المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌منافع الخطابة إن الخطابة ركنٌ عظيمٌ من آداب الاجتماع البشري، فبها - أصول الإنشاء والخطابة

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌كيفية الإنشاء للمعنى

- ‌تمرين:

- ‌أساليبُ الإنشاء

- ‌ أنواع الإنشاء

- ‌القسم الأول: المعنوي

- ‌ المعاني

- ‌تعريف المعنى وتقسيمُه

- ‌صِفَاتُ المعنى

- ‌طرق أخذ المعنى

- ‌ترتيبُ المعاني وتنسيقُها وتهذيبُها

- ‌(المعاظلة)

- ‌ الموازنة بين المعاني

- ‌ تنسيق المعاني وتهذيبها:

- ‌أخذ النتائج من المعاني

- ‌مقامات الكلام

- ‌ الجَزَالةُ والسُّهُولَة والرِّقَّةُ

- ‌القسم الثاني: اللفظي

- ‌أحوال الألفاظ المفردة

- ‌أحوال الألفاظ المركبة

- ‌السَّجْعُ والتَّرَسُّلُ

- ‌التَّمَرُّنُ على الإِجَادَةِ

- ‌فنُّ الخَطابَة

- ‌ما هي الخطابة

- ‌منافع الخطابة

- ‌أصول الخطابة

- ‌الخطيب

- ‌ شروط الخطيب الراجعة إلى ذِهْنِه

- ‌ شروطُ الخطيب في ذاتِه:

- ‌ شروط الخطيب في نفسه

- ‌الخُطْبَة

- ‌الركن الأول: الدِّيبَاجة:

- ‌الثاني: التَّخَلُّصُ:

- ‌الثالث: المقدِّمة:

- ‌الرابع من أركان الخطبة: الغَرَضُ

- ‌الخامس: البيان

- ‌السادس: الغاية:

- ‌السابع: خاتمة الخطبة:

- ‌التدرُّب بالخَطَابة

الفصل: ‌ ‌منافع الخطابة إن الخطابة ركنٌ عظيمٌ من آداب الاجتماع البشري، فبها

‌منافع الخطابة

إن الخطابة ركنٌ عظيمٌ من آداب الاجتماع البشري، فبها يحصل تهذيب الجمهور وحملُهم على ما فيه صلاحهم، وتسكين جَأْشِهم عند الرَّوْع، وبثُّ حماسهم عند اللقاء، وبها تحصل مُحَاجَّة المموِّهين عليهم والمعنِّتين لهم؛ إذ الجمهور إنما يتألف من أفرادٍ لا تبلغ عقولُهم بسرعةٍ إلى إدراك البراهين النظرية، ولا تهتدي من تِلقاء نفسها إلى الغايات الحقيقية، فناسب أن يُعدَل عند خطابهم إلى الأمور الإقناعية، وهي المشهورات الموصِّلة إلى ما يوصِّل له البرهان ولو خالفته في الطريق، وقد يخاطِب الخطيب قومًا من الخاصة إلا أن المَقام يكون نابيًا عن سلوك طريقة البرهان، إما لقِصَر الوقت واحتياج البرهان إلى طُولٍ، وإما لأنَّ في البرهان خَفَاءً وتدقيقًا وتفاوتًا في قَبول الناس له، أو مُكَابرةً في الاعتقاد فيُصَار إلى الإقناعيات والتمثيلات والمسلَّمات لتُمْكِنَ

ص: 120

معارضة الخصم الألدِّ وإيقاظ الغالط الغافل، فلذلك كان الخطيب في حاجةٍ إلى معرفة محاسن الأشياء وأضدادها ليتوسَّل بذلك إلى مناقضة ضَالٍّ مروِّج أو إرشاد جاهل غيرِ متيقِّن. وحسبك من منفعة الخطابة أن الله تعالى شرع لنا الخطبة عند كلِّ اجتماع مهم من جُمُعة وعيد وحج، وذلك أنَّ النُّفوس تميل في طِباعها لمتابعة الشهوات وتتجهَّم الاتِّباع لمقتضى الأخلاق الفاضلة، فإذا لم تتكرر عليها الدعوة إلى الفضائل بالخطب غلبت عليها أضداد الفضائل والعدالة، وليس كلُّ صِنْفٍ من أصناف الناس بصالحٍ لتلقِّي ذلك وحدَه من مطاوي كتب التهذيب وأوراق الحكمة، ولا كلُّ صالحٍ لذلك بفاعلٍ، فلا جَرَم وجبَ التذكير عند المجتمعات العامَّة لأنها تحشُر أصناف الناس.

ولقد كان الشعرُ أغلبَ على العرب، وكان الشاعر مُقدَّمًا عندهم على الخطيب في الجاهلية -كما قال أبو عمرو بن العلاء- لفَرْط حاجتهم حينئذٍ إلى الشعر الذي يُقيِّد عليهم مآثرهم، ويفخِّم شأنهم، ويُهَوِّل على عدوِّهم، فلما كثر الشعر والشعراء واتخذوا الشعر مَكسِبةً وتسرَّعوا به إلى أعراض الناس، صار الخطيب عندهم فوق الشاعر، ومع ذلك فلم يُحفظ من خُطَبهم شيءٌ كثيرٌ؛ لأنَّ الشعر كان أسرعَ إلى الحفظ وأعلق بالذهن، ولما جاء الإسلام وتأسَّس الدينُ ارتفع شأن الخطابة، وقُيِّدت آثارُها بشيوع الكتابة.

ص: 121