المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التشهد الأول ‌ ‌جلسة التشهد ثم كان صلى الله عليه وسلم يجلس للتشهد - أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - جـ ٣

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌ ‌التشهد الأول ‌ ‌جلسة التشهد ثم كان صلى الله عليه وسلم يجلس للتشهد

‌التشهد الأول

‌جلسة التشهد

ثم كان صلى الله عليه وسلم يجلس للتشهد بعد الفراغ من الركعة الثانية، فإذا كانت

الصلاة ركعتين كالصبح؛ " جلس مفترشاً "(1) ، كما كان يجلس بين

(1) رواه وائل بن حُجْر رضي الله عنه قال:

أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته يرفع يديه إذا افتتح الصلاة حتى يحاذي منكبيه، وإذا

أراد أن يركع. وإذا جلس في الركعتين؛ أضجع اليسرى ونصب اليمنى، ووضع يده

اليمنى على فخذه اليمنى، ونصب أصبعه للدعاء، ووضع يده اليسرى على فخذه

اليسرى. قال:

ثم أتيتهم من قابل، فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس.

أخرجه النسائي (1/173) : أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري قال: ثنا

سفيان قال: ثنا عاصم بن كُلَيب عن أبيه عنه.

وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال مسلم، إلا محمد بن عبد الله هذا، وهو ثقة - كما

في " التقريب " -.

والحديث نصٌّ ظاهر في الافتراش في الصلاة الثنائية كصلاة الصبح، وأحظى

الناس بهذا الحديث الإمام أحمد، ثم أبو حنيفة والثوري؛ خلافاً لمالك والشافعي؛

فإنهما يقولان بأن السنة التورك فيها - على تفصيل في ذلك يأتي ذكره في (التشهد

الأخير) . والحديث يرد عليهما!

ص: 829

السجدتين، وكذلك " يجلس في التشهد الأول "(1) من الثلاثية أو

الرباعية.

وأمر به (المسيء صلاته) ؛ فقال له:

(1) هو من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه. رواه عنه محمد بن عمرو

ابن عطاء:

أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو

حميد الساعدي:

أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله؛ رأيته إذا كبَّر؛ جعل يديه حذاء منكبيه،

وإذا ركع؛ أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه؛ استوى حتى يعود

كل فَقَارٍ مكانه، فإذا سجد؛ وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف

أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين؛ جلس على رجله اليسرى ونصب

اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة؛ قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على

مقعدته.

أخرجه البخاري (2/245 - 246) ، وأبو داود (1/117 و 152) ، والبيهقي (2/127

- 128) من طريق محمد بن عمرو بن حَلْحَلَة عنه.

وقد تابعه عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، لكن ليس في

حديثه ذكر الجلوس في التشهد الأول. وقد مضى لفظه في (الركوع)[ص 605] .

والحديث دليل على أن السنة في جلوس التشهد الأوسط إنما هو الافتراش، وبه قال

أبو حنيفة والشافعي وأحمد؛ خلافاً لمالك؛ فإنه يقول بالتورك في كل جلوس - كما

سيأتي -. وهذا الحديث يرد عليه، وكذا الذي بعده.

ص: 830

" فإذا جلست في وسَط (1) الصلاة؛ فاطمئن (2) ، وافترش (3) فخذك

(1) بفتح السين؛ قال في " النهاية ":

" يقال فيما كان متفرق الأجزاء غير متصل - كالناس والدواب - بسكون السين، وما

كان متصل الأجزاء - كالدار والرأس -؛ فهو بالفتح. والمراد هنا القعود للتشهد الأول في

الرباعية، ويلحق به الأول في الثلاثية ".

(2)

يؤخذ منه أن المصلي لا يَشْرَعُ في التشهد حتى يطمئن. يعني: يستقر كل

مَفصل في مكانه، ويسكن من الحركة.

(3)

أي: ألقها على الأرض، وابسطها كالفِرَاش؛ للجلوس عليها. قال الشوكاني

(2/229) :

" وفيه دليل لمن قال: إن السنة الافتراش في الجلوس للتشهد الأوسط. وهم

الجمهور ". قال ابن القيم (1/86) :

" ولم يُروَ عنه في هذه الجلسة غير هذه القصة (يعني: الفرش والنصب) . وقال

مالك: يتورك فيه؛ لحديث ابن مسعود:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في وسط الصلاة وفي آخرها متوركاً ". قال ابن القيم

(1/87) :

" لم يذكرعنه صلى الله عليه وسلم التورك الا في التشهد الأخير ". اهـ. ملخصاً.

وأقول: سكت الشوكاني على قول ابن القيم الأخير هذا؛ مع أنه ذكر قبله حديث

ابن مسعود الذي ينفي قول ابن القيم! ثم سكت أيضاً على الحديث، ولم يبين حاله ولا

من رواه؛ وهو من الأحاديث الغريبة التي تفرد بروايتها الإمام أحمد فيما علمت!

فقد أخرجه في " مسنده "(1/459) قال: ثنا يعقوب: ثني أبي عن ابن إسحاق

قال: ثني - عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط الصلاة وفي آخرها - عبد الرحمن بن

ص: 831

اليسرى، ثم تشهد " (1) .

الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال:

علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها - فكنا نحفظ عن

عبد الله حين أخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه إياه؛ قال -:

فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة وفي آخرها على وركه اليسرى:

التحيات لله

إلخ. ثم قال:

ثم إن كان في وسط الصلاة؛ نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها؛

دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم.

لكن في ثبوت الحديث بهذه الألفاظ نظر؛ فإنه قد تفرد به ابن إسحاق مخالفاً لغيره

ممن هو أوثق منه وأحفظ. وقد قال الذهبي - بعد أن ساق أقوال الأئمة فيه -:

" فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال، صدوق. وما انفرد

به؛ ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئاً ".

قلت: وذِكْرُ التورك والتشهد الأوسط منكرٌ في حديث ابن مسعود هذا؛ فقد أخرجه

الشيخان والأربعة وغيرهم من طرق كثيرة، وليس فيه هذا الذي ذكره ابن إسحاق. والله أعلم.

(1)

هو من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه.

رواه محمد بن إسحاق: ثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن عمه

رفاعة. وزاد في آخره:

" ثم تشهد، ثم إذا قمت؛ فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك ".

أخرجه أبو داود وغيره - كما سبق في (الاستقبال) -.

وسنده حسن.

ص: 832

{وقال أبو هريرة رضي الله عنه:

" ونهاني خليلي صلى الله عليه وسلم عن اقعاء كإقعاء الكلب "(1)، وفي حديث آخر:

" كان ينهى عن عُقْبَةِ الشيطان "(2) .

و" كان إذا قعد في التشهد؛ وضع كفه اليمنى على فخذه (وفي رواية:

ركبته) اليمنى، ووضع كفه اليسرى على فخذه (وفي رواية: ركبته)

اليسرى؛ [باسطها عليها] " (3) } .

وقد تابعه في متنه محمد بن عمرو، لكن بلفظ:

" إذا سجدت؛ فمكن لسجودك، فإذا رفعت؛ فاقعد على فخذك اليسرى ".

أخرجه أبو داود أيضاً.

إلا أن هذا يحتمل أن يكون أراد به القعود بين السجدتين، ويحتمل أنه القعود

للتشهد. والله أعلم.

(1)

{ [رواه] الطيالسي، وأحمد، وابن أبي شيبة. انظر التعليق (1)(ص 644) .

و (الإقعاء) - قال أبو عبيد وغيره -:

" هو أن يلزق الرجل أليتيه بالأرض وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض، كما

يقعي الكلب ".

قلت: وهذا غير الإقعاء المشروع بين السجدتين - كما تقدم هناك -} .

(2)

{رواه مسلم، وأبو عوانة، وغيرهما. وهو مخرج في " إرواء الغليل "(316) ،

[وسبق تخريجه (ص 177 -178) ] } .

(3)

{ [رواه] مسلم، وأبو عوانة، [وسيأتي تخريجه مفصلاً من حديث ابن عمر

(ص 838) } .

ص: 833

و " كان صلى الله عليه وسلم يضع حَدَّ (1) مَرْفقِهِ الأيمن على فخذه اليمنى "(2) .

(1) في " النهاية ":

" لكل حرف حدّ. أي: نهاية. ومنتهى كل شيء حدُّه ".

قلت: وكأن المراد أنه كان لا يُجافي مَرْفِقَهَ عن جنبه في هذا الجلوس؛ لأنه لو

جافى؛ لم يكن نهاية مَرْفِقِهِ على فخذه؛ بل يكون خارجاً عنه.

ثم رأيت ابن القيم رحمه الله قد صرح بذلك في " الزاد "(1/92)، ونص كلامه:

" وكان صلى الله عليه وسلم يبسط ذراعه على فخذه، ولا يجافيها، فيكون حد مرفقه عند آخر

فخذه، وأما اليسرى؛ فممدودة الأصابع على الفخذ اليسرى ".

(2)

هو من حديث وائل بن حجر قال:

قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي.

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبل القبلة، فرفع يديه حتى حاذتا بأذنيه، ثم أخذ

شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع؛ رفعهما مثل ذلك، ووضع يديه على ركبتيه، فلما رفع

رأسه من الركوع؛ رفعهما مثل ذلك، فلما سجد؛ وضع رأسه بذلك المنزل من يديه، ثم

جلس، فافترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، وحدَّ مرفقه

الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين وحلق، ورأيته يقول هكذا - وأشار بشر بالسبابة

من اليمنى، وحلق الإبهام والوسطى -.

أخرجه أبو داود (1/115)، والنسائي (1/186) من طريق بِشْر بن المُفَضَّل قال: ثنا

عاصم بن كُلَيب عن أبيه عنه.

وقد تابعه زهير بن معاوية، وعبد الواحد بن زياد - عند أحمد (2/316 و 318)

وزائدة - عند النسائي -، وغيرهم -؛ ثلاثتهم عن عاصم به.

ص: 834

و " نهى رجلاً وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة؛ فقال:

" إنها صلاةُ اليهود " ". وفي لفظ:

" لا تجلسْ هكذا؛ إنما هذه جِلْسَة الذين يعذَّبون "(1) ..........................

وإسناده صحيح. وقد تقدم من طريق زائدة في (وضع اليمنى على اليسرى)

[ص 209] . ويأتي الإشارة إليه قريباً.

(1)

هو من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

أخرجه الحاكم (1/272)، ومن طريقه البيهقي (2/136) عن إبراهيم بن موسى:

ثنا هشام بن يوسف عن مَعْمَر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عنه. وقال:

" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. {وهو مخرج مع ما

بعده في " الإرواء "(380) } .

وقد تابعه عبد الرزاق عن معمر:

أخرجه أبو داود (1/157) ، والحاكم أيضاً (1/230) ، وعنه البيهقي (2/135) ،

وأحمد (2/147) ، والطبراني، وعنه الضياء المقدسي في " المختارة "، وابن حزم في

" المحلى "(4/19) ؛ كلهم عن عبد الرزاق به - مختصراً - بلفظ:

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده - زاد الحاكم

في رواية: - اليسرى. وقال:

" صحيح على شرطهما ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا أيضاً. ولفظ أحمد

والمقدسي:

" يديه " بالتثنية.

ص: 835

..............................................................................

ولعلها محرفة؛ فإن وصفها باليسرى عند الحاكم يدل على أنها واحدة. وقد رواه

أبو داود بلفظ:

نهى أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة.

فقوله: إذا نهض. زيادة ضعيفة؛ لأنها من طريق محمد بن عبد الملك الغزال، وهو

- وإن كان ثقة؛ فإنه - كثير الخطأ - كما قال مسلمة -، وقد خالف الثقات في هذه

الزيادة؛ فهي مردودة.

وأما قول النووي في " المجموع "(3/445) :

" مجهول ". فليس بصواب - كما بيناه في " التعليقات الجياد " -.

هذا، وقد تابع معمراً عبدُ الوارث؛ لكنه أوقفه، وخالفه في متنه. فقال: عن

إسماعيل بن أمية:

سألت نافعاً عن الرجل يصلي وهو مشبك يديه؟ قال: قال ابن عمر:

تلك صلاة المغضوب عليهم.

رواه أبو داود.

وعبد الوارث: هو ابن سعيد بن ذكوان، وهو ثقة ثبت - كما في " التقريب " -، فلعل

ما رواه قضية أخرى. والله أعلم.

وأما اللفظ الآخر؛ فأخرجه الإمام أحمد (2/116) من طريق آخر؛ فقال: ثنا

محمد بن عبد الله بن الزبير: ثنا هشام - يعني: ابن سعد - عن نافع عن ابن عمر:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ساقطاً يده في الصلاة، فقال:

فذكره.

وهذا إسناد جيد. وهو على شرط مسلم.

ص: 836

وفي حديث آخر: " هي قِعْدَة المغضوب عليهم "(1) .

وقد أخرجه أبو داود (1/157) ، والبيهقي (2/136) من طرق أخرى عن هشام به

موقوفاً بنحوه.

وله شاهد؛ وهو الآتي:

(1)

هو من حديث عَمْرو بن الشَّرِيد عن أبيه:

فقال عبد الرزاق: عن ابن جريج قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة: أنه سمع عمرو

ابن الشَّريد [عن أبيه](*) عن النبي صلى الله عليه وسلم:

أنه كان يقول في وضع الرجل شماله إذا جلس في الصلاة:

فذكره.

ذكره عبد الحق في " أحكامه "(رقم 1284 - بتحقيقي) ، وسكت عليه مشيراً بذلك

إلى صحته.

وهو على شرط الشيخين.

وقد أخرجه أبو داود (4848)، وأحمد (4/388) من طريق عيسى بن يونس: أنا

ابن جريج به؛ دون ذكر الصلاة.

_________

(*) وفي " المصنف " بدونها؛ كما في نقل عبد الحق.

ص: 837