الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَوْضِعُها، وصِيَغُها
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي على نفسه في التشهد الأول وغيره (1) .
وسَنَّ ذلك لأمته؛ حيث أمرهم بالصلاة عليه بعد السلام عليه (2) .
(1)[رواه] أبو عوانة في " صحيحه "(2/324) ، {والنسائي} .
(2)
قلت: فكما أن السلام عليه صلى الله عليه وسلم يشرع في كل تشهد، فكذلك تشرع الصلاة
عليه صلى الله عليه وسلم بعد كل تشهد، سواء في الجلوس الأول أو الآخر؛ لعموم الأدلة، وإطلاقها:
فمنها: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . قال ابن القيم في كتابه القيم " جلاء الأفهام "(249) :
" فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه؛ ولهذا سأله أصحابه
عن كيفية الصلاة عليه وقالوا: قد علمنا كيف نسلم عليك؛ فكيف نصلي عليك؟ فدل
على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن المصلي يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم
- يعني: في التشهد الأول -؛ فيشرع له أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم ".
ومنها: الأحاديث الكثيرة الواردة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وهي على نوعين:
مقيدة بالصلاة، ومطلقة.
والأولى على قسمين: منها ما هو مقيد بالتشهد، ومنها ما هو مطلق.
أما القسم الأول: ففيه أربعة أحاديث:
الأول: عن ابن مسعود مرفوعاً:
" إذا تشهد أحدكم في الصلاة؛ فليقل: اللهم! صلِّ على محمد
…
" إلى
آخرها.
أخرجه الحاكم (1/269) ، وعنه البيهقي (2/379) عن يحيى بن السَّبَّاق عن رجل
..............................................................................
من بني الحارث عنه. وقال الحاكم:
" صحيح ". ووافقه الذهبي! وهو عَجَب؛ فإن الحارثي لم يسمَّ؛ ولذلك قال الحافظ
في " التلخيص "(3/504) :
" رجاله ثقات، إلا هذا الرجل الحارثي؛ فينظر فيه ".
الثاني: عنه أيضاً قال:
علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن
…
فذكره، وفيه:
" اللهم! صل على محمد
…
" إلخ.
أخرجه الطبراني في " الكبير "، والدارقطني (135) من طريق محمد بن بكر
البُرْساني: نا عبد الوهاب بن مجاهد: ثني مجاهد قال: ثني عبد الرحمن بن أبي ليلى أو
أبو معمر عنه.
وضعفه الدارقطني - وتبعه الهيثمي (2/145) - بابن مجاهد هذا؛ فقالا:
" ضعيف ".
الثالث: عن ابن عمر مثله.
أخرجه الدارقطني (134) من طريق خارجة بن مصعب عن موسى بن عُبيدة عن
عبد الله بن دينار عنه. وقال:
" موسى بن عبيدة وخارجة: ضعيفان ".
الرابع: عن بريدة مرفوعاً:
" يا بريدة! إذا جلست في صلاتك؛ فلا تترك التشهد والصلاة عليَّ؛ فإنها زكاةُ
الصلاة ".
..............................................................................
رواه الدارقطني أيضاً (136) عن عمرو بن شِمْر عن جابر عن عبد الله بن بريدة
عنه. وقال:
" عمرو بن شِمْر وجابر: ضعيفان ".
وهذه الأحاديث وإن كانت أسانيدها ضعيفة؛ فمجموعها صالح للاحتجاج بها إن
شاء الله تعالى؛ لا سيما وأنها مؤيدة بالقسم الثاني، وفيه ثلاثة أحاديث:
الأول: عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
أنه كان يقول في الصلاة:
" اللهم! صل على محمد
…
" إلخ.
أخرجه الإمام الشافعي في " الأم "(1/102) : أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: ثني
سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجْرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه.
وإبراهيم بن محمد هذا: ضعيف. وقال ابن القيم (15) :
" كان الشافعي يرى الاحتجاج به على عُجَرِهِ وبُجَرِهِ، وقد تكلم فيه مالك والناس ".
الثاني: عن أبي هريرة أنه قال:
يا رسول الله! كيف نصلي عليك - يعني: في الصلاة -؟ قال:
" قولوا: اللهم! صلِّ على محمد
…
" إلخ.
أخرجه الشافعي أيضاً عن شيخه هذا بإسناده عنه. لكن يشهد له:
الحديث الثالث: عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال:
أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده؛ فقال: يا رسول الله!
أما السلام عليك؛ فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا - صلى
الله عليك -؟ قال: فَصَمَت رسول الله صلى الله عليه وسلم حى أحببنا أن الرجل لم يسأله. فقال:
..............................................................................
" إذا أنتم صليتم علي؛ فقولوا: اللهم! صل على محمد
…
" إلخ.
أخرجه أبو داود (1/155) ، والدارقطني (135) ، والبيهقي (2/146 و 378) ،
وأحمد (4/119) عن محمد بن إسحاق قال: وثني - في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا المرء المسلم صلى عليه في صلاته - محمدُ بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد
ابن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري عنه.
وهذا إسناد حسن متصل - كما قال الدارقطني -.
وأما قول الحاكم (1/268) - بعد أن ساقه من هذا الوجه -:
" صحيح على شرط مسلم ".
فليس بصواب؛ وإن وافقه الذهبي؛ لأن ابن إسحاق إنما خرَّج له مسلم في المتابعات
- كما سبق التنبيه عليه مراراً -.
على أنه قد تكلم بعضهم في حديثه هذا؛ لأنه تفرد بقوله: إذا نحن صلينا في
صلاتنا. مع أن بعض الرواة عن ابن إسحاق لم يذكرها - كما ذكر ذلك ابن القيم بما هو
مبين في كتابه " الجلاء ". فراجعه (4 - 6) -.
وقد روى الحديث مسلم وغيره، وليس فيه هذه الزيادة، وسيأتي ذكره قريباً إن شاء
الله تعالى (*) .
أما قوله: أما السلام عليك؛ فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟
فهو ثابت في غير ما حديث - كما سنذكره -.
وأما النوع الآخر من الأحاديث؛ فسيأتي ذكر كل منها في موضعه إن شاء الله
تعالى.
_________
(*) انظر - لزاماً - (ص 922) .
..............................................................................
وقد قال العلماء - كالبيهقي، وابن كثير، والعسقلاني -:
ومعنى قولهم: (هذا السلام عليك قد عَلِمْناه) : هو ما علّمهم إياه في التشهد من
قولهم: (السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته) .
فهو دليل واضح على مشروعية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول أيضاً؛ لوجود
السلام عليه فيه. ويؤيد ذلك الأحاديثُ التي قبله.
وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه الله كما نص عليه في " الأم "(1/102 و 105) -،
وهو الصحيح عند أصحابه؛ كما صرح به النووي في " المجموع "(3/460)، ثم قال:
" والصحيح أنها تُسَنُّ، وهو نص الشافعي في " الأم " و " الإملاء ".
{واستظهره في " الروضة "(1/263 - طبع المكتب الإسلامي) .
وهو اختيار الوزير ابن هبيرة الحنبلي في " الإفصاح "؛ كما نقله ابن رجب في " ذيل
الطبقات " (1/280) وأ قره} .
وقد عقد ابن القيم فصلاً خاصاً للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وذكر
اختلاف العلماء في ذلك، وساق أدلة المجيزين والمستحِبين، وهي بعض الأحاديث التي
أوردناها في النوع الأول؛ كحديث ابن عمر، وبريدة؛ وقال:
" وهذا يعم الجلوس الأول والآخر ".
ثم ذكر لهم حجة أخرى؛ وهي الآية التي مر ذكرها مع كلام ابن القيم عليها، ثم قال:
" ولأنه - يعني: التشهد الأول - مكانٌ شرع فيه التشهد، والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم؛
فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الأخير، ولأن التشهد الأول محل يستحب فيه ذكر
الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فاستحب فيه الصلاة عليه؛ لأنه أكمل لذكره ".
..............................................................................
ثم ساق أدلة المانعين المخالفين، وليس فيها ما ينبغي الاشتغال بالإجابة عنه، إلا
قولهم:
إن التشهدَ الأولَ تخفيفُه مشروعٌ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس فيه؛ كأنه على
الرَّضْفِ. وقولهم:
إنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك فيه.
والجواب عن الأول:
إن الحديث المذكور ضعيف لا يصح الاحتجاج به؛ لأنه من رواية أبي عبيدة بن
عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع منه - كما تقدم ذلك مراراً -.
أخرجه أصحاب " السنن " - إلا ابن ماجه -، والحاكم (1/269) ، والبيهقي
(2/134) ، والطيالسي (ص 44) ، وأحمد (1/386 و 410 و 428 و 436 و 460) من طرق
عن سعد بن إبراهيم عنه. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين ". وتعقبه الذهبي بقوله:
" ينظر؛ هل سمع سعد من أبي عبيدة؟ ".
وهذا ليس بشيء؛ فقد صرح سعد بسماعه من أبي عبيدة في رواية الطيالسي،
والترمذي، وهو يرويه عنه، وكذا صرح به في رواية لأحمد. وإنما علته الحقيقية ما أشرنا
إليه آنفاً، وقد ذكرها الترمذي أيضاً حيث قال:
" هذا حديث حسن، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ".
ويتعجب منه كيف جمع بين تحسين الحديث وذكرِ علته التي تمنع الحكم عليه
بالحسن، مع العلم بأنه ليس له طريق إلا هذه!
..............................................................................
وقد نقل النووي في " المجموع "(3/460) كلامه مختصراً، وتعقبه حيث قال:
" قال الترمذي: هو حديث حسن. وليس كما قال؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع أباه،
ولم يدركه باتفاقهم. وهو حديث منقطع ".
وكذلك أعله الحافظ في " التلخيص "(3/506) ؛ قال:
" وهو منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، قال شعبة عن عمرو بن مُرَّة: سألت
أبا عبيدة: هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا. رواه مسلم وغيره ".
على أن الحديث لو صح؛ لم يكن فيه دليل على ما ذكروا؛ فقد قال الشوكاني
(2/242) - بعد أن ذكر الخلاف في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وساق أدلة
الفريقين -:
" ولكن تخصيص التشهد الأخير بها مما لم يدل عليه دليل صحيح ولا ضعيف،
وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير، وغاية ما
استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث ابن مسعود هذا، وليس فيه إلا مشروعية
التخفيف، وهو يحصل بجعله أخف من مقابله - أعني: التشهد الأخير -، وأما أنه
يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه؛ فلا، ولا شك أن المصلي - على أحد
التشهدات، وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم (قلت: كالنوعين الأخيرين) - كان
مسارعاً غاية المسارعة باعتبار ما يقع من تطويل الأخير؛ بالتعوذ من الأربع، والأدعية
المأمور بمطلقها ومقيدها فيه ".
وأما الجواب عن قولهم: إنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك فيه؛ فهو
المعارَضَةُ بأن يقال: كذلك لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك في التشهد الأخير؛
أفيدل ذلك على عدم المشروعية؟ كلا.
..............................................................................
وتوضيح ذلك: أن الأمور الشرعية تثبت إما بقوله صلى الله عليه وسلم، أو بفعله، أو بتقريره، وليس
من الضروري أن تجتمع هذه الأمور الثلاثة في إثبات أمر واحد اتفاقاً.
وعليه؛ فهذه الأدلة التي سقناها، والتي سيأتي ذكرها - كما أنها تدل على
مشروعية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؛ فكذلك - تدل على مشروعيتها في
الجلوس الأول بعمومها وإطلاقها - كما تقدم -.
نعم؛ لو صح ما يقيد ذلك من الأدلة؛ لأخذنا بها؛ حملاً للمطلق على المقيد،
ولكنه لم يصح - كما علمت -.
على أنه قد بقي علينا أن ننبه على بعض الروايات التي تصلح دليلاً على ذلك من
حيث ظاهر معناها، وإن كانت لا تصلح لذلك من حيث ضعف سندها؛ وهي روايتان:
الأولى: عن ابن مسعود قال:
علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها
…
الحديث وفيه: قال:
ثم إن كان في وسط الصلاة؛ نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها؛
دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم.
أخرجه أحمد، وكذا ابن خزيمة - كما في " التلخيص "(3/507) -.
وهو حديث ضعيف - كما سبق بيانه في (جلسة التشهد) -.
والأخرى: عن عائشة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد في الركعتين على التشهد.
أخرجه أبو يعلى من طريق أبي الحويرث عنها. قال الهيثمي (2/142) :
" والظاهر أن أبا الحويرث هذا هو خالد بن الحويرث، وهو ثقة ".
..............................................................................
وأقول: خالد هذا لم أر أحداً كنّاه بهذه الكنية ولا بغيرها (*) . ثم إن كان هو هذا؛
فهو مجهول، قال ابن معين:
" لا أعرفه ". وقال ابن عدي:
" إذا كان يحيى لا يعرفه؛ فلا يكون له شهرة، ولا يعرف ".
والهيثمي إنما اعتمد في توثيقه على توثيق ابن حبان، وقد اشتهر ابن حبان بتساهله
في ذلك؛ فلا يعتمد عليه، ولذلك قال الحافظ في " التقريب ":
" مقبول ". أي: مجهول - كما بين ذلك في المقدمة -.
والحافظ أقعد في الحديث، وأعرف بعلومه من شيخه الهيثمي.
هذا؛ وأما بقية أدلة المانعين التي ذكرها ابن القيم؛ فهي إنما ترِد على الشافعية
خاصة، حيث إنهم يفرقون بين التشهد الأول والتشهد الأخير في الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم حكماً وكمية؛ فيقولون بوجوبها في الأخير دون الأول، ويقولون بأنه لا يشرع
إتمامها إلى آخرها في الأول، بل يكرهون الزيادة على: " اللهم! صل على محمد
…
"،
بخلاف التشهد الأخير؛ فلا تكره الزيادة على ذلك، بل تستحب.
فلذلك ألزمهم مخالفوهم بالتسوية بين الصلاتين في الحكم، والكمية، والكيفية؛
وهو إلزام قوي لا مفر لهم منه؛ لأن الدليل واحد في كل من الصلاتين، فكيف يسوغ
التفريق بينهما؟! ولذلك نرى أنه لا بد من الإتيان بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كاملة في
كل تشهد؛ ليكون عاملاً بالأمر على تمامه. والله تعالى هو الموفق.
ثم وجدت حديثاً فيه التصريح بصلاته صلى الله عليه وسلم على نبيه صلى الله عليه وسلم في التشهدين - عند أبي عوانة
_________
(*) بل هو أبو الجوزاء - كما في " مسند أبي يعلى "(4373) -، ولعله تصحّف على الهيثمي!
وانظر (ص 177 - 178) .
وعلمهم أنواعاً من صيغ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم (1) :
1-
" اللهم! صلِّ على........................................................
(2/324) ، [وهو الحديث السابق (ص 904) . وانظر " تمام المنة " (ص 224 - 225) ] .
(1)
اعلم أنه قد جاءت صيغ كثيرة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، حتى جمعها بعض
المتقدمين فبلغت ثمانياً وأربعين كيفية؛ منها عن النبي صلى الله عليه وسلم ست وثلاثون، والباقي عن
الصحابة والتابعين. وقد أورد منها صديق حسن خان في " نزل الأبرار"(167 - 171)
نحو ثلاثين كيفية، كلها مرفوعة إلا واحدة، ولكني أرى أنهم قد توسعوا في ذلك بما
كانوا في غنى عنه؛ فقد ذكروا في أثناء ذلك روايات ضعيفة لا تصح - كما سيأتي
التنبيه على بعضها إن شاء الله تعالى-، وفي الصحيح ما يغني عنها، بل استخرجوا من
الرواية الواحدة عن صحابي واحد عدة صيغ وكيفيات، وليس هذا بجيد؛ فإنما نشأ ذلك
من اختلاف الرواة، فكان ينبغي الأخذ بالزائد، وضمه إلى الأصل - كما هو صنيعنا في
هذا الكتاب -. وسيأتي التنبيه على بعض الأمثلة في ذلك إن شاء الله تعالى.
1-
هو من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم:
أنه كان يقول:
…
فذكره.
أخرجه الإمام أحمد (5/374) : ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر عن ابن طاوس عن أبي
بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عنه.
وهذا إسناد صحيح. رجاله كلهم ثقات رجال الستة.
وقد أخرجه الطحاوي في " المشكل "(3/74) من طريق أحمد بن صالح قال: ثنا
عبد الرزاق به.
لكنه اختصره؛ فلم يقل: " كما صليت على آل إبراهيم
…
". كما أنه لم يذكر:
" وبارك على محمد
…
" إلخ.
واتفقا على زيادة:
محمدٍ (1) ، وعلى أهلِ بيتِهِ (2) ،............................................
قال ابن طاوس: وكان أبي يقول مثل ذلك.
{وأخرجه الشيخان دون: " أهل بيته "} .
(1)
قال العلماء: معنى صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه عند ملائكته. ومعنى
صلاة الملائكة عليه: الدعاء له والاستغفار. ومعنى صلاة الآدميين: الدعاء والتعظيم
لأمره. وقيل: صلاة الرب: الرحمة. وقد رد هذا القول المحققون من العلماء؛ كالحافظ
ابن حجر العسقلاني، وقبله ابن القيم في كتابه " الجلاء ".
وقد ساق في بيان ضَعْفِ ذلك خمسة عشر وجهاً؛ أولها: أن الله سبحانه فرق بين
صلاته على عباده ورحمته؛ فقال {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} . فعطف
الرحمة على الصلاة؛ فاقتضى ذلك تغايُرَهما، هذا أصل العطف. وأما قولهم: و (ألفى قولها
كذباً وَمَيْناً) : فهو شاذ نادر لا يحمل عليه أفصح الكلام، مع أن المين أخص من الكذب. قال:
" فمعنى الصلاة: هو الثناء على الرسول، والعناية به، وإظهار شرفه وفضله
وحرمته؛ كما هو المعروف عند العرب ". قال:
" وإن ذُكِرت صلّى عليها وزمزما. أي: برَّك عليها ومدحها. ولا تعرف العرب قط
(صلى عليه) بمعنى (رحمه)". وقال الحافظ في " الفتح " (11/130) :
" وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية: أن معنى صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه
وتعظيمه. وصلاة الملائكة وغيره عليه: طلب ذلك له من الله تعالى، والمراد: طلب
الزيادة؛ لا طلب أصل الصلاة ".
(2)
في " القاموس ":
" أهل الرجل: هم عشيرته، وذوو قرباه ".
وعلى أزواجِه (1) ،..........................................................
قلت: وفي الصيغ الأخرى ذكر الآل. والمعنى واحد؛ فإن أصل الآل: أهل. أُبدلت
الهاء همزة؛ فصارت: (أَأْل) . ثم سهلت على قياس أمثالها؛ فقيل: (آل) . ولا يستعمل
إلا فيما فيه شرف غالباً؛ فلا يقال: آل الإسكاف، كما يقال: أهله. كما في " القاموس "
أيضاً.
وقد ذكر ابن القيم في " الجلاء "(ص 133 - 135) قولين في أصل الآل؛ هذا
أحدهما، وضعفه من وجوه ذكرها. والقول الثاني: أن أصله: أول. وذكره صاحب
" الصحاح " في باب الهمزة والواو واللام. قال:
" وآل الرجل: أهله وعياله. وآله أيضاً: أتباعه. وهو عند هؤلاء مشتق من آل يؤول؛
إذا رجع. فآلُ الرجل: هم الذين يرجعون إليه، ويضافون إليه، ويؤولهم: أي: يسوسهم؛
فيكون مآلهم إليه. ومنه: الإيالة؛ وهي السياسة. فآل الرجل: هم الذين يسوسهم
ويؤولهم، ونفسه أحق بذلك من غيره؛ فهو أحق بالدخول في آلهِ، ولكن لا يقال: إنه
مختص بآله؛ بل هو داخل فيهم ". ونحوه في " الفتاوى " لابن تيمية (1/163) .
وقد اختلفوا في المراد بآل محمد على أربعة أقوال؛ أصحها: أنهم الذين تحرم عليهم
الصدقة. على اختلاف بين العلماء في تعيينهم. وقد بسط الكلام على ذلك في
" الجلاء "(138 - 150) .
(1)
جمع (زوج) . وقد يقال: جمع (زوجة) . والأول أفصح، وبها جاء القرآن؛ قال
تعالى لآدم: {اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} . وأزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي دخل بهن إحدى
عشرة:
1-
خديجة بنت خويلد. ماتت سنة ثلاث قبل الهجرة.
2-
زينب بنت خزيمة الهلالية. ماتت سنة أربع بعد الهجرة.
وذُرِّيَّتِه (1) ؛.....................................................................
3- زينب بنت جحش (سنة 20) .
4-
حفصة بنت عمر بن الخطاب (سنة 27) .
5-
رملة: أم حبيبة بنت أبي سفيان (سنة 44) .
6-
جويرية بنت الحارث المُصْطَلِقِيّة (سنة 50) .
7-
ميمونة بنت الحارث الهلالية (سنة 51) .
8-
صفية بنت حُيَي (سنة 52) .
9-
سودة بنت زَمْعَة (سنة 54) .
10-
عائشة بنت أبي بكر (سنة 58) .
11-
هند: أم سلمة بنت أبي أمية القرشية المخزومية (سنة 62) . فهي آخر نسائه موتاً.
وقد توفي صلى الله عليه وسلم عن تسع منهن اتفاقاً، وهن مَن ذُكرن؛ غير خديجة وزينب بنت
خزيمة. ومن شاء الاطلاع على تراجمهن وشيء من خصوصياتهن؛ فليراجع " الجلاء "
(154 - 172) .
(1)
بضم المعجمة؛ من (ذرأ الله الخلق) . أي: نشرهم وأظهرهم. إلا أن الهمزة
سُهِّلَت لكثرة الاستعمال. هذا هو الأصح في اشتقاقها - كما في " الجلاء " (172 -
173) - وهي الأولاد وأولادهم.
وهل يدخل فيها أولاد البنات؟ فيه خلاف بين الشافعي وأبي حنيفة؛ فأثبت ذلك
الأول، ونفاه الآخر، وتوسط أحمد في رواية؛ فقال:
" كل من انقطع نسبه من جهة الأب إما بلِعانٍ أو غيره؛ قامت أمه في النسب مقام
أبيه وأمه ". قال ابن القيم (177) :
كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ (1) مجيدٌ.
وبارِكْ (2) على محمدٍ، وعلى أهلِ بيتِه، وعلى أزواجِه، وذريّتِه؛ كما
باركتَ على آل إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ ".
" وهو مقتضى النصوص وقولِ ابن مسعود وغيره. والقياس يشهد له بالصحة ". ثم
بين وجه ذلك. فراجعه.
هذا، والمراد بالذرية هنا أولاد فاطمة ونسلها اتفاقاً؛ فلا يَرِدُ الخلاف المذكور فيه.
(1)
هو فعيل، من (الحمد) بمعنى: محمود، وأبلغ منه. وهو من حصلت له من
صفات الحمد أكملها.
وأما (المجيد) : فهو من (المجد) ، وهو صفةُ مَن كَمُلَ في الشرف. وهو مستلزم
للعظمة والجلال، كما إن الحمد يدل على صفة الإكرام.
ومناسبة ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العظيمين: أن المطلوبَ تكريمُ الله لنبيه،
وثناؤه عليه، وزيادة تقريبه، وذلك مما يلزم طلب الحمد والمجد؛ ففي ذلك إشارة إلى أنهما
كالتعليل للمطلوب، أو هو كالتذييل له.
والمعنى: أنك فاعل ما تستوجب به الحمد والمجد من النعم المترادفة، كريم بكثرة
الإحسان إلى جميع عبادك. كذا في " الفتح "(11/136) .
(2)
من (البركة) ؛ وهي: النماء والزيادة. والتبريك: الدعاء بذلك، ويقال: باركه
الله، وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له.
فهذا الدعاء يتضمن إعطاءه صلى الله عليه وسلم من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم، وإدامته، وثبوته
له، ومضاعفته له، وزيادته. هذا حقيقة البركة. وقد فَصَّلَ ذلك ابن القيم في " الجلاء "
(205 - 215) . فليراجعه من شاء.
2-
" اللهم! صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ؛ كما صليتَ على
[إبراهيمَ، وعلى] آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ.
اللهم! بارك على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ؛ كما باركتَ على
[إبراهيمَ، وعلى] آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ ".
2- هو من حديث كعب بن عُجْرة. يرويه عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
لقيني كعب بن عُجْرة، فقال: ألا أهدي لك هدية؟
إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا؛ فقلنا: يارسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك؛
فكيف نصلي عليك؟ قال: " قولوا:
…
" فذكره.
أخرجه البخاري (8/432 و 11/127) ، ومسلم (2/16) ، وأبو داود (1/154 -
155) ، والنسائي (1/190){وفي " عمل اليوم والليلة " (162/54) } ، والترمذي
(2/352 - 353) ، والدارمي (1/309) ، وابن ماجه (1/293) ، والطحاوي في
" المشكل "(3/72) ، والبيهقي (2/147) ، والطيالسي (142) ، و {ابن منده في
" التوحيد "(68/2) -[140/323] } ، وأحمد (2/241 و 243) ، والطبراني في
" الصغير "(193) ؛ كلهم من طرق عن الحكم بن عُتَيبة عنه.
وقد تابعه عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. وفيه
الزيادتان.
أخرجه البخاري (6/317) ، والطحاوي (3/73) ، والبيهقي (2/148) .
وتابعه أيضاً يزيد بن أبي زياد (*) .
أخرجه أحمد (4/244)، ولفظه:
_________
(*) [والزبير بن عدي: عند {ابن منده وقال:
" هذا حديث مجمع على صحته "} ] .
..............................................................................
لما نزلت: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} ؛ قالوا: كيف نصلي عليك يا
نبي الله؟! قال: " قولوا:
…
" فذكره بتمامه بالزيادتين.
وهذا إسناد جيد (1) .
وقد ثبتتا عند النسائي في رواية عن الحكم أيضاً.
وأخرجه الطحاوي من طريق سفيان عن إلأعمش عن الحكم به. مثل رواية يزيد بن
أبي زياد في النزول، ولكن ليس فيه:
" وعلى آل إبراهيم ". وهي رواية لأبي داود وغيره.
ورواه سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن عبد الرحمن به نحواً من
هذا.
كذا أخرجه الطحاوي.
فقد تبين أن هاتين الزيادتين ثابتتان صحيحتان. فقول ابن القيم في " الجلاء "
(198)
- تبعاً لشيخه ابن تيمية في " الفتاوى "(1/160) -:
" ولم يجئ حديث صحيح فيه لفظ: (إبراهيم وآل إبراهيم) معاً ".
غير صحيح، وهو ذهول عجيب - لا سيما من مثل ابن تيمية الحافظ - عن كون
ذلك ثابتاً في البخاري؛ فضلاً عن " المسند "(2) .
_________
(1)
وكذا رواه {الحميدي (138/1) = [2/310] } ، وابن السني في " اليوم والليلة "(33) ، لكن
ليس فيه ذكر نزول الآية.
(2)
{فها قد جئناك به صحيحاً، وهذا في الحقيقة من فوائد هذا الكتاب، ودقة تتبعه للروايات
والألفاظ والجمع بينها، وهو - أعني: التتبع المذكور - شيء لم نُسْبق إليه. والفضل لله تعالى، وله
الشكر والمنة} .
3-
" اللهم! صلِّ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ؛ كما صليتَ على
إبراهيمَ، [وآلِ إبراهيمَ] ، إنك حميدٌ مجيد.
وبارك على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ؛ كما باركتَ على [إبراهيمَ، و]
آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيد ".
وقد جاءت هذه الزيادة أيضاً من حديث طلحة بن عبيد الله - وهو الآتي بعده -،
ومن حديث أبي هريرة - وهو النوع السابع -.
ومن الغريب أن ابن القيم قد أورده في كتابه (14 - 15) بهذه الزيادة، وقال:
" صحيح على شرط الشيخين ".
فلا أدري كيف جاز له أن يقول بعد ذلك:
" ولم يجئ حديث صحيح فيه اللفظان "! فلعله نسي ما قدم بين يديه. وجاءت
الزيادة أيضاً في رواية للبخاري من حديث أبي سعيد الخدري - وهو النوع الخامس -.
3-
هو من حديث طلحة بن عبيد الله قال:
قلت: يا رسول الله! كيفَ الصلاةُ عليك؟ . قال: " قل:
…
" فذكره.
أخرجه أحمد (1/162) : ثنا محمد بن بشر: ثنا مُجَمِّع بن يحيى الأنصاري: ثنا
عثمان بن مَوْهَب عن موسى بن طلحة عن أبيه.
وكذلك أخرجه النسائي (1/190) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، {وأبو يعلى
في " مسنده "(ق 44/2 = [1/282/648) عن أبي بكر بن أبي شيبة؛ كلاهما قالا] } :
أنبأنا محمد بن بِشْر به. وفيه الزيادتان.
وأخرجه الطحاوي (3/71) قال: ثنا فهد بن سليمان العبدي عن مُجَمِّع بن يحيى
به، دون قوله:
..............................................................................
" وبارك على محمد
…
" إلخ.
والحديث صحيح على شرط مسلم.
ثم أخرجه النسائي من طريق شريك عن عثمان بن مَوْهَب به دون قوله:
" وآل إبراهيم ". في الموضعين.
وشريك: في حفظه ضعف.
ومجمع بن يحيى: أوثق منه وأحفظ؛ فروايته أصح.
وقد وجدت للحديث شاهداً من حديث زيد بن خارجة أخي بني الحارث بن
الخزرج قال: قلنا:
…
الحديث.
أخرجه الطحاوي [في " مشكل الآثار "](3/73) عن يحيى بن المغيرة قال: ثنا
يحيى بن مروان بن معاوية (*) عن خالد بن سلمة عن موسى بن طلحة عنه.
ورجاله كلهم ثقات؛ غير يحيى بن مروان هذا؛ فلم أعرفه.
وروى منه النسائي (1/190) لفظَ:
" صلوا عليَّ، واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم! صل على محمد وعلى آل
محمد ".
ورواه أحمد (1/199) ، إلا أنه قال.
" ثم قولوا: اللهم! بارك
…
" إلخ دون قول: " وآل إبراهيم ". روياه من طريق أخرى
عن خالد بإسناد صحيح على شرط مسلم. وهي رواية للطحاوي (3/71) .
_________
(*) هذا إسناد محرّف، وهو على الصواب في " مشكل الآثار "(2237 - الطبعة المحققة) ؛ فلينظر
هناك.
4-
(اللهم! صلِّ على محمدٍ 1 [النبيِّ الأميِّ] (*) ، وعلى آل محمدٍ؛
كما صليتَ على 2 [آلِ] إبراهيمَ.
وباركْ على محمدٍ 3 [النبي الأميّ](*) ، وعلى آل محمدٍ؛ كما باركتَ
على 4 [آلِ] إبراهيمَ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد ".
(*) الزيادتان من " صفة الصلاة " المطبوع، وانظر التعليق في الصفحة التالية.
4-
هو من حديث أبي مسعود الأنصاري عقبة بن عمرو قال:
أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن
سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله! فكيف نصلي عليك؟ قال:
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قولوا:
…
"
فذكره.
أخرجه مالك (1/179) ، وعنه مسلم (2/16) ، وأبو داود (1/155) ، والنسائي
(1/189) ، والترمذي (2/212 - طبع بولاق) وصححه، والدارمي (1/310) ،
والطحاوي (3/71) ، والبيهقي (2/146) ، وأحمد (4/118) ، {وأبو عوانة [2/211] }
- كلهم من طريق مالك - عن نُعيم بن عبد الله المُجْمِر أن محمد بن عبد الله بن زيد أخبره عنه.
والزيادتان 2 و 4 عند مسلم، والنسائي. والأخرى منهما عند مالك، والترمذي،
والدارمي.
وللحديث طريق أخرى مختصراً، وفيها الزيادتان.
أخرجه النسائي (1/190) عن عبد الرحمن بن بشر عن أبي مسعود الأنصاري قال:
قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أُمرنا أن نصلي عليك ونسلم، فأما السلام؛ فقد عرفناه؛ فكيف
نصلي عليك؟ قال:
..............................................................................
" قولوا: اللهم! صل على محمد؛ كما صليت على آل إبراهيم. اللهم! بارك على
محمد؛ كما باركت على آل إبراهيم ".
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
والحديث رواه محمد بن إسحاق قال: وثني - في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
المرء المسلم صلى عليه في صلاته - محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن
عبد الله بن زيد به نحوه بلفظ: فقال:
" إذا أنتم صليتم عليَّ؛ فقولوا: اللهم! صل على محمد النبي الأمي (*) ، وعلى آل
محمد؛ كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم. وبارك على محمد النبي
الأمي (*) ؛ كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
أخرجه أبو داود، والدارقطني (135) ، والحاكم (1/268) ، والبيهقي (2/146
و378) ، وأحمد (4/119) ، {وابن أبي شيبة في " المصنف "(2/132/1) =
[2/248/8635] } . وقال الدارقطني:
" إسناد حسن متصل ". وأما قول الحاكم والذهبي:
" صحيح على شرط مسلم ".
فغير صحيح - كما سبق بيانه مراراً -.
وفي هذا الحديث زيادات لا توجد في الروايات المتقدمة، ولولا تفرد ابن إسحاق
بها؛ لأدرجناها في متن الحديث في الأصل (*) . والله أعلم.
_________
(*) ثم وجدنا الشيخ رحمه الله أدرج الزيادة المذكورة في المتن - كما وجدناه فعل في " الصفة "
المطبوع -، وحسَّن حديث ابن إسحاق هذا في " صحيح أبي داود "(4/137/902) ، ولعله وجد أن
تفرد ابن إسحاق بالزيادة لا يضر؛ لأنها ليس فيها مخالفة للثقات. والله أعلم.
5-
" اللهم! صلِّ على محمدٍ عبدِك ورسولِك؛ كما صليت على 1 [آل]
إبراهيمَ.
وباركْ على محمدٍ 2 [عبدِك ورسولِك] ، 3 [وعلى آلِ محمدٍ] ؛ كما
باركتَ على إبراهيمَ، 4 [وعلى آلِ إبراهيمَ] ".
5- هو من حديث أبي سعيد الخدري قال:
قلنا: يا رسول الله! هذا السلام عليك قد علمناه؛ فكيف الصلاة عليك؟ قال:
" قولوا:
…
" فذكره.
أخرجه البخاري (8/432 - 433 و 11/138) ، والنسائي (1/190 - 191) ، وعنه
ابن السني (124) ، وابن ماجه (1/292 - 293) ، والطحاوي (3/73) ، والبيهقي
(2/147) ، وأحمد (3/47) ، {وإسماعيل القاضي في " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "
(ص 28 - الطبعة الأولى وص 62 الطبعة الثانية / طبع المكتب الإسلامي - بتحقيقي) }
من طرق عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عبد الله بن خباب عنه.
والزيادة الأولى: للبخاري في رواية.
والثانية: عند الطحاوي، وكذا البيهقي في نسخة. وذكر الباقون بدلاً عنها الزيادة
الثالثة.
والزيادة الرابعة: تفرد بها البخاري، وأحمد، {وإسماعيل القاضي} دونهم.
6-
" اللهمَّ! صلِّ على محمدٍ، و 1 [على](*) أزواجِهِ، وذرّيّتِه؛ كما
صليتَ على 2 [آلِ] إبراهيمَ.
وباركْ على محمدٍ، و 3 [على](*) أزواجِهِ، وذرّيّتِه؛ كما باركتَ على
4 [آلِ] إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيد " (1) .
(*) الزيادتان من " صفة الصلاة " المطبوع.
6-
هو من حديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا:
يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ قال: " قولوا:
…
" فذكره.
أخرجه مالك (1/179) ، وعنه البخاري (6/317 و 11/143) ، ومسلم (2/16 -
17) ، وأبو داود (1/155) ، والنسائي (1/191){وفي " عمل اليوم والليلة " (164/59) } ،
وابن ماجه (1/293) ، والطحاوي (3/74) ، وابن السني (124) ، والبيهقي (2/150) ،
وأحمد (5/424) - كلهم عن مالك - عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن
عمرو بن سُليم الزُّرَقي؛ أنه قال: أخبرني أبو حميد الساعدي به.
وليس عند ابن ماجه، والطحاوي، وابن السني الزيادتان 2 و 4، كما أن هذا الأخير
ليس عنده إلا التبريك عليه صلى الله عليه وسلم دون الصلاة؛ فلا أدري أهكذا الرواية عنده، أم سقط
ذلك من نسختنا من كتابه!
(1)
قال الحافظ:
" واستدل بهذا الحديث (*) على أن الصلاة على الآل لا تجب؛ لسقوطها في هذا
الحديث. وهو ضعيف؛ لأنه لا يخلو أن يكون المراد بالآل غير أزواجه وذريته، أو أزواجه
وذريته. وعلى تقدير كل منهما لا ينهض الاستدلال على عدم الوجوب:
_________
(*) برواية ابن ماجه، والطحاوي؛ أي: بدون لفظة " آل ".
7-
" اللهمَّ! صلِّ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ، وباركْ على محمدٍ،
وعلى آلِ محمدٍ؛ كما صليتَ وباركتَ على إبراهيمَ، وآلِ إبراهيمَ، إنك
حميدٌ مجيد ".
أما على الأول؛ فلثبوت الأمر بذلك في غير هذا الحديث، وليس في هذا الحديث
المنع منه؛ بل أخرج عبد الرزاق من طريق ابن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن رجل من الصحابة الحديث المذكور بلفظ:
" صل على محمد، وأهل بيته، وأزواجه، وذريته ".
وأما على الثاني؛ فواضح. واستدل به البيهقي على أن الأزواج من أهل البيت،
وأيده بقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ} ".
قلت: استدلال البيهقي صحيح - كما بين ذلك ابن القيم في " الجلاء "(144) -.
وأما قول الحافظ: إن الحديث لا يدل على المنع من ذكر الآل. فصواب أيضاً، لكن ليس
هذا هو موضع النزاع؛ بل هو: هل يجب ذكره أم لا؟ فعلى أساس أن الآل هم غير أزواجه
وذريته؛ فالحديث صالح للاحتجاج على عدم وجوب ذكر الآل، ووروده في أكثر الأحاديث
يدل على الاستحباب، ويدل على أن ذلك ليس بواجب النوعُ الخامسُ (*) ؛ فإنه لم يذكر
فيه الآل ولا الأزواج والذرية؛ فلعل ذلك مِسَاك من ذهب إلى جواز الاقتصار على
النبي صلى الله عليه وسلم دون آله - كالشافعية -، لكن دعواهم أعم مما يفيده الحديث؛ فإنهم يقولون: " لو
قال: اللهم! صل على محمد؛ أجزأه "! وهذا القدر لم يرد مطلقاً في صفة من صفات
الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم التي علمها إيانا؛ فدعواهم على هذا الوجه لا دليل عليها. فاعلم ذلك.
7-
هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قلنا: يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ قال: " قولوا:
…
" فذكره. وفي آخره:
_________
(*) يعني: رواية الطحاوي، والبيهقي - في نسخة -.
..............................................................................
" والسلام كما علمتم ".
أخرجه الطحاوي (3/75) : ثنا صالح بن عبد الرحمن وفهد قالا: ثنا القعنبي قال:
ثنا داود بن قيس عن نُعيم بن عبد الله المُجْمِر عنه، وثنا أحمد بن شعيب {النسائي
-[وهو عنده في " العمل "](159/47) -} قال: ثنا حاجِب بن سليمان قال: ثنا ابن
أبي فُدَيك قال: ثنا داود بن قيس به.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد رواه محمد بن إسحاق السراج عن القعنبي - واسمه: عبد الله بن مسلمة بن
قعنب -؛ فقال: أخبرني أبو يحيى وأحمد بن محمد البِرْتي قالا: أنبأنا عبد الله بن
مسلمة بن قعنب به.
رواه عبد الوهاب بن منده عن الخفاف عنه.
ونقلت هذا عن " الجلاء "(14 - 15) . ثم قال:
" وهذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين ".
قلت: والصواب ما سبق؛ فإن داود بن قيس إنما أخرج له البخاري تعليقاً، وهو ثقة
اتفاقاً.
والحديث حجة على ابن القيم؛ فإن فيه الجمعَ بين إبراهيم وآل إبراهيم، وهو ما
أنكر ثبوته ابن القيم تبعاً لشيخه، وقد رددنا عليه موسعاً فيما سلف، وإنما أحببنا الإشارة
إلى ذلك هنا.
هذا، وقد روي الحديث من طريق أخرى عن المُجْمِر.
أخرجه أبو داود (1/155) ، ومن طريقه البيهقي (2/151) عن حِبّان بن يَسَار
الكِلابي: ثني أبو مُطَرِّف عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كُرَيز: ثني محمد بن علي
..............................................................................
الهاشمي عنه مرفوعاً بلفظ:
" من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت؛ فليقل: اللهم! صل
على محمد النبي، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته، وأهل بيته؛ كما صليت على آل
إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
فهذا إسناد ضعيف؛ فإن حِبّان بن يَسَار هذا: صدوق اختلط.
وشيخه عبيد الله بن طلحة: مقبول. يعني: مجهول.
ومحمد بن علي الهاشمي: كأنه أبو جعفر الباقر، أو آخر مجهول. كذا في " التقريب ".
وله علة أخرى؛ وهي الاضطراب في سنده.
فقد أخرجه أبو داود هكذا. وأخرجه النسائي من طريق عمر بن عاصم: ثنا حبان
ابن يسار الكلابي عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي عن محمد بن علي عن محمد بن الحنفية
عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره. قال ابن القيم (14) :
" وعبد الرحمن هذا: مجهول، لا يعرف في غير هذا الحديث ". وقال السخاوي في
" القول البديع " - كما في " الحرز المنيع "(ص 19) -:
" رواه ابن عدي في " الكامل "، وابن عبد البر، والنسائي في " مسند علي "، وفي
سنده راوٍ مجهول، وآخر اختلط في آخر عمره ".
وسواء كان الحديث من رواية أبي هريرة - كما جنح إليه ابن القيم، وكذا الحافظ في
" الفتح "(11/131) -، أو من حديث علي رضي الله عنه؛ فهو ضعيف لا يصح؛
لضعف بعض رواته، وجهالة آخر. فسكوت الحافظ عليه، وكذا ابن تيمية في " الفتاوى "
(1/163) ليس مما ينبغي السكوت عليه.
وأغرب من ذلك أن صديق حسن خان عزا الحديث في " النزل "(167) إلى
..............................................................................
" مسلم "! وهو وهم واضح (*) .
ولأبي هريرة حديث آخر لا يصح أيضاً، نورده لأجل التنبيه عليه؛ وهو:
ما أخرجه البخاري في " الأدب المفرد "(93) عن إسحاق بن سليمان عن سعيد بن
عبد الرحمن مولى سعيد بن العاص قال: ثنا حنظلة بن علي عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من قال: اللهم! صل على محمد
…
" الحديث مثل حديث كعب بن عُجْرة رقم
(2)
؛ دون قوله:
" إنك حميد مجيد " في الموضعين، وزاد:
" وترحم على محمد، وعلى آل محمد؛ كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم؛ شهدت له يوم القيامة بالشهادة، وشفعت له ".
ورجاله رجال مسلم؛ غير سعيد بن عبد الرحمن هذا؛ فلم يوثقه غير ابن حبان، ولم
يرو عنه سوى شيخه إسحاق هذا؛ فهو في عداد المجهولين؛ كما يفيده قول الحافظ في
" التقريب ":
" مقبول ".
بل قد صرح بما قلنا في " الفتح "(11/133) ؛ فقال - بعد أن عزاه للطبري في
" تهذيبه " -:
" ورجال سنده رجال " الصحيح "، إلا سعيد بن سليمان - مولى سعيد بن العاص
الراوي له عن حنظلة بن علي -؛ فإنه مجهول ".
_________
(*) وعزا الحديثَ الشيخُ رحمه الله في " الصفة " المطبوع لأبي سعيد بن الأعرابي في " المعجم "
(79/2) .
..............................................................................
قلت: كذا في نسختنا من " الفتح ": (سعيد بن سليمان) ، ولعله تحريف من الناسخ
أو الطابع. ومما ذكرناه تعلم أن قول السخاوي في " الحرز المنيع "(17) :
" حديث حسن، ورجاله رجال " الصحيح " ".
ليس بحسن، ولا كل رجاله رجال " الصحيح "؛ فتنبه، ولا تغتر به. ولهذا قال أبو
بكر بن العربي في " عارضة الأحوذي في شرح الترمذي "(2/271) :
" حذارِ حذارِ من أن يلتفت أحد إلى ما ذكره ابن أبي زيد؛ فيزيد في الصلاة على
النبي عليه الصلاة والسلام: وارحم محمداً. فإنها قريب من بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم
الصلاة بالوحي؛ فالزيادة فيها استقصار له، واستدراك عليه، ولا يجوز أن يزاد على
النبي صلى الله عليه وسلم حرف، بل إنه يجوز أن يترحم على النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت ".
وتعقبه بعضهم بحديث أبي هريرة هذا، وقد علمت أنه ضعيف؛ فلا يجوز
الاحتجاج به، لا سيما في مخالفة أصل متفق عليه، وهو ما أفاده قوله صلى الله عليه وسلم:
" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رد ". متفق عليه.
ومنه تعلم حكم زيادة لفظة: (سيدنا) في هذه الصلوات - كما عليه كثير من الناس
من الشافعية وغيرهم -. وقد اختلف العلماء في ذلك - كما سيأتي بيانه في الفوائد
الآتية.