المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القيام إلى الركعة الثالثة ثم الرابعة - أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - جـ ٣

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌القيام إلى الركعة الثالثة ثم الرابعة

‌القيام إلى الركعة الثالثة ثم الرابعة

ثم كان صلى الله عليه وسلم ينهض إلى الركعة الثالثة مكبراً (1) ،...........................

(1){ [رواه] البخاري، ومسلم. [وسبق تخريجه من حديث أبي هريرة (ص 674) ] } .

وأما كيف نهوضه صلى الله عليه وسلم؛ أهو معتمداً على يديه، أم على صدور قدميه؟ فذلك مما لم

يرد فيه حديث فيما علمنا، حاشا حديث أبي هريرة:

كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه.

فإنه بعمومه يشمل هذا المحل، لكنه حديث ضعيف؛ لا يصح إسناده - وقد تقدم -.

ثُمَّ هو معارض في بعض أجزائه لحديث مالك بن الحويرث:

كان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجدة الأولى والثالثة التي لا يقعد فيها؛ استوى

قاعداً، ثم قام.

وهو حديث صحيح - كما سبق -[ص 817] .

نعم؛ صح ذلك عن ابن مسعود موقوفاً عليه؛ كما قال عبد الرحمن بن يزيد:

رمقت عبد الله بن مسعود في الصلاة؛ فرأيته ينهض، ولا يجلس. قال:

ينهض على صدور قدميه في الركعة الأولى والثالثة.

أخرجه الطبراني في " الكبير "، والبيهقي (2/125 - 126) من طريق سفيان بن

عيينة عن عبدة ابن أبي لبابة عنه.

وهذا إسناد صحيح. وقد صححه البيهقي، وقد رواه من طرق أخرى عن ابن يزيد،

ورواه أيضاً عن ابن عمر:

أنه كان يقوم على صدور قدميه.

وسنده صحيح أيضاً.

ص: 950

..............................................................................

ولكن جاء عنه خلافه بإسناد آخر؛ فقال معاذ بن نجدة: ثنا كامل بن طلحة: ثنا

حماد - هو ابن سلمة - عن الأزرق بن قيس قال:

رأيت ابن عمر إذا قام من الركعتين؛ اعتمد على الأرض بيده. فقلت لولده

ولجلسائه: لعله يفعل هذا من الكِبَر؟ قالوا: لا، ولكن هذا (1) يكون.

أخرجه البيهقي (2/135) .

وهذا سند جيد. رجاله كلهم ثقات؛ غير معاذ بن نجدة؛ فقال الحافظ في " اللسان "

- تبعاً لأصله " الميزان " -:

" صالح الحديث، وقد تُكُلِّم فيه ". ثم قال البيهقي:

" وروينا عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يعتمد على يديه إذا نهض. وكذلك كان

يفعل الحسن، وغير واحد من التابعين ". قال النووي في " المجموع " (3/444) :

" وهو مذهبنا. حكاه ابن المنذر عن ابن عمر، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز،

والقاسم بن عبد الرحمن، ومالك، وأحمد ".

قلت: وهو نص الإمام الشافعي في " الأم "(1/101) ؛ قال - بعد أن ساق حديث

ابن الحويرث -:

" وبهذا نأخذ؛ فنأمر من قام من سجود، أو جلوس في الصلاة أن يعتمد على

الأرض بيديه معاً، اتباعاً للسنة؛ فإن ذلك أشبه للتواضع، وأعون للمصلي على الصلاة،

وأحرى أن لا ينقلب، وأي قيام قامه سوى هذا كرهته ".

قلت: ولا يخفى أن حديث ابن الحويرث أخص مما قاله الشافعي من العموم،

فالظاهر أنه قال ذلك قياساً على ما ذكر فيه من القيام، وهو ما يفيده صنيع البيهقي؛

_________

(1)

كذا في الأصل، ولعل الصواب: هكذا. أو نحو ذلك.

ص: 951

{وأمر به (المسيء صلاته) في قوله:

" ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة " - كما تقدم (*) -} .

{و " كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من القعدة؛ كبَّر، ثم قام " (1) } .

و" كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه "(2) مع هذا التكبير أحياناً.

و" كان إذا أراد القيام إلى الركعة الرابعة؛ قال: (الله أكبر) "(3) . {وأمر

به (المسيء صلاته) - كما تقدم آنفاً -.

و" كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه "(4) مع هذا التكبير أحياناً} .

ثم " كان يستوي قاعداً "(5) " على رجله اليسرى معتدلاً حتى يرجع كل

عظم إلى موضعه " (6) ، {" ثم يقوم معتمداً على الأرض " (7) .

حيث قال في " سننه ":

" (باب الاعتماد بيده على الأرض إذا نهض؛ قياساً على ما روينا في النهوض في

الركعة الأولى) ". ثم ساق حديث ابن الحويرث، وعقبه بأثر ابن عمر المذكور آنفاً.

(*)(ص 56 - 57) .

(1)

{رواه أبو يعلى في " مسنده "(284/2) بسند جيد، وهو مخرج في

" الصحيحة "(604) } .

(2 و 3){ [رواه] البخاري، وأبو داود} .

(4)

{ [رواه] أبو عوانة، والنسائي بسند صحيح} .

(5 و 7) هو من حديث ابن الحويرث - وقد مضى تخريجه -[816 - 817] .

(6)

هو من حديث أبي حميد والعشرة من أصحابه، وقد مضى أيضاً [605] .

ص: 952

و " كان يعجن: يعتمد على يديه إذا قام "(1) } .

و" كان يقرأ في كل من الركعتين: {الفَاتِحَة} ، وأمر بذلك (المسيء

صلاته) ، وكان ربما أضاف إليهما في صلاة الظهر بضع آيات - كما سبق

بيانه في (القراءة في صلاة الظهر) -.

(1) { [رواه] الحربي في " غريب الحديث ". ومعناه عند البخاري وأبي داود،

وأما حديث:

" نهى أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة ".

فهو منكر لا يصح؛ كما بينته في " الضعيفة "(967) . [وانظر (ص 821

و824) ] } .

* * *

ص: 953

القنوت (1)

في الصلوات الخمس للنازلة

و" كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد؛ قنت في

الركعة الأخيرة بعد الركوع (2) إذا قال: " سمع الله لمن حمده. اللهم! ربنا

لك الحمد " "(3) .

و" كان يجهر بدعائه "(4) .

(1)(القنوت) يطلق على معانٍ، والمراد به هنا: الدعاء في الصلاة في محل

مخصوص من القيام.

(2)

فيه أن السنة في القنوت للنازلة في الصلوات أنه بعد الركوع، وعليه

الخلفاء الراشدون، وبه قال مالك، والشافعي، وإسحاق - كما في " المجموع "(3/506)

وهو اختيار محمد بن نصر المروزي - كما صرح به في كتابه (133) -.

وهو الحق؛ فإنه لم يرد مطلقاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في النوازل قبل الركوع، ومن أراد

التفصيل في ذلك؛ فليراجع " زاد المعاد "(1/102 - 104) ، و " فتح الباري " (2/392 -

393) .

(3 و 4) هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد؛ قنت بعد

الركوع، فربما قال إذا قال:" سمع الله لمن حمده ":

" اللهم! ربنا لك الحمد. اللهم! أنْجِ الوليد بن الوليد، وسَلَمة بن هشام، وعياش بن

أبي ربيعة، اللهم! اشدد وطأتك على مُضَرَ، واجعلها سنين كَسِني يوسف ".

يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر:

ص: 954

..............................................................................

" اللهم! العن فلاناً وفلاناً " - لأحياء من العرب -، حتى أنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ

الأَمْرِ شَيْءٌ} .

أخرجه البخاري (8/182) ، والدارمي (1/374) ، {وابن خزيمة (1/78/2) =

[1/313/619] } ، والطحاوي (1/142) ، والبيهقي (2/197) ، وأحمد (2/255) من

طريق إبراهيم بن سعد: ثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن

عبد الرحمن عنه.

ورواه ابن نصر (133) دون قوله: فربما قال:

إلخ.

وأخرجه النسائي (1/163 - 164) من طريق بقية عن ابن أبي حمزة قال: ثني

محمد قال: ثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن به نحوه إلى قوله:

" كَسِنِي يوسف ". وزاد:

ثم يقول:

" الله أكبر ". فيسجد. وضاحية مُضَرَ يومئذٍ مخالفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهو في " المسند "(2/502) من طريق يزيد عن محمد عن أبي سلمة وحده؛ دون

قوله: وضاحية مضر

إلخ.

وهذا سند جيد. فيه إثبات التكبير بعد القنوت وهو عزيز.

واعلم أن قوله في هذا الحديث: حتى أنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} ،

وتمام الآية: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} . لا يصح في هذا الحديث؛ لأنه

منقطع؛ كما بَيَّنَتْهُ رواية مسلم (2/134) من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال:

أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة به نحوه وقال بعد قوله: " كسني يوسف ":

ص: 955

..............................................................................

" اللهم! العن لِحْيان ورِعْلاً وذكوان، وعُصية عصت الله ورسوله ".

ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ

} الآية. قال الحافظ:

" وهذا البلاغ لا يصح؛ لانقطاعه عن الزهري عمن بلغه.

ثم إن قصة رِعْل وذكوان كانت بعد أحد، ونزول:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}

كان في قصة أحد - كما سيأتي [ص 960 - 962]-؛ فكيف يتأخر السبب عن النزول؟! ".

والحديث فيه استحباب الجهر بدعاء القنوت، وعليه الشافعية في أصح الوجهين

عندهم، وقال النووي (3/502) :

" والصحيح أو الصواب استحباب الجهر؛ ففي " البخاري " عن أبي هريرة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في قنوت النازلة

وفي الجهر بالقنوت أحاديث كثيرة صحيحة ".

وهو اختيار الإمام أحمد؛ فقد قال أبو داود في " مسائله "(67) :

" سمعت أحمد سئل عن القنوت؟ فقال:

الذي يعجبنا أن يقنت الإمام، ويؤمِّنَ من خلفه ".

قلت: وذلك هو المنقول عن الصحابة؛ ففي " قيام الليل " لابن نصر (137) : عن

أبي عثمان النَّهْدي:

كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة؛ حتى يسمع صوته من وراء المسجد.

وعن الحسن:

أن أُبي بن كعب أَمَّ الناس في رمضان؛ فكان يقنت في النصف الآخر حتى

يسمعهم الدعاء.

ص: 956

و " يرفع يديه "(1) .

(1) رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، وعنه ثابت قال:

كنا عند أنس بن مالك فكتب كتاباً بين أهله؛ فقال:

اشهدوا يا معشر القراء!

قال ثابت: فكأني كرهت ذلك؛ فقلت: يا أبا حمزة! لو سميتهم بأسمائهم؟ قال:

وما بأس ذلك؛ أن أقول لكم: قراء؟ أفلا أحدثكم عن إخوانكم الذين كنا نسميهم

على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم القراء؟ فذكر أنهم كانوا سبعين، فكانوا إذا جَنَّهُم الليل؛

انطلقوا إلى معلم لهم بالمدينة، فيدرسون الليل حتى يصبحوا، فإذا أصبحوا، فمن كانت

له قوة؛ استعذب من الماء، وأصاب من الحطب، ومن كانت عنده سعة؛ اجتمعوا

فاشتروا الشاة وأصلحوها، فيصبح ذلك معلقاً بحُجَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلما أُصيب خُبَيب؛ بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا على حي من بني سُلَيم، وفيهم

خالي حرامٌ؛ فقال حَرَامٌ لأميرهم: دعني فلأخبر هؤلاء أنا لسنا إياهم نريد؛ حتى يُخَلُّوا

وجهنا. فقال لهم حرام: إنا لسنا إياكم نريد؛ فخلوا وجهنا.

فاستقبله رجل بالرمح؛ فأنفذه منه، فلما وجد الرمح في جوفه؛ قال: الله أكبر،

فزت ورب الكعبة! قال: فانطووا عليهم، فما بقي أحد منهم.

فقال أنس: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وَجَدَ على شيء قط وَجْدَه عليهم؛ فلقد رأيت

رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة رفع يديه؛ فدعا عليهم. وفي رواية: يدعو عليهم.

أخرجه أحمد قال (3/137) : ثنا هاشم وعفان - المعنى - قالا: ثنا سليمان عن

ثابت به.

وهذا إسناد صحيح. رجاله كلهم ثقات؛ رجال الشيخين والأربعة.

ص: 957

..............................................................................

وقد أخرجه الطبراني في " الصغير "(ص)(*) من طريق علي بن صَقْر السُّكَّري

البغدادي: ثنا عَفّان بن مسلم: نا سليمان بن المغيرة عن ثابت به نحوه بلفظ:

فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة؛ رفع يديه يدعو عليهم.

وروى منه هذا القدر البيهقي (2/211)، وقال النووي (3/500) :

" إسناده صحيح أو حسن ". وقال العراقي في " تخريج الإحياء "(1/159) :

" إسناده جيد ".

وفي الحديث استحباب رفع اليدين في دعاء القنوت. قال النووي في " المجموع ":

" وهذا هو الصحيح عند الأصحاب ".

قلت: وعليه الإمام أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة - كما حكاه علماؤنا -. وجاء في

ترجمة أبي يوسف:

" قال أحمد بن أبي عمران الفقيه: ثني فرج مولى أبي يوسف قال: رأيت مولاي أبا

يوسف إذا دخل في القنوت للوتر؛ رفع يديه في الدعاء. قال ابن أبي عمران: كان فرج

ثقة ". اهـ من " شرح الهداية " (1/306) .

وبه قال أحمد أيضاً {وإسحاق} - كما في " مسائله "{للمروزي (ص 23) } -.

وقد ثبت ذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ كما أخرجه

البخاري في " رفع اليدين "(23) ، وابن نصر (134) ، والبيهقي (2/212) عن أبي

عثمان النهدي:

كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة، ويرفع يديه؛ حتى يُخرج ضَبْعَيْهِ.

_________

(*) كذا الأصل. وهو في مطبوعه (1/324 - ط: المكتب الإسلامي) .

ص: 958

و " يؤمن من خلفه (1) "(2) .

ثم رواه البيهقي عنه من طرق، ثم قال:

" وهو صحيح عن عمر. وكذا صححه عنه البخاري ". ثم قال البيهقي:

" وروي عن علي رضي الله عنه بإسناد فيه ضعف، وروي عن عبد الله بن مسعود،

وأبي هريرة رضي الله عنهما في قنوت الوتر.

فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء في الصلاة؛ فدم يثبت بخبر

صحيح، ولا أثر ثابت، ولا قياس (1) .

فالأولى أن لا يفعله، ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم؛ من رفع اليدين

دون مسحهما بالوجه في الصلاة. وبالله التوفيق " [اهـ. مختصراً] .

(1)

أخذ به الإمام أحمد - كما سبق [ص 956]-، وهو أصح الوجهين عند

الشافعية: أنه يؤمّن على دعاء الإمام، ولا يقنت.

(2)

هو من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال:

قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وصلاة

الصبح؛ في دبر كل صلاة، إذا قال:" سمع الله لمن حمده " من الركعة الآخرة؛ يدعو

على أحياء من بني سُلَيم: على رِعْل وذكوان وعُصَيَّة، ويؤمِّن مَنْ خلفه.

أخرجه أبو داود (1/228) ، وابن نصر (137) ، والحاكم (1/225) ، وعنه البيهقي

_________

(1)

{فهو بدعة.

وأما خارج الصلاة؛ فلم يصح، وكل ما روي في ذلك ضعيف، وبعضه أشد ضعفاً من بعض؛

كما حققته في " ضعيف أبي داود "(262) ، و " الأحاديث الصحيحة "(597) ، ولذلك قال العز بن

عبد السلام في بعض فتاويه:

" لا يفعله إلا الجهال "} .

ص: 959

..............................................................................

(2/200) ، وأحمد (1/301) ، والحازمي في " الاعتبار "(62 و 64) ، والضياء المقدسي

في " المختارة "(*) من طريق ثابت بن يزيد عن هلال بن خَبَّاب عن عكرمة عنه به. زاد

أحمد والحاكم:

وكان أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام، فقتلوهم. قال عكرمة:

هذا مفتاح القنوت. وقال الحاكم:

" صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي! وفيه نظر بَيِّن؛ فإن هلالاً هذا

ليس من رجال البخاري، ثم إن فيه مقالاً. وقال النووي (3/502) :

" إسناده حسن أو صحيح ". وقال ابن القيم (1/101) :

" حديث صحيح ". وقال الشوكاني في " النيل "(2/495) :

" وليس في إسناده مطعن، إلا هلال بن خباب؛ فإن فيه مقالاً، وقد وثقه أحمد،

وابن معين وغيرهما ".

وسكت عليه الحافظ في " التلخيص "(3/420) .

والصواب أن الحديث حسن - كما جزم به الحازمي -.

(تنبيه) : قد جاءت قصة دعائه صلى الله عليه وسلم على رعل وذكوان في " الصحيحين " من

حديث أبي هريرة - كما سبق -، ومن حديث أنس؛ وفيه أنه قال:

فذلك بدء القنوت.

وهذا مثل قول عكرمة:

هذا مفتاح القنوت.

وكان ذلك في السنة الرابعة من الهجرة؛ بعد ثلاثة أشهر من غزوة أحد - كما قال

_________

(*) وعزاه الشيخ رحمه الله في " الصفة " المطبوع للسراج أيضاً.

ص: 960

..............................................................................

ابن إسحاق؛ على ما في " البداية "(4/72) -.

وذلك يفيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يقنت قبل هذه الواقعة، وليس كذلك؛ فقد ورد أنه قنت

أيضاً في غزوة أحد؛ كما روى البيهقي في " المعرفة " - على ما في " نصب الراية "

(2/129) - عن عمر بن حمزة عن سالم عن ابن عمر قال:

صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح يوم أحد، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية؛ قال:

" سمع الله لمن حمده. اللهم! العن أبا سفيان، وصفوان بن أمية، والحارث بن

هشام ". فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} .

قلت: ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي (2/166 - طبع بولاق) ، لكن ليس فيه ذكر

الصلاة، وزاد في آخره:

فتاب الله عليهم؛ فأسلموا، فحَسُنَ إسلامهم. وقال:

" حديث حسن ".

ثم رواه هو، والطحاوي في " المشكل "(1/236) من طريق ابن عجلان عن نافع

عن ابن عمر بنحوه. وقال:

" حسن صحيح ".

وقد أخرجه البخاري في (غزوة أحد) من " صحيحه "(7/293) ، والطحاوي أيضاً،

وأحمد (2/147) عن الزهري عن سالم عن أبيه:

أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر؛ يقول:

" اللهم! العن فلاناً وفلاناً "، بعدما يقول: " سمع الله لمن حمده، ربنا! ولك

الحمد ". فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} ، إلى قوله: {فَإِنَّهُمْ

ظَالِمُونَ} .

ص: 961

و " كان يقنت في الصلوات الخمس كلها (1) "(2) .

فليس فيه التصريح أن ذلك كان في أُحُد، وكأن البخاري - بإيراده الحديث في

قصة أحد - أشار إِلى رواية البيهقي المصرحة بذلك. قال الحافظ في " الدراية "

(ص 117) :

" ويؤيد ذلك حديث أنس: أن الآية نزلت يوم أحد؛ بعد أن شُجَّ وجهه صلى الله عليه وسلم ".

قلت: هذا أخرجه البخاري (7/292) تعليقاً، ووصله مسلم (5/179) ، والترمذي

(2/166) ، والطحاوي (1/289) وفي " المشكل " أيضاً (1/236 - 237) . قال في

" الفتح "(8/183) :

" وطريق الجمع بينه وبين حديث ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم دعا على المذكورين بعد ذلك

في صلاته، فنزلت الآية في الأمرين معاً؛ فيما وقع له من الأمر المذكور، وفيما نشأ عنه

من الدعاء عليهم، وذلك كله في أُحُد ".

(1)

فيه أن السنةَ في قنوت النازلة الدعاءُ في الفرائض الخمس، وهو الصحيح

من مذهب الشافعية - كما في " المجموع "(3/494 و 505) -، وهو ثابت عند علمائنا

الحنفية - كما نقل ذلك الشيخ أنور الكشميري في " فيض الباري "(2/302) -. قال

النووي:

" وأما غير المكتوبات؛ فلا يقنت في شيء منهن ".

(2)

هو من حديث ابن عباس رضي الله عنه بمعناه. وقد سبق لفظه قريباً

[ص 959] .

وله شاهد من حديث البراء بن عازب:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها.

ص: 962

..............................................................................

أخرجه الدارقطني (177) ، والبيهقي (2/198) ، والطبراني، والحازمي (63)(*)

من طريق محمد بن أنس عن مُطَرِّف بن طَريف عن أبي الجهم عنه.

وهذا إسناد حسن، ورجاله - كما قال الهيثمي (2/138) : - " موثقون ". وأما قول

ابن القيم (1/102) :

" لا تقوم به حجة ". فمردود؛ لأنه ليس عليه حجة.

وهو عند مسلم (2/137) ، وأبي داود (1/227) ، والنسائي (1/164) ، والترمذي

(2/251) وصححه، والدارمي (1/375) ، والطحاوي (1/142) ، والبيهقي (2/198) ،

والطيالسي (100)، وأحمد (4/280 و 285) من طريق أخرى عن البراء بلفظ:

كان يقنت في الصبح والمغرب. وقال أحمد:

" ليس يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث، وعن علي

قوله ".

كذا قال. وهو ذهول عن حديث ابن عباس - وقد أخرجه هو نفسه في " المسند "،

كما سبق -. وعن حديث أنس قال:

كان القنوت في المغرب والفجر.

أخرجه البخاري (2/227 و 394) ، والطحاوي (1/143) ، والبيهقي (2/199) .

وقد وهم الحافظ؛ حيث عزاه لمسلم.

وفي الباب عن أبي هريرة قال:

والله! لأُقَرِّبَنّ بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة

_________

(*) وعزاه الشيخ رحمه الله في " الصفة " المطبوع للسراج.

ص: 963

لكنه " كان لا يقنت فيها إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم "(1)، فربما قال:

من صلاة الظهر، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح؛ فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكافرين.

أخرجه البخاري (2/226) ، ومسلم (2/135) ، وأبو داود (1/227) ، والنسائي

(1/164) ، والدارقطني (178) ، والبيهقي (2/198) ، وكذا الطحاوي (1/142) ،

وأحمد (2/255 و 337 و 470) من طريق أبي سلمة عنه. قال الحافظ:

" وظاهر الحديث أن جميعه مرفوع ".

قلت: ويشهد له الأحاديث التي قبله.

(1)

هو من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

أخرجه الخطيب البغدادي في كتاب " القنوت " من حديث محمد بن عبد الله

الأنصاري: ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عنه.

وهذا سند صحيح؛ كما قال الحافظ في " الدراية "(117) وفي " الفتح "(8/182) ،

وعزاه فيه (2/393) وفي " التلخيص "(3/418 و 438) لابن خزيمة في " صحيحه "

{ [وهو فيه] (1/78/2) = [1/314/620] } .

وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح، إلا أن يدعو لقوم أو على قوم.

أخرجه ابن حبان عن إبراهيم بن سعد عن الزُّهري عن سعيد وأبي سلمة عنه. قال

الحافظ:

" إسناده صحيح ".

قلت: وهو في " صحيح البخاري " بهذا الإسناد بنحوه - وقد سبق في أول الفصل

[ص 954]-.

ص: 964

..............................................................................

وذَكَر الحديثين في " نصب الراية "(2/130)، ثم قال:

" قال صاحب " التنقيح ": وسند هذين الحديثين صحيح. وهما نص في أن القنوت

مختص بالنازلة ".

قلت: ولذلك أنصف الحافظ ابن حجر؛ حيث قال:

" ويؤخذ من جميع الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا في النوازل. وقد جاء ذلك

صريحاً ". ثم ساق الحديثين. قال ابن القيم (1/97) :

" ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم القنوت فيها - يعني: صلاة الصبح - دائماً، ومن المحال أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع يقول: " اللهم! اهدني فيمن

هديت

" إلخ، ويرفع بذلك صوته، ويُؤَمِّن عليه أصحابه دائماً إلى أن فارق الدنيا، ثم

لا يكون ذلك معلوماً عند الأمة، بل يضيعه أكثر أمته، وجمهور أصحابه، بل كلهم

حتى يقول من يقول منهم: إنه مُحْدَثٌ ". قال:

" ومن المعلوم بالضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان يقنت كل غداة، ويدعو بهذا

الدعاء، ويؤمِّن الصحابة؛ لكان نَقْلُ الأمة لذلك كله كنقلهم لجهره بالقراءة فيها،

وعددها، ووقتها، وإن جاز عليهم تضييع أمر القنوت؛ جاز عليهم تضييع ذلك، ولا فرق!

وبهذا الطريق علمنا أنه لم يكن هديه الجهر بالبسملة كل يوم وليلة خمس مرات

دائماً مستمراً؛ ثم يُضَيِّع أكثر الأمة ذلك، ويخفى عليها! وهذا من أمحل المحال، بل لو

كان ذلك واقعاً؛ لكان نقله كنقل عدد الصلوات، وعدد الركعات، والجهر والإخفات،

وعدد السجدات، ومواضع الأركان، وترتيبها. والله الموفق.

والإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف: أنه جهر وأسر، وقنت وترك، وكان إسراره

أكثر من جهره، وتركه القنوت أكثر من فعله، وإنما قنت عند النوازل؛ للدعاء لقوم،

ص: 965

..............................................................................

وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدِمَ من دعا لهم وتخلَّصوا من الأسر، وأسلم من دعا

عليهم وجاؤوا تائبين؛ فكان قنوته لعارض، فلما زال؛ ترك القنوت ". قال:

" ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها؛ لأجل ما شرع فيها من الطول،

ولاتصالها بصلاة الليل، وقربها من السَّحَر، وساعة الإجابة، وللتنزُّل الإلهي، ولأنها

الصلاة المشهودة؛ التي يشهدها الله وملائكته، أو ملائكة الليل والنهار - كما روي هذا

وهذا في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} - ".

(تنبيه) : وأما حديث أنس:

ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا.

فحديث ضعيف، لا يصح. وإن صححه الحاكم والنووي!

فهو ضعيف من قبل أبي جعفر الرازي - راويه - عن الربيع عن أنس. وقد بسط

الكلام عليه ابن القيم في " الزاد "(1/99 - 100) ، والحافظ في " التلخيص " (3/417 -

418) وغيرهما.

(فائدة) : قال العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على " الترمذي "

(2/252) :

" وقد ترك الناس القنوت في النوازل التي تنزل بالمسلمين، وما أكثرها في هذه

العصور في شؤون دينهم ودنياهم! حتى صاروا - من تفرقهم وإعراضهم عن التعاون حتى

بالدعاء في الصلوات؛ صاروا - كالغرباء في بلادهم، وصارت الكلمة فيها لغيرهم!

والقنوت في النوازل بالدعاء للمسلمين، والدعاء على أعدائهم ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم

في الصلوات كلها بعد قوله: " سمع الله لمن حمده " في الركعة الآخرة ".

ص: 966

" اللهم! أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي

ربيعة، اللهم! اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسني يوسف،

[اللهم! العن لِحْيَانَ ورِعْلاً وذكوانَ، وعُصَيَّة عصت الله ورسوله] " (*)

ثم " كان يقول - إذا فرغ من القنوت -:

" الله أكبر ". فيسجد " (1)

(*) انظر تخريجه مفصلاً فيما سبق (ص 954 - 956) .

(1)

هو من حديث أبي هريرة.

أخرجه النسائي، وأحمد - كما سبق [ص 955]-، {والسراج (109/1) ، وأبو

يعلى في " مسنده " بسند جيد} .

* * *

ص: 967