الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: اللفظي
إن للفظ حظًّا كبيرًا في الإنشاء، فإنَّ بحسنِه يظهرُ رَوْنَقُ الإنشاء ويترقرق ماؤُه، وإنك لترى المعنى الشريفَ إذا لم يُمنَح من الألفاظ ما يناسبُه أصبح لفظُه له قبرًا، ولم يَطْرُقْ لسامعه فكرًا، وبالعكس قد تغطِّي الألفاظُ الحسنة في حال تركيبها بَسَائِطَ المعاني ومبتذَلَها، فإنَّ الشاعر أو الكاتب أو الخطيب قد يُضطَرُّ إلى أن يَذكُر من المعاني ما ليس له كبيرُ أهميةٍ، إما لكونه على قَدْرِ إفهام مخاطَبيه، وإما لكون ذلك المعنى لا يَقبَلُ تنميقًا فيلزمُه حينئذٍ أن يكسوَ المعنى من حِلْيَةِ الألفاظ ما يُنَبِّهُ مقدارَه، ويُعلِي مَنارَه. وترى هذا في كثيرٍ من الشِّعر التوصيفيِّ كما قلنا فيما تقدم. قال الجاحظ:"إنَّ المعاني إذا كُسِيت الألفاظَ الكريمة، وأُلبِسَت الأوصافَ الرفيعةَ، تحوَّلَتْ في العيون عن مقاديرِ صُوَرِها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من البيان لَسِحْرًا".
وإلى هذا الحال من المعنى واللفظ يشير قولُ قدامة
وعبد القاهر في مواضع: "إنَّ المعاني مطروحةٌ بالطريق، يستوي في تناولها القَرَويُّ والبدويُّ، ويهديه إليها طَبْعُه وبَصَرُه، وإنما المزيَّةُ للألفاظ". وقول ابن رشيق القيرواني رحمه الله تعالى: "سمعتُ بعضَ الحُذَّاق يقول: قال العلماء: اللفظ أغلى ثمنًا؛ فإنَّ المعاني موجودةٌ في طِبَاع الناس يستوي فيها العالم والجاهل". ولنضرب لك مثلاً ما ذكره أئمةُ الأدب أنَّ أبا تمام كان كثيرًا ما يأخذ معنى العامة والسُّوقة فيجيد نسجَه ويجيء غريبًا مبتدعًا، من ذلك أنه سمع سائلاً فيقول:"اجعلوا بياض عطاياكم في سواد مطالبنا". فنظمه بقوله:
وأَحْسَنُ من نَوْرٍ يُفتِّحُه الصَّبَا
…
بيَاضُ العَطَايَا في سَوادِ المَطَالب
والنَّظَرُ في أحوال اللفظِ ينحصرُ في أحوال الألفاظ المفردة، وأحوال الألفاظ في حال تركيبها والتدرُّب على كيفية التعبير.