الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: المعالم الرئيسية لفكره ومنهجه
الفصل الأول: موقفه بين الاجتهاد والتقليد
…
الباب الثاني: المعالم الرئيسية لفكره ومنهجه
بعد أن تبين طبيعة المكونات الأساسية لفكر محمد بن عبد الوهاب ومنهجه من خلال دراستنا لحياته وعصره وبيئته، نستهل دراستنا لهذا الفكر بالتعريف على معالمه الرئيسية البارزة في رسائل بن عبد الوهاب ومؤلفاته. وبين هذه المعالم يبرز بين يدينا معلمان هامان هما:
الفصل الأول: موقفه بين الاجتهاد والتقليد.
الفصل الثاني: الربط بين العلم والعمل.
الفصل الأول: موقفه بين الاجتهاد (1) والتقليد (2)
خلت القرون الأولى بالمسلمين وإجماعهم منعقد على أن الاجتهاد واجب، بل فرض كفاية على الأمة، تأثم بتركه كافة ويكفي أن يقوم به أهل
(1) الاجتهاد: لغة: مأخوذ من الجهد فمادته الأصلية (ج. هـ. د) ويعنى بذل المشقة والطاقة فيخرج عنه مالا مشقة فيه أي أنه منوط باستفراغ الوسع في أي فعل كأن يقال استفرغ وسعه في حلم الثقيل ولا يقال استفرغ وسعه في حمل النواة. (القاموس المحيط، مختار الصحاح، البهاري، مسلم الثبوت. ص:318.
الشوكاني. إرشاد الفحول. ص:249 ن القرافي: شرح تنقيح الفصول ص445 وأيضا بن قدامه المقدسي: روضة الناظر ص: 190. والاجتهاد: اصطلاحاً: يطلق على الاجتهاد المطلق في فروع الشريعة والاجتهاد في المذهب بمعنى بذل الجهد من الفقيه في استخراج الأحكام من أدلتها الشرعية. هكذا عرفه الشوكاني في إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول: ص249. وسبقه على مضمون المعنى سائر الأقدمين كما نهج على ذات المنوال الفقهاء المحدثون. فالبيضاوي في منهاج الوصول ص104 والبهاري في مسلم الثبوت ص318 وابن قدامه المقدسي في روضة الناظر ص 190 والزركشي في البحر المحيط: 3/281 جميعهم يعرفون الاجتهاد بأنه:"بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظني: أو بعبارة الزركشي: يذل الوسع لنيل حكم شرعي عملي بطريقة الاستنباط". وبعرفه الشيخ أو زهرة من المحدثين بأنه: بذل غاية الجهد في الوصول على أمر من الأمور وفعل من الأفعال وفي اصطلاح علماء الوصول: بذل الفقيه ـ وسعه في استنباط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية "وينتهي من هذا التعريف إلى أن الاجتهاد قسمان:" أحدهما خاص باستنباط الأحكام وبيانها. والثاني: خاص بتطبيقها". ويستطرد إلى أن: " النوع الأول وهو المعروف بالاجتهاد الخاص قد ينقطع في زمن من الأزمان وهو قول طائفة كبيرة من العلماء ما عدا الحنابلة الذين تمسكوا باستمرار فتح باب الاجتهاد. أما القسم الثاني فقد اتفق =
الاقتدار عليه من علمائها عملاً بقوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون} (1) وما كان لشريعة الإسلام أن تستوفي كمالها في التطبيق إلا عن طريق الاجتهاد فيه وحده بتحقيق مراد الله تعالى لها بأنه الشريعة الحاكمة إلى يوم الدين.
ورغم إجماع السلف من علماء الأمة على وجوب الاجتهاد فقد اختلفت مناهجهم في شأنه على النحو الذي فصله علماء أصول الفقه بما ليس عليه مزيد، وحسبي في هذا المقام أن أعرض في إيجاز لمسألتين أراهما جد لازمتين للتعرف على موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الاجتهاد والتقليد هاتان المسألتان هما:
المسألة الأولى: حجية النص الشرعي.
والمسألة الثانية: دلالة النص الشرعي.
=العلماء على أنه لا يخلو منه عصر من العصور، وهؤلاء هم علماء الخريج وتطبيق الأفعال المستنبطة على الأفعال الجزئية فعملهم هو تطبيق ما استنبطه السابقون وهو ما يسمى تحقيق المناط". انظر: محمد أبو زهرة أصول الفقه ص365.
(2)
التقليد لغة مستمد من الفعل (قلد) فيقال: قلدتها قلادة: جعلتها في عنقها " والقلادة ما جعل في العنق. (القاموس المحيط مادة: قلد) فوضع الشيء في العنق مع الإحاطة به يسمى قلادة، والجمع قلائد، قال الله تعالى: {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخيل ”لا تقلدوها الأوتار" ومن قول الشاعر:
قلدوها تمائما
…
خوف واسن وحاسد
ويستعار اللفظ للدلالة على تفويض الأمر إلى شخص كأنما ربط الأمر بعنقه.. ومنه قول القائل:
وقلدوا أمركم لله دركم
…
رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا
والتقليد في اصطلاح الفقهاء والأصوليين: اعتماد الإنسان في فهم الحكم من الدليل على غيره لا على نفسه. وفي المستصفى ص: 516 يعرف الغزالي التقليد بأنه: " قبول قول بلا حجة وليس ذلك طريقاً إلى العلم لا في الأصول ولا في الفروع" ويعيب الغزالي على الحشوية ومن نحا نحوهم في القول بأن معرفة الحق طريقه التقليد. وإلى نفس المعنى الذي حصله الغزالي ذهب الشوكاني في ارشاد الفحول: ص26، وابن قدامه في روضة الناظر ص205، القرافي في شرح تنقيح الفصول ص431، وايضا سليمان بن عبد الله في: تجلية الجواب ص: 33.
(1)
سورة التوبة: آية 122.
لأن اختلاف مناهج الفقهاء في الاجتهاد يعود أصلاً إلى أي من هاتين المسألتين أو إليهما معاً.
أما حجية النص فالمتفق عليه أن النص مني كان قطعي الورود عن الله عز وجل قرآنا أو حديثا يروى فحجيته ثابتة عند الجميع. وفي هذا المقام تتصدر نصوص القرآن الكريم قائمة النصوص القطعية في الورود عن الله عز وجل إذ لا ينفك الإيمان بهذه الجزئية عن مبدأ الإيمان ذاته والذي لا يكتمل إلا بتمام اليقين بما أنزل الله على رسوله وأنه صلى الله عليه وسلم قد صدق بتبليغه كما أنزل إليه وأن هذا التنزيل محفوظ بما تكفل الله تعالى بحفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) . ومن هنا فجميع نصوص القرآن الكريم قطعية الورود عن الله عز وجل وحجيته في العمل ثابتة.
ولكن الشأن في نصوص الأحاديث المنسوبة إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم ليس كذلك فمراتبها على ما صنف علماء الحديث تختلف بين الصحيح والحسن والضعيف والموضوع بل ولا يوجد اتفاق على مراتب معظم الأحاديث فالصحيح عند فقيه ضعيف عند آخر موضوع عند ثالث مما أجمله علماء الأصول في القول بوجود نص قطعي الورود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخر ظني الورود عنه صلى الله عليه وسلم.
فإذا كانت حجية قطعي الورود من النصوص مما لا خلاف عليه فإن الخلاف واقع في حجية طني الورود منها. وهنا يقع أول الخلاف بين المجتهدين فيما يعود عليه من النصوص لثبوت حجيته وما لا يعول عليه لعدم ثبوت هذه الحجية.
وإلى هذا السبب يعزى اختلاف الفقهاء بين أهل الرأي منهم كما سمى الأحناف وبين أصحاب الحديث كما سمى أتباع الشافعي وأحمد، فالأولون قل ما لديهم من نصوص الأحاديث التي اطمأنوا إلى قطعيتها ومن ثم حجيتها فعولوا أكثر من غيرهم على القياس حتى سماهم خصومهم أهل الرأي بمقولة أنهم يقيسون بالرأي. وأصحاب الحديث كان محصولهم من الأحاديث التي اطمأنوا إلى قطعيتها ومن ثم حجيتها اكثر وأوفر فوجدوا في تطبيقها ما يسد حاجتهم.
(1) سورة الحجر. آية: 9
فإذا تجاوزنا الخلاف حول حجية النص واجهنا في المسألة الثانية المتعلقة بدلالة النص خلافا أبين وأوسع، وقليل من النصوص تلك التي انعقد الإجماع بين الوصفين بأن كان قطعي الورود قطعي الدلالة، وواجه الفقهاء في الكم الأعظم من النصوص ما عرفوه بأنه ظني الدلالة، وحيال هذه الدلالة الظنية اختلفت الأفهام في تحصيل المدلول، أما ما كان قطعي الورود قطعي الدلالة فقد انعقد الإجماع على امتناع الاجتهاد حياله بما عرف بقاعدة: لا اجتهاد مع النص. وأما ما كان قطعي الورود ظني الدلالة أو ظني الورود ظني الدلالة أو ظني الورود قطعي الدلالة فقد ظل ميدانا لاجتهاد الفقهاء منذ الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم الفطر للمسافر في رمضان يستند إلى نص قطعي الورود عن الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} (1) ولكن دلالة النص على كون هذا الحكم رخصة أم عزيمة دلالة غير قطعية بما روي من أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إلى سفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنهم من صام ومنهم من أفطر فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على صائم ومفطر. ومن أمثلة اجتهاد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بنو قريظة فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق وقال: لم يرد بنا التأخير وإنما أراد سرعة النهوض فنظروا إلى المعنى. واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلاً، نظروا إلى اللفظ وهؤلاء سلف أهل الظاهر، وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس." (2) إذن فالاجتهاد حتمي لتحصيل المعنى من نص ظني الدلالة وهو أكثر حتما حال غياب النص. وفي ظل التسليم بحتمية الاجتهاد وضرورته نشأت المذاهب على اختلافها وأثرى الفكر الإسلامي في شتى مجالاته، وبدا للمسلمين خاصتهم وعامتهم أي حرج من هذا الاجتهاد والاختلاف حتى تواتر بينهم القول بأن: اختلافهم رحمة.
(1) سورة البقرة. آية 184
(2)
ابن القيم. أعلام الموقعين 1/244-245.
لم يضيق الفكر الإسلامي باختلاف الفقهاء وتفريعاتهم، ولكن الضيق بدأ يناوش صدور الحكام من هذا الاختلاف. فما روي أن ابن المقفع وزير أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس أشار عليه بأن يأمر بجمع الناس على مصدر واحد للأحكام حتى لا يختلف الفقهاء في شأن الأقضية التي تعرض عليهم. وعملا بمشورته أمر الخليفة أمام دار الهجرة مالك بن أنس بجمع ما صح لديه من أحاديث (1) الرسول صلى الله عليه وسلم فكان له الموطأ. وقد اراد أبو جعفر ان يرسل في الأمصار نسخا منه لتكون مرجع الناس في أقضيتهم فابى مالك عليه ذلك معتذرا بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفرقوا في الأمصار ولدى كل جماعة منهم من العلم ما تطمئن قلوبهم عليه وأن أخذ الناس بمرجع واحد فيه حرج ومشقة فانتصح بذلك المنصور، ودام ازدهار حركة الاجتهاد إلى القرن الرابع الهجري وإن كان القرن الثالث شهد ختام مولد المذاهب الكبرى حتى ليقال ان الإمام محمد بن جرير الطبري المتوفي عام 310هـ كان خاتمة المطاف بين المجتهدين ذوي الاستقلال في البحث والنظر وأنه منذ وفاته بدا زحف غاشية الجهل على العقول (2) . إلى أن وصل الأمر إلى موات ملكة الإجتهاد حتى أن المستعصم أمر أساتذة المدرسة المستنصرية:" ألا يتعدوا حدود كلام المشايخ السابقين ويمتنعوا عن ذكر شيء من مصنفاتهم (3) " وأدلهم ليل الجهالة بسقوط بغداد في يد التتار عام 656هـ وإحراقهم لمكتباتهم وتخريبهم دور العلم فيها. فلم يعد من سبيل إلى التماس العلم الصحيح فقنع الناس بالتقليد الذي أصبح طابع العصور التالية لذلك.
ومع أن القرن العاشر قد ظهر فيه نوابغ من العلماء كالشيخ خليل المالكي والسبكي والرمادي والسيوطي وغيرهم ممن كانت لهم القوة الفقهية وملكات الاستنباط غير أنهم لم يصرفوا هذه القوى كما فعل الأسلاف في الاجتهاد، والتخريج بل وجهوها إلى وضع الشروح والمختصرات وجمع الفروع الكثيرة في عبارات ضيقة تشبه الألغاز حتى احتاجت إلى وضع كتب أخرى تشرح مبهمها
(1) ابن خلدون.. المقدمة ص 18،17.
(2)
(3)
عبد المتعال الصعيدي. في ميدان الاجتهاد ص 1029
وتحل عقدها وتكشف عن غرض المؤلف من وضعها. (1) فكان ذلك سببا لحجب العقول عن الاجتهاد والاستنباط حتى أصبح نسبة الاجتهاد إلى شخص تهمة وذنبا لا يغتفر وفشا بين الكافة الدينونة بعقيدة مفادها: غلق باب الاجتهاد ودام ذلك إلى ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب فكان له موقفه في الاجتهاد وموقفه من التقليد على النحو الذي سوف نعالجه في مبحثين متواليين.
أولا: موقفه من الاجتهاد
ويهمنا أن نستجلي هذا الموقف في النقاط الآتية:
1) مبدأ الاجتهاد من حيث مشروعيته واستمراره.
2) مجال الاجتهاد.
3) الشروط الواجب توافرها في المجتهد.
4) علاقة المجتهد بالمجتهد.
(1)
مشروعية الاجتهاد واستمراره:
المحنا في مدخل هذا الباب إلى ما هو متفق عليه بين أهل العلم من حيث اختلاف حجية النصوص ودلالاتها بما عرف بالظني والقطعي وأن الاجتهاد ضروري لتحصيل الأحكام منها على نحو أو آخر. فإذا شخصنا إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب نستجلي فكره في هذه الخصوصية الفيناه يعرف النصوص الشرعية بقوله:" ومن أعظم ما من الله به عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته اعطاؤه جوامع الكلم فيذكر الله تعالى في كتابة كلمة واحدة تكون قاعدة جامعة يدخل تحتها من المسائل ما لا يحصر وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خصه الله بالحكمة الجامعة."(2) ويرتب الشيخ على ثبوت هذه الخاصية للنصوص الشرعية نتيجة مفادها:
إن لكل نزاع ينجم بين الناس حلا في كتاب الله وسنة رسوله ويعبر الشيخ عن هذه النتيجة بقوله:" علمنا قطعا أن من ورد إلى الكتاب والسنة ما
(1) محمد علي السايس. تاريخ الفقه الاسلامي ـ ص117
(2)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية جـ4 ص: 4
تنازع الناس فيه وجد فيهما ما يفصل النزاع." (1) ومما تقدم نستخلص أن الشيخ إذ يرى أن كلمة واحدة في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم "يدخل تحتها من المسائل ما لا يحصر" فإنه يتفق مع أهل العلم في قولهم بأن لبعض النصوص الشرعية دلالة ظنية بحيث يدخل تحتها من المسائل مالا يحصر وبحيث يكون الاجتهاد هو طريق استنباط حكم هذه المسائل من حيث دخولها تحت حكم النص من عدمه. ومن هنا يستقيم لنا القول بأن الشيخ يرى مشروعية الاجتهاد بل واستلزامه بحيث يصبح فرض كفاية على الأمة لأنه قد تعين لآداء واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وإذا كانت مشروعية الاجتهاد بل ووجوبه عند الشيخ على هذا النحو من الثبوت فهل يتسع المجال عنده للقول باستمرار الاجتهاد أبد الدهر. أم يرى بابه قابلا للانغلاق كما زعم المتأخرون؟
للجواب على هذا السؤال يلزمنا أن نتعرف على مدلول الاجتهاد عند الشيخ. فقد رأينا أنه في اصطلاح الأصوليين والفقهاء: بذل الجهد من الفقيه لاستخراج الأحكام من أدلتها الشرعية (2) أي أن الاجتهاد ينتهي عند استخراج الحكم من دليله الشرعي مما سوغ للمتأخرين الزعم بانغلاق باب الاجتهاد بمقولة أن الأولين لم يدعوا حكما إلا واستخرجوه من دليله الشرعي بما لا يدع مزيدا لمستزيد. لكن الاجتهاد عند الشيخ يكمن في مرحلة سابقة على استخراج الحكم المتنازع فيه من دليله، إن الاجتهاد عنده هو: رد الأمر إلى الله ورسوله"فنقول في محل النزاع إلى الله ورسوله."(3)
ولما كان التراد إلى الله ورسوله واجب في كل مسألة متنازع عليها.
ولما كانت المسائل لا حصر لها.
دل ذلك على وجوب التراد إلى الله ورسوله بشأنها لتحصيل العلم
(1) الدرر السنية في ألأجوبة النجدية جـ 3 ص: 4.
(2)
أنظر هامش ص: 50، 51 من البحث.
(3)
الدرر السنية جـ 4 ص4
بحكمها:" لأنه كما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم لا يجوز أن ينكر إلا بعلم."(1)
فمن الواضح الجلي أن الشيخ يرى في الاجتهاد واجبا لازما قائما إلى يوم القيامة، وأن بابه غير قابل للإقفال والانغلاق. ولقد كان هذا المعلم الأساسي مع معالم فكره ومنهجه من أهم الأسباب التي أثارت عليه العدد العديد من الخصوم والمعارضين من العلماء والعامة على السواء فقد استهول القوم فكرة: استمرارية الاجتهاد وفتح بابه ورأوا في ذلك ابتداعا وعدوا صاحبة القائل به صاحب مذهب جديد في الاسلام فانبروا يشهرون بالشيخ ناعتينه بأنه:" رجل مبتدع جاهل مضل ضال. من بضاعة العلم والتقوى عاطل، جرت منه أمور فظيعة، وأحوال شنيعة"(2) وكان من جملة ناقديه في هذا الخصوص أخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب (3) الذي أنكر عليه القول بفتح باب الاجتهاد كما وصفه بأنه لا يستجمع شروط المجتهد وهو ولا أحد من أتباعه، وذهب إلى نفس النقد جملة من معارضي الشيخ نذكر منهم الحسينيى العاملي (4) ، وزيني بن دحلان (5) وعبد الله بن علوي حداد (6) وغيرهم.
ومنهج الشيخ في الاجتهاد على ما صرح به في رسائله وكتبه يقوم على قاعدة القطع بأن في الكتاب والسنة حكم كل مسألة كانت ستكون. وأن مهمة المجتهد الرجوع إلى هذين المصدرين واستنباط الحكم. وقد عبر عن ذلك بقوله:" علمنا قطعا أن من رد إلى الكتاب والسنة ما تنازع الناس فيه وجد فيهما ما يفصل في النزاع". فمنهجه على هذا التحديد منهج أصحاب الحديث المؤمنين بأن لك نزاع حكماً في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن
(1) المرجع السابق. ص5
(2)
ابن غنام. تاريخ نجد ـ رسالة بن سحيم إلى أهل البصرة والاحساء ص294
(3)
سليمان بن عبد الوهاب. الصواعق الألهية في الرد على الوهابية ص8
(4)
الحسيني العاملي: كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب جـ1ص7-8
(5)
زيني دحلان: خلاصة الكلام في امراء البيت الحرام ص: 80-83
(6)
عبد الله بن علوي حداد، مصباج الانام وجلاء الظلام في رد شبهة النجدي الذي أضل العوام ص:80
الاجتهاد هو بذل الجهد لمعرفة هذا الحكم.
وترتيبا على ذلك فالشيخ يجعل من ميادين الاجتهاد الأساسية بذل الجهد للوصول إلى النص قبل بذل الجهد لاستخراج الحكم منه، بل ولفرط تعويله على النصوص اسند بعض أحكامه إلى نصوص يرى البعض أنها ضعيفة بل قاده التشبث بالنص إلى الاستدلال بما يرى البعض انه نص موضوع. (1)
(2)
مجال الاجتهاد:
لا اجتهاد مع النص، تلك قاعدة قالت بما كل مع عرف له قول معتبر بين الفقهاء والمتكلمين على خلاف بينهم في دقة التزامها بعد ثبوت تقريرها، ولكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يرتفع بهذه القاعدة إلى ذروة التأكيد وقمة الإتباع فلا إنكار في مسائل الاجتهاد عنده شريطة الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله" ولم كان أعلم الناس وأتقاهم، وإذا كان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق وأمرنا بإتباعه وترك ما خالفه فمن تمام ذلك ان من خالفه من العلماء مخطئ ينبه على خطئه وينكر عليه، وإن أريد بمسائل الاجتهاد مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب فهذا كلام صحيح (2) " ومنهجه في هذا الخصوص هو عين منهج السلف، فما كان لرأي كائن من كان أن يقوم في مواجهة نص من كتاب أو
(1) فقد أورد في إحدى رسائله استدلالا بقصة الغرانيق بعد أن ساقها على النحو التالي:
" قصة قراءته صلى الله عليه وسلم سورة النجم بحضرتهم (أي الكفار) فلما بلغ: (أفرأيتم اللات والعزى) ألقى الشيطان في تلاوته: تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهين لترتجي. فظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها ففرحوا بذلك وقالوا كلاما ما معناه: هذا الذي نريد ونحن نعرف أن الله هو النافع الضار وحده لا شريك له ولكن هؤلاء يشفعون لنا عنده، فلما بلغ السجدة سجد وسجدوا معه فشاع الخبر أنهم صافوه وسمع بذلك من بالحبشة فرجعوا. فلما أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عادوا إلى شر مما كانوا عليه ولما قالوا له أنك قلت ذلك خاف من الله خوفا عظيما حتى أنزل الله عليه (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) رسالته الثانية. مجموعة التوحيد. ص246 ومنها يبين أنه عول على حديث روي من طرق كلها ضعيفة ومنقطعة ولا يحتج بشيء منها عند الجمهور اتفاقا إلا من يحتد منهم بالمرسل وقد عرض محقق مجموعة التوحيد بهامشه لذلك منبها إليه وإن قرر أنه لا يعترض على المصنف بذكرها لكونها مذكورة في كتب الحديث والتفسير والسير ونفى أن يكون المصنف قد احتج بها.
(2)
الدرر السنية: جـ 4/5
سنة، فابن عمر كان يدع قول عمر إذا ظهرت له السنة، وابن عباس اشتد غضبه على من عارض السنة بقوله: قال أبوبكر وعمر، وعبر عن هذا الغضب الشديد بقوله:"توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبوبكر وعمر فرحم الله ابن عباس ورضي الله عنه."(1)
وتأتي حجية الاجماع بعد حجية النص ويعبر الشيخ عن ذلك بقوله:" ولا خلاف بيني وبينكم أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم (2) " وفي موضع آخر يقول:" وأنا أدعوا من خالفني.. إما إلى كتاب الله وإما إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما إلى إجماع أهل العلم."(3)
ومناط الاجماع عنده إجماع سائر علماء الأمة فذلك وحده هو الاجماع الملزم " فليس المراد الأئمة الأربعة، ولفرط تعلقه بالاجماع ينفر من التفرق والاختلاف ويسخر من قول القائلين بأن اختلافهم رحمة" وأما قولهم اختلافهم رحمة فهذا باطل بل الرحمة في الجماعة والفرقة عذاب." (4)
(3)
الشروط الواجب توافرها في المجتهد:
الاجتهاد على ما حصلنا معناه لغة واصطلاحا يتطلب استفراغ جهد الباحث للوصول إلى ما ينال قناعته في المسالة محل البحث، وعلى ذلك فالشرط البديهي في المجتهد أن يكون ملما بأطراف المسالة التي يجتهد فيها. واجتهاد أهل العلم لاستخراج الأحكام الشرعية من أدلتها يستلزم لذلك حسن إحاطة المجتهد بالأدلة الشرعية من حيث مصادرها ودلالة نصوصها وناسخها من منسوخها ومخصصها من عامها ومطلقها من مقيدها. وحتى يلم الفقيه بذلك يلزمه أن يكون على دراية باللغة العربية وأصولها ومفرداتها وتراكيبها وطرق الاشتقاق فيها وكناياتها ونحوها وصرفها ووجوه البلاغة في استعمالاتها، إلى
(1) ابن القيم. اعلام الموقعين 2/328
(2)
ابن غنام. تاريخ نجد ص221
(3)
المرجع السابق ص229
(4)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية4/5
آخر ما هو مدون في كتب الأصوليين والفقهاء، على خلاف بين العلماء في التشديد على هذه الشروط أو التيسير فيها.
ففي خصوص وجوب العلم بمصادر الأحكام يتفق الجمهور على وجوب إتقان علوم القرآن الكريم على خلاف بينهم في وجوب حفظه كله أو الاكتفاء بحفظ بعضه.
فالإمام الشافعي يستلزم في المجتهد حفظ القرآن الكريم كله لما يراه من أن: الحافظ أضبط لمعانيه من غير الحافظ الناظر فيه (1) " والقائلون بالتيسير بالاكتفاء بحفظ بعضه يتفقون على أن يشمل المحفوظ آيات الإحكام على خلاف في آية (2) ، بينما روي عن أبي يوسف أنها ألف ومائتان آية (3) ،ونقل عن ابن المبارك ان عددها تسعمائة آية (4) .
واتفق الجمهور على وجوب علم المجتهد بالسنة القولية والفعلية والتقريرية في الموضوعات التي يجتهد فيها مدركا مراميها ومناسبتها عارفا بالناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد منها، عارفا كذلك بإسناد الأحاديث وأحوال الرواة، ومع إجماع الجمهور على ذلك اختلفوا في عدد الأحاديث التي يجب على المجتهد حفظها. يقول الشوكاني:" والحق الذي لا شك فيه ولا شبهة أن المجتهد لا بد أن يكون عالما بما اشتملت عليه مجاميع السنة التي صنفها أهل الفن (5) "، وروي أن الإمام احمد سئل عن العدد المطلوب من الأحاديث الواجب حفظها فأجاب أنها: أربعمائة ألف حديث ووقف في بعض الروايات على ثلاثمائة ألف وقال لعله يكفيه. وفي بعض الروايات لم يظهر موافقته إلا على خمسمائة ألف حديث ونقل عنه أقل من ذلك أيضاً (6) .
(1) د. سيد موسى الأفغاني. الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه. ص181
(2)
الغزالي المستصفي: 2/350
(3)
ابن قدامة. روضة الناظر: 2/41
(4)
الرازي المحصول 708-709
(5)
الشوكاني. ارشاد الفحول ص251
(6)
ابن القيم اعلام الموقعين 1/50
ويتفق الجمهور كذلك على وجوب علم المجتهد باللغة العربية باعتبارها أداة البيان لشرع الله تعالى في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن الفقهاء من يشتط في الإلزام بالإحاطة بمصادر اللغة العربية حتى ليلزم المجتهد بمعرفة الشعر كما ذهب الشافعي (1) تقديرا منه لدورة الشعر في حفظ اللغة العربية قبل الإسلام وانه كان الوعاء الذي حمل تراكيبها ومفرداتها وكناياتها.
وبجانب هذه الشروط الموضوعية يذهب الجمهور إلى اشترط كون المجتهد عاقلا بالغا" لأن غير البالغ لا يصح نظره لعد اكتمال قواه العقلية ولذلك فهو ليس مكلفا بما كلف به البالغون من أعمال. (2) ونقل الإمام السيوطي عن الأستاذ ابي جعفر المنصور التميمي ما يفيد أن الإنسان لما كمل عقله، ميز بين النافع والضار وأمكن له الاستدلال بالشاهد على الغائب يمكنه الاجتهاد عمليا ويجوز له ذلك شرعا ولو لم يبلغ. إلا أنه لا بجب عليه الاجتهاد قبل البلوغ (3) .
وقال أبو المعالي: الصبي يتصور منه الاجتهاد ويصح منه وعند المعتزلة يجب عليه إذا ميز الإتيان بالمعارف العقلية أي أنهم لا يشترطون البلوغ على هذا الإدراك مرتبة الاجتهاد.
والذي أراه أنه ربما يصل الصبي إلى مرتبة من النضج قبل البلوغ بحيث يبدو أنه صالح للارتقاء إلى مرتبة الاجتهاد. إلا أن اكتمال قوى الإنسان العقلية قبل سن البلوغ أمر غير مألوف، وعلى ذلك لابد من النضج حتى تكتمل القوى العقلية وترتفع دقة الملاحظة عند الإنسان حتى يكون أهلا لارتقاء أول سلم الاجتهاد وهو:" أن يعرف قدراً صالحاً من المعقولات حتى يعرف بذلك ما يجوز ان يرد به الشرع وما لا يجوز."(4)
ولدى التعرف على منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب من مسألة تحديد
(1) ابن القيم اعلام الموقعين 1/51.
(2)
البناني. جمع الجوامع وحاشية البناني ـ 2/283.
(3)
السيوطي. الرد على أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض ص84.86.
(4)
السيوطي على أخلد إلى الأرض –ص92.93
الشروط الواجب توافرها في المجتهد على ضوء ما أشرنا إليه من اتفاق العلماء واختلافهم نجد ابتداء أن الشيخ وهو على ما صرح ممن يأخذون بالمذهب الحنبلي ويعجبون بفقه الإمام احمد مما يجوز لنا معه أن نقرر أنه يرى في المسألة جملة ما يراه أصحاب الحديث من وجوب علم المجتهد بالنصوص الشرعية من كتاب وسنة إلا أن شخصية الشيخ محمد بن عبد الوهاب تبرز في هذه المسألة بمنهج مستقل يتلخص في أنه عاب على المتشددين في بيان شروط المجتهد ورأى أن التشدد في تعداد هذه الشروط هو من فعل الأهواء حتى أنه ليقول:" السنة التي وضعها الشيطان هي أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا أوصافاً لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما فرضا حتما لاشك ولا أشكال فيه، ومن طلب الهدى منهما فهو ما زنديق وإما مجنون لأجل صعوبتها. سبحان الله وبحمده والأمر برد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت إلى أمر الضروريات العامة."(1)
(4)
علاقة المجتهد بالمجتهد:
وتلك مسألة تتفرع عما قبلها، فما دام الاجتهاد حتما لازما وفرضا واجبا لا غنى عنه للأمة في مجموعها مهما تعاقبت الأجيال وتباعد الزمان، وأنه فضلا عن وجوبه على الأمة في مجموعها، فهو واجب متعين على من استجمع شروطه التي أشرنا عليها آنفا بحيث أن القادر على الاجتهاد يأثم بتركه عند وجود مقتضاه. وحاصل ذلك أن المجتهدين قد يتعددون ويتعاصرون في الزمان أو المكان أو فيهما معا فكيف ينبغي أن تكون علاقة المجتهد بالمجتهد؟
لقد مضت قرون الاجتهاد الأولى والقوم فيها طلاب حقيقة يسعون إليها ما استطاعوا ومدارها عندهم على مقتضى كتاب الله وسنة رسوله، فليس لرأي مجتهد قيمة في ذاته إلا بقدر ما يدل على حكم الله تعالى ورسوله في المسألة المجتهد فيها، وعلاقة المجتهد بالمجتهد قائمة على تعاون الجميع لتحصيل ما يبدو لهم أنه مراد الله تعالى في هذه المسألة.
(1) مجموعة التوحيد ص 276.
فالإمام أحمد رغم تلقيه عن الإمام الشافعي لا يرى في موقف التلقي عنه معنى مطلق المتابعة له بل إن الشافعي يقول له:" يا أبا عبد الله أنت أعلم بالحديث منى فإذا صح الحديث فأعلمني حتى أذهب إليه شاميا كان أو كوفيا أو بصريا" ومن قول الشافعي: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس وقال:" إذ صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط وقال:" إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ولم آخذ به فاعلموا أن عقلي قد ذهب (1) ".
ومن قول الإمام أبي حنيفة لأبي يوسف:" لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه (2) " وقال أحمد: لا تقلد دينك أحدا، وقال مالك: أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي: فما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وما لم يوافق فاتركوه.
فالواضح مما تقدم أن لكل مجتهد صفة الاستقلال في اجتهاده، وأن أخذه باجتهاد غيره ليس مبناه رأي الغير في ذاته بل معناه قبول الدليل المبني عليه فالاجتهاد يدور عند الكل مع قوة الدليل بغض النظر عن شخص المستدل به، وتلك قمة الروح العلمية التي تستهدف من البحث الوصول إلى الحقيقة وحدها دون اعتبار لشخص القائل بها. ورغم ذلك فإن القوم في اجتهادهم لم يصرفهم استقلالهم الفكري عن تقديس الروابط فيما بينهم فأصبح لكل شيخ تلاميذه الذي يحفلون به ويأخذون بمنهجه في الاستدلال دون أن تذوب شخصياتهم في شخصيته وكل تيار فكري موحد المنهج كان أساسا لوحدة المذهب (3) بين بعض
(1) ابن القيم. اعلام الموقعين 2/361
الدرر السنية في الأجوبة النجدية. 4/12-15
وأيضا ابن غنام. تاريخ نجد. ص223
(2)
الشوكاني. ارشاد الفحول 249
(3)
المذهب: لغة على وزن مفعل ويصح للمصدر والمكان والزمان بمعنى الذهاب وهو المرور أو محله أو زمانه. والمذهب: اصطلاحا: ما ترجح عند المجتهد في أيما مسألة من المسائل بعد الاجتهاد فصار له معتقدا أو مذهبا وعند بعضهم: أنه المشهور في مذهبه كنقض الوضوء بأكل لحم الجزور ومس الذكر ونحوه عند أحمد، ولا يكاد يطلق إلا على ما فيه خلاف. وقال بعضهم: هو في عرف الفقهاء ما ذهب إليه إمام من الأئمة المجتهدين ويطلق عند المتأخرين من أئمة =
المفكرين فعرفت المذاهب وتعددت غير أنه لم تكد القرون الأولى تمضي بمجتهديها حتى أصبحت المذاهب قيدا على الفكر والنظر وبلغ ببعض الناس أن عدها دينا من دون الدين، فلم يعد باب الاجتهاد في المسائل الخلافية مفتوحا على مصراعيه أمام أعين المجتهدين بل أصبح المذهب السائد في بلد ما هو الذي يأخذ باجتهاد أهل مذهب آخر في مسألة ما وسموا: الاجتهاد الذي يكسر حاجز المذاهب للأخذ بما يناسب الحال من كل مذهب في مسألة بعينها بأنه اجتهاد تلفيقي لا يجوز.
وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب أشهر من واجه جمود المذاهب فأعاد للاجتهاد ساحته الرحبة، وطالب كل مجتهد بان يعود إلى سيرة السلف من حيث البحث عن الدليل قبل شخص المستدل به حتى لا يعرف الحق بالرجال وإنما يعرف الرجال بالحق" فإذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه..أخذنا به وتركنا المذهب. وعندنا أن الإمام بن القيم وشيخه أمام أهل السنة وكتبهما من أعز الكتب إلا أنا غير مقلدين لهما في كل مسألة فإن كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا صلى الله عليه وسلم."(1)
ومن المسائل التي خالف فيها محمد بن عبد الوهاب شيخيه ابن تيمية وابن القيم:
1.
طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس." فإنا نقول تبعا للأئمة الأربعة.
2.
"ونرى الوقف صحيحاً".
3.
والنذر جائز يجب الوفاء به في غير معصية.
=المذاهب على ما هو به الفتوى وهو ما قوي دليله. وقيل: ما كثر قائله. فقد تلخص من كلامهم: إن المذهب في الاصطلاح ما اجتهد فيه إمام بدليل. أو قول جمهور: أو مايرجح عنده ونحو ذلك.
والمذهب لا يكون إلا من مسائل الخلاف التي ليس فيها نص صريح أو إجماع.
(1)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية جـ 4 ص8
وأيضا ابن غنام. تاريخ نجد. ص215
وبإدراك الشيخ لحقيقة معنى الاجتهاد وحدود علاقة المجتهد بالمجتهد كان عدوا للتقليد والمقلدين على نحو ما سوف نعرض له في المبحث التالي.
ثانيا: موقفه من التقليد
أدرك الشيخ محمد بن عبد الوهاب الفكر الإسلامي وقد أصبح سجين التقليد، والتعصب الأعمى لآراء المذاهب ويهمنا أن نذكر أن التقليد في ذاته داء عضال ينتفي معه مدلول إنسانية الإنسان، ذلل أن مناط إنسانية الإنسان عقله الذي يستضيء به ويزن به الأمور فإذا اكتفى بالتقليد عطل ملكات عقله واكتفى بترسم خطى الآخرين، فإذا أضيف إلى التقليد التعصب فقد بلغ السوء مداه فلئن كان التقليد كما عرفه الشوكاني:"هو قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة (1) " فإن التعصب لمثل هذا الرأي مع فقدان حجته يجعل الوصول إلى الحق ضرب من المحال، وقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب حاسما وواضحا في التصدي للتعصب المذهبي وما قادر إليه من ركون الفكر على التقليد فتراه مع أنه لا يفتأ يكرر إعجابه وإشادته بطائفة من علماء الحنابلة أخصهم ابن القيم وشيخه ابن تيمية يضع هذا الإعجاب في دائرته السليمة فيقول:" فلست ولله الحمد أدعوه إلى مذهب صوفي او فقيه أو متكلم أم إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
بهذا التعبير يفرق الشيخ بن التقليد الذي هو اعتناق رأي بلا حجة، وبين الإتباع الذي يقتفي للحجة ويذعن لها كائن من كان القائل بها، وعلى هذا فإنه كثيرا ما يوافق مجتهد مجتهدا وليس هو مقلدا له فيما قاله وإنما هو موافق له فيه لاتفاقهما في الدليل والحكم لا لتقليد أحدهما الآخر فيه، وكثيرا ما يشاهد ذلك في كلام الأئمة وقد وافق الأمام الشافعي الأمام زيد بن ثابت رضي الله عنهما مع أن الشافعي غير مقلد لزيد. (3)
(1) الشوكاني. إرشاد الفحول ص247
(2)
ابن غنام. تاريخ نجد ص: 215
(3)
سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب. التوضيح عن التوحيد الخلاق في جواب أهل العراق ص33
نقول تصدى ابن عبد الوهاب لإبطال التقليد في عصر ساد فيه التقليد واستحكم حتى تهيب العلماء من التعرض لمشروعيته واستسلم أغلبهم لسيادة التقليد والأخذ به، ولكن ذلك لم يمنع الشيخ محمد بن عبد الوهاب من أن يهاجم التقليد ويكشف القناع عن قضية جوهرية تفيض بها آيات القرآن الكريم ـ تلك القضية هي أن الأمم الغابرة التي جحدت برسالات السماء وكذبت المرسلين إنما قادها إلى هاوية الكفر والضلال تقليد الآباء. قال الله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} . (1)
وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} (2) وقال عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} . (3)
وفي القرآن الكريم من آيات النهي عن التقليد نصوص كثيرة من جنس ما أوردنا، وهي وإن كان موردها في الكفار، فالمراد بها وبأمثالها ذم من أعرض عما أنزله الله سبحانه إيثاراً من لتقليد آبائه. واللفظ أوسع من دائرة سبب النزول والاعتبار بعمومه لا بخصوص سببه كما تقرر في الأصول.
والمقلد يتقفى ما ليس له به علم خلافا لأمر الله تعالى في قوله: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} . (4)
والمقلد ينزل الأشخاص الذين يقلدهم منزلة الربوبية من دون الله على ما أوردته الآية الكريمة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} . (5)
وفي تفسير ذلك روي عن حذيفة وغيره أنهم قالوا: لم يعبدوهم من دون الله ولكنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم. وقال عدي بن حاتم وكان قبل
(1) سورة البقرة. آية 170.
(2)
سورة الزخرف آية 23.24
(3)
سورة لقمان آية21.
(4)
سورة الاسراء: آية 36.
(5)
سورة التوبة: آية 31.
إسلامه قد تنصر: يا رسول الله إنا لم نتخذهم أربابا قال: "أليس يحلون لكم ما حرم الله عليكم فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه؟ " فقلت: بلى، قال:"فتلك عبادتهم". أخرجه أحمد والترمذي وحكى بن القيم عن أحمد بن حنبل أنه قال: (لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الثوري ولا الأوزاعي وخذ من حيث أخذوا) . (1) ويعرض الشيخ محمد بن عبد الوهاب لكل ما تقدم فينتهي منه إلى النهي عن تقليد العلماء بلا حجة لكون ذلك في مقام اتخاذهم أربابا. وهو الذي سماه الله ورسوله شركا وهو اتخاذ العلماء أربابا." (2)
فالقاعدة المقررة لدى ابن عبد الوهاب ذم التقليد والتحذير من الوقوع فيه وأنه طريق إلى الضلالة لا إلى الهداية ويقول في وصف المقلدين:" إن دينهم مبنى على أصول أعظمها التقليد فهو القاعدة الكبرى لجميع الكفار أولهم وآخرهم."(3)
فهل لهذه القاعدة المقررة عنده من استثناء؟ بمعنى: هل تعرض أحوال يباح فيها التقليد وما هي شروط إباحته؟
بديهي حسبما قدمنا أن الاجتهاد النافي للتقليد يقتضي حركة عقلية لاستخلاص الحكم من دليله مما ذهب معه العلماء إلى تقرير أن للمجتهد شروطاً لا بد من توافرها حسبما حصلنا في هذا الخصوص. وبديهي كذلك أنه ليس في الإمكان توفر هذه الشروط في كافة المكلفين من المسلمين، لان استجماعها يقتضي انقطاعا على نحو أو آخر لتحصيلها والمهارة فيها وليس متصورا ان تقف عجلة الحياة بالمسلين عند هذا الانقطاع. فإذا لم يمكن ان يكون كل مسلم مكلف فقيها مجتهدا، وإذا لا يتصور ان يستوي أهل العلم في حصيلة علمهم بل فيهم على الدوام الأفضل والفاضل والمفضول، فقد استبان من ذلك ان التقليد ـ حيث تعذر الاجتهاد ـ يباح كضرورة تقدر بقدرها، وحتى نضبط هذه الضرورة ونقدرها نعرض لمسائل ثلاث:
(1) د. إبراهيم هلال ولاية الله والطريق إليها ص: 311.
(2)
ابن غنام. تاريخ نجد ص220
(3)
مجموعة التوحيد ص: 227
1.
الذين يرخص لهم في تقليد غيرهم.
2.
الذين يجوز أن يكونوا محلا لتقليدهم من غيرهم.
3.
دائرة التقليد.
(1)
الذين يرخص لهم في التقليد:
اتفق العلماء على أن التقليد مباح للعامة ممن لا حظ لهم من معرفة الكتاب والسنة وطرائق استخراج الاحكام من أدلتها، فهؤلاء لا معدى لهم عن التقليد بل هو طريقهم الوحيد لمعرفة الأحكام الشرعية فهو بذلك واجب متعين عليهم بمعنى ألا يقدموا على عمل حتى يسألوا أهل العلم ويتلقوا عنهم حكمه الشرعي فيلزمهم اتباعه.
ولكن دائرة الاباحة في التقليد لا تقتصر على العامة فحسب بل تمتد إلى العلماء فيما بينهم على حسب تفاضلهم ومنازلهم في العلم، إذ أن معرفة كل شيء أمر لا يدركه عالم بعينه ومهما تبحر في علومه ومعارفه يظل العلم أوسع من حصيلته، ومن هنا صح عن علماء السلف تقليد بعضهم في مسائل عرضت لهم دون أن يتبين لهم فيها الدليل من كتاب أو من سنة كالذي نقل عن الشافعي في تقليد عمر إذ قال: في الضبع (1) بعير قلته تقليدا لعمر، وكالذي نقل عن أبي حنيفة في مسائل الآبار: ليس معه فيها إلا تقليد من تقدمه وكما نقل عن مالك في أخذه بعمل أهل المدينة فالأئمة قلدوا في مسائل لم يظفروا فيها بنص عن الله ورسوله ولم يجدوا فيها سوى قول من هو أعظم منهم فقلدوه وعلى العموم فالحاكم على إباحة التقليد: عدم إمكان العلم بالدليل فحيث تحقق عدم العلم جاز التقليد وفي ذلك يقول ابن عبد الوهاب:" فإن تبين لك الحق فاتبعه فإن لم يتبين لك واحتجت إلى العمل فقلد من تثق بعلمه ودينه."(2)
(2)
من يجوز تقليدهم:
أساس في تعيين من هو أهل لتقليده على ما حدده الشيخ في النص
(1) يقصد أن المحرم إذا اصطاد في الحرم ضبعا كان عليه أن يذبح بعيرا ويطعمه فقراء الحرم
(2)
ابن غنام. تاريخ نجد ص: 495
السابق: هو ثقة المقلد في علم ودين من يقلده، ونلاحظ هنا دقة ابن عبد الوهاب في قوله: فقلد من تثق بعلمه ودينه، كأنه يطلب من المقلد حتى في حال إباحة التقليد له أن يجتهد في اختيار من يقلده وألا يكتفي بما يشاع عنه من علم ودين بل لا بد من أن يثق هو أي المقلد في علمه ودينه.
ثم يحذر من أن يجري التقليد بالهوى مما يخالف شرط الثقة في العلم والدين:"وأما أن قلد شخصا دون نظيره بمجرد هواه من غير علم ان الحق معه فهذا من أهل الباطل."(1)
وأخذا بمعيار الثقة في العلم والدين كشرط لاختيار من يجوز تقليده فإن أولى الناس بتقليدهم والاقتداء بهم بعد الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم هم: الصحابة المرضي عنهم بنص كتاب الله تعالى فهم خير الأمة على امتداد المكان والزمان إلى قيام الساعة حكما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة احدهم يمينه ويمينه شهادته"، (2) وتقيدا بهذا الهدي النبوي كان ابن عبد الوهاب حريصا دائما على أن يقرر أنه في مسائل الخلاف التي لا نص فيها بشخص إلى عمل الصحابي فإن لم يجد فإلى التابعي الصالح"فمن عاند دعوته إلى المباهلة كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض وكما دعا إليها سفيان والأوزاعي في مسألة رفع اليدين وغيرهما من أهل العلم (3) ".
(3)
الدائرة التي يجوز فيها التقليد:
لأن القاعدة كما قدمنا حظر التقليد وإباحته هي الاستثناء فدائرته محدودة وإن كانت بالنسبة للعامي أوسع منها بالنسبة للعالم.
فبالنسبة للعامي يباح له التقليد من يثق في علمه ودينه في سائر مسائل الفروع، وأما في أصول الدين فلا يجوز التقليد البتة لعامي ولا لمتعلم، بل بجب على كل مكلف معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وما بعث به
(1) عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد، المقامات، الرسالة الأولى مخطوطة بمكتبة دخنة بالرياض.
(2)
ابن القيم: اعلام الموقعين 2/245
(3)
ابن غنام: تاريخ نجد، ص229
من التوحيد وما أخبر به عن الله من البعث بعد الموت والجنة والنار ومثل وجوب الفرائض من الصلاة والزكاة والحج والصيام، وبالجملة فإن سائر ما هو معلوم من أصول الدين بالضرورة يظل بعيدا عن دائرة التقليد.
أما بالنسبة لتقليد العالم غيره من العلماء فإن دائرته على التحقيق أضيق فقد اتفق العلماء على عدم جوازه له فيما إذا اجتهد فعلا وغلب على ظنه الحكم واختلفوا فيما إذا لم يكن كذلك (1) وقد أجازه كثير من العلماء من طوائف السنة والشيعة. (2)
ويثور سؤال حول جواز الفتيا بالتقليد من عدمه وتتردد في المسألة أقوال ثلاثة في مذهب أحمد، أحدها: أنه لا يجوز الفتيا بالتقليد لأنه ليس بعلم والفتوى بغير علم حرام، وهذا قول أكثر الأصحاب، والثاني أن ذلك جائز للمفتي فيما يتعلق بنفسه، فيجوز له أن يقلد غيره من العلماء إذا كانت الفتوى لنفسه، ولا يجوز أن يقلد العلماء فيما يفتي به غيره، وهو قول ابن بطة من أصحابنا والقول الثالث أنه يجوز ذلك عند الحاجة وعدم المجتهد وهو أصح الأقوال وعليه العمل حسبما رواه وأخرجه الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب. (3)
وعلى الرغم من جواز تقليد العالم غيره عند استغلاق الدليل لديه فإن محمد بن عبد الوهاب يطالب العالم في حال تقليده بجمله أمور بمنها:
(1)
أن يظل يقظاً لمعرفة دليل المسألة التي يقلد فيها فإذا بدا له وجده الحق خلافا لما جرى به تقليده تعين عليه اتباع الحق وعدم المادي في التقليد.
(2)
أن يلتزم في تقليده بما يعتقد أنه الحق دون أن ينتقل من قول إلى قول لمجرد أنه على دراية بأكثر من قول ويلزم ابن عبد الوهاب هذا السلوك من بعض العلماء ويرده إلى الرياء والتعالي:" ومن العجيب أنه يوجد في بلدكم من يفتي الرجل بقول إمام والثاني بقول إمام آخر، والثالث
(1) الغزالي. المستصفي ـ 2/384
(2)
الامدي. الأحكام ـ 3/159.
(3)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية جـ4 ص12
بخلاف القولين وبعد ذلك فضيلة وعلما وذكاء ويقال هذا يفتي في مذهبين أو أكثر، ومعلوم عنه عند الناس أن مراده في هذا العلو والرياء وأكل أموال الناس بالباطل." (1)
ومما تقدم نستخلص من معالم فكر محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في الاجتهاد والقليد جملة قواعد أهمها:
(1)
كتاب الله تعالى وسنة بنبيه صلى الله عليه وسلم هما المصدران الوحيدان لكل أمر ونهي وتقرير.
(2)
وأن نصوصهما اشتملا على حكم كل مسألة كانت أو ستكون.
(3)
وان الحكم إن عرف من النص لزم اتباعه وعدم تركه لقول كان منا يكون.
(4)
فإذا لم يعرف الحكم وجب الاجتهاد لمعرفته، وأن الاجتهاد فرض كفاية على الأمة ماض على يوم القيامة.
(5)
وأن كل مسألة خلافية هي محل للاجتهاد ما بقي الخلاف ولا ينتهي الخلاف فيها إلا بالإجماع.
(6)
وأن الإجماع المعتبر هو إجماع سائر علماء الأمة وليس مجرد إجماع علماء المذاهب الأربعة.
(7)
وأن التقليد مذموم ما لم تدع إليه ضرورة تقدر بقدرها.
(8)
وأن علم أصول الدين فرض على كل مكلف فلا يجوز التقليد فيها لعامي أو عالم.
(9)
وأن على العالم إذ قلد غيره في مسألة يجهل حكمها أن يلتزم في تقليده بما يعتقد أنه الحق وألا ينتقل من قول إلى قول بلا حجة تبدو له.
(1) ابن غنام. تاريخ نجد. ص228