المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: الجهاد في سبيل الله كركن من أركان العقيدة - الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

[آمنة محمد نصير]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حيَاتهُ وَمؤلفَاتهُ وَعصرُه وبيئتهُ

- ‌الفصل الأول: حياته ومؤلفاته

- ‌الفَصْل الثَاني: عصره وبيئته

- ‌الباب الثاني: المعالم الرئيسية لفكره ومنهجه

- ‌الفصل الأول: موقفه بين الاجتهاد والتقليد

- ‌الفصل الثاني: اهتمامه بالربط بين العلم والعمل

- ‌البَابُ الثَّالِث: مَوقفهُ مِنَ الغَيبيَّات

- ‌الفصل الأول: الذات والصفات

- ‌الفصل الثاني: النبوات

- ‌الفصل الثالث: البعث والجزاء

- ‌الباب الرابع: التصوف وصلته بالعقيدة

- ‌الفصل الأول: موقفه من التصوف

- ‌الفصل الثاني: التفرقة بين جوهر التصوف وأشكاله

- ‌الفصل الثالث: موقفه من التوسل

- ‌الباب الخامس: نظرته إلى دور العقيدة في بناء الفرد من خلال الجماعة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: مفهوم الجماعة المسلمة وكيف تتكون، ومدى ارتباط الإيمان بالتزام الجماعة

- ‌الفصل الثاني: التكفير وما يخرج عن الإسلام

- ‌الفصل الثالث: الجهاد في سبيل الله كركن من أركان العقيدة

- ‌الباب السادس: آثاره في الفكر والسياسة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: أثره في الفكر الإسلامي

- ‌الفصل الثاني: أثرة في السياسة

- ‌خاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الثالث: الجهاد في سبيل الله كركن من أركان العقيدة

‌الفصل الثالث: الجهاد في سبيل الله كركن من أركان العقيدة

لما كان الإسلام عقيدة وشريعة تهدف إلى إقامة المجتمع الإنساني علي أسس وقواعد تخالف ما تواضع الناس عليه. وكان هذا الخلاف جذريا وعميقا عميق المسافة بين وحي السماء المنزل من عند الله وشرائع البشر القائمة على المصالح الآنية المبنية على الغرائز والأهواء، فقد استقبلت المجتمعات الأرضية شريعة الإسلام بالحرب والتصدي لإطفاء نور الله من أول يوم، ولم يكد مجتمع مكة الجاهلي يلقي السمع إلى الذكر الحكيم المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ويستوعب أبعاد المعاني المقدسة التي تحملها آياته حتى أيقن أن انتصار هذه الدعوة يعني تصحيح الأوضاع فيما يتعلق بصلة الناس بربهم وصلة الناس ببعضهم بما من شأنه تجريد الرؤساء من رياستهم ورفع هامة العبيد والمسترقين أمام ساداتهم ومساواة الكافة أمام الله رب العالمين.

وسارع مجتمع الكفر يسد الطريق على مجتمع الإيمان بتعذيب الضعفاء من المؤمنين إلى حد الموت، ويمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشهد المعذبين من آل ياسر الذين قدموا أول شهيدة في الإسلام: سمية أم عمار، فيناديهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة.

ولكن الصبر لم يكن أبداً موقفاً أبدياً في مسيرة الدعاة إلى الخير، بل هو موقف مرهون في ميزان الإسلام بعاملين:

(1)

اختبار معادن المؤمنين للتأكد من قدرتهم على حمل الأمانة: {أَحَسِبَ

ص: 211

النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} 1

(1)

وصول مجتمع الإيمان إلى الحد الأدنى من العدد والعدة التي تتيح له أن يتصدى للدفاع عن عقيدته.

وحالما تحقق للمجتمع الإسلامي الأول استيفاء هذين العاملين أذن من الله بالتصدي لأعدائه {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّه} 2وانطلاقاً من هذا الإذن الرباني كان الجهاد في سبيل الله.

ومنزلة الجهاد في الإسلام لا تحتاج إلى مزيد بيان فقد لقي من عناية المجاهدين بالقول والعمل ما جعله في وضوح الشمس في رابعة النهار وحسبنا أن نتأمل حكم الجهاد المنصوص علية في سورة براءة {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} 3وقولة تعالى فى سورة النساء: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه} .إلى قولة تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيما} 4 وقوله تعالى في سورة الحج: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} 5.

ولم ينكر أحد من المسلمين فضل الجهاد، وإنما وردت المفاضلة بين جهاد النفس وجهاد العدو أيهما أولى وأعظم درجة فذهب المتصوفة والزهاد إلى المغالاة في رفع مرتبة جهاد النفس دون أن يلقوا كبير وزن لجهاد العدو، حتى اقتحم التتار بغداد وهي تغص بالزوايا والأربطة والخلوات الملأى بمن شغلهم التذرع بجهاد النفس عن جهاد العدو فلم يغن عنهم جهادهم أمام سيوف التتار شيئا

(1) سورة العنكبوت آية 2،3

(2)

سورة الحج آية 39

(3)

سورة التوبة: آية: 19

(4)

سورة النساء آية 95

(5)

سورة الحج آية 78

ص: 212

وحصدهم الموت مع مئات الألوف غيرهم من المسلمين الذين فرطوا في الاستعداد لجهاد العدو ورد كيده.

ومنذ سقوط بغداد في يد التتار سادت العالم الإسلامي روح القعود عن الجهاد والإعداد له باستثناء انتفاضة المماليك في مصر بقيادة قطز لرد عادية التتار إلى أن قامت الخلافة العثمانية وسجلت في أعمال المجاهدين فتح القسطنطينية. وقد ظهر محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية وهي على ما قدمنا في حينة متفانية في العدوان علي بعضها بعضا بتأثير ما سادها من روح قبلية أعادتها القهقرى إلى عصبية الجاهلية الأولى وما أن استطاع تكوين نواة مجتمع إسلامي يرتفع برابطة العقيدة فوق رابطة القبيلة حتى واجهنه القبائل بالحرب والإنكار، وكان علية أن يقول كلمته في مواجهته ذلك:

أهو مجرد داع إلى الحق يواجه المعتدين على خده الأيمن بأن يدير لهم خده الأيسر؟ أم هو داع إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وعرفه بأن ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله؟ 1

لم يتردد محمد بن عبد الوهاب في اختيار طريقه:"فأمر الشيخ بالجهاد لمن عادى أهل التوحيد وسبه وسب أهله"2.

كان بدء أمره بالجهاد عام1175 هـ وجماعته يعد في دور التكوين لم تكتمل لهم عدة خروب ولا فن قتال حتى أن" أول جيش غزا سبع ركايب، فلما ركبوها وأعجبت بهم النجايب في سيرها سقطوا من أكوارها"3 ولئن دل هذا الإعجال إلى الجهاد في سبيل الله على شئ فهو يدل على صدق التوكل عليه تعالى، والثقة بنصره، ولا يدل على تواكل عن الأخذ بالأسباب إذ سرعان ما عملت الدولة السعودية الأولى بقيادة محمد بن عبد الوهاب وتوجيه على استكمال عدة الجهاد وما استطاعت إلى ذلك سبيلاً فاستطاعت أن تصمد أمام

(1)

الحديث رواه الشيخان.

(2)

ابن بشر. الحديث رواه الشيخان.

(3)

المرجع السابق ص 26،27

ص: 213

غزو أهل العراق تارة وأهل مصر أخرى مع قلة مصادر القوة فى الجزيرة وقد كان الاعداد للجهاد والتقديم والتأخير بيده"فلا يركب جيش ولا يصدر رأي من محمد بن سعود ولا من ابنه عبد العزيز إلا عن قوله ورأيه".1

ومع الأمر العملي بالجهاد والحض عليه والإعداد له حرض محمد بن عبد الوهاب على تفقيه أتباه وتعريفهم الجهاد ومنزلته ومراتبه وما أعد الله من الأجر والثواب للمجاهدين الصادقين بحيث ترك لنا في هذا المجال زادا موفورا.

فهو يقرر ما قرره علماء السلف من أن الجهاد فريضة ماضية إلى يوم القيامة فيقول:" وأرى أن الجهاد ماض مع كل إمام برا كان أو فاجرا.. والجهاد منذ بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل هذه الأمة الدجال2".

وسنده في تقرير وجوب الجهاد ما ورد به أمر الله وما جرت به سنه رسوله صلى الله عليه وسلم من اعتبار تمام الإيمان"وذلك أني لا أعرف شيئاً يتقرب به إلى الله أعظم من لزوم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال الغربة. فإن انضاف إلى ذلك الجهاد عليها للكفار تمام الإيمان ومن أفضل الجهاد جهاد المنافقين في زمن الغربة3 كما يصف موقفه من الجهاد بأنة يلتزم فيه النقل والعقل:

"وما جئنا بشيء يخالف النقل وينكره العقل".4

وهو يضع الجهاد في موضعه الصحيح أنه ليس مجرد كبح لأهواء النفس لمجرد المعاناة والحرمان، إنما هو إعداد لها لتقوى على مهام جهاد العدو ورد كيده.

ويضع الهجرة كذلك في موضعها الصحيح _ إنها ليست مجرد انسحاب

1 ابن غنام. تاريخ نجد ص 83،84

2 الدرر السنية جـ 1 ص: 30، ج 7 ص: 195

3 ابن غنام تاريخ نجد 383 – 384 وايضا. الدرر السنية ج 7 ص 3

4 المرجع السابق ج 1 ص 64.

ص: 214

من مكان إلى مكان ابتغاء السلامة وطلب الأمان، بل هي مقدمة للانحياز إلي مجتمع المؤمنين ليزداد هذا المجتمع بالمهاجرين قوة ومنعه وعزما على الجهاد إلا بالهجرة، ولا هجرة إلا بالإيمان. والراجون رحمة الله هم الذين قاموا بهذه الثلاثة".1

ويستشهد بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2.

ولا يرى صلاحا للحياة غلا بالجهاد فهو عنده:" سبب لبقاء الأنفس والأموال3 "، كما أن تركه:" سبب لعذاب الأنفس وذهاب الأموال".

وقد كانت دعوة محمد بن عبد الوهاب إلى إحياء الجهاد في سبيل الله باعتباره ركنا من أركان العقيدة، وامتثال أنصاره لهذه الدعوة مدعاة لنعتها من قبل خصومها:4بأنها سعت إلى تحقيق أغراضها بعنف واعتمدت على القوة العسكرية وحدها "5.وهي ذات الدعوى التي أرجفت به أعداد للإسلام قديما وحديثا وبالغ في الارجاف بها المستشرقون ومن دار في فلكهم اتهاما للإسلام بأنه اعتمد في انتشاره على السيف، وانتهزوا فرصة الحروب الوهابية ليعودوا إلى مقولتهم زاعمين أن حركة محمد بن عبد الوهاب:" دفعت بالأمة العربية المفطورة على الحرب إلى خوض غمار القتال"6.

والحق الذي يشهد التاريخ له وتنطق به النصوص أن الإسلام جاء يخاطب العقول والإفهام بالحجة والدليل والبرهان. وإن خصومه لما افتقدوا إلى المنطق القادر على مواجهة منطق الإسلام وحججه لجأوا إلى إيذاء المسلمين وفتنتهم عن دينهم وأمر الله عبادة المسلمين أن يتصدوا لدفع العدوان {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ

(1) الدرر السنية ج 1 ص 112

(2)

_

(3)

الدرر السنية: ج 1 ص 101، 102

(4)

د محمد ضياء الدين الريس، تاريخ الشرق العربي والخلافة العثمانية ج 1 ص 103

(5)

جولد تسيهر العقيدة والشريعة في الإسلام ص 237

(6)

جدولد تسيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام ص 237

ص: 215

وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} 1 أي حتى يمتنع على المعاندين فتنة الراغبين في الدخول في دين الله، وحتى يصبح الطريق مفتوحاً ليختار الإنسان العقيدة التي يرضاها بدون إجبار {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} 2.

ولم تخرج الدعوة الوهابية عن هذا المنهج قيد شعرة فلم يكن جهاد محمد بن عبد الوهاب واتباعه إلا لرد عادية المعتدين عليهم الراغبين في فتنتهم عن دينهم وفي ذلك يقول: وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلا دون النفس والحرمة فإنا تقاتل على سبيل المقابلة"3ويستشهد بقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 4.

ويتفرع عن وجوب جهاد العدو وجوب معرفته فإن معرفة العدو هي المقدمة الصحيحة لكمال التصدي له وعدم الوقوع في شركه. وفي سبيل توفير هذه المعرفة أفاض الشيخ في تبيان معالم أهل الحق الذين تجب مقاومتهم والحذر منهم وعدم موالاتهم مهما كانت قوتهم وضعف المسلمين، ويؤكد على صدق الإيمان مرهون بعداوة أهل الباطل فيقول:

" إن الإنسان لا يستقيم له دين ولا إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء "5ويستشهد بالآية الكريمة: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ} 6.

ولعله مما يؤكد صدق التزام أبن عبد الوهاب بإقامة فريضة الجهاد كما أرادها الله دفعا لعدوان المعتدين وتحريراً لإرادة الإنسان من سلطان الطواغيت.

(1) سورة البقرة آية: 193

(2)

سورة البقرة آية: 256

(3)

الدرر السنية ج 1 ص 56

(4)

سورة الشورى آية: 40

(5)

الدرر السنية ج 7 ص 53

(6)

المجادلة آية 22

ص: 216

أن أحدا من هدمة على كثرتهم لم ينسب إليه أن اغتنم هذا الجهاد غنائم لنفسه وولده، ولم يبتغ به علوا في الأرض ولا فساد بدليل أن من كان يأتيه من خصومه مؤمنا بالله ورسوله بعد شدة العداوة له لم يكد يجد منه إلا الصفح والعفو" ولم يكن أحب إليه من أن يأتيه أحدهم المعذرة فيبادره المغفرة ولم يعامل أحدا بالإساءة بعد أن غلب وظهر "1

ولو أن خصومة كما يقول ابن غنام "لو مكنهم الله منه لقطعوا أوصاله وأوقعوا به أقبح المثلة والنكال"2

ومسلك ابن عبد الوهاب حيال خصومة على هذا النحو هو التطبيق السليم لمضمون الجهاد في الإسلام فالمجاهد في سبيل الله يمتلئ عداوة للكافرين وغلظة عملا بقوله تعالى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} 3ولكن مع هذا العداء والغلظة جندي عقيدة لا يحارب لمغنم أو جاه فحالما يلتقى معه عدوة في رحاب العقيدة يلبس له لباس الود الصادق والمؤاخاة الكاملة {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} 4وبهذا يتفرد الجهاد في سبيل الله عن الصراع المادي المرير الذي تقود إليه الأطماع والرغبة في امتلاك أوطان الغير واستعمارها فالمستعمرون يستولون على الأرض لاسترقاق أصحابها والمجاهدون يفتحون البلاد لخير العباد وهاهي آثار الاستعمار الصليبي في جنوب أفريقيا وروديسيا فرغم أن أهل البلاد الأصليين اعتنق غالبهم المسيحية فإن المستعمرين يعاملونهم بأبشع ألوان التفرقة العنصرية.

وصفوة القول أن محمد بن عبد الوهاب أحيا قاعدة الإسلام المثلى في إقامة المجتمع الإنساني على العقيدة ن وحقق في مجتمعه مفهوم الأخوة الإيمانية وواجه بهذا المجتمع المسلم على قلة أسبابه عدوان المعتدين بعقيدة الجهاد في سبيل الله فأثبت أنها عقيدة في الإسلام وركن من أركانه وأنها

(1) أبن غنام تاريخ نجد ص 83

(2)

المرجع السابق

(3)

سورة التوبة آية:73

(4)

سورة التوبة آية 11

ص: 217

فريضة ماضية إلى يوم القيامة. وإن أساس الجهاد دفع الفتنة عن المسلم حتى يكون الدين لله. وإن الجهاد في سبيله يلتزم معرفة العدو لإمكان مجاهدته والصبر على قتاله، وأن عداوة أهل الحق لأهل الباطل لا يبتغون بها جلب منافع لأشخاصهم أو الاستعلاء في الأرض بل تيسير طريق الهداية للضالين فإن اهتدوا أصبحوا إخوانا في الدين لجماعة المؤمنين لهم مالهم وعليهم ما عليهم فليس جهاد المسلم للعلو والفساد في الأرض بل للأغراض التي حددها الله تعالى لعبادة:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} 1

(1) سورة الحج. آية 41

ص: 218