الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: البعث والجزاء
تزخر آيات الكتاب الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة بالحديث عن البعث والنشور وتسوق الدليل بعد الدليل على أن {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (1) . وقال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (2) وقال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} . (3)
فالبعث لغة التحريك والإثارة وشرعا إعادة الأبدان وإدخال الأرواح فيها فيخرجون من الأجداث أحياء مهطعين إلى الداعي كما ذكر الله تعالى: {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} (4) .
وأن البعث والإعادة أهون على الله من البدء والخلق وكل هين ويسير {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (5){قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (6) .
وفي آية أخرى يقول تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} (7) .
(1) الحج:7
(2)
المؤمنون:16
(3)
المجادلة:6
(4)
القمر:7
(5)
لقمان:28
(6)
يسين:29
(7)
القيامة:4
وهذا رد على من عميت بصائرهم ويثبتون بعث الأرواح دون الأجسام ورغم وجود هذه الآيات البينات كدليل شرعي إلا أن هناك من أنكر البعث وهؤلاء نصيبهم الخسران.
وينعى ابن عبد الوهاب على هؤلاء الذي رفضوا آياته وأنكروا على عقولهم التفكير فيما سبق من بينات، فقصة أهل الكهف" وأما دلالتها على اليوم الآخر فمن طول مكثهم لم يتغيروا"(1) كما قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} . (2)
ويسوق دليلا آخر يخاطب به عقول المنكرين للبعث فيقول: الدليل على اليوم الآخر، لأن من أعظم الدلالة حياء الموتى في دار الدنيا) . (3)
وهؤلاء الجاحدون للبعث يتخذ جحودهم صورا عديدة يبينها الجرجاني في شرح المواقف فقال ما نصه:" واعلم ان الأقوال الممكنة في مسألة المعاد لا تزيد على خمسة": الأول: ثبوت المعاد الجسماني فقط، وهو قول المتكلمين النافين للنفس الناطقة.
الثاني: ثبوت المعاد الروحاني فقط وهو قول الفلاسفة الإلهيين.
الثالث: ثبوتها معا وهو قول كثير من المحققين، كالعليمي، والغزالي، والراغب وأبي زيد الدبوسي، ومعمر من قدماء وجمهور من متأخري الإمامية، وكثير من الصوفية، فإنهم قالوا: الإنسان بالحقيقة هو النفس الناطقة، وهي المكلف، والمطيع والعاصي والمثاب والمعاقب والبدن يجري فيها مجرى الآلة، والنفس باقية بعد فساد البدن فإذا أراد الله تعالى حشر الخلائق خلق لكل واحد من الأرواح بدنا يتعلق
(1) ابن غنام، تاريخ نجد ـ 226
(2)
الكهف:21
(3)
ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ 634
به، ويتصرف منه كما كان في الدينا.
الرابع: عدم ثبوتهما معا وهذا قول القدماء من الفلاسفة الطبيعيين.
الخامس: التوفيق في هذه الأقسام، وهو المنقول عن جالينوس فإنه قال: لم يتبين لي أن النفس هل هي المزاج فينعدم عن الموت فيستحيل إعادتها أو هي جوهر باق بعد فساد البينة فيمكن العاد حينئذ" (1) .
وذكر نفس الشيء كل من الرازي في كتابه (الأربعين في أصول الدين وسعد الدين التفتازاني" في شرح المقاصد" أن الأقوال الممكنة في مسألة المعاد لا تزيد على خمسة؛ وذلك لأن الحق إما أن يكون المعاد هو المعاد الجسماني فقط، وهو قول أكثر المتكلمين أو المعاد الروحاني فقط، وهو قول أكثر المحققين، أو الحق هو بطلانهما معا، وهو قول القدماء من الفلاسفة الطبيعيين أو الحق التوقف في كل هذه الأقسام، وهو المنقول عن جالينوس، فإنه قال لم يظهر لي أن النفس شيء غير المزاج، بتقدير أن تكون النفس هي المزاج، فعند الموت تصير النفس فانية معدومة، والمعدوم لا يمكن إعادته، أما بتقدير أن تكون النفس جوهرا باقيا بعد فساد المزاج كان العاد ممكنا، ولما لم يتبين عنده أن النفس هل هي المزاج بعينه أو شيء غيره لا جرم توقف فيه (2) .
هكذا يعرض الرازي وسعد الدين التفتازاني الأقوال التي أمكن قولها في المعاد، ونحن إذا استبعدنا القولين الأخيرين، لأنهما ليسا من أقوال أهل السلف، ونحن نبحث آراء ابن عبد الوهاب وصلتها بأقوال المسلمين السابقين عليه، إذا استبعدنا هذين القولين بقي عندنا ثلاثة أقوال:
(1)
قول أكثر المتكلمين النافين للنفس الناطقة (المجردة) وهؤلاء يقولون أن المعاد الجسماني فقط.
(2)
قول الفلاسفة الإلهين وهؤلاء يقولون أن المعاد روحاني فقط.
(3)
قول المحققين من المتكلمين كالغزالي، والعلمي من الأشاعرة، ومعمر
(1) الجرجاني ـ شرح المواقف جـ 8 ص197
(2)
الرازي ـ الأربعين في أصول الدين ص287 طبع الهند.
من المعتزلة، وبعض الصوفية والإمامية، وهؤلاء يقولون أن المعاد جسماني وروحاني وأن الروح باقية بعد فناء الجسد، ثم تتصل به بعد الإعادة. وبالمقارنة بين هذه الأقوال وقول ابن عبد الوهاب نجده:
أولاً: يعتبر أن خلق آدم من تراب، من أبين الأدلة على المعاد (1) .
ثانيا: معرفة المؤمن إذا أعثر عليه: {أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} كما رد سبحانه موسى إلى أمه {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} فتأمل هذا العلم ماهو.
ثالثا: أن الساعة آتية لا ريب فيها لما وقع بينهم من النزاع وذلك أن بعض الناس يزعم أن البعث للأرواح خاصة، وأعثر عليهم ليكون دليلا على بعض الأجساد. (2)
ويكمل موقفه في موضع آخر من مسألة البعث فيقول: (وأعتقد الأيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت فأومن بفتنة القبر ونعيمه بإعادة الأرواح إلى الأجساد فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا)(3) .
ويستطرد في حديثه عن حكم منكر البعث بأنه كافر، وهل الناس إذا ماتوا يبعثون؟ فقل: نعم، والدليل قوله تعالى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} والذي ينكر البعث كافر، والدليل قوله تعالى:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (4) .
(1)
- خلاصة القول أن ابن عبد الوهاب يؤمن بالبعث على الوجه الذي أنبأ به الله تعالى في كتابه وحدث به رسوله صلى الله عليه وسلم وهو أن البعث يكون بالجسد والروح معاً.
(2)
- أن البعث وعد من الله والله لا يخلف الميعاد.
(1) ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ ص597
(2)
ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ ص630
(3)
ابن بشر ـ عنوان المجد في نجد ـ جـ 1 ص68 ط. أولى.
(4)
مجموعة التوحيد ـ الرسالة الخامسة تلقين اصول العقيدة للعامة ـ 218، الرويشد ـ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ ت
جـ 1 ص 339، 356،363
(3)
- أن منكر البعث كافر.
(4)
- يقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة عزلا، وتدنو الشمس وتنصب الموازين، وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله.
(5)
ويؤمن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبشفاعته وأنه أول شافع وأول مشفع.
(6)
- ويؤمن بأن الصراط منصوب على شفر جهنم. يمر به الناس على قدر أعمالهم ثم يستطرد في وصف الصراط فيقول:
" ولنذكر في الصراط المستقيم قولا وجيزا، فإن الناس قد تنوعت عباراتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته، وحقيقته شيء واحد وهو الطريق الذي نصبه لعباده موصلا إليه ولا طريق له إليه سواه، بل الطرق لكلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسن رسله، وجعله موصلا لبعاده إليه، وهو أفراده بالعبودية وإفراد رسوله بالطاعة"(1)
(7)
- ويؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما موجودتان، وأنهما لا يفنيان.
(8)
-ويؤمن بأن المؤمنين يرونه ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته (2) ، فابن عبد الوهاب يلتزم بما جاء في الكتاب والسنة بخصوص البعث ومشاهد يوم القيامة وما أثر عن السلف الصالح دون زيادة أو نقصان مع رفضه كل تفسير أو تأويل ورد عن طريق الفلاسفة والمتكلمين.
الثواب والعقاب:
فرغنا من توضيح موقف ابن عبد الوهاب من البعث والمثول أمام خالق العالمين لينال كل مخلوق جزاءه العادل على ما قدم في ديناه بعد أن أرسل الله مبشرين ومنذرين. {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (3){وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} (4) وبين في كتبه حدود ما
(1) الدرر السنيةـ كتاب تفسير القرآن ـ المجلد الرابع ص38 ـ 39
(2)
الدرر السنيةـ كتاب العقائد ـ جـ 1 ص 29، 97 وأيضا
د. منير العجلاني ـ تاريخ البلاد العربية السعودية ص247
(3)
النساء 165
(4)
الحديد:25
افترض على عباده} لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة {ٍ (1) ووعد المؤمنين} وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ { (2) ووعد الكافرين} نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا { (3) وجعل ليوم الحساب موعدا} لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً { (4) .
يقول ابن عبد الوهاب:" أن الله خلقنا ما تركنا هملا بل أرسل إلينا الرسل أولهم نوح وآخرهم محمد عليه السلام". (5) وفي موضع آخر يقول" أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاءنا من عند ربنا بالبينات والهدى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بشيرا ونذيرا فأول ما أول الله عليه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} أراد الإنذار عن الشرك قبل الإنذار عن الزنا والسرقة ونكاح الأمهات) (6) .
ويستطرد بعد ذلك في بيان أنه صلى الله عليه وسلم لما هدم هذا الشرك وانذر عنه بذلك أخرج الناس من الظلمات إلى النور وهو التوحيد الذي قال فيه} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ {وعلى العباد أن يصدقوا ويتبعوا، وإرسال المبشرين والمنذرين وعد من الله لعباده حتى لا يكون لأحد منهم حجة عدم المعرفة وقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً، وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً، رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} . (7)
أما موقف ابن عبد الوهاب من نصوص الوعد والوعيد تلقى الواضح
(1) الأنفال:42
(2)
آل عمران:133
(3)
الكهف
(4)
الكهف:29
(5)
الدرر السنية ـ جـ1 ص97
(6)
الدرر السنية ـ جـ1 ص96
(7)
النساء:163-165
منها بالاتباع والأيمان به مثل: وعيد من أراد الدنيا وأسرف فيها على حسا ب الآخرة، وعيد من افترى على النبي، وعيد من كفر، وعد المؤمنين (1) .
ويقول في موضع آخر: (أنه سبحانه توعد بالنار الذين كفروا من أهل الكتاب ومن العامة، وقدم أهل الكتاب في الذكر، أنه وعيد لكل من يكذب بلقاء الله ـ التكذيب ببعض ما أخبرت به الرسل عن اليوم الآخر كما في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} . (2)
أما موقفه من المشكل في نصوص الوعد والوعيد فيجيب على ذلك بقوله: " أما مسألة معاذ فالمعنى عند السلف على ظاهره وهو من الأمور التي يقولون أمروها كما جاءت اعني نصوص الوعد والوعيد لا يتعرضون للشكل فيه (وأما قوله) لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله (فتلك مسألة أخرى على ظاهرها) أن الله لو يستوفي حقه من عبده لم يدخل أحد الجنة ولكن كما قال تعالى: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} . (3)
ويحدثنا عن مظاهر القيامة كما نقله ابن بشر وسطر في الدرر السنية وتدنو منهم الشمس وتنصب الموازين وتوزن بها أعمال العباد {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} . (4) وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله وأومن بان الصراط منصوب على متن جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم (5) .
بذلك آمن المسلمون الأولون والتابعون لهم بإحسان آمنوا بما أنزل الله على نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن صدقوه رسولا من ربهم فكان لديهم كل وعد وعد الله به عباده المؤمنين حقا كما أرداه الله} وَعْداً عَلَيْهِ حَقّا { (6) وقال تعالى: {وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِه} (7) وكان كل وعيد توعد به
(1) ابن غنام ـ تاريخ نجد ص 621
(2)
الكهف:105
(3)
الزمر:35 الدرر السنية جـ1 ص 106
(4)
المؤمنون:103
(5)
ابن بشر ـ عنوان المجد في تاريخ نجد ـ جـ1 ص69 وكذلك الدرر السنية جـ1 ص: 29
(6)
التوبة:111
(7)
المائدة:16
الكافرين حقا يقطع كل حجة} قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ {. (1)
لكن علماء الكلام ما كانوا ليقفوا في جدالهم عند حد فكما أقدموا على الحديث عن الذات القدسية وأمعنوا في البحث عن كنه الذات ومدلول الصفات والتفريق بين صفة الذات عند البعض كعين الذات وعند الآخرين زائدة عليها وبين صفة للفعل توجب بوجود الفعل أو هي سابقو ويعيب ابن عبد الوهاب على المتكلمين هذا الإسراف والإسفاف في تلقي النصوص: (إن السلف قد كثر كلامهم وتصانيفهم في أصول الدين وإبطال كلام المتكلمين وتكفيرهم)(2) .
كذلك أقدموا على آيات الوعد والوعيد بأن قالوا أن الوعد واجب على الله الوفاء به لعباده المؤمنين لأنه منزه من عدم الوفاء به، أما الوعيد فجائز وقوعه وجائز العفو عنه وهي تفرقه تعود عند المعتزلة إلى قولهم في أحد أصولهم بالحسن والقبح واستلزامهم إتيان الله لكل حسن وتنزهه عن كل قبيح، وتعود عند المرجئة على قولهم بالإرجاء ومضمونه أن أفعال العبادة مرجأة " إلى الله تعالى يعفو عمن يشاء ويعاقب من يشاء بل إنهم قالوا أنه لا تضر مع الإيمان معصية مهما كبرت وقادهم هذا التفريع على الحديث عن اليوم الآخر وماهيته، وماهية البعث وكيف يكون النعيم لأهل النعيم والعذاب لأهل العذاب وهل يخلد كل فريق في نعيمه أو عذابه؟
ومجمل قول أهل السنة في دحض شبهة المرجئة ومن نجا نحوهم أنه إذا كان الله قد بعث رسلا مبشرين منذرين فبينوا للناس ما شرع الله من الدين فكان منهم المؤمن والكافر وصح في العقل والنقل أن لهم جميعاً {مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} . (3) وأنهم إلى ربهم يحشرون ليثاب المحسن على إحسانه ويجازى المسيء على إساءته {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (4) وإذا كان عقاب المذنب مما تصرح به
(1) ق:28
(2)
ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ 227
(3)
سبأ:30
(4)
الزلزلة:8.7
الآيات فإن ذهاب المرجئة إلى أن من أقر بالشهادتين وأتى بكل المعاصي لم يدخل النار أصلا وهو محض ابتداع.
وقد هاجم المرجئة في قولهم هذا كثير من العلماء وأهل السنة ومن بينهم ابن عقيل الذي يندد بموقفهم في فصلهم الإيمان عن العمل بما ينافي الأحاديث الصحاح في إخراج الموحدين من النار" ما أشبه أن يكون واضع الأرجاء زنديقا فإن صلاح العالم بإثبات الوعيد واعتقاد الجزاء فالمرجئة لما لم يمكنهم جحد الصانع لما فيه من نفور الناس ومخالفة العقل اسقط فائدة الإثبات وهي الخشية والمراقبة وهدموا سياسة الشرع فهم شر طائفة على الإسلام (1) .
ويذهب ابن عبد الوهاب مذهب أهل السنة في أن المؤمنين أو من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان لا يخلد في النار بل يدخلها ليتطهر ثم يأتيه العفو من رب العالمين وبأن الإيمان يتجزأ وذهاب الجزء ليس معناه ذهاب الكل، وأما وذهاب الجزء ليس معناه ذهاب الكل، وأما كون " لا إله إلا الله " تجمع الدين كله وإخراج من قالها من النار إذا كان في قلبه مثقال ذرة، فلا أشكال في ذلك، وسر المسألة أن الإيمان يتجزأ ولا يلزم من ذهاب بعضه ذهاب كله، بل هذا مذهب الخوارج، فالذي يقول أن الأعمال كلها من " لا إله إلا الله " فقوله الحق. والسبب ما ذكرت لك من التجزؤ وبسبب الغفلة عن التجزؤ غلط أو حنيفة وأصحابه في زعمهم: أن الأعمال ليست من الإيمان والإسلام". (2)
1.
خلاصة القول أن ابن عبد الوهاب يذهب مذهب أهل السنة والجماعة في أن الإيمان يتجزأ ويزيد وينقص.
2.
الأعمال كلها من " لا إله إلا الله " المصحوبة بالعمل.
3.
أن الموحدين لا يخلدون في النار.
4.
أن المعاد مرتبط بالميزان والصراط والحوض وجميع مشاهد يوم القيامة كما ورد في الكتاب والسنة ذكر الوعيد بالميزان، ثانيا ـ أنه الحق لقطع الأطماع ثالثا ـ أن الفلاح بسبب ثقله، رابعا أن الخسارة بسبب خفته، خامسا ذكر سبب الخفة (3) .
(1) ابن الجوزي ـ تلبيس إبليس ـ ص81
(2)
ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ 512
(3)
ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ ص596
1.
أنه يؤمن بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وحديث الشفاعة نتوقف أمامه قليلا لما له من أهمية ولما أثاره أعداء ابن عبد الوهاب من إنكاره لها ـ وسوف نعرض حجج القوم ثم نورد بنصوص من واقع عقيدة ابن عبد الوهاب كما هو متبع في منهجنا في البحث:
أولا: تعريف الشفاعة فقد قال أهل المعاني أنها مأخوذة من الشفع المقابل للوتر، قال أو جعفر:" والشفاعة"مصدر من قول الرجل: شفع لي فلان إلى فلان شفاعة وهو طلبه إليه في قضاء حاجته. وإنما قيل للشفيع" شفيع وشافع" لأنه ثنى المستشفع به فصار صاحبه له فيها شافعا، وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة ولذلك سمي الشفيع في الدار وفي الأرض "شفيعا" لمصير البائع به شفعا (1) .
ويذكر ابن الأثير في النهاية قد تتكرر ذكر الشفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم، يقال شفع يشفع شفاعة فهو شافع وشفيع والمشفع الذي يقبل الشفاعة (يكسر الفاء المشددة) والمشفع الذي يقبل شفاعته.
ويعرف بشير السهسواني الهندي نقلا عن الحافظ في فتح الباري الإستشفاع طلب الشفاعة وهي انضمام الأدنى إلى الأعلى يستعين به على ما يردفه، إذا دريت هذا فاعلم أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين ثابتة في الدنيا والآخرة، أما الشفاعة في الدنيا فقد قال تعالى في سورة النساء {َلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} . (2)
ويذهب المفسرون لهذه الآية بأن الله تعالى يرشد العصاة والمذنبين إذا وقع الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم.
وهذه هي بعض تعريفات الشفاعة لدى أصحاب التفسير والإقرار فيها
(1) ابن جرير الطبري ـ جـ2 ص 31-32
(2)
بشير السهسواني ـ صيانة الانسان عن وسوسة الشيخ دحلان 363
بأن الشفاعة للنبي جائزة في الدنيا والآخرة وهذا لا خلاف فيه.
فقد انقسم الناس في الشفاعة إلى طرفين ووسط، قسم نفى الشفاعة للأصنام وهم المشركون كما ذكر الله عنهم بقوله:{وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه} (1) توسطوا وهم أهل السنة فأثبتوها بشرطيها وهما إذن الله للشافع أن يشفع، والثاني رضاه عن المشفوع له ولا يرضى من العمل إلا ما كان خالصا صوابا ويخرج الله من النار أقواما بغير شفاعة وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته، وأني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا"(2) .
فأحاديث الشفاعة كثيرة وهي رد على من ينكرها مثل المعتزلة الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها ففي حديث الصور رد عليهم والذي مضمونه: أنه يأتون آدم، ثم نوحا، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم يأتون رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فيذهب فيسجد تحت العرش في مكان يقال له الفحص فيقول الله: ما شأنك؟ وهو أعلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول: وعدتني الشفاعة، فشفعتني في خلقك ناقض بينهم، قال: فارجع فأقف مع الناس ثم ذكر انشقاق السماوات، وتنزل الملائكة في الغمام، ثم يجيء الرب سبحانه وتعالى لفصل القضاء. (3)
ويرد المؤرخون والمفسرون ألوان الشفاعة وترتيبها، فأولا: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة ليدخلوا الجنة.
النوع الثاني والثالث من الشفاعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة، وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار، لا يدخلونها.
(1) سورة يونس. آية: 18
(2)
متفق عليه.
(3)
أبي العز الحنفي ـ شرح العقيدة الطحاوية 176.
النوع الرابع: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنة فيها فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم، وقد وافقت المعتزلة على هذه الشفاعة خاصة وخالفوا فيما عداها من المقامات مع تواتر الأحاديث فيها.
النوع الخامس: الشفاعة في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب كما ورد في حديث عكاشة بن محصن، حين دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
النوع السادس: الشفاعة في تخفيف العذاب عمن يستحقه كشفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف عنه عذابه، ثم قال القرطبي في التذكرة بعد ذكر هذا النوع فإن قيل: فقد قال تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} ،قيل له: لا تنفعه في الخروج من النار كما تنفع عصاة الموحدين، الذين يخرجون منها ويدخلون الجنة.
النوع السابع: شفاعته أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنة: كما تقدم: وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: " أنا أول شفيع في الجنة".
النوع الثامن: شفاعته في أهل الكبائر من أمته، فمن دخل النار فيخرجون منها، وهذه الشفاعة يشاركه فيها الملائكة والنبيون والمؤمنون أيضا (1) يقول ابن عبد الوهاب في هذه الدرجة من الشفاعة:
"وأيضا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم فصح أن الملائكة يشفعون، والأفراط يشفعون، والأولياء يشفعون، أتقول أن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكرها الله في كتابه، وأن قلت، لا، بطل قولك أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله."(2)
إلى هنا والاتفاق يتسم في معظم الأقوال في تعريف الشفاعة وفي ادخار رسو ل الله صلى الله عليه وسلم دعوته وهي الشفاعة الكبرى أو المقام المحمود ثم طلبه من رب
(1) أبي العز الحنفي ـ شرح الطحاوية ـ ص177 ـ 178.
(2)
مجموعة التوحيد ـ رسالة كشف الشبهات ـ ص 225 وكذلك مشاهير علماء نجد ص41
العزة فصل الحساب يوم القيامة، ثم مقامات الشفاعة المختلفة كما ذكرناها.
إذن فمن أين يبدأ الخلاف والاختلاف بين المذاهب والفرقة وبصفة خاصة بين صاحب دراستنا والفريق الآخر الذي شن عليه أشرس الحملات وأعنفها حول موضوع الشفاعة فهل أنكر الشفاعة كما أدعى خصومه أم أن له منها الإقرار كما ورد في اشرع دون إخلال وإسراف؟ نستطلع حقيقة الأمر من واقع مؤلفاته:"فإن قال: اتنكر شفاعة رسول الله وتبرأ منها؟ فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته. (1)
ولكنه يتمسك بالشروط التي أوردها الله تعالى في كتابه في قوله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعا} (2) وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} . (3) وقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} . (4)
هذه بعض الآيات التي استشهد بها ابن عبد الوهاب في شروط الشفاعة والتي سألخصها بعد هذا الحديث.
أما ما ورد في الحديث بشأن الشفاعة قوله صلى الله عليه وسلم أنه " يأتي فيسجد لربه ويحمده ـ لا يبدأ بالشفاعة أولا ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل نسمع وسل تعط، واشفع تشفع" وقال له أبو هريرة: من اسعد الناس بشفاعتك؟ قال: "من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه" فتلك الشفاعة لأهل الخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله، وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود (5) فحقيقة الأمر:
(1)
أن ابن عبد الوهاب يقر بالشافعة وان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أول شافع وأول مشفع.
(1) مجموعة التوحيد رسالة كشف الشبهات ـ ص 224
(2)
الزمر: 44
(3)
البقرة: 255
(4)
النجم: 26
(5)
مجموعة التوحيد ـ كتاب التوحيد ـ 86-87.
(1)
أنها تكون بعد إذن الله سبحانه وتعالى ورضاه.
(2)
لا تكون لمن أشرك بالله، وأنه ينعم بها على من عرف حقيقة التوحيد ولا يشرك بالله شيئا.
(3)
قد قطع سبحانه الأسباب التي يتعلق بها المشركون قطعا يعلم من تأمله وعرفه أن من اتخذ من دون الله وليا أو شفيعا فهو كمثل العنكبوت اتخذت بيتا واهيا (1)، فقال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} . (2)
(4)
وأيضا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم مثل الملائكة والأفراط والأولياء ولكن لا تطلب منهم بل" أعطاه الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله (3) .
(5)
وابلغ رد على من أتهم ابن عبد الوهاب بأنه ينكر الشفاعة قوله:"ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ولكنها لا تكون إلا بعد الإذن والرضى. (4)
(6)
{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} وتفسير هذه الآية هي موضع الاختلاف بين ابن عبد الوهاب والفريق المعارض له، فهو يقول في شأن تفسير هذه الآية بأن المقصود منها عدم الشفاعة إلا من بعد إذنه تعالى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يبدأ بالشفاعة بل يسجد، فإذا أذن الله له شفع، وأن الشفاعة لا تطلب منه في الحياة الدنيا لأن الشفاعة من جنس العبادة وصرف شيء من العبادة لغير الله كصرف جميعها حرام"من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم كفر إجماعا"
إذن فما هو رأي الفريق المعارض حول تفسير الآية السالفة الذكر يقول
(1) مجموعة التوحيد 225، ابن بشر ـ عنوان المجد جـ 1 ص69
(2)
مجموعة التوحيد.225
(3)
مجموعة التوحيد 225، (4) ابن بشر ـ عنوان المجد جـ 1 ص69
(4)
مجموعة التوحيد ـ نواقض الاسلام ص 271.
الشيخ محمد حسنين مخلوف الذي يشاركه نفس الاتجاه لفيف من المفكرين (1) حول تفسير {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} بأن هذه الآية تقرر ثبوت الشفاعة للأنبياء وغيرهم ولا ينافي طلبها منهم كما زعمه بعض المبتدعة ذاهبا إلى منع سؤال الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول اشفع لي يا رسول الله أو أسألك الشفاعة، قال وإنما يطلب ذلك من الله بقول الله شفع فينا نبيك ولا تطلب من غيره محتجا بهذه الآية وهو زعم باطل واحتجاج فاسد فإن القائل اشفع لي يا رسول الله لا يريد منه أن يكون فاعلا للغفران ودخول الجنة والنجاة من النار لأن الشفيع كالشافع ليس معناه ذلك ولا هو ملجئ له تعالى على الفعل وإنما يريد أن يسأل الله تعالى أن يفعل ما ذكر وكون الشفاعة بإذن أو بغير إذن لا دخل له في ذلك". (2)
1-
إذن الخلاف الأول حول جواز طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم مباشرة وقد أوضحنا موقف ابن عبد الوهاب منها وقد رفض ذلك بنص الكتاب والسنة في وضوح عدم جواز الطلب مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم.
2-
حول طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وقد رفضها واعتبر أن اللجوء إلى الوسائط يؤدي إلى الكفر.
3-
الخلاف الثالث حول تفسير آية {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} يذهب فريق العلماء المشار إليهم آنفا وغيرهم بأن معنى الآية هو الاستفهام الاستنكاري والمقصود منه بيان كبرياء شأنه تعالى وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه والحقيقة التي لا بد من الإقرار بها أن موقف ابن بعد الوهاب من الشفاعة هو موقف أهل السنة والجماعة الملتزمين بكتاب الله وسنة رسوله، فهو يقر بها ولكن للموحدين المخلصين الذين آمنوا بما أنزل إليهم، ويرفض أقوال المبتدعين من الفلاسفة والمتكلمين والمتأولين لبعض آيات الشفاعة تأويلا يخرجها عن الطريق الحق مفهوم هذه الآيات، ومما لا شك فيه أن ابن عبد الوهاب واضح الفكر في موضوع الشفاعة معتدل القول ملتزم منهج أهل السنة والسلف.
(1) الحسيني العاملي ـ كشف الاتياب ص 249، عبد السلام بن كيران الفاسي ـ في الرد على المبتدعة الوهابية ص 13، جميل صدقي الزهاوي ـ الفجر الصادق ـ 56-57 وكذلك محمد تاج الدين الرسالة الرملية ـ ص3
(2)
مقالة الشيخ محمد حسنين مخلوف ـ الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية ص 86