الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحُزْن -مثلاً- مثل ما ترى في قول بعضهم: (دمعةٌ أَمْطَرَتْهَا عيني، فَأَعْشَبَ لها قلبي)؛ إذ لا تناسب بين امتلاء القلب حُزْنًا وبين اعْشِيشَابِ الأرض، بل هو بخلاف المقصود أقرب، وكذا قولُ الزمخشري في رثاء شيخه أبي مُضَر:
وقائلةٍ ما هَاتِه الدُّرَرُ التي
…
تَساقَطُ مِنْ عينيكَ سِمْطَيْنِ سِمْطَين
فإنَّ المقامَ ليس مقامَ تشبيهِ دمع الحُزْن بالدُّرَر، وإن كان قصدُه أن يَصِلَ بذلك إلى تشبيه فوائد شيخِه، لكنه جاء بافتتاحٍ تنكرُه النَّفْسُ، خلافَ قول الآخر:
فأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤًا مِنْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ
…
وَرْداً وَعَضَّتْ عَلَى الْعُنَّابِ بِالبَرَد
وعلى هذا قياسُ غيرِه.
وأما
تنسيق المعاني وتهذيبها:
فهو تنقيحُها عن كلِّ ما يَعْلَقُ بها مما يكون غريبًا عنها، ولا مناسبةَ له بها من خطأٍ أو صواب. وأظهرُ مواقع الحاجة إليه مقاماتُ الاستطراد، ويسمَّى:(الاعتراض) فإن المتكلِّم أو الكاتب أو الخطيب قد تدعوه إلى الاستطراد دواعٍ كثيرة، ليلقي من المعاني التي يرى الداعي لإلقائها موجودًا، ويخشى أن لا يجد لها مناسبةً غير ذكرِها عند نظيرها، وذلك كاستطراد الدعاء في طوالع الرسائل، أو استطراد قِصَّة أو حادثة أو شِعْر في أثناء رسالة أو خطبة، وتلك سُنَّةٌ قديمة شائعة بين الكُتَّاب والخطباء، فيجب أن يكون ذلك الاستطرادُ شديدَ التعلق بالموضوع، إما لثناءٍ أو بيانٍ أو تحسينٍ أو إظهارِ
إمكانِه أو تنظيرِه أو تذكيرٍ بسابقٍ أو نحو ذلك، فإن عري الاستطرادُ عن شيءٍ من العلاقات المقبولة الواضحة صار أشبه بالهَذَيان، مثل ما وقع لأبي العلاء المعري في نَثْرٍ في رسالةٍ كتب بها إلى قاضٍ شافعي: "كتابي -أطالَ الله بقاءَ سيدي القاضي، شافي العِيِّ وخليفةَ الشافعيِّ، ما جازَ خِيارُ مجلس، ووجبَ حَجْرٌ على مُفْلِس
…
إلخ". فإنَّ هذا الظَّرْفَ الذي استطرده لدعائه، لا مناسبة بينه وبين الموضوع، إلا أنه ذكرَ شيئًا من عَلائقِ القُضَاة فرماه جُزَافًا؛ إذ ليس ذلك بأولى من أن يقول:(ما رُدَّتْ شهادةُ زنديق، وقُبِلَ الشاهدان في التطليق).