المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القنوت في الوتر - أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - جـ ٣

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌القنوت في الوتر

‌القنوت في الوتر

و" كان صلى الله عليه وسلم يقنت في ركعة الوتر أحياناً، ويجعله قبل الركوع "(1) .

(1) هو من حديث أُبَيّ بن كعب:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر؛ فيقنت قبل الركوع.

أخرجه النسائي (1/248) {وفي " السنن الكبرى "(ق 218/1 - 2) = [1/448/

1432 و 6/184/10570] } ، وابن ماجه (1/359) ، والضياء المقدسي في " المختارة " من

طريق علي بن ميمون قال: ثنا مَخْلَد بن يزيد عن سفيان عن زُبَيد عن سعيد بن

عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عنه.

وهذا إسناد جيد. رجاله رجال الشيخين؛ غير علي بن ميمون، وهو ثقة - كما في

" التقريب " -.

وقد تابعه فِطْرُ بن خليفة، ومِسْعَرُ بن كِدَام عن زبيد.

أخرجه عن الأولِ الدارقطنيُّ (175) ، و {البيهقي [3/40] } .

وعن الآخرِ البيهقيُّ (3/40) ، وذكرهما أبو داود تعليقاً.

وبذلك يصير الإسناد صحيحاً.

وله إسناد آخر عن سعيد بن عبد الرحمن: عند الدارقطني -[ومن طريقه البيهقي

(3/39) } - قال: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث: ثنا المُسَيِّب بن واضح: ثنا

عيسى بن يونُس عن سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة - قال أبو بكر بن سليمان: ربما قال

المسيب: عن عَزْرَة (في الأصل [عند الدارقطني] : عروة. وهو تصحيف) ، وربما لم يقل -

عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى به.

وهذا سند صحيح أيضاً.

وقد أخرجه ابن نصر (131) : ثنا إسحاق: أخبرنا عيسى بن يونس به؛ دون قوله:

ص: 968

ولا يخصه بنازلة (1) .

(عن عزرة) .

وكذلك علقه أبو داود. ثم أعله بأن جماعة رووه عن سعيد بن أبي عروبة، وآخرين

عن زبيد، لم يذكروا القنوت.

وهذه علة غير قادحة؛ لأن الذين زادوا القنوت جماعة أيضاً ثقات؛ فيجب قبول

زيادتهم - كما تقرر في المصطلح -؛ ولذلك قد صحح الحديث جمع. قال الحافظ في

" التلخيص "(4/249) :

" حديث أبي بن كعب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت قبل الركوع. رواه أبو داود،

والنسائي، وابن ماجه، وأبو علي بن السَّكَن في " صحيحه ". ورواه البيهقي من حديث

أبي بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس، وضعفها كلها، وسبق إلى ذلك أحمدُ بن

حنبل، وابنُ خزيمة، وابنُ المنذر؛ قال الخلال عن أحمد: لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم

شيء، ولكن عمر كان يقنت ".

وقد ضعف الحديث أيضاً أبو بكر بن العربي؛ فقال:

" لم يصح ". فتعقبه الحافظ العراقي بقوله:

" بل هو صحيح أو حسن " - كما في " النيل "(3/38) -.

ويقويه تلك الشواهد التي أشار إليها الحافظ، وهي وإن كانت ضعيفة الأسانيد؛

فبعضها يقوي بعضاً {وهو مخرج في " الإرواء " (426) } (*) .

(1)

وكذلك كان لا يخصه بالنصف الأخير من رمضان. والحجة في ذلك: أن

الأحاديث الواردة فيه مطلقة غير مقيدة - كما رأيت -، ومثلها حديث الحسن بن علي

_________

(*) وعزاه الشيخ رحمه الله في " الصفة " المطبوع لابن أبي شيبة (12/41/1) ، وأحمد،

والطبراني، وابن عساكر (4/244/2) ؛ قال:" بسند صحيح ".

ص: 969

..............................................................................

رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر:

" اللهم! اهدني فيمن هديت

" الحديث.

وهو صحيح الإسناد - كما يأتي -، وهو مطلق أيضاً؛ ليس فيه شيء من القيود.

وقد اعتضدت هذه المُطْلَقات بأعمال الصحابة؛ فقد روى ابن نصر (131) عن

عمر، وعلي، وابن مسعود القنوتَ في الوتر في السَّنَةِ كلها. قال الترمذي:

" وهو قول أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وإسحاق، وأهل

الكوفة ".

واعلم أنه إنما قلنا: كان يقنت أحياناً؛ لأننا تتبعنا الأحاديث الواردة في إيتاره صلى الله عليه وسلم

- وهي كثيرة -؛ فوجدنا أكثرها لا تتعرض لذكر القنوت مطلقاً - كأحاديث عائشة، وابن

عباس وغيرهما -، ومقتضى الجمع بينها وبين حديث أُبَيّ وما في معناه أن يقال: إنه

كان يقنت أحياناً، ويدع أحياناً، إذ لو كان يقنت دائماً؛ لما خفي ذلك على أكثر

الصحابة الذين رووا إيتاره صلى الله عليه وسلم، وذلك يدل على أن القنوت ليس بالأمر الحتم؛ بل هو

سنة، وعليه جمهور العلماء من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، وهو مذهب أبي

يوسف، ومحمد؛ خلافاً لأستاذهما أبي حنيفة؛ فإنه قال بوجوبه.

وقد اعترف المحقق ابن الهمام في " فتح القدير "(1/306 و 359 و 360) بأن القول

بوجوبه ضعيف لا ينهض عليه دليل، {وهذا من إنصافه وعدم تعصبه} . فراجع كلامه

في ذلك؛ فإنه نفيس. ومثل هذا التصريح لا تكاد تجده في كتب علمائنا.

هذا، وكون قنوت الوتر قبل الركوع هو مذهب الحنفية، وهو الحق الذي لا ريب

فيه؛ إذ لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم خلافه، وهو المروي عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود في

" قيام الليل "(133) .

ص: 970

..............................................................................

ورواه الطبراني عن ابن مسعود بسند حسن - كما في " المجمع "(2/137) -، وهو في

" مصنف ابن أبي شيبة "[2/97/6910] بلفظ: عن علقمة:

أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع.

وسنده حسن أيضاً - كما قال الحافظ في " الدراية "(115) -.

وأما الحديث الذي رواه الحاكم (3/172) ، وعنه البيهقي (3/38 - 39) عن الفضل

ابن محمد الشَّعْراني: ثنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الملك بن شَيْبة الحِزَامي: ثنا ابن

أبي فُدَيك عن إسماعيل بن إبراهيم بن عُقبة عن عمه موسى بن عُقبة عن هشام بن

عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بن علي قال:

علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي، ولم يبق إلا السجود:

" اللهم! اهدني فيمن هديت

".

وكذلك أخرجه الطبراني في " الكبير ".

فهذا إسناد ضعيف. وقول الحاكم:

" صحيح على شرط الشيخين ": وَهْمٌ - وإن وافقه عليه الأستاذ أحمد محمد شاكر

في تعليقه على " المحلى "(4/148) ، ولا أدري كيف خفي ذلك عليه -، وبيانه من

وجوه:

أولاً: إن أبا بكر عبد الرحمن بن شيبة لم يخرج له مسلم شيئاً، والبخاري إنما روى

له حديثين متابعة. ثم هو متكلم فيه؛ قال أبوأحمد الحاكم:

" ليس بالمتين عندهم ". وقال أبو بكر بن أبي داود:

" ضعيف ". وقال ابن حبان في " الثقات ":

ص: 971

..............................................................................

" ربما خالف ". وفي " التقريب ":

" صدوق يخطئ ". فمن كان هذا حاله؛ لا يقبل منه ما تفرد به دون الثقات.

ثانياً: إن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة هو من أفراد البخاري دون مسلم.

ثالثاً: إن محمد بن جعفر بن أبي كثير قد خالفه في إسناده ومتنه؛ فقال: ثني

موسى بن عُقبة: ثنا أبو إسحاق عن بُرَيد ابن أبي مريم عن أبي الحَوْرَاء عن الحسن بن

علي قال:

علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر

فذكرها؛ دون قوله:

إذا رفعت رأسي، ولم يبق إلا السجود.

أخرجه الحاكم، والطبراني أيضاً في " الكبير ". وكذلك رواه غير ما واحد عن بُرَيد

- كما يأتي -. قال الحافظ في " الدراية ":

" وهو الصواب ". وقال في " التلخيص "(3/431) :

" (تنبيه) : ينبغي أن يُتأمل في هذه الزيادة؛ فقد رأيت في الجزء الثاني من " فوائد

أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني " في تخريج الحاكم له قال: ثنا محمد

ابن يونس المُقري: ثنا الفضل بن محمد البيهقي: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة المدني

الحِزامي

بسنده المتقدم، ولفظه:

علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول في الوتر قبل الركوع

فذكره. وزاد في آخره:

" ولا منجا منك إلا إليك ".

قلت: وبالجملة؛ فهذه الزيادة لا تصح (*) ، سواء كان أصلها قبل الركوع، أو بعده.

_________

(*) ثم مال الشيخ رحمه الله إلى تحسينه. انظر " الإرواء "(2/168 - 169) .

ص: 972

وعَلَّم الحسَنَ بن علي رضي الله عنه أن يقول [إذا فرغ من قراءته في

الوتر] (*) :

" اللهم! اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولَّني فيمن

توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وَقِني شر ما قضيت، [فـ](1) إنك تقضي

ولا يُقضى عليك. [و](1) إنه لا يذل من واليت، [ولا يَعِزُّ من عاديت](2) ،

(*) الزيادة من " صفة الصلاة " المطبوع؛ أخرجها ابن منده في " التوحيد " بسند

حسن - كما يأتي قريباً -.

(1)

قال الحافظ في " التلخيص "(3/426) :

" وأسقط بعضهم الواو من قوله: " وإنه لا يذل

". وأثبت بعضهم الفاء في قوله:

" فإنك تقضي " ".

قلت: وأكثر الرواة على إثبات الواو والفاء، وهي رواية {ابن أبي شيبة [1/6888

و29696] } ، وابن خزيمة (1095 و 1096) ، والنسائي، والترمذي، والدارمي، والحاكم،

وأحمد. وصحح ذلك النووي في " المجموع "(3/495) ؛ فقال:

" الحديث الصحيح باثبات الفاء والواو؛ هذا لفظه في رواية الترمذي وجمهور

المحدِّثين ". قال:

" وتقع هذه الألفاظ في كتب الفقه مغيرة؛ فاعتَمِدْ ما حققتُه؛ فإن ألفاظ الأذكار

يُحافظ فيها على الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

(2)

قال الحافظ (3/432) :

" هذه الزيادة ثابتة في الحديث؛ إلا أن النووي قال في " الخلاصة ":

إن البيهقي رواها بسند ضعيف. وتبعه ابن الرِّفْعَة في " المطلب "؛ فقال:

لم تثبت هذه الرواية.

ص: 973

..............................................................................

وهو معترض؛ فإن البيهقي رواها من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن

بُريد ابن أبي مريم عن الحسن - أو الحسين - بن علي؛ فساقه بلفظ الترمذي، وزاد:

" ولا يعز من عاديت ".

وهذا التردد من إسرائيل إنما هو في الحسن أو في الحسين. وقال البيهقي:

كأن الشك إنما وقع في الإطلاق، أو في النسبة.

قلت: يؤيد رواية الشك: أن أحمد بن حنبل أخرجه في (مسند الحسين بن علي) من

" مسنده "[1/201] من غير تردد؛ فأخرجه من حديث شريك عن أبي إسحاق

بسنده.

وهذا - وإن كان الصواب خلافه، والحديث من حديث الحسن، لا من حديث أخيه

الحسين؛ فإنه - يدل على أن الوهم فيه من أبي إسحاق؛ فلعله ساء فيه حفظه، فنسي

هل هو الحسن أو الحسين؟!

والعمدة في كونه الحسن على رواية يونس بن أبي إسحاق عن بريد ابن أبي مريم،

وعلى رواية شعبة عنه - كما تقدم -.

ثم إن هذه الزيادة رواها الطبراني أيضاً من حديث شريك وزهير بن معاوية عن أبي

إسحاق، ومن حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق ".

قلت: ورواية يونس هي رواية أحمد في " المسند "، ورواها عنه أبو داود في " مسائله "(68) .

وقد أخرجها الطبراني في " الكبير " عنه أيضاً، وعن شعبة؛ كلاهما عن بريد ابن

أبي مريم بهذه الزيادة.

وبالجملة؛ فهي زيادة صحيحة ثابتة لا شك فيها، {وفات ذلك النووي؛ فصرح

رحمه الله في " روضة الطالبين "(1/253 - طبع المكتب الإسلامي) أنها زيادة من العلماء!

مثل زيادتهم: " فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك "!

ص: 974

تباركت ربنا وتعاليت، [لا منجا منك إلا إليك](*) " (1)

ومن الغريب أنه قال بعد ذلك بسطور:

" واتفقوا على تغليط القاضي أبي الطيب في إنكاره: " لا يعز من عاديت "، وقد

جاءت في رواية البيهقي. والله أعلم "} .

(*) الزيادة من " صفة الصلاة " المطبوعة، وهي عند ابن منده في " التوحيد "، وأبي

بكر الأصبهاني في " فوائده " - كما يأتي -.

(1)

هو من حديث الحسن بن علي نَفْسِه قال:

علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر:

فذكرها.

أخرجه أبو داود (1/225) ، والنسائي (1/252) ، والترمذي (2/328) ، والدارمي

(1/373 - 374) ، وابن ماجه (1/358) ، وابن نصر (134) ، والحاكم (3/172) ،

والبيهقي (2/209 و 497) ، وأحمد (1/199) ، والطبراني في " الكبير "، {وكذا ابن

أبي شيبة [2/95/6888] } من طرق عن بريد ابن أبي مريم عن أبي الحوراء عنه.

ورواه ابن خزيمة { (1/119/2) = [2/151 و 152/1095 و 1096] } ، وابن حبان

في " صحيحيهما "(*) - كما في " نصب الراية "(2/125) ، و " التلخيص "(4/425) -.

والزيادة عند البيهقي، والطبراني.

والحديث صحيح - كما قال النووي (3/496) -، ورجاله كلهم ثقات. وسكت عليه

الحاكم. واقتصر الترمذي على قوله:

" حديث حسن ". وهو قصور.

وأما تضعيف ابن حزم له في " المحلى "(4/147 - 148) ؛ فمما لا يلتفت إليه؛ لأنه

لا سلف له في ذلك ولا حجة.

_________

(*){وابن منده في " التوحيد " (70/2) بسند آخر حسن} .

ص: 975

..............................................................................

وهناك زيادات في بعض الروايات لا تصح؛ أحببت التنبيه عليها: فمنها ما عند

ابن ماجه من طريق شريك عن أبي إسحاق عن بريد:

"

سبحانك تباركت

".

وشريك: سيئ الحفظ.

وعزا هذه الزيادة الحافظ في " التلخيص " للترمذي. وهو وهم، تبعه عليه الشوكاني

(3/37) ! وزاد أبو بكر بن مِهْران الأصبهاني (*) في آخره:

" لا منجا منك إلا إليك ". وهي ضعيفة لا تصح (**) - كما سبق قريباً -.

(تنبيه) : زاد النسائي من طريق أخرى عن ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم

عن موسى بن عُقبة عن عبد الله بن علي عن الحسن بن علي به، قال في آخره:

" وصلّى الله على النبي الأمي ".

وهذا إسناد ضعيف. وإن قال النووي في " المجموع "(3/499) :

" صحيح أو حسن ".

فقد تعقبه العلماء، وبيَّنوا وهمه في ذلك؛ قال الحافظ في " التلخيص "(3/430)

- بعد أن نقل كلامه هذا -:

" قلت: وليس كذلك؛ فإنه منقطع؛ فإن عبد الله بن علي - وهو: ابن الحسين بن

علي - لم يلحق الحسن بن علي.

وقد اختُلف على موسى بن عقبة في إسناده ". ثم بين هذا الاختلاف.

_________

(*){وابن منده في " التوحيد " (ق 70/2) } .

(**) انظر التعليق (ص 972) .

ص: 976

..............................................................................

ثم ذكر أن يحيى بن عبد الله تفرَّدَ عن موسى بقوله: (عن عبد الله بن علي) ، وبزيادة

الصلاة فيه.

قلت: ويحتمل أن يكون عبد الله هذا هو غير عبد الله بن علي بن الحسين بن علي.

وقد أشار إلى هذا الحافظ في " التهذيب "(5/325) بقوله في ترجمة عبد الله هذا:

" وأما روايته عن الحسن بن علي؛ فلم تثبُت، وهي عند النسائي، فإن كان هو

صاحب الترجمة؛ فلم يدرك جده الحسن بن علي؛ لأن والده علي بن الحسين لما مات

عمه الحسن رضي الله عنه؛ كان دون البلوغ ".

وقال القسطلاني في " المواهب "، وشارحه الزُّرْقاني (7/347) ؛ تعقباً على النووي:

" وهي زيادة غير ثابتة؛ لأجل عبد الله بن علي؛ لأنه غير معروف. وعلى تقدير أن

يكون هو عبد الله بن علي بن الحسين بن علي - وهو مقبول الرواية -؛ فهو منقطع؛ لأنه لم

يسمع من جده الحسن بن علي. فقد تبين أنه ليس من شرط الحَسَنِ؛ لانقطاعه أو

جهالة راويه، ولم تنجبر الزيادة بمجيئها من وجه آخر، وحينئذٍ فقد تبين شذوذها - على

ما لا يخفى -، بل ضعفها ".

{ولذلك لم نوردها على طريقتنا في الجمع بين الزيادات؛ وقوفاً منا عند شرطنا

المذكور في مقدمة الكتاب، وقال العز بن عبد السلام في " الفتاوى " (66/1 - عام 1962) :

" ولم تصح الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت، ولا ينبغي أن يُزاد على صلاة

رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ".

وفي هذا القول منه إشارة إلى أنه لا يتوسع في القول بالبدعة الحسنة؛ كما يفعل

بعض المتأخرين القائلين بها} .

نعم؛ كان أبو حليمة معاذ القاري يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في رمضان؛

كما رواه القاضي إسماعيل بن إسحاق - على ما في " الجلاء "(251) -.

ص: 977

..............................................................................

وإسناده صحيح. ورواه ابن نصر أيضاً (136) .

ومعاذ هذا: صحابي صغير - كما في " التقريب " -، وهو: ابن الحارث الأنصاري

النَّجَّاري، أحد من أقامه عمر رضي الله عنه بمصلى التراويح.

{وقد ثبت في حديث إمامةِ أُبَيّ بن كعب الناسَ في قيام رمضان أنه كان يصلي

على النبي صلى الله عليه وسلم في آخرالقنوت، وذلك في عهد عمر رضي الله عنه.

رواه ابن خزيمة في " صحيحه "(1097) .

فهي زيادة مشروعة؛ لعمل السلف بها، فلا ينبغي إطلاق القول بأن هذه الزيادة

بدعة. والله أعلم} .

وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الفجر؛ فلم يرد مطلقاً، بل قال ابن القيم:

إنه " نقل من قنوت الوتر إلى قنوت الفجر قياساً؛ كما نقل أصل هذا الدعاء إلى

قنوت الفجر ".

قلت: لكن روي حديث بإسناد ضعيف:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الفجر في الركعة الثانية؛

رفع يديه، فيدعو بهذا الدعاء:

" اللهم! اهدني فيمن هديت

" إلخ.

أخرجه الحاكم في " القنوت " - خارج " المستدرك " - من طريق عبد الله بن سعيد

المقبري عن أبيه عن أبي هريرة.

وهذا إسناد ضعيف. وعزاه الحافظ (3/432) لـ " المستدرك "؛ وهو وَهْمٌ. قال في

" الزاد "(1/98) :

ص: 978

..............................................................................

" فما أَبْيَنَ الاحتجاجَ به لو كان صحيحاً أو حسناً، لكن لا يحتج بعبد الله هذا، وإن

كان الحاكم صحَّح حديثه في " القنوت " ". وقال الحافظ:

" قال الحاكم: صحيح. وليس كما قال؛ فهو ضعيف؛ لأجل عبد الله، فلو كان ثقة؛

لكان الحديث صحيحاً، وكان الاستدلال به أولى من الاستدلال بحديث الحسن بن

علي الوارد في قنوت الوتر ".

وهناك حديث آخر:

رواه البيهقي (3/210) من طريق عبد الرحمن بن هُرْمُز عن بُريد ابن أبي مريم عن

ابن عباس نحوه.

وهو معلول أيضاً؛ وعلته عبد الرحمن هذا؛ قال الحافظ (3/429) :

" يحتاج إلى الكشف عن حاله ". وقال ابن حبان:

" إن ذكر صلاة الصبح ليس بمحفوظ " - كما في " النيل "(3/37) -.

إذا علمت أنه لم يصح حديث في القنوت بهذا الدعاء في الفجر؛ فالصواب الذي

يقتضيه النظر أن لا يكون لقنوت الفجر وِرْدٌ خاص راتب يواظب عليه؛ بل يدعو بما

يناسب الحال والنازلة. وكذلك الشأن في بقية الصلوات الخمس.

ومن غرائب الفقه المتعارض أن ينقل هذا الدعاء من قنوت الوتر إلى قنوت الفجر

أيضاً - كما هو مذهب الشافعية -، وأن تترك الحنفية الدعاء به في الوتر، ويأخذوا بالدعاء

الذي كان يقنت به عمر رضي الله عنه في قنوت الفجر، وهو قوله:

اللهم! إنا نستعينك، ونستغفرك

إلخ.

فنقلوه هم إلى الوتر! فهؤلاء في طرف، وأولئك في طرف آخر!

فإن قيل: فما حجتك في أن عمر رضي الله عنه كان يقنت به في الفجر؟

ص: 979

..............................................................................

قلت: هي ما أخرجه الطحاوي (1/145) ، وكذا أبو داود في " مسائله " (64 -

65) ، وابن نصر (134 - 136)، والبيهقي (2/210 - 211) من طرق متعددة:

أن عمر رضي الله عنه قنت في صلاة الغداة قبل الركوع - وفي رواية: بعد الركوع -

بذلك.

وصحح البيهقي بعض أسانيده.

وقد كان قنوت عمر رضي الله عنه بذلك للنوازل؛ بدليل أنه كان يقول قبل هذا

الدعاء:

اللهم! العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك،

ويقاتلون أولياءك. اللهم! خالف بين كلماتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي

لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم! إنا نستعينك،

إلخ.

أخرجه البيهقي وغيره.

وبدليل قوله في آخر الدعاء:

إن عذابك بالكفار ملحق.

* * *

ص: 980