز العمل بالظن في العمليات لسهولة الأمر فيها وللاحتياج إليه فيها، وليس الحال كذلك في الاعتقاديات.

[ثم] إن كلًّا من هذه الثلاثة على قسمين:

الأول: ما يقع اختلاف حال الأشخاص فيه، بأن يكون بالنظر إلى شخصٍ متشابهًا وبالنظر إلى شخصٍ آخر محكمًا.

الثاني: هو متشابهٌ مطلقًا.

والثاني هو المراد في الآية، لأنَّ فيها ذمَّ ابتغاءِ تأويله ومدْحَ قول:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} الدالّ على التسليم والإيمان بدون تأويل، وجَعْلَ الأول نصيبَ الزائغين، والثاني نصيبَ الراسخين. وإذا كان غاية الراسخين الإيمان بها بدون تأويل فلا شك فيما ذكرناه.

ص: 457

ويؤيد ذلك حديث «الصحيحين»

(1)

عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ

} إلى {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]، فقال:«إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله، فاحذروهم» .

الحديث صريح أن المتشابهات آيات مخصوصة من القرآن كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفونها بأعيانها، وأن

واتباعها زيغٌ يجب الحذرُ منه ومن أهله وبيانه، إذ قوله:«وإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه» ، يدل على أن المتشابه آيات مخصوصة هي متشابهة مطلقًا، إذ لو كانت قد تكون متشابهةً بالنظر إلى شخصٍ غيرَ متشابهةٍ بالنظر إلى آخر، لما أمكنهم أن يُميِّزوا بين من يتبعها مع كونها متشابهةً في حقّه ومن يتبعها مع كونها غير متشابهةٍ في حقِّه، إذ كلُّ أحدٍ يدَّعي أنها ليست من المتشابه في حقِّه.

ويدلُّ أيضًا على أن الصحابة كانوا يعرفونها، لأنه لا يمكنهم الحذرُ ممن يتبعها إلّا إذا كانوا يعرفونها.

وقوله: «فأولئك الذين سماهم الله ـ أي الذين في قلوبهم زيغ ــ فاحذروهم» .

(1)

البخاري (4547)، ومسلم (2665).

ص: 458

ملحق ــ 2 ــ

[ص 50][يدلُّ] عليه، فينبغي تمييز القسم الأول من القسم الثاني.

قد حصرنا التشابه في مستغلق المعنى، وفي الظنّي في العقائد وفي المشكوك

فيه الاحتمالات. فأما مستغلق المعنى فهو قسمان: الأول فواتح السُّور، والثاني .... فرض وجوده، والأخير إما أن يكون في الاعتقاديات أو لا

إما أن يكون في الاعتقاديات أو لا

: (1) فواتح السور، (2) مستغلق المعنى في الاعتقاديات، (3) مستغلق المعنى في غيرها، (4)[مشكوك في الاعتقاديات]، (5) مشكوك في غيرها، (6) ظنّي في الاعتقاديات.

[والقسم] الثالث والخامس الظاهر أنهما وإن كانا يصدُقُ عليهما التشابه، فليسا من المتشابه [المراد] في الآية، لأنهما إن كانا في العبادات أو المعاملات [فلا] يتم كونهما من المتشابه الذي لا مطمَع في علمه، إذ جميع أحكام العبادات والمعاملات كلها مبيَّنة [في] الشرع، فإن خفيتْ على واحدٍ وُفِّق لها الآخر. وإن كانا في القصص ونحوها فاتباعهما لا يظهر [دخولُه] في الزيغ المذموم المحذور منه.

وأما القسم الثاني والرابع والسادس ــ وهي المستغلق والمشكوك والظني في الاعتقاديات ــ فتنقسم إلى قسمين:

الأول: ما اختلف حالُ الناس فيه، بأن يكون مستغلقًا أو مشكوكًا أو ظنيًّا في حق شخصٍ، وقطعيًّا عند شخصٍ آخر لوقوفه على [دلائل] تبلِّغه درجةَ القطع.

ص: 459

الثاني: ما اتفق حالُ الناس فيه، بأن يكون مستغلقًا أو مشكوكًا أو ظنيًّا عند جميع الناس.

فالأول وإن كان يصدُق عليه التشابه فليس من المتشابه المراد في الآية لحديث «الصحيحين» كما مرَّ بيانه

(1)

. فلم يبقَ معنا إلَّا القسم الثاني، وهو ما يكون في الاعتقاد مستغلقًا أو مشكوكًا أو ظنيًّا، ولا يمكن علمه لأحدٍ من الخلق، وإلَّا فواتح السُّوَر.

فأما فواتح السور فإنها وإن كان يصدُق عليها التشابه فقد رأينا بعض الصحابة ومَن بعدهم خاضوا في تأويلها، ولم يُنكَر عليهم. ومع ذلك فلا يظهر وجهٌ قويمٌ لأن يُعدَّ الخائض فيها [ص 51][من الذين في قـ] لوبهم زيْغٌ المحذَّر منهم في الحديث. فلم يبقَ معنا إلَّا ما يكون في الاعتقاد [مستغلقًا أو مشكـ] وكًا أو ظنيًّا، ولا يمكن علمه لأحدٍ من الخلق [فهو] المراد في الآية.

وأما تعيينُه فإن حديث الصحيحين [يدلُّ على أن] الصحابة كانوا يعرفون الآيات المتشابهات بأعيانها، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرهم أنه

وحذَّرهم منهم. ومن البيِّن أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا ليتبعوها .... مع كونهم كانوا خير القرون، فإن وُجِد من يتبعها فإنما هو بعدهم. [و] بتتبُّعِ أقوال الصحابة رضي الله عنهم في الاعتقاديات عرفنا أنهم لم يكونوا يتبعون [آيات] الصفات وكذا أحاديثها بتفسيرٍ ولا تأويل، وإنما كانوا يكتفون بالإيمان بها والتسليم لها.

وقد نشأ بعدهم مَن ابتّعها واعتقد الملازمةَ بين ثبوتِ مطلق اليد والوجه

(1)

(ص 458).

ص: 460

ونحوهما وثبوتِ الماهية والكيفية والكمية وغيرها من الحوادث، وهم فرقتان:

فرقة تتبعها بأن تعتقدَ ظاهرَ آياتِ الصفات وأحاديثها، وتعتقد التلازم، فتستدل بها على صريح التشبيه ولوازمه، حتى قال بعضهم

(1)

: [أعفو] ني من الفرج واللحية، وسلوني عما شئتم.

وفرقة اعتقدوا التلازم وعلموا أن ثبوت الماهية وغيرها من الحوادث يقضي بتنزُّهِ الله تعالى عنه، فصرفوها كلَّها عن ظاهرها وأوَّلوها.

وكلا الفرقتين ــ والله أعلم ــ هم الذين قال تعالى فيهم: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} وهؤلاء هم الفرقة الأولى {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} وهم الفرقة الثانية.

هكذا ظهر لي أولًا، ثم رأيتُ الأَولى عدمَ التوزيع، بل الحق أن يُحمَل كلا الحكمين على كلا الفرقتين، فإن كلًّا منهما ابتغى الفتنة بخوضه فيما نُهِيَ عن الخوض فيه، وابتغى تأويل المتشابه، أي: بيان ما يؤول إليه معناه.

وأما الصحابة رضي الله عنهم ومَن اتبعهم فهم الذين قال تعالى فيهم: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} ذلك هو المتشابه المراد في الآية.

(1)

هو داود الجواربي من مشبّهة الروافض، كما سبق (ص 160).

ص: 461

ملحق ــ 3 ــ

[ص 52] توقيفية، لا يجوز فعلُ شيء منها إلا ما ثبت به الدليل. وهي ثلاثة أنواع: فرائض معلومة من الدين بالضرورة، [ونفلٌ مقيَّد يكون] له اسمٌ خاص، فإحداث نفلٍ كذلك ــ كصلاة الرغائب ــ بدعة ضلالة، ونفلٌ مطلقٌ، وهو .....

ـفية، وهو أيضًا ثلاثة أنواع: فرض معلوم من الدين بالضرورة، ونفلٌ مقيد، وهو [ما كان في زمن] خاص، كست شوال وتسع ذي الحجة، .... والبيض، وصوم يومٍ وفطر يوم، فإحداثُ صومٍ كذلك بدعة ضلالة، [كالتزام الإ] نسان صيامَ أحد عشرَ يومًا من أول صفر كل سنة، ونفلٌ مطلق [وهو ما لم] يجئ به زمن خاصّ.

[فالمطلو] ب في اتباعه في التطوع بالصلاة والصيام وقراءة القرآن هو ما ورد به دليلٌ خاص من السنة، وأن لا يُزاد على ذلك. [وفي الـ] صحيحين»

(1)

عن أنس قال: جاء ثلاثة رهطٍ إلى أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، [فلما] أُخبِروا بها كأنهم تَقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر؟ فقال [أحدهم]: أما أنا فأصلِّي الليلَ أبدًا، [وقال آخر: أنا أصوم الدهرَ ولا أُفطِر، وقال آخر: أنا أعتزلُ النساءَ فلا أتزوَّج أبدًا]. فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم، فقال:«أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصومُ وأُفطر، وأصلِّي وأرقدُ، وأتزوج النساء، فمن رغبَ عن سنتي فليس منِّي» .

(1)

البخاري (5063) ومسلم (1401).

ص: 462

ملحق ــ 4 ــ

. . . . الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

. . . . فنوعان: مقيَّد وغيره، فالمقيّد إما متعيِّن كتكبير الصلاة

، وإما غير متعيَّن كالأدعية عقبَ الصلاة وعند النوم والانتباه وغير ذلك. والمأثور في هذا أفضل، وكذا في سائر الأوقات التي لم [يُعيَّن فيها] ذكرٌ أو دعاءٌ مخصوص، فالأفضل اختيار ذكرٍ أو دعاءٍ من المأثور .... لو كان مقيدًا بغير ذلك. وأما إنشاء صيغة من صيغ الذكر أو الدعاء غير مأثورة

.... عموم الأمر بالذكر والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

. [ثم] الذكر المأمور به هو ما تضمَّن ثناءً حسنًا وردَ في الشرع، فما خالفَ ذلك [فهو ممنوع] بدعةُ ضلالة. والدعاء المأذون فيه ما لم يكن فيه اعتداء، ومن الاعتداءِ الدعاءُ

مكروه، وكالدعاء على مَن لم يظلمه، فما كان فيه اعتداءٌ فهو مخالفٌ للشرع. والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم المأذون بها ما لم يكن فيها إطراءٌ محظورٌ ولا ارتكابٌ لمنهيٍّ ولا كذبٌ عليه صلى الله عليه وسلم. ومن الكذب عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يُثنِيَ عليه بما لم يثبت، كأن يقول: اللهمَّ صلِّ على نبيك محمد الذي حمله جبريل على عاتقه، [فإن] ذلك كذبٌ عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من كذبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»

(1)

. والمراد بالتعمُّد أن يكون القائل غيرَ عالمٍ بصحة ما قاله، ولهذا كان حاكي [الحديث] الضعيف بصيغة الجزم كاذبًا، على أن النبي صلى الله

(1)

أخرجه البخاري (6197)، ومسلم (3) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وجاء من حديث جماعة كثيرة من الصحابة.

ص: 464

وسلم وبارك عليه غنيٌّ بما له من الفضائل والفواضل عن أن يغدق عليه أحدٌ بادعاءِ فضيلةٍ أخرى، وما مثلُه إلّا مثلَ ملِكٍ عظيم أمرَ طبَّاخَه أن يُصلِح له طعامًا، وأحضَر له من كل ما قد يحتاج إليه في الطبخ، فترك الطباخ ذلك وخرج إلى بيوت الجيران يسألهم للملك! فهل ترى هذه خدمةً للملك ومحبةً له أو إهانةً وإيهامًا أن الملك فقير؟ !

ومما يُنظر فيه زيادة «سيدنا» في الصلاة الإبراهيمية وفي التشهد وغيره، فإن بعضهم استحسن ذلك بحجة أنه زيادة إخبار بواقعٍ، مع أنه ليس في عدم ذكر ذلك في السنة ما يدلُّ على الكراهة، وقد قام الدليل أنه صلى الله عليه وسلم [ص] سيِّد ولد آدم، وأن الثناء عليه وتوقيره من أعظم القُرَب. قال: وما رُوي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: [لا تُسيِّدوني في الصلاة] لا أصلَ له

(1)

، ولو ثبت حُمِل على مطلق الإذن عنه صلى الله عليه وسلم بعدم تسييده، كما فهم الصديق [من إشارته صلى الله عليه] وآله وسلم له بالثبات في الإمامة، حيث رجَّح حسنَ الأدب فتأخّر، فيتعارض هنا امتثال الأمر [مع حسن الأدب]، [وحسن] الأدب أولى اقتداءً بالصديق. وكذلك نقول في مخالفة الوارد، إذ لم يكن فيه التسييد، بل هو أولى مما مرَّ

[فالجواب: ] .... هذه الزيادة يشعر أنها غير مشروعة؛ إذ لو كانت مشروعةً لأرشد إليها الشارع. وفي حديث [ابن مسعود] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أيها الناس! ليس من شيء يُقرِّبكم إلى الجنة ويباعدكم من النار [إلا قد أمرتُكم به»

(2)

]. فإن كان صلى الله عليه وآله وسلم يمنعُه من ذلك الحياءُ والتواضع كما

(1)

انظر «المصنوع» (ص 206) و «الأسرار المرفوعة» (ص 381) كلاهما للقاري.

(2)

أخرجه البغوي في «شرح السنة» (14/ 303). وفي إسناده انقطاع بين زبيد اليامي وابن مسعود رضي الله عنه. وفي الباب حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عند مسلم (1844).

ص: 465

يقولون فلابدَّ أن .... ويتحتم عليه صلى الله عليه وآله وسلم البيانُ، والله عز وجل يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

} [المائدة: 3].

[فإن قيل: ] فقد جاء في القرآن عمومات تقتضي ذلك، كقوله عز وجل: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ

} [الأعراف: 157]، [وقوله: ] {لَا

(1)

تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] وغير ذلك. والتعزير: التوقير، وهو

التعظيم بالتسييد، ويُقاس على دعاء الرسول ذِكْرُه، فلا ينبغي أن نذكره كما يذكر بعضنا بعضًا.

[فالجواب] أن هذه التمسكات إنما تصلُح فيما لم يَرِدْ مبيَّنًا، فأما ما ورد مبينًا فالواجب الوقوف عنده، فكيف وقد مضى [عهدُ النبي]صلى الله عليه وآله وسلم وعهدُ أصحابه وتابعيهم ومَن بعدهم والأئمة الأربعة وغيرهم على عدم النطق بهذه [في] تلك المواضع؟ وقد عُلِم أن السنة تثبت بالترك كما تثبت بالفعل، ويتبعها في ذلك الإجماعُ.

ثم إن

أنه ينبغي اتباع الألفاظ في الأذكار والأدعية المأثورة، وأن لا يُزاد ولا يُنقَص، ولا يغيَّر ولا يُبدَّل، [ولا يُقدَّم] ولا يؤخَّر، لأن في التغيير لشيء من ذلك إخراجًا لها عن كونها مأثورةً، وفي ذلك ذهابُ بركتها من .... كيف بما إذا كانت واجبةً كالتشهد.

ويقال لمن يرى ذلك: وهل ترى أن يُزاد ذلك في الأذان؟ [فإن قال: نعم] قال ما لم يقله أحدٌ، وجاء ببدعة منكرة خالف بها جميع الأمة، ويُرَدُّ عليه مع ذلك بما مرَّ وغيره. وإن قال: لا .... فلا يجيء بجوابٍ مقبول إلّا

(1)

في الأصل: «يأيها الذين آمنوا لا

» سهو.

ص: 466

ألزم مثله في التشهد ونحوه.

وأما قولهم: «إن سلوك الأدب أولى من امتثال الأمر» [والاستدلال] بفعل الصديق، فهذا حيث كان المأمور به شيئًا يُخِلُّ بالأدب مع الأمر، وعُلِم أنه إنما أمر به تركًا لحقِّ نفسِه لا لمقتضٍ [آخر، فيكون] الأمر حينئذٍ لمجرد بيان الجواز، وحينئذٍ فيعارضُه حسنُ الأدب، فيتبين أن ذلك الفعل خلاف الأولى، وهذا هو الذي

(1)

، فإن فعله رضي الله عنه ليس حجةً، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُقِرَّه، بل قال عقِبَ

بأنه يفعله.

[وإن كان الأمر] لمقتضٍ آخر غير ترك حقِّ النفس، فإنه يتعيَّن امتثال الأمر جزمًا، سواء كان ذلك المقتضي يقتضي الوجوب أو .... فعدمُ امتثالِه مكروه أو خلاف الأولى، فيعارض حسن الأدب الذي تركه خلاف الأولى، مع أن مجرد عدم الامتثال ..... حينئذٍ، فيقابل سوء الأدب بسوء الأدب، ويترجَّح جانب الامتثال بالمقتضي الآخر. بل إذا تحقق المقتضي الآخر

سوء الأدب أصلًا.

إذا تقرَّر هذا فعدم التسييد في الصلاة الإبراهيمية ونحوها .... لأن المقام مقام دعاء الله سبحانه وتعالى، وهو يقتضي إفراد التعظيم له من كل وجه، مع ما يشير إليه حديث:[لا تسيِّدوني في] الصلاة، ويظهر من هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحبَّ أن لا يكون ذكره الملابس لذكر الله عز وجل كالصلاة

عن أوصاف المدح الظاهرة، بل يُكتفَى فيه بما يكتفى به في ذكر سائر العباد. وهذا حسنُ أدبٍ منه وتواضعٌ لربه عز وجل .... لربه، ولم يتركه لنا حتى يسوغ لنا عدمُ الامتثال كما ساغ للصديق. فافهم الفرق.

(1)

خرم في الأصل ولعله «فعله الصديق» .

ص: 467

مع أن هذا الأدب منه مع ربه .... رضي لنفسه نحو ما رضيه الله له في أشرفِ مواطنه، قال عز وجل:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1]، وقال تعالى:{نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30]. وذكر الله عز وجل أنبياءه في مقام المدح بقوله: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا} [ص: 17]، {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا} [ص: 41]. وقال عز وجل في ردّه على إبليس: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]. ومثل ذلك كثير.

ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم : «كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم»

فزاد ذكر العبد عند الدعاء له ونحوه من أوصاف المدح مقتضيًا آخر غير مجرد التواضع؛ لأن التواضع إن أمكن في حق نفسه فكيف

، فلم يُعلِّمنا أن نقول:«كما صلَّيتَ على خليلك سيِّدنا إبراهيم» مثلًا. ولا ينافي هذا قولَه صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء للمدينة: «

إبراهيم عبدك ونبيك وخليلك، وإني عبدك ونبيك» الحديث، فإن لكلِّ مقامٍ مقالًا، مع أنه قدَّم ذكر العبودية كما ترى.

[وفي «المشـ] كاة» عن نافع أن رجلًا عطسَ إلى جَنْب ابن عمر، فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله، قال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، [علَّمنا] أن نقول: الحمد لله على كلِّ حال. رواه الترمذي

(1)

، وقال: هذا [حديث] غريب.

وفي حواشيه نقلًا عن «اللمعات» : قوله: «وليس هكذا» أي: ولكن ليس المسنون في هذه الحال هذا القول، وإنما الذي

أن يقول: الحمد لله على كل حال فقط، من غير زيادة السلام فيه. على أنه ينبغي في الذكر والدعاء

(1)

(2738).

ص: 468

الاقتصار على المأثور، من غير [زيادة] ونقص، فالزيادة في مثله نقصان في الحقيقة، كما لا يُزاد في الأذان بعد التهليل «محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»

وفصل الخطاب في هذه القضية أنه قد عُلِم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علَّم أصحابَه التشهدات

بدون هذه الكلمة ونحوها، ونقلها أصحابه كذلك، ولم يرشدوا إلى الزيادة، ولا نُقِل فعلُها عنهم، وهكذا الحال فيمن بعدهم

والسنة تثبُت بالترك كما تثبُت بالقول والفعل والتقرير، ويتبعها في ذلك الإجماعُ. قال الشوكاني [في «إرشاد الفحول»

(1)

عن ابن السمعاني: إذا] ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا وجبَ علينا متابعتُه فيه

إلخ. وما اقتضته العمومات القرآنية .... الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والثناء عليه، فيعمل بها فيما لم تكن السنة فيه عدمها، فإن الواجب في

ما ورد.

وبعد، فقد مضى السلف الصالح على ما علمتَ، وقد كانوا أعلم بالله ورسوله وأشدَّ

(1)

(1/ 119).

ص: 469