الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحريكُ الإصْبَعِ في التشهد
و" كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس [يتشهد] ؛ وضع كفَّه اليسرى على ركبته اليسرى
[باسطَها عليها] ، ويقبضُ أصابعَ كفِّه اليمنى كلها، ويشير بإصبعه التي تلي
الإبهام [في القبلة، ويرمي ببصره إليها - أو نحوها -] " (1) .
(1) هو من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
أخرجه مالك (1/111 - 112) عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن
المُعاوِي أنه قال:
رآني عبد الله بن عمر وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة، فلما انصرفت؛ نهاني، وقال:
اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع.
فقلت: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال:
كان إذا جلس في الصلاة؛ وضع
…
الحديث.
وقد أخرجه مسلم (2/90 - 91) ، {وأبو عوانة [2/223] } ، وأبو داود (1/156) ،
والنسائي (1/186) ، ومحمد في " الموطأ "(106) ، وأحمد (2/65) ؛ كلهم عن مالك
به. وكذا البيهقي (2/130)(1) .
_________
(1)
{وزاد فيه الحميدي في " مسنده "(131/1) ، وكذا أبو يعلى (275/2) بسندٍ صحيح عن
ابن عمر:
" وهي مذبّة الشيطان، لا يسهو أحد وهو يقول هكذا - ونصب الحميدي إصبعه - ".
قال الحميدي: قال مسلم بن أبي مريم:
" وحدثني رجل أنه رأى الأنبياء ممثلين في كنيسة في الشام في صلاتهم قائلين هكذا - ونصب
الحميدي إصبعه - ".
قلت: وهذه فائدة نادرة غريبة، وسندها إلى الرجل صحيح} .
..............................................................................
ثم أخرجه مسلم، والنسائي من طريق سفيان عن مسلم بن أبي مريم به نحوه. قال
سفيان: فكان يحيى بن سعيد يحدثنا به عن مسلم، ثم حدثنيه مسلم.
ورواه إسماعيل بن جعفر عن مسلم بن أبي مريم به. وفيه الزيادة الثالثة.
أخرجه {أبو عوانة [2/226] } ، والنسائي (173) ، والبيهقي (2/132) .
وهي صحيحة ثابتة.
ولها طريق أخرى:
أخرجها أحمد (2/119) قال: ثنا محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري: ثنا كثير
ابن زيد عن نافع قال:
كان عبد الله بن عمر إذا جلس في الصلاة؛ وضع يديه على ركبتيه، وأشار بأصبعه
وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لهي أشد على الشيطان من الحديد ". يعني: السبابة.
وهذا سند حسن أو قريب من الحسن؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الستة؛ غير
كثير بن زيد، وهو صدوق يخطئ - كما في " التقريب " -.
ومن طريقه أخرجه {الطبراني في " الدعاء " (ق 73/1) = [ص 205/642 و 643] } ،
والبزار أيضاً؛ كما في " المجمع "(2/140)، وقال عنه:
" وثقه ابن حبان، وضعفه غيره "(*) .
قلت: وأخرج المرفوعَ منه {الروياني في " مسنده " (249/2) = [290/1439] } ، والبيهقي
_________
(*) وعزاه الشيخ رحمه الله في " الصفة " المطبوع لأبي جعفر البختري في " الأمالي "(60/1) ،
وعبد الغني المقدسي في " السنن "(12/2) بسند حسن.
..............................................................................
(2/132) من طريق الواقدي: ثنا كثير بن زيد به بلفظ:
" تحريك الإصبع في الصلاة مُذْعِرَةٌ للشيطان "(*) . وقال:
" تفرد به الواقدي. وليس بالقوي ".
كذا قال! ولم يتفرد به - كما رأيت -.
ولهذه الزيادة شاهد من حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد؛ وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى،
ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة، ولم يجاوز بصره إشارته.
وسنده حسن.
أخرجه أبو داود (1/156) ، والنسائي (1/187) ، {وابن خزيمة [1/355/718] } ،
والبيهقي (1/132)، وأحمد (4/3) من طريق ابن عجلان: ثني عامر بن عبد الله بن الزبير
عن أبيه.
وعزاه الحافظ في " التلخيص "(3/500) لابن حبان أيضاً في " صحيحه ". وأصله
في " صحيح مسلم " - كما سيأتي -.
هذا، وأما الزيادة الأولى؛ فهي من طريق أخرى عن حماد بن سلمة عن أيوب عن
نافع عن ابن عمر بلفظ:
كان إذا قعد في التشهد؛ وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى
على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بالسبابة.
أخرجه مسلم أيضاً، و {أبو عوانة [2/225] } ، والبيهقي، وأحمد (2/131) وقالا:
_________
(*) قال الشيخ رحمه الله في " ضعيف الجامع "(2401) : " ضعيفٌ جداً ".
..............................................................................
ودعا.. بدل: وأشار بالسبابة.
ورواه الدارمي (308) .
وأما الزيادة الثانية؛ فهي من طريق عبيد الله عن نافع نحو حديث مالك.
أخرجه مسلم أيضاً، و {أبو عوانة [2/225] } والنسائي (1/187) ، والترمذي (2/88) ،
وابن ماجه (1/295) ؛ كلهم عن عبد الرزاق عن معمر عنه. واقتصر الترمذي على قوله:
" حديث حسن ". وهو قصور! فالحديث صحيح لا شائبة فيه. ثم قال:
" والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين؛ يختارون
الإشارة في التشهد. وهو قول أصحابنا ". يعني: أهل الحديث.
وهو قول أثمتنا الثلاثة؛ فقد قال الإمام محمد - بعد أن ساق الحديث -:
" وبصنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ، وهو قول أبي حنيفة ". وقد ذكر أبو يوسف في
" الأمالي " كما ذكر محمد - على ما في " فتح القدير " وغيره -.
فالعجب من كثير من علمائنا الحنفية كيف أنهم اختاروا ترك الإشارة في التشهد مع
ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم وعن أئمتهم أيضاً! وقد ألف في ذلك الشيخ المحقق ملا علي القاري رسالة
نفيسة أثبت فيها هذه السنة، ورد على من خالفها، وأسماها " تزيين العبارة لتحسين الإشارة ".
ومن المهم بالنسبة للمقلدين أن نلخص أهم ما جاء فيها؛ فقد ساق الأحاديث
الصريحة في الإشارة:
منها: حديث ابن عمر وابن الزبير المتقدمين.
ومنها: حديث وائل بن حُجر - الآتي قريباً [ص 850]-.
ومنها: حديث أبي هريرة، وأبي حميد الساعدي، ونُمير الخُزاعي، وخُفَاف
الغفاري، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك، وعقبة بن عامر، وعبد الرحمن بن أبزى.
..............................................................................
وقد خرجها كلها وساق ألفاظها، وقد أضربنا صفحاً عن ذكر أكثرها؛ لأنها ليست
على شرطنا. ثم قال الشيخ عليٌّ بعد ذلك (ص 10) :
" فهذه أحاديث كثيرة بطرق متعددة شهيرة، ولا شك في صحة أصل الإشارة؛ لأن
بعض أسانيدها موجود في " صحيح مسلم ".
وبالجملة؛ فهو مذكور في " الصحاح الستّة " وغيرها؛ مما كاد أن يصير متواتراً؛ بل
يصح أن يقال: إنه متواتر معنىً؛ فكيف يجوز لمؤمن بالله ورسوله أن يعدل عن العمل به،
ويأتي بالتعليل في معرض النص الجليل؛ مع أن ذلك التعليل مدخول، صَدَرَ من
العليل، وهو ما قيل - نقلاً عن بعض المانعين للإشارة - بأن فيها زيادة رفع لا يحتاج
إليها، فيكون الترك أولى؛ لأن مبنى الصلاة على الوقار والسكينة!
وهو مردود بأنه لو كان الترك أولى؛ لما فعله صلى الله عليه وسلم، وهو على صفة الوقار والسكينة في
المقام الأعلى!
ثم لا شك أن الإشارة الى التفريد مع العبادة بالتوحيد نور على نور، وزيادة سرور
على سرور؛ فهو محتاج إليه؛ بل مدار الصلاة والعبادة والطاعة عليه.
وعلل بعضهم بأن فيه موافقة فرقة الرافضة، فكان تركه أولى؛ تحقيقاً للمخالفة أيضاً!
[وهذا] ظاهر البطلان من وجوه:
اما أولاً: فلأن عامتهم - على ما نشاهدهم في زماننا - لا يشيرون أصلاً، وإنما
يشيرون بأيديهم عند السلام، ويضربون على أفخاذهم؛ تأسفاً على فوت الإسلام.
فينقلب التعليل عليهم حجة لنا.
وأما ثانياً: فلأنه على تقدير صحة النسبة اليهم؛ فليس كل ما يفعلونه نحن
مأمورون بمخالفتهم به حتى يشمل أفعالهم الموافقة للسنة - كالأكل باليمين ونحو ذلك -؛
..............................................................................
بل يستحب ترك موافقتهم فيما ابتدعوه وصار شعاراً لهم - كما هو مقرر في المذهب -،
كوضع الحجر فوق السجادة؛ فإنه وإن كانت السجدة على جنس الأرض أفضل باتفاق
الأئمة مع جوازها على البساط والفَرْوِ ونحوهما عند أهل السنة؛ لكن وضع نحو الحجر
والمدر فوق السجادة بدعة ابتدعوها، وصار علامة لمعشرهم، فينبغي الاجتناب عن
فعلهم؛ لسببين:
أحدهما: نفس موافقتهم في البدعة؛ كما ورد في الحديث:
" خالفوا اليهود والنصارى ".
وثانيهما: رفع التهمة. وقد ورد: " اتقوا مواضع التهم "(*) .
ونظيره: الوقوف للدعاء في المستجار؛ فإنه صار من ذلك الشعار، وكذا: الخروج من
مكة إلى يلملم للإحرام خارج الحرم مع الاتفاق على جواز ما ذكر عند أرباب العلم
وأصحاب الحكم؛ بخلاف ما إذا شاركونا في سنة مستمرة؛ كالخروج لإحرام العمرة إلى
التنعيم والجِعِرَّانة.
فالحاصل: أن مخالفة المبتدعة في الأمر المباح يستحسن؛ زجراً لهم، ورجوعاً إلى
الصلاح.
وأما الإشارة المذكورة الثابتة على نهج الصواب؛ فليست من هذا الباب.
ثم من أدلتها الإجماع؛ إذ لم يعلم من الصحابة ولا من علماء السلف خلاف في
هذه المسألة، ولا في جواز هذه الإشارة، ولا في تصحيح هذه العبارة؛ بل قال به إمامنا
الأعظم وصاحباه، وكذا الإمام مالك، والشافعي، وأحمد، وسائر علماء الأمصار
والأعصار؛ على ما ورد به صحاح الأخبار والآثار، وقد نص عليها مشايخنا المتقدمون
_________
(*) ولا أصل له مرفوعاً - كما في " الضعيفة "(113) -.
..............................................................................
والمتأخرون، فلا اعتداد لما عليه المخالفون، ولا عبرة لما ترك هذه السنة الأكثرون من سكان
ما وراء النهر وأهل خراسان، والعراق والروم وبلاد الهند؛ ممن غلب عليهم التقليد،
وفاتهم التحقيق والتأييد من التعلق بالقول السديد ". ثم ساق أقوال المشايخ في إثبات
الإشارة، وفي صفتها، ثم قال (18) :
" وقد أغرب الكَيْداني حيث قال:
والعاشر من المحرمات: الإشارة بالسبابة كأهل الحديث. أي: مثل إشارة جماعةٍ
يجمعهم العلم بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام! وهذا منه خطأ عظيم، وجرم
جسيم، منشؤه الجهل عن عقائد الأصول، ومراتب الفروع من النقول، ولولا حسن الظن
به وتأويل كلامه بسببه؛ لكان كفراً صريحاً، وارتداداً صحيحاً! فهل يجهل المؤمن أن
يُحَرِّمَ ما ثبت فِعله منه صلى الله عليه وسلم ما كاد نقله أن يكون متواتراً، ويمنعَ جواز ما عليه عامة
العلماء كابراً عن كابر مكابراً؟!
والحال: أن الإمام الأعظم، والهمام الأقدم قال: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم
يعرف مأخذه من الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، والقياس الجلي في المسألة. وقال
الشافعي: إذا صح الحديث على خلاف فعلي؛ فاضربوا قولي على الحائط، واعملوا
بالحديث الضابط.
فإذا عرفت هذا؛ فاعلم أنه لو لم يكن نص الإمام على المرام؛ لكان على المقتفين
من أتباعه من العلماء الكرام - فضلاً عن العوام - أن يعملوا بما صح عنه عليه الصلاة
والسلام.
وكذا لو صح عن الإمام - فرضاً - نفيُ الإشارة، وصح إثباتها عن صاحب البشارة؛
فلا شك في ترجيح المثبت المسند إليه صلى الله عليه وسلم. كيف وقد طابق نقله الصريح ما ثبت عنه
عليه الصلاة والسلام بالإسناد الصحيح؟!
..............................................................................
فمن أنصف ولم يتعسف؛ عرف أن هذا سبيل أهل التَّدَيُّن من السلف والخلف،
ومن عدل عن ذلك؛ فهو هالك بوصف الجاهل المعاند المكابر؛ ولو كان عند الناس من
الأكابر.
وغاية ما يعتذر به عن بعض المشايخ حيث منعوا الإشارة وذهبوا إلى الكراهة: عدم
وصول الأحاديث إليهم، وقد ورد اختلاف فعلها وتركها عليهم، فظنوا أن تركها أولى ".
قال:
" فالجاهل بالأخبار النبوية والآثار المصطفوية لما رأى أن بعض الناس يشيرون عملاً
بالسنة، وبعضهم يتركون الإشارة، إما للجهل، أو للكسل، أو للغفلة؛ فقال: تركها
أولى؛ لأنها زيادة في المبنى على أصل المعنى. فجاء بعده غيره وقال: هي مكروهة.
وأراد أنها كراهة تنزيه؛ لكن لم يجعل عليه من تنبيه! فتوهم مَنْ بعدهم أنه حرام،
وحسب أنه في الدين لعظيم؛ بناءً على أن الكراهة إذا أطلقت؛ فهي كراهة تحريم! ثم
قال مَنْ بعده: ما كره؛ فهو حرام عند محمد؛ لا سيما وهو متعلق بعبادة الأحد!!
فانظر كيف تدرج الجهلُ، وتركب في نظر العقل العاري عن النقل إلى أن جعل
السنة المشهورة من الأمور المنهية المحرمة المهجورة! فاعلم أن تعريف الحرام: ما ثبت نهيه
بالدليل القطعي من الكتاب والحديث.
ومن القواعد المقررة أن تحريمَ المباحِ حرامٌ؛ فكيف السنة الثابتة عنه عليه الصلاة
والسلام؟! مع أنه يكفي في موجب تكفير الكيداني إهانةُ المحدِّثين الذين هم عمدة أئمة
الدين المفهوم من قوله: كأهل الحديث. المفضية إلى قلة الأدب المقتضي لسوء الخاتمة؛ إذ
من المعلوم أن أهل القرآن أهل الله، وأهل الحديث أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأُنشد في هذا
المعنى:
أهل الحديث هُمُ أهل النبي وإن لم
…
يصحبوا نَفْسَهُ أنفاسَه صحبوا
..............................................................................
أماتنا الله على محبة المحدثين وأتباعهم من الأئمة المجتهدين، وحشرنا مع العلماء
العاملين تحت لواء سيد المرسلين. والحمد لله رب العالمين ". اهـ كلامه رحمه الله.
هذا؛ وفي " التعليق الممجد على موطأ محمد " لعبد الحي اللكنوي (106) :
" وقد ذكر ابن الهُمَام في " فتح القدير "، والشُّمُنِّي في " شرح النقاية " وغيرهما أنه
ذكر أبو يوسف في " الأمالي " مثل ما ذكر محمد.
فظهر أن أصحابنا الثلاثة اتفقوا على تجويز الإشارة؛ لثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
بروايات متعددة وطرق متكثرة، لا سبيل إلى إنكارها، ولا إلى ردها. وقد قال به غير
واحد من العلماء؛ حتى قال ابن عبد البر:
" إنه لا خلاف في ذلك ".
وإلى الله المشتكى من صنيع كثير من أصحابنا من أصحاب الفتاوى - كصاحب
" الخلاصة "، و " البزّازية الكبرى "، و " العَتّابية "، و " الغِياثية "، و " الولوالجية "، و " عمدة
المُفْتِي "، و " الظهيرية "، وغيرها -؛ حيث ذكروا أن المختار هو عدم الإشارة! بل ذكر بعضهم
أنها مكروهة!
والذي حملهم على ذلك سكوتُ أئمتنا عن هذه المسألة في ظاهر الرواية، ولم
يعلموا أنه قد ثبت عنهم بروايات متعددة، ولا أنه ورد في أحاديث متكثرة.
فالحذر الحذر من الاعتماد على قولهم في هذه المسألة مع كونه مخالفاً لما ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ بل وعن أئمتنا أيضاً!
بل لو ثبت عن أئمتنا التصريح بالنفي، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
الإثبات؛ لكان فِعل الرسول وأصحابه أحق وألزم بالقبول؛ فكيف وقد قال به أئمتنا
أيضاً؟! ".
..............................................................................
وقد ذكر نحو هذا في كتابه " عمدة الرعاية "(1/38) ، وتعجب كل العجب من
المشايخ المذكورين الذين اختاروا ترك الإشارة وكراهتها، ثم قال:
" وزاد عليهم الكَيْداني في "خُلاصته " نغمةً في الطنبور؛ فعدها من المحرمات "!
وقال في حاشية " غيث الغمام على إمام الكلام "(ص 41) :
" هذا القول من الأقوال الخبيثة المردودة؛ لمخالفته لما ثبت عن أئمتنا الثلاثة من سنية
الإشارة - كما صرح به محمد في " موطئه "، وأبو يوسف في " الأمالي " -. والعجب مِنْ
جَمْعٍ مِنَ الحنفية كيف أفتوا بكراهة الإشارة مع ثبوتها عن صاحب الشرع وإمام
المذهب؟! ".
قلت: وأعجب من ذلك أن هؤلاء المفتين يقولون بأن باب الاجتهاد مغلق من بعد
القرون الأربعة، ثم هم يجتهدون في هذه المسألة، فيخالفون فيها نصوص أئمتهم
المقلَّدين، والآثارَ المرويةَ عن الصحابة والتابعين، والأحاديثَ الصحيحةَ عن سيد
المرسلين؛ مع أنه (لا اجتهاد في معرض النص) باتفاقهم، فليتهم لم يقولوا قولهم هذا!
وليتهم وقفوا عنده! والله المستعان.
وقد كان جرى بحث بيني وبين بعض مشايخي حول هذه المسألة؛ فإنه من القائلين
بالمنع رغم كونه قد اطلع على الأحاديث المشار إليها، وعلى أقوال الأئمة الواردة في
ذلك.
فقلت له: لم لا ترفع أصبعك في الصلاة؟!
فاحتج بحجتين: الأولى قديمة معروفة، وقد سبقت في كلام القاري - وهي كون
الصلاة مبنية على السكون والهدوء، وأجاب عنها بما تقدم.
أما أنا؛ فقلت له: (إذا جاء الأثر؛ بطل النظر، ولا رأي مع النص) ! وهل مثلك إلا
..............................................................................
مثل من يقول: أنا لا أركع في الصلاة، ولا أسجد؛ لأن في ذلك من الحركات
والانتقالات ما لا يتفق مع الصلاة أو السكون فيها!
وهل لك ما تجيبه على ذلك إلا أن تقول: إن الذي أمرنا بالسكون في الصلاة هو
الذي أمرنا بهذه الحركات والانتقالات، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانتَهُوا} ، فهذا الجواب هو جوابنا لك وكفى. فسكت!
وأما حجته الأخرى؛ فهي قوله: لما كان العلماء قد اختلفوا في صفة الرفع؛
فبعضهم يقول: يرفع المسبحة مع قبض الأصابع الأخرى. وبعضهم يقول: يبسط هذه
الأخرى ويرفع المسبحة. وبعضهم يقول: يرفعها عند النفي ويضعها عند الإثبات.
وبعض يعكس ذلك. وبعضهم يقول: يقبض الأصابع عند وضع اليدين في أول
التشهد. وبعضهم إنما يفعل ذلك عند التهليل. وبعضهم يحرك المسبِّحة. وبعضهم لا
يحركها. فلما رأيناهم اختلفوا في ذلك؛ تركنا هذه السنة؛ لأننا لم نعرف صفتها!
فقلت له: لا يلزم من الاختلاف في صفة شيء ما تركُهُ مطلقاً أو إنكاره! وإلا؛
لزمك أن تترك أشياء كثيرة اختلف فيها العلماء حتى علماء مذهبك! فخذ مثالاً على
ذلك: سنية وضع اليمنى على اليسرى في القيام في الصلاة؛ فبعضهم يقول بأن السنة
القبض. وبعضهم: الوضع. وبعضهم: الجمع بينهما. هذا في مذهبك. وأما في
المذاهب الأخرى؛ فالخلاف أشد؛ فبعضها تقول بأن الوضع يكون تحت السرة. وبعضها:
فوقها. وبعضها: على الصدر. بل إن الإمام مالكاً لا يرى مشروعية الوضع مطلقاً - في
رواية عنه -؛ فهل تترك أنت هذه السنة لهذه الاختلافات في كيفيتها؛ بل وفي أصلها
أيضاً؟! فبهت.
ثم قلت: لا ينجيك من هذه الاختلافات إلا الرجوع إلى ما أمرنا الله تعالى به في
قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ
..............................................................................
ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} .
هذا ما قلته وقتئذٍ، والأمر يحتاج إلى شيء من التفصيل:
أما وضع اليدين في القيام؛ فقد سبق بيان ما يثبت في السنة من ذلك في محله.
وأما المسألة التي نحن فيها؛ فاعلم أن تلك الاختلافات لا أصل لها في السنة؛ بل
بعضها مداره على روايات مجملة، وبعضها مجرد رأي واجتهاد!
أما القبض والبسط؛ فالأول هو الثابت صراحة في حديث ابن عمر، وعبد الله
ابن الزبير، ووائل بن حجر.
وأما البسط؛ فلم يصرح به في حديث ما، وحجة من ذهب إليه: أنه لم يذكر
القبض بعض الصحابة في أحاديثهم! وهذا ليس بشيء؛ فإن أحاديث هؤلاء في هذه
المسألة مجملة، وأحاديث أولئك مفصلة، والمفصل يقضي على المجمل - كما في الأصول
تقرر -.
وأما وقت الرفع؛ فلم نجد في ذلك حديثاً يعينه ويحدده، فهو اجتهاد محض ليس
عليه دليل.
وهذا بناء على أن السنة أن لا تحرك المُسَبِّحة من أول التشهد إلى آخره إلا عند
التهليل. وليس كذلك - كما سيأتي -.
وأما وقت قبض الأصابع الأخرى؛ فالظاهر من الأحاديث المتقدمة أنه من أول
التشهد؛ لأنها تقول:
كان إذا جلس؛ وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها.
وليس لهذا الظاهر معارض؛ فوجب الأخذ به.
و " كان إذا أشار بإصبعه؛ وضع إبهامه على إصبعه الوسطى "(1) . وتارة
" كان يحلِّق بهما حلقة "(2) .
وأما اختلافهم في استمرار التحريك؛ فالصواب الذي لا شك فيه مع من أثبته؛
لأنه ثابت في حديث وائل بن حجر.
لكنهم اختلفوا أيضاً في صفته - كما سيأتي بيانه قريباً -.
(1)
هو من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما. قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو؛ وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده
اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بأصبعه السبابة، ووضع إبهامه على أصبعه
الوسطى، ويلقم كفه اليسرى ركبته.
أخرجه مسلم (2/90) ، والبيهقي (2/131) ؛ كلاهما من طريق أبي بكر بن أبي
شيبة: ثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه.
وابن عجلان: إنما أخرج له مسلم مقروناً بغيره. لكن يشهد لموضع الشاهد من
حديثه هذا حديثُ ابن عمر المتقدم [ص 840] :
وعقد ثلاثة وخمسين.
فقد فسروا هذا العقد بأن يعقد الخنصر والبنصر والوسطى، ويرسل الإبهام إلى أصل
المسبِّحة - كما في " التلخيص "(3/499) ، و " تزيين العبارة "(2) -. وقد اختار هذه
الصفة الشافعية، مع تجويزهم الصفة الأخرى الآتية.
(2)
هو قطعة من حديث وائل بن حُجْر في صفة صلاته عليه الصلاة والسلام
بلفظ:
ثم قبض اثنين من أصابعه، وحلق حلقة
…
الحديث.
..............................................................................
وقد مضى في (قبض اليدين) في (القيام)[ص 209] .
وقد رواه البيهقي (2/131) من طريق خالد بن عبد الله: ثنا عاصم بن كُلَيب عن
أبيه عنه بلفظ:
ثم عقد الخنصر والبنصر، ثم حلق الوسطى بالإبهام، وأشار بالسبابة.
وفي لفظ:
وعقد أصابعه، وجعل حلقة بالإبهام والوسطى، ثم جعل يدعو بالأخرى.
رواه سعيد بن منصور في " سننه "، وكذا أبو يعلى - كما في رسالة القاري (7 و 10) -.
ورواه عبد الرزاق بلفظ:
ووضع الإبهام على الوسطى، وحلق بها.
وقد اختار هذه الصفة علماؤنا الحنفية، مع تجويزهم الصفة الأولى؛ عكس الشافعية
- كما سبق -، وقد قال البيهقي - بعد أن ساق الحديث -:
" ونحن نجيزه، ونختار ما رويناه في حديث ابن عمر، ثم ما روينا في حديث ابن
الزبير؛ لثبوت خبرهما، وقوة إسناده، ومزية رجاله، ورجاحتهم في الفضل على عاصم
ابن كُلَيب ".
والحق: أنه لا تفضيل بين الصفتين؛ بل كل منهما سنة ينبغي العمل بكل منهما
أحياناً.
وقد أشار إلى ذلك شارح " منية المصلي "؛ حيث ذكر الصفتين بدون أن يرجح
إحداهما على الأخرى؛ ولذلك قال الشيخ علي القاري (18) :
" وهو يفيد التخيير بين نوعي الإشارة الثابتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول حسن،
و " كان إذا رفع أصبعه السبابة؛ يحركها يدعو بها "(1)، ويقول:
" لهي أشد على الشيطان من الحديد ". يعني: السبابة (*) .
وجمع مستحسن؛ فينبغي للسالك أن يأتي بأحدهما مرة وبالآخر أخرى؛ فإنه بالتحري
أحرى ".
وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى.
وذهب ابن القيم في " زاد المعاد "(1/92) إلى أن حديث ابن عمر ووائل بن حُجْر
مؤداهما إلى صفة واحدة، محاولاً في ذلك الجمع بين الروايات!
وفيه بُعد؛ لتصريح وائل دون ابن عمر بالتحليق. والله أعلم.
(1)
هو قطعة من حديث وائل المشار إليه آنفاً.
وهو حديث صحيح - كما تقدم، ويأتي قريباً (*) -.
وقد عارضه حديث عبد الله بن الزبير:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا، ولا يحركها.
أخرجه أبو داود (1/156) ، والنسائي (1/187) ، والبيهقي (2/131) من طريق
زياد بن سعد عن محمد بن عجلان عن عامر بن عبد الله عنه. وقال النووي (3/454) :
" إسناده صحيح "!
وليس بصحيح؛ فإن ابن عجلان متكلَّم فيه. وهو حسن الحديث، إذا سلم من =
(*) سبق تخريجه والكلام عليه (ص 839 - 840) .
_________
(*) وانظر تصحيح الشيخ رحمه الله له في " الإرواء "(2/68 - 69) ، و " صحيح أبي داود "
(717)
، و " تمام المنة "(ص 218 - 222) ، و " السلسلة الصحيحة "(7/551 - 554) .
..............................................................................
= علته. والواقع أنه معلول من وجوه:
أولاً: أنه قد اختلف عليه في قوله: (ولا يحركها) :
فرواه عنه زياد بن سعد هذا بهذه الزيادة.
وخالفه الليث بن سعد وأبو خالد الأحمر- عند مسلم، والبيهقي -، وابن عيينة - عند
الدارمي (1/308) ، وأحمد (4/3) -، ويحيى بن سعيد - عنده، وكذا أبي داود،
والنسائي -؛ فرواه أربعتهم عن ابن عجلان بدون هذه الزيادة.
ثانياً: أن عثمان بن حكيم رواه عن عامر كذلك بدونها.
وتابعه مَخْرَمة بن بُكَير: عند النسائي (1/173) ، والبيهقي (2/132) .
فقد اتفق كل من روى الحديث عن عامر على ترك هذه الزيادة؛ إلا رواية عن ابن
عجلان، وهي شاذة؛ لما سبق. ولذلك قال ابن القيم (1/85) :
" فهذه الزيادة في صحتها نظر، وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في " صحيحه " عنه،
ولم يذكر هذه الزيادة. وأيضاً: فليس فيه أن هذا كان في الصلاة. وأيضاً: لو كان في
الصلاة؛ لكان نافياً، وحديث وائل مثبتاً - وهو مقدم -، وهو حديث صحيح، ذكره أبو
حاتم في " صحيحه ".
{ولحديث التحريك شاهد في " ابن عدي "(1/287)، وقال في راويه عثمان بن مِقْسَم:
" ضعيف، يُكتب حديثه "} .
وقوله: " يدعو بها "؛ قال الإمام الطحاوي في " شرح المعاني "(1/153) :
" فيه دليل على أنه كان في آخر الصلاة ".
قلت: وذلك لأن الدعاء إنما يشرع عند الجمهور - خلافاً لابن حزم كما سيأتي - في
التشهد الذي يليه السلام؛ كما هو ثابت في السنة، ففي ذلك دليل أيضاً على أن السنة
..............................................................................
أن يستمر في الإشارة، وفي تحريكها إلى السلام؛ {لأن الدعاء قبله، وهو مذهب مالك
وغيره، وسئل الإمام أحمد: هل يشير الرجل بإصبعه في الصلاة؟ قال:
" نعم؛ شديداً ". ذكره ابن هاني في " مسائله عن الإمام أحمد "(ص 80) .
قلت: ومنه يتبين أن تحريك الإصبع في التشهد سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، عمل
بها أحمد وغيره من أئمة السنة؛ فليتق الله رجال يزعمون أن ذلك عبث لا يليق
بالصلاة؛ فهم من أجل ذلك لا يحركونها مع علمهم بثبوتها، ويتكلفون في تأويلها بما لا
يدل عليه الأسلوب العربي، ويخالف فهم الأئمة له!
ومن الغرائب: أن بعضهم يدافع عن الإمام في غير هذه المسألة - ولو كان رأيه فيها
مخالفاً للسنة -؛ بحجة أن تخطئة الإمام يلزم منها الطعن فيه وعدم احترامه! ثم ينسى
هذا؛ فيرد هذه السنة الثابتة، ويتهكم بالعاملين بها، وهو يدري - أو لا يدري - أن تهكمه
يصيب أيضاً هؤلاء الأئمة الذين من عادته فيهم أن يدافع عنهم بالباطل، وهم هنا أصابوا
السنة! بل إن تهكمه به يصيب ذات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الذي جاءنا بها، فالتهكم بها
تهكم به، {فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا
…
} ؟!} .
وأمأ قول الشيخ علي القاري في " تزيين العبارة "(17) :
" إن الصحيح المختار عند جمهور أصحابنا أنه يشير بالمسبّحة؛ رافعاً لها عند النفي
واضعاً لها عند الإثبات، ثم يستمر على ذلك؛ لأنه ثبت العقد عند الإشارة بلا
خلاف، ولم يوجد أمر يُغَيِّرُهُ؛ فالأصل إبقاء الشيء على ما هو عليه، واستصحابه إلى
آخر أمره ومآله إليه ".
فكلام غير صحيح من حيث الدليل؛ لأنه مبني على أن الوضع ثابت في السنة
بعد الرفع، وليس كذلك - كما سبق -.
..............................................................................
وعليه يعود الأصل الذي ذكره عليه؛ فإنا نقول: إذا كان قد ثبت في السنة الرفع،
ثم لم يرد الوضع بعد ذلك؛ فالأصل إبقاء الشيء على ما هو عليه، واستصحابه إلى آخر
أمره ومآله إليه. فهذا الأصل يقتضي إبقاء الأصبع مرفوعة إلى آخر التشهد كما لا
يخفى. هذا يقال لو لم يأت الحديث مبيناً لذلك؛ فكيف وقد اتفق الأصل والفرع؟!
وقد وجدت في ذلك حديثاً آخر - وإن كان في صحته نظر؛ فإنه في الشواهد
معتبر -، وهو:
ما أخرجه الترمذي (2/278 - طبع بولاق) من طريق عبد الله بن مَعْدَان: أخبرني
عاصم بن كُليب الجَرْمي عن أبيه عن جده قال:
دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وقد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى،
ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه، وبسط السبابة؛ وهو يقول:
" يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك ".
وكذلك رواه أبو يعلى، والبغوي، ومُطَيِّن، والباوَرْدي، والطبري عن ابن معدان به
- كما في " الإصابة "(2/159) -، وقال الترمذي، ثم البغوي:
" غريب ". ثم قال الحافظ:
" رجاله موثقون؛ إلا أن أبا داود قال: عاصم بن كُلَيب عن أبيه عن جده: ليس
بشيء ".
فهذا الحديث مثل حديث وائل في إثبات استمرار الرفع حتى الدعاء؛ لكنه أخص
من حديث وائل؛ فإن هذا يفيد استمرار التحريك أيضاً - كما هو مذهب مالك وغيره -،
وهو حجة على الشافعية.
وقول البيهقي (2/132) :
..............................................................................
" يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها، لا تكرير تحريكها؛ فيكون موافقاً
لرواية ابن الزبير. والله أعلم ".
ليس بقوي؛ لأن هذا الاحتمال إنما يصح أن يقال لو كان حديث ابن الزبير النافي
للتحريك صحيحاً ثابتاً، وقد بينا فيما سبق أنه ليس كذلك؛ بل هو معلول، فيبقى حديث
وائل بدون معارض، وقد علم أن الفعل المضارع يفيد الاستمرار إلا لقرينة، وإذ ليس؛ فليس.
على أنه لو ثبت حديث ابن الزبير؛ لكان الأولى أن يقال: السنة تحريكها أحياناً،
وترك ذلك أحياناً؛ عملاً بالحديثين - كما قلنا ذلك في مواضع أخرى -. وهذا أولى من
قول ابن القيم المتقدم:
" إن حديث ابن الزبير نافٍ، وحديث وائل مثبت؛ وهو مقدم "!
فإن هذا يلزم منه رد الحديث الآخر - لو صح -، وليس بجيد!
ثم اعلم أنه لم يرد أي حديث - فيما علمنا - يبين كيفية التحريك، فالمصلي بالخيار
أن يحرك كيف يشاء؛ لكننا نرى - والعلم عند الله تعالى - أن يكون تحريكه لأصبعه
تحريكاً أقرب ما يكون إلى هيئة الصلاة والخشوع فيها.
(فائدة) : روى البيهقي (2/133) بإسنادين عن ابن عباس في الرجل يشير
بأصبعه؛ قال:
هو الإخلاص. قال:
" وعن أَبَان بن أبي عَيَّاش عن أنس بن مالك قال:
ذلك التضرع. وعن عثمان عن مجاهد قال:
مِقْمَعَةُ الشيطان ".
وفي معنى قول مجاهد هذا حديث مرفوع سبق ذكره غيرَ بعيد [ص 839 - 840] .
{و " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بعضهم على بعض. يعني: الإشارة
بالإصبع في الدعاء " (1) } .
و" كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في التشهدين جميعاً "(2) .
و" رأى رجلاً يدعو بأصبعيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أحِّدْ (3) [أحِّدْ] "، [وأشار بالسبابة] " (4) .
(1) { [رواه] ابن أبي شيبة (2/123/1) = [2/231/8429] و [6/88/29679]
بسندٍ حسن} .
(2)
هو من حديث عبد الله بن الزبير. قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الثنتين أو في الأربع؛ يضع يديه على ركبتيه، ثم
أشار بأصبعه.
أخرجه النسائي (1/173)، والبيهقي (2/132) من طريق ابن المبارك قال: أنبأنا
مَخْرَمة بن بُكَير قال: أنبأنا عامر بن عبد الله بن الزبير عنه.
وهذا إسناد صحيح.
(3)
بكسر الحاء المشددة. وكرر للتأكيد بالوحدة، من التوحيد؛ أي: أَشِرْ بأصبع
واحدة؛ لأن الذي يدعوه واحد. وأصله: وحد. قلبت الواو همزة.
قلت: فما يفعله العامة عقب الوضوء من الإشارة بالسبابتين عند الشهادة؛ خلاف
أمره صلى الله عليه وسلم! {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
نسأله تعالى أن يجعلنا من المقتدين بسنته صلى الله عليه وسلم، والمهتدين بهديه.
(4)
هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رجلاً كان يدعو
…
إلخ.
..............................................................................
أخرجه النسائي (1/187) ، والترمذي (2/373 - طبع بولاق) ، والحاكم (1/536)(*)
من طريق محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عنه. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح غريب "! وكذا صححه الحاكم - كما يأتي -! وإنما هو حسن
فقط؛ للخلاف في ابن عجلان.
نعم لم يتفرد به:
فقد أخرجه النسائي، والحاكم من طريق أبي معاوية، {وابن أبي شيبة
(2/123/2) = [ (2/232/8440) من طريق وكيع؛ كلاهما] } عن الأعمش عن أبي
صالح عن سعد قال:
مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعيّ، فقال:
" أَحَّدْ أَحَّدْ ". وأشار بالسبابة. وقال الحاكم:
" صحيح الإسنادين جميعاً؛ فأما حديث أبي معاوية؛ فهو صحيح على شرطهما؛
إن كان أبو صالح السمان سمع من سعد ". وقال الذهبي:
" صحيح بالإسنادين جميعاً ".
وهذا جزمٌ منه بصحة حديث أبي معاوية، وهو صواب؛ فقد ذكروا لأبي صالح
رواية عن سعد.
والحديث رواه أبو يعلى، {وابن أبي شيبة [ (2/231/8426) - وفيه التصريح بأن
الرجل هو سعد -] ) عن أبي هريرة:
_________
(*) وعزاه الشيخ رحمه الله في " الصفة " المطبوع لابن أبي شيبة (12/40/1) ، وهو فيه
(6/88/29673) ؛ قال: " ثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عنه؛ دون الزيادة الثانية،
وفيه التصريح بأن الرجل هو سعد رضي الله عنه.
..............................................................................
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يدعو بأصبعيه جميعاً، فنهاه، وقال:
" بإحداهما: باليمين ". قال في " المجمع "(10/168) :
" ورجاله رجال " الصحيح ". ورواه الطبراني في " الأوسط "؛ ولفظه:
نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل يشير بأصبعيه، فقال:
" أَوْحِدْ أوحد ".
ورجاله ثقات ".
وله شاهد من حديث أنس قال:
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد يدعو بأصبعين، فقال:
" أَحَّدْ يا سعد! ".
أخرجه أحمد. ولم يسم تابعيّه، وبقية رجاله رجال " الصحيح ".
وعن ابن عمر:
انه رأى رجلاً يشير بأصبعيه، فقبض إحدى إصبعيه، وقال:
إنما الله إله واحد.
رواه الطبراني موقوفاً. ورجاله رجال " الصحيح " ".
{وله شاهد عند ابن أبي شيبة} (*) .
_________
(*) انظر " المصنف "(2/231/8435 و 6/89/29684 و 29685) .