الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوبُ التشهد الأول، ومشروعيةُ الدعاءِ فيه
ثم " كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في كل ركعتين (التحية) "(1) .
{و " كان أول ما يتكلم به عند القعدة: (التحيات لله) " (2) } .
و" كان إذا نسيها في الركعتين الأوليين؛ يسجد للسهو (3) "(4)
. وكان
يأمر بها فيقول:
(1) هوقطعة من حديث عائشة بلفظ:
وكان يقول في كل ركعتين التحية.
وقد مضى [ص 177] .
وهو وإن كان معلولاً - كما سبق بيانه -؛ فالمعنى صحيح؛ يشهد له ما بعده.
(2)
{رواه البيهقي من رواية عائشة بإسناد جيد - كما قال ابن الملقن (28/2) -} .
(3)
فيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على التشهد دائماً، ولعل هذا هو مستند
قول ابن القيم في " الهدي النبوي "(1/87) :
" ثم كان صلى الله عليه وسلم يتشهد دائماً ".
وإلا؛ فإني لم أقف على نص صريح في ذلك. والله أعلم.
وقد استدل بعض العلماء بالأحاديث المتقدمة - في عدم رجوعه إلى التشهد حينما
ذُكِّر - على أن التشهد الأول غير واجب. قال الحافظ (2/247) :
" ووجهه؛ أنه لو كان واجباً؛ لرجع إليه لمَّا سبحوا به بعد أن قام. وممن قال بوجوبه
الليث وإسحاق وأحمد في المشهور، وهو قول للشافعي، وفي رواية للحنفية ".
قلت: وفي هذا التوجيه نظر؛ فإن لقائل أن يقول: عدم رجوعه صلى الله عليه وسلم إنما هو لوجود
مانع شرعي؛ وهو الاستتمام قائماً - كما سبق في حديث المغيرة -، ولو أنه لم يستتم
..............................................................................
قائماً؛ لرجع صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك أمر بالرجوع في هذه الحالة، فهو وحده دليل مستقل على
وجوب التشهد هذا. وهو الحق. وقد ثبت الأمر به في غير ما حديث - كما يأتي -. وقال
الشوكاني (2/228) :
" وتجبيره بالسجود دائماً يكون دليلاً على عدم الوجوب؛ إذا سلمنا أن سجود السهو
إنما يُجبر به المسنون دون الواجب؛ وهو غير مسلّم ".
(4)
فيه أحاديث:
الأول: عن عبد الله ابن بُحَيْنَة أنه قال:
صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى
صلاته ونظرنا تسليمه؛ كبر، ثم سجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، ثم سلم.
أخرجه مالك (1/118) ، وعنه الإمام محمد (104) ، والبخاري (3/171) ،
ومسلم (2/83) ، وأبو داود (1/162) ، والنسائي (1/181) ، والطحاوي (1/254) ،
والبيهقي (2/333 و 343 و 352) ، وأحمد (5/345) - كلهم عن مالك - عن ابن شهاب
عن الأعرج عنه.
وأخرجه الترمذي (2/235) ، وابن ماجه (1/364) ، وكذا البخاري (2/246) ،
ومسلم، والنسائي (1/186) ، والطحاوي، والبيهقي (2/134 و 352) ، وأحمد
(5/346) ؛ كلهم من طرق أخرى عن ابن شهاب به. وصححه الترمذي.
ثم أخرجه مالك، وعنه البخاري (3/72) ، ومسلم، والنسائي (1/175 و 276) ،
والدارمي (1/353) ، والدارقطني (144) ، والبيهقي (340 و 344) ، وأحمد (5/345) ؛
كلهم عن يحيى بن سعيد عن الأعرج به.
ثم أخرجه البخاري (2/247) عن جعفر بن ربيعة، والطحاوي عن يحيى بن أبي كثير؛
..............................................................................
كلاهما عن الأعرج به.
{وهو مخرج في " إرواء الغليل " (338) } .
الحديث الثاني: عن المغيرة بن شعبة. وقد روي عنه من طرق:
1-
عن زياد بن عِلاقة قال:
صلى بنا المغيرة بن شعبة، فلما صلى ركعتين؛ قام ولم يجلس، فسبح به مَنْ
خلفه، فأشار إليهم: أن قوموا. فلما فرغ من صلاته؛ سلم، وسجد سجدتي السهو،
وسلم، وقال:
هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أبو داود (1/163) ، والدارمي (1/353) ، وعنه الترمذي (2/201) ،
والطحاوي (1/255) ، والبيهقي (2/338) ، وأحمد (4/247) ؛ كلهم عن يزيد بن
هارون عن المسعودي عن زياد به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". وهو كما قال، لكن من غير هذا الوجه؛ فإن المسعودي
كان قد اختلط، ويزيد بن هارون سمع منه في الاختلاط - كما قال ابن نمير -.
لكن تابعه عنه أبو داود الطيالسي؛ فأخرجه في " المسند "(95) : ثنا المسعودي به.
وقد قال الإمام أحمد:
" وإنما اختلط المسعودي ببغداد، ومَنْ سمع منه بالكوفة والبصرة؛ فسماعه جيد ".
قلت: والطيالسي بصري؛ فلعله سمعه منه فيها.
2-
عن عامر الشعبي قال:
صلى بنا المغيرة بن شعبة، فنهض في الركعتين؛ فسبح به القوم وسبح بهم، فلما
صلى بقية صلاته؛ سلم، ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس، ثم حدثهم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
..............................................................................
فعل بهم مثل الذي فعل.
أخرجه الترمذي (2/198 - 199) ، والبيهقي (2/344) ، وأحمد (4/248) من
طريق ابن أبي ليلى عنه. قال الترمذي:
" وقد تكلم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه ".
قلت: لكنه لم ينفرد بهذا الطريق؛ بل توبع عليه:
فأخرجه الطحاوي (1/255) عن بكر بن بكار قال: ثنا علي بن مالك الرُّوَّاسي
- من أنفسهم - قال: سمعت عامراً يحدث به.
وعلي بن مالك هذا لم أعرفه، إلا أن يكون هو البصري، وهو ضعيف.
3-
عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة مثله.
أخرجه الطحاوي من طريق جابر عنه.
وجابر - هو الجعفي -: ضعيف، لكن توبع عليه:
فقد ساقه بعده من طريق قيس بن الربيع وإبراهيم بن طَهْمان؛ كلاهما عن المغيرة
ابن شُبَيْل عن قيس بن أبي حازم به. وزاد: ثم قال صلى الله عليه وسلم:
" إذا صلى أحدكم، فقام من الجلوس؛ فإن لم يستتم قائماً؛ فليجلس، وليس عليه
سجدتان، فإن استوى قائماً؛ فَلْيَمْضِ في صلاته، ولْيَسجد سجدتين وهو جالس ".
وهذا إسناد صحيح.
وقد روى المرفوعَ منه - من قوله عليه الصلاة والسلام أبو داود (1/163) ، وابن
ماجه (1/365) ، والبيهقي (2/343) ، وأحمد (4/253) من طريق جابر الجُعْفي عن
المغيرة بن شبيل.
..............................................................................
ولذلك ضعفه النووي في " المجموع "(4/122) ، والحافظ في " التلخيص "
(4/156) ، وذهلا عن رواية الطحاوي هذه الصحيحة المروية من طريق إبراهيم بن طهمان
- وهو ثقة من رجال " الصحيحين " -، مع متابعة قيس بن الربيع له - وهو صدوق حسن
الحديث -. وهذه فائدة قلما تجدها في كتاب (*) . والله الموفق.
الحديث الثالث: عن سعد بن أبي وقاص:
أنه نهض في الركعتين، فسبحوا به؛ فاستتم، ثم سجد سجدتي السهو حين
انصرف، وقال:
أكنتم تروني كنت أجلس؟! إنما صنعت كما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصنع.
أخرجه الحاكم (1/322 - 323) ، والبيهقي (2/344) ، وابن حزم (4/174) من
طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
ورواه الطحاوي (1/256) من طريق بيانٍ أبي بِشْر الأحْمَسي قال: سمعت قيس
ابن أبي حازم به. دون قوله: إنما صنعت
…
إلخ.
الحديث الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة العصر أو الظهر فقام في ركعتين؛ فسبحوا له،
فمضى في صلاته، فلما قضى الصلاة؛ سجد سجدتين، ثم سلم. قال الهيثمي
(2/151) :
" رواه البزار، ورجاله ثقات ".
_________
(*) انظر الكلام على فقه الحديث - بتوسّع - في " الصحيحة "(1/638 - 639) .
" إذا قعدتم في كل ركعتين؛ فقولوا: (التحيات
…
إلخ) ، وليتخير
أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فَلْيَدْعُ الله عز وجل [به] " (1) .
(1) هو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين غير أن نسبح، ونكبر، ونحمد ربنا، وإن
محمداً صلى الله عليه وسلم عُلّمَ فواتحَ الخيرِ وخواتمَه؛ فقال:
" إذا قعدتم
…
" الحديث.
أخرجه النسائي (1/174) ، والطحاوي (1/155) ، والبيهقي (2/148) ،
والطيالسي (39) ، وأحمد (1/437) ، والطبراني في " الكبير "{ (3/251/1) } وفي
" الصغير " أيضاً (ص 146) من طرق عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عنه.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
ثم أخرجه أحمد (1/423) من طريق سفيان عن الأعمش ومنصوروحُصَين بن
عبد الرحمن بن أبي هاشم وحماد عن أبي وائل، وعن أبي إسحاق عن أبي الأحوص
والأسود عن عبد الله به.
وحديث الأعمش عن أبي وائل شَقِيق بن سلمة؛ أخرجه الشيخان، وأصحاب
" السنن "، وغيرهم بلفظ:
" فإذا جلس أحدكم في الصلاة؛ فليقل: التحيات
…
" إلخ.
وسيأتي لفظه بتمامه إن شاء الله تعالى [893] . وهو بإطلاقه يؤيده رواية أبي
إسحاق المفصلة؛ كما هو ظاهر.
{قلت: وظاهر الحديث يدل على مشروعية الدعاء في كل تشهد، ولو كان لا
يليه السلام. وهو قول ابن حزم رحمه الله تعالى} .
وفي لفظ: " قولوا في كل جلسة: التحيات
…
" (1) . وأمر به (المسيء
صلاته) أيضاً - كما تقدم آنفاً -.
(1) أخرجه النسائي (1/174) من طريق زيد ابن أبي أُنيسة الجَزَري: أن أبا
إسحاق حدثه عن الأسود وعلقمة عن عبد الله بن مسعود قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم شيئاً، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره.
وسنده صحيح أيضاً على شرط مسلم.
وقد استدل بالحديث من ذهب إلى وجوب التشهد الأول - وقد سبق ذكرهم قريباً -.
وممن ذهب إلى ذلك ابن حزم في " المحلى "(3/270) . ورواه النووي في " شرح
مسلم " عن فقهاء أصحاب الحديث؛ وذلك لأن الأصل في الأمر الوجوب، ولم يأتِ ما
يصلح أن يكون صارفاً له عن الوجوب. وقول النووي:
" إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلِّمه الأعرابيَّ حين علمه فروض الصلاة ".
ذهول منه؛ فإنه صلى الله عليه وسلم علَّمه ذلك - كما في بعض الروايات في " سنن أبي داود " -.
وقد سبق بلفظ:
" فإذا جلست في وسط الصلاة؛ فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد ".
والعجب من النووي كيف يجعل عدم ذكر هذا التشهد في حديث (المسيء) - بزعمه
- صارفاً للأمر به عن الوجوب، ثم لا يجعل عدم ذكر التشهد الأخير فيه صارفاً عن
الوجوب! بل يصرح في " المجموع "(3/462) بأن هذا فرض لا تصح الصلاة إلا به،
ويجيب عن حديث (المسيء) بقوله:
" قال أصحابنا: إنما لم يذكره له؛ لأنه كان معلوماً عنده ".
وهذه الحجة يستطيع كل أحد أن يقولها في كل ما هو واجب لم يأت ذكره في
حديث (المسيء) . قال الشوكاني (2/228) :
و " كان صلى الله عليه وسلم يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن "(1) .
" والحاصل أن حكمه حكم التشهد الأخير - وسيأتي -، والتفرقة بينهما ليس عليها
دليل يرتفع به النزاع، على أنه يدل على مزيد خصوصية للتشهد الأوسط ذكره في
حديث (المسيء) - كما تقدم - ".
(1)
هو من حديث جمع من الصحابة رضي الله عنهم:
منهم: عبد الله بن مسعود قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد، كما يعلمنا السورة من القرآن.
أخرجه أحمد (1/394) من طريق شَرِيك عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عنه.
وهذا سند حسن. وذكره في " المجمع "(2/140) بزيادة:
ويقول: " تعلموا؛ فإنه لا صلاة إلا بتشهد ". وقال:
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه سعد بن سِنَان: ضعفه ابن معين. ورواه البزار
برجال موثقين، وفي بعضهم خلاف لا يضر إن شاء الله ".
وهو في " الصحيحين " من طريق أخرى بنحوه. وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.
ومنهم: عبد الله بن عباس بلفظ ابن مسعود.
أخرجه مسلم (2/14) ، والنسائي (1/188) ، وأحمد (1/315) من طريق
عبد الرحمن بن حُمَيد: ثنا أبو الزبير عن طاوس عنه.
ورواه الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جُبير وعن طاوس عنه به.
رواه مسلم وغيره - كما يأتي [ص 895]-.
ومنهم: جابر بن عبد الله.
أخرج حديثه النسائي (1/175) ، وابن ماجه (1/292) ، والطحاوي (1/156) ،
و " السنة إخفاؤه "(1) .
والحاكم (1/266) ، وعنه البيهقي (2/142) من طرق عن أيمن بن نابل عن أبي الزبير
عنه به بزيادة:
" باسم الله، وبالله، التحيات
…
" إلخ.
ورواه أحمد (5/363) من هذا الوجه، إلا أنه لم يسم الصحابي، ولم يذكر الزيادة.
وقال الحاكم - ووافقه الذهبي -:
" صحيح على شرط البخاري ".
وليس كما قال؛ فإن أيمن بن نابل حديثه في البخاري متابعة - كما في " التهذيب " -.
ثم إن الأئمة قد حكموا بخطئه في هذا الحديث؛ لقوله: عن أبي الزبير عن جابر.
وإنما هو عن أبي الزبير عن طاوس وسعيد بن جبير عن ابن عباس - كما سبق -. وخطَّؤوه
أيضاً في ذكره التسمية في التشهد.
وقد قال النووي في " المجموع "(3/457) :
هو حديث " ضعيف عند أهل الحديث؛ كما نقله المصنف عنهم، وكذا نقله
البغوي، وممن ضعفه: البخاري، والنسائي ". قال:
" وذكر الحاكم أنه حديث صحيح. ولا يقبل ذلك منه؛ فإن الذين ضعفوه أَحْمَلُ
من الحاكم وأتقن ".
وقد بسط الكلام على الحديث الحافظ في " التلخيص "(3/512 - 513) . فليراجعه
من شاء.
(1)
هو من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال:
من السنة أن يُخفى التشهد.
..............................................................................
أخرجه أبو داود (1/156) ، والترمذي (2/84 - 85) ، والحاكم (1/267) ، وعنه
البيهقي (2/146) من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه
عنه. وقال الترمذي:
" حسن غريب ". والحاكم:
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. كذا قالا!
لكن أخرجه الحاكم (1/230) ، وعنه البيهقي من طريق أخرى عن العلاء بن
عبد الجبار العطار: ثنا عبد الواحد بن زياد: ثنا الحسن بن عُبيد الله عن عبد الرحمن بن
الأسود به. وقال:
" صحيح على شرطهما ". ووافقه الذهبي. وليس كما قالا؛ فإن الحسن بن عُبيد الله
- وهو: النَّخَعي - ليس من رجال البخاري، والعلاء بن عبد الجبار العَطَّار ليس من رجال
مسلم.
فالحديث صحيح فقط. وإنما رجاله رجال الصحيح. ثم قال الترمذي:
" والعمل عليه عند أهل العلم ". وقال النووي (3/463) :
" أجمع العلماء على الإسرار بالتشهدين، وكراهة الجهر بهما، واحتجوا له بحديث
ابن مسعود هذا ".