الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: أثره في الفكر الإسلامي
أول ما يطالعنا من أثر لابن عبد الوهاب في الفكر الإسلامي أنه: جدد المعنى الشمولي للإسلام باعتباره عقيدة تعالج سائر جوانب علاقة الإنسان بالله تعالى ثم بالكون والحياة. هذه العلاقة التي تدور حول محور أساسي هو: توحيد الله تعالى في ربوبيته والهيته، وهو التوحيد الذي يستلزم طاعة الله بالتزام آمرة واجتناب نهيه، إن المدار في معرفة الأمر والنهي علي تبليغ الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم عن ربه، وإنه ما من أمر يتوقف عليه صلاح حال المسلم في علاقته بربه ثم بالناس إلا ودل الرسول عليه، أن من أحدث في هذا الأمر ما ليس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو رد.
وبهذا المعني الشمولي تتميز دعوة محمد بن عبد الوهاب عن كل دعوة اجترأت جانبا من جوانب الإسلام واكتفت به عن غيره سواء كان هذا الجانب متعلقا بصلاح النفس البشرية وكبح أهوائها وشهواتها مما كان مجالاً لاهتمام العباد والزهاد والمتصوفين، أم كان متعلقاً بحماية أرض الإسلام ومقدسا ته مما كان مجالا لاهتمام بعض العلماء أيام الحروب الصليبية والتترية وحتى الغزو الاستعماري الحديث.
ويتجلى هذا الأثر الشمولي لدعوة محمد بن عبد الوهاب في ضراوة المعارك التي ووجهت بها من خصومها، فقد تعدد هؤلاء الخصوم بتعدد أغراض الدعوة التي شملت مساحة الفكر الإسلامي كله خصوصاً وقد جاءت هذه الدعوة في
فترة بلغ فيها المسلمين أقصى مداه حتى أصبحوا بين عوامل البدع والخرافات التي تخرب جبهتهم الداخلية، وعوامل الغزو الاستعماري المتربص." فواجهت الحركة الوهابية ثقل الكفاح على مقاومة الضعف الداخلي، وهو ضعف يستند علي تعاليم الباطنية وانحراف فريق من المتصوفة، ومع ذلك لم تغفل هذه الحركة مقاومة الهجوم الخارجي الذي بدت طلائعه في ضعف الخلافة العثمانية تحت الضغط السياسي الروسي القيصري المسيحي والإنجليزي والأوربي بوجه عام"1
وإذ قامت دعوة محمد بن عبد الوهاب على أساس طبيعة الإسلام الشمولية، والتي تخاطب الإنسان إلى آخر الزمان فقد عملت الدعوة علي تجديد الفكر الإسلامي ليكون وافيا لوصف الشمول الممتد إلى يوم القيامة. ومن هنا أحيت سنة الاجتهاد ودافعت عن مشروعيته واستمراره ولزومه، ونددت بالجمود والتقليد، وحث العلماء علي الالتزام برسالتهم برد ما اختلفوا فيه إلى الله ورسوله، وأنه لا قول لقائل مع وجود النص القطعي في حجيته ودلالته، فإذا لم يكن ثمة نص قطعي على هذا النحو فلاجتهاد واجب في كل مسألة مختلف فيها وليس لعالم معين أن يقيد العقول والأفهام في المسائل الخلافية، وعلى هذا فليس لمذهب في ذاته قداسة تمنع الناس من تجاوزه والأخذ بغير ما ورد به.
ومن هذه الزاوية كان لدعوته أثرها الفذ في تحرير العقول من أسر التقليد، وفي وضع المذاهب الفكرية في حجمها الإنساني باعتبارها فكرا بشريا يخطئ ويصيب وأن كل مذهب علي حدة لا يمكن أن يدعي احتكار الحقيقة، بل ولا أي عدد من المذاهب يسمو في اتفاق علي رأي إلى مرتبة الإجماع بما في ذلك المذاهب الأربعة عند أهل السنة فالإجماع لا يكون كذلك إلا بإجماع سائر علماء الأمة"فكل مستوف لأدوات الاجتهاد له الحق في أن يجتهد بل عليه أن يفعل ذلك "2. ما لم يكن هناك نص قطعي أو إجماع من سائر علماء الأمة.
(1) د. محمد البهي. الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي. ص 75، 76
(2)
أحمد أمين. زعماء الإصلاح. ص 10
ولا نستطيع أن ندرك عظم هذا الأثر إلا إذا استحضرنا في أذهاننا إلي أي حد شهدت القرون المتأخرة تحكم المذاهب في اتباعها واستسلام العقول لمقررات المذاهب باعتبارها فوق البحث والمناقشة" حتى فشت فاشية التعصب المذهبي فوجدنا من يقولون بوجوب تقليد إمام من الأئمة فإذا ما قلده وجب عليه ألا يتحول عن أحكام مذهبة لا في كثير ولا في قليل1 ".وهو ما عرضنا له في الباب الثاني.
ولعله مما يستلفت الانتباه أنه ما من عالم أو مفكر من علماء الإسلام في القرن الثامن عشر ميلادي وما سبقه رضي للنفسه أو رضي له محبوه أن يذكر مجردا من انتمائه المذهبي. فيقال: فلان.. المالكي أو الشافعي أو الحنبلي. ودلالة ذلك واضحة: أنها تدل على قداسة المذاهب حتى غدا دينا يتسمى به أتباعه..حتى جاء محمد بن عبد الوهاب فجرد المذاهب من هذه القداسة المدعاة لها، ومنذ ظهرت دعوته بدء علماء يحررون أسمائهم ونسبتهم من ذكر المذاهب، فأصبح الباحث يجد بين يديه الكثير من المفكرين الذين لا يعتبرون هذا الانتساب مما يتعين إظهاره والتعريف به. ثم بدأ العلماء يحررون أفكارهم من التقيد بمذهب واحد "2.
(1) محمد أحمد فرج السنهوري، أحكام الوصية الواجبة، محاضرات بالدراسات العليا بحقوق القاهرة عام 1972. ص61
(2)
كان التقيد بالمذهب قد أصبح طابع الدولة العثمانية تأخذ الولاة والقضاة به، وأصدر السلطان العثماني أوامره باعتبار المذهب الحنفي مذهب الدولة، وصدر تقنين للأحكام وفق هذا المذهب سمي باسم: مرشد الحيران. ولما صدرت في مصر لائحة ترتيب المحاكم
الشرعية نص فيها على الالتزام بالراجح من مذهب أبي حنيفة. ولم يكن أحد الفقهاء يجرؤ على علاج موضوع إلا من خلال هذا المذهب. وعندما دعت الحاجة إلى وضع قانون الوصية عام 1946مـ تبين للجنة المشكلة من علماء الأزهر وأعضاء مجلس البرلمان أن المذهب الحنفي وسائر المذاهب الأربعة لأهل السنة ليس في مصنفاتها ما يسد الحاجة في خصوص الوصية الواجبة لأهل الميت من غير ورثته الشرعيين والمنصوص عليها بأية الوصية في سورة البقرة وهي قوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) وتحت ضغط الحاجة رأت اللجنة أن تأخذ بغير ما ورد في المذاهب الأربعة بل وأن تأخذ بما ورد في فقه الشيعة والخوارج توصلا لتقرير وصية واجبة لأبناء المتوفى الذين توفى أبوهم في حياة جدهم، وكان إجماع المذاهب=
وعرفانا بهذا الأثر الملحوظ لمحمد بن عبد الوهاب في تحرير العقول من أغلال التقليد وصف بأنه من زعماء الإصلاح1.وبأنه من المجددين في الإسلام 2. بل يرى كثير من الباحثين أن دعوته هي البداية غلي يقظة العالم حديثا3. وأنها بتقريرها وجوب الرجوع إلى مذهب السلف تقريرها مبدأ الاجتهاد حققت نهضة أخلاقية شاملة ووثبة روحية جريئة ودعوة إلى الحق والإصلاح"أيقظت العقول الراقدة وحركت المشاعر الخامدة ودعت إلى إعادة النظر في الدين لتصفية العقيدة وتحرير الإيمان وتطهير العقول من الخرافات والأوهام4 مما كان له أثره في إشعال جذوة الفكر "فتبدت تباشير صبح الإصلاح ثم بدأت اليقظة الكبرى في عالم الإسلام5.
وشأن كل فكر رائد في الإصلاح لا يدرك أثره الحسن إلا بعد حين، فقد
كان رد الفعل العاجل والتلقائي لدى بعض العلماء الذين استهولوا فتح باب الاجهاد أن اتهموا محمد بن عبد الوهاب بأنه يحدث في الدين مذهبا خامساً غير المذاهب الأربعة، ومجرد اتهام الشيخ بأنه أحدث مذهبا خامسا مبتدعا دليل على مدى ما لدعوته من أثر في تحريك العقول فراح البعض يقابلها بالإنكار
=الأربعة على حرمانهم، واعترض بعض العلماء مخالفة إجماع المذاهب الأربعة. وانتصر الرأي القائل بجواز الاجتهاد بعيدا عن إجماع المذاهب الأربعة، وأن إجماعها ليس الإجماع الشرعي المانع من الاجتهاد. انظر: محمد أحمد فرج السنهوري. الوصية الواجبة. المرجع السابق. د/زكريا البري. الوصية للأقربين. محاضرات للدراسات العليا ص 19.
وأيضا: المذكرة التفسيرية للقانون الصادر برقم 7/1لسنة 46 بشأن أحكام الوصية. والأعمال التحضيرية لقانون مجلس النواب والشيوخ. وفي رأينا أنه لم يكن ممكنا الأخذ بهذا الرأي في ظل الجمود المذهبي الذي سبق إلى تحطيمه محمد بن عبد الوهاب.
(1)
أحمد أمين. زعماء الإصلاح ص 10
(2)
عبد المتعال الصعيدي. المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر ص 1441 وأيضا الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي الأزهر في ألف عام. ص 3
(3)
د/محمد عبد الله ماضي، النهضات الحديثة في جزيرة العرب. ص: 39
(4)
د. محمد ضياء الدين الريس. تاريخ الشرق العربي والخلافة العثمانية ص 104
(5)
لوثروب ستودارد..حاضر العالم الإسلامي. تعريب حجاج نويهض ص 34 وأيضا هـ أل. فيشر. تاريخ أوربا في العصر الحديث. تعريب أحمد نجيب هاشم ووديع الضبع. ص 60،59
وغيرهم يقابلها بالاستحسان _ وكل يعمل على شاكلته _ وكانت المحصلة النهائية لمعارضة الدعوة الوهابية إثراء الفكر بالعديد من الكتب فتحركت العقول الجامدة للرد والجدل ورجعوا إلى أمهات الكتب للبحث عن الأدلة والحجج ومن بين هذه المؤلفات التي ألفها خصوم دعوة محمد بن عبد الوهاب نذكر علي سبيل المثال: كتاب: إظهار العقوق فر الرد على من منع التوسل إلى الله بالنبي والولي الصدوق تأليف أبي عبد الله سيدي محمد بن مصطفى الحسني. وبهامشه رسالة لمحمد الطيب في الرد علي بعض المبتدعة من الطائفة الوهابية وهي من أقدم ما كتب في هذا الصدد وكتاب: الصواعق الإلهية في الرد علي الوهابية لسليمان بن عبد الوهاب1.وهناك عشرات من الكتب غير ذلك تم تأليفها في هذا الصدد وهي إن دلت على شئ فإنها تدل على ظاهرة صحية: هي البحث والجد والتنقيب مما يحرك العقول والإفهام.
غير أن معارضي دعوة بن عبد الوهاب عجزوا عن التصدي لتأثيرها المتزايد عبر الزمان والمكان، فلئن كانت دعوه سلفية سابقة هي دعوه بن تيميه قد أرهقتها المعارضة التي واجهتها" فلم يحرز بن تيميه نجاحا حتى مات في السجن عام 1328مـ 2فإن دعوة بن عبد الوهاب قد تفوقت على عوامل القهر والتصدي رغم كثرتها فتتابع تأثيرها في كل حركة فكرية إسلامية تلتها إذ "أن كل حركات الإصلاح التي ظهرت في الشرق في القرن التاسع عشر كانت مدينة للدعوة الوهابية 3.
وإذا كانت الدعوة الوهابية بإحيائها سنة الاجتهاد وتقريرها عدم التقيد إلا بالكتاب والسنة قد أرست أمتن الأسس لمنهج فكري متحرر من الخرافة والتقليد فإنها بإحيائها سنة الجهاد وقد وفرت لهذا المنهج عوامل الحركة والانتشار
(1) وكتب أخرىكثيرة نذكر منها: الوهابية المهزومة تأليف محمد البكري أبو حراز، كتاب سعادة الدارين للشيخ إبراهيم السنودي، رسالة المنحة الإلهية في الرد على مزاعم الطائفة الوهابية لسليم الكيلاني الشهير بالإسكندراني، كتاب فيض الوهاب في بيان أهل الحق ومن ضل علي الصواب للشيخ عبد ربه بن سليمان بن محمد الشهير بالقليوبي. وكذلك كتاب الرد المحكم المتين لأبي الفضل عبد الله محمد الصديق.
(2)
جولد تسهير. العقيدة والشريعة في الإسلام. ص:236
(3)
د. محمد ضياء الدين الريس تاريخ الشرق العربي والخلافة العثمانية. ص 104
بحيث يمكننا القول أن الدعوة الوهابية حققت تأثيرا بتأكيدها على هاتين الدعامتين: الاجتهاد طريقا لتحرير العقول من الأوهام، الجهاد طريقا لتذليل كل عقبة تواجه الحركة. وقد رأينا لدى معالجة موضوعات الباب الخامس أن الجهاد في مفهوم دعوة محمد بن عبد الوهاب وتطبيقه كان طريقا متعينا لدفع العدوان ولم يكن ذريعة للاعتداء على الآخرين. ورغم ذلك فقد كان لأخذه بسنة الجهاد أثرة في إثارة حنق الكثيرين عليه واتهام دعوته:" بأنها سعت إلى تحقيق أغراضها واعتمدت على القوة العسكرية وحدها "1وحاول البعض أن يلتمس العذر للدعوة الوهابية في العنف الذي نسبوه إليها بقولهم"كان الجو الذي نبتت فيه الدعوة محكوما بتيارات العصبية التي كانت تسود بلاد نجد بصفة خاصة والجزيرة العربية بصفة عامة.2
والحق أن هذا التعليل إن ساغ سوقه تبريرا للحروب التي خاضها اتباع محمد بن عبد الوهاب داخل نجد في مواجهة القبائل المحيطة بالدرعية فهو تعليل غير سائغ في شأن الحروب التي شنها السلطان العثماني على الدعوة على يد والي بغداد تارة وعلى والي مصر تارة أخرى إذ لم يكن الوهابيون حيال هذه الحروب إلا مدافعين عن وجودهم وحرية اعتقادهم ومهما يكن من أمر فإن إحياء الدعوة الوهابية لسنة الجهاد والانتقاد الذي ووجهت به في شأن حروبها وغزواتها قد أتاح للفكر الإسلامي أن يواجه قضية طال تناسيها وهي قضية الجهاد من حيث مشروعيته ولزومه واستمراره والأساس الذي يقوم عليه. وقد كان العالم الإسلامي في أمس الحاجة إلي استرجاع روح الجهاد والاستشهاد في مواجهة الغزو الصليبي الذي أحاط به من كل جانب.
ولذلك كان اهتمام المجاهدين والمناضلين الذين قادوا مقاومة العالم الإسلامي للغزو الأوربي بالحركة الوهابية اهتماما عظيما وكان تأثيرها عليهم ملحوظا مما دعا بعض الباحثين ممن اهتموا بدراسة صورة مقاومة العالم الإسلامي للاستعمار الغربي إلي ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحركته باعتبارها أصلا
جذريا للفكر الإسلامي الذي قاوم الاستعمار الغربي وتعددت صوره وحلقاته.
(1) د محمد ضياء الدين الريس. المرجع السابق. ص 103
(2)
عبد الكريم الخطيب الدعوة الوهابية محمد بن عبد الوهاب. ص /74
مهما بدا في هذه الصور من اختلاف في الجزئيات.1
ولم يكن متصورا أن تقوم في الجزيرة العربية حركة إسلامية لها من العمق والشمول ما لحركة محمد بن عبد الوهاب، ثم تبقى قاصرة عن التأثير العميق في الفكر الإسلامي منهجا وحركة على امتداد العالم الإسلامي مع ما هو مسلم به من الكافة من أنه " ليس من دين في الدنيا جامع لأبنائه بعضهم مع بعض موحد لشعورهم دافع بهم نحو الجامعة العامة والاستمساك بعروتها كدين الإسلام فضلا عن أن الجزيرة العربية مهبط الوحي ومهبط أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وإليها تسعي وفود الحجيج من كل فج لحج بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمسة وثاني قاعدتين أساسيتين تقوم عليهما الوحدة الإسلامية إذ أن الوحدة الإسلامية قائمة علي ركنين هما أساساها ولا ثالث لهما: الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة والخلافة "2.
فإذا علمنا أن الدولة السعودية الأولى القائمة علي أساس دعوة محمد بن عبد الوهاب قد تمكنت من بسط سيطرتها على الحجاز منذ شهر المحرم من عام 1218هـ بدخول سعود بن العزيز بن محمد بن سعود إلى مكة المكرمة حيث عمل على نشر العقيدة الصحيحة وتنقية الأماكن المقدسة من كل مظاهر الشرك وجمع المسلمين على إمام واحد في الصلاة حول الكعبة المشرفة3 وقد ظلت الأماكن المقدسة في يد أنصار الدعوة الوهابية بعد ذلك _خلال مدة وجيزة _ ظهر فيها على هذه الأماكن محمد على باشا الكبير مما يؤكد أن مواسم الحج كانت ميدانا لنشر الدعوة الوهابية وشرح مبادئها لوفود الحجاج القادمين من كل بلاد العالم الإسلامي، ومن ثم عودتهم إلى بلادهم متأثرين بهذه الدعوة على نحو أو أخر، الأمر الذي وسع نطاق الدعوة حتى بلغت دور النهضة الإسلامية
(1) د. محمد البهي. الفكر الإسلامي الحديث وصلتة بالاستعمار العربي. ص 76
(2)
هـ ا. ل. فيشر. تاريخ أوربا في العصر الحديث. تعريب أحمد نجيب هاشم ووديع الضبع. ص 62 وأيضا هانوتو. مقال حول العالم الإسلامي في نظر الغرب. نقلا عن د. محمد البهي الفكر الإسلامي الحديث. ص 28
(3)
هـ. أل فيشر تاريخ أوربا في العصر الحديث. تعريب أحمد نجيب ووديع الضبع ص 69
الشاملة1. والممتدة بآثارها عبر المكان وعلى امتداد الزمان.
أما امتدادها عبر المكان فقد ذكر أكثر من باحث أن الزعيم الهندي المسلم السيد أحمد الذي قاد كفاح مسلمي البنجاب ضد الغزو الاستعماري الإنجليزي كان يحمل بين جنبيه عقيدة محمد بن عبد الوهاب حتى وصفة بعضهم قائلاً " فقام في شمال الهند الزعيم الوهابي المسلم السيد أحمد مستفزاً مسلمي البنجاب وأنشأ دولة وهابية2وهذه الحركة الإسلامية بين مسلمي الهند وصفت بقوة أثرها وجزيل نفعها، وقد دونت أخبارها في سفر وضعة، مولوي إسماعيل الدهلوي الذي كان صديقا وفيا للسيد أحمد وعنوانه " تنويه الإيمان"وفيه يكافح المؤلف في همة وغيرة كل صفوف الشرك ويهب بالمسلمين أن يعتصموا بالتوحيد الصحيح.
كما أن أثر الدعوة الوهابية في آسيا لم يقتصر على القارة الهندية بل تجاوزها إلى جاوا وأقصى جزر الهند الشرقية التي عرفت بإندونيسيا فقد عاد بعض حجاج هذه البلاد إلى أوطانهم يحملون تأثيرا عميقا بالحركة الوهابية ومنذ عودتهم إلى وطنهم في سو مطره عام 1803م بدأوا في نشر الإسلام بين مواطنيهم "ثم أخذوا في التشدد في التوحيد الذي تقول به الطائفة الوهابية"3 وكانت لهم مواقفهم الثابتة فى مواقفهم الثابتة في جهاد الاستعمار الهولندي.
وفي أفريقيا كان للدعوة الوهابية أثر كبير في نشاط الحركات الإسلامية.
فحركة السنوسي شمال أفريقية اتسم صاحبها بالميل " إلى بعض المبادئ الوهابية "4 أما أعماق القارة الأفريقية فقد قاد الداعية المجاهد
(1) ابن بشر. عنوان المجد في تاريخ نجد مع تعليق المحقق ص 163.
(2)
هـ أل فيشر |. تاريخ أوربا في العصر الحديث. تعريب أحمد نجيب هاشم ص: 38 جولد تسيهر. العقيدة والشريعة. ص 83 عباس محمود العقاد، الإسلام في القرن العشرين. ص: 69وأيضا أحمد عبد الغفور عطار، محمد بن عبد الوهاب، ص:208
(3)
سير. ت. أر نولد الدعوة إلى الإسلام. ت.حسن إبراهيم حسن، عبد المجيد عابدين إسماعيل النحراوي. ص 312
(4)
ل. ستودارد. حاضر العالم الإسلامي. ج 2 ص:398
المسلم عثمان دنفديو حركة إسلامية حاربت البدع والخرافات ووحدت سائر القبائل في مساحات شاسعة من أواسط القارة واستطاع بالأفكار التي تلقاها من الفكر الوهابي لدي حجة بمكة المكرمة أن يغير وجه الحياة لشعبه ولمن دخل الإسلام من الوثنين فكانوا مثلا رائعا في حسن الخلق والمعاملة الطيبة وتوارث خلف"عثمان دنفديو" الدعوى الإسلامية حتى انتهي الأمر إلى الرئيس أحمد وبلو"1 كما أن حركة الزعيم السوداني محمد أحمد المهدي لم تخل من تأثر بالحركة الوهابية.
ومهما قيل عن الطابع الاستقلالي لهذه الحركة وغيرها، مما قد يفسر بأنها تعود في نشأتها إلى الظروف المحيطة بكل حركة، إلا أن قرب عهدها وتعاصرها مع انتصار الحركة الوهابية2وذيوع أمرها يرجح تأثر هذه الحركات بدعوة محمد بن عبد الوهاب، خصوصا إذا علمنا بأن كافة الحركات الإسلامية التي أشرنا إليها اعتنقت فكرة الجهاد سبيلاً في مواجهة الاستعمار الذي يهددها من الخارج والاستبداد السياسي الذي يهددها من الداخل وكان الجهاد على ما قدمنا أحد ركيزتين أساسيتين قامت عليهما الدعوة الوهابية، والركيزة الثانية هي الاجتهاد. والحق أن حركات الإصلاح اللاحقة لحركة محمد بن عبد الوهاب لم تكن تتجاوز في أصولها الاعتماد على أي من هاتين الركيزتين فبينما اعتمد الزعيم جمال الدين الأفغاني على إثارة وعي المسلمين لجهاد الاستعمار، فقد جنح الإمام محمد عبده إلى تجديد الفكر وتطوير الأزهر وفتح باب الاجتهاد أمام علمائه، وكان للحركة الوهابية فضل الجمع بين الاجتهاد والجهاد مما يؤكد تأثر جميع الحركات الإصلاحية بها على نحو أو أخر.
ومما مكن لدعوة محمد بن عبد الوهاب من التأثير في عالم الفكر الإسلامي اهتمام الشيخ حال حياته بتثقيف وتخريج أكبر عدد من التلاميذ الذين يعتنقون فكره ومنهجه علما وعملا، وقد أثمرت جهوده فى هذا المجال، فتخرج على يديه جيل نشط من العلماء العاملين عنت بذكرهم وإيراد سيرهم
(1) سير. ت.ارنولد. الدعوة إلى الإسلام _ 276 وأيضا أحمد عبد الغفور _ محمد بن عبد الوهاب _ ص213_217
(2)
عبد الكريم الخطيب_ الدعوه الهابية_ ص 116 _120
مختلف المصنفات التي عرضت للدعوة ومؤسساتها على نحو مفصل، فأوضحت أن محمد بن عبد الوهاب" أخذ عنه عدة من العلماء الأجلاء من بنيه وبني بنيه وغيرهم من قضاة النواحي ومن علماء الأقطار"1 وقد عاش هذا الجيل من علماء مدرسة محمد بن عبد الوهاب وفيا لفكر صاحب الدعوة ومنهجه في مختلف المجالات.
عاش جيل العلماء من تلامذته وفيا لتوحيد الخالص الذي دعا الشيخ إليه وجعله عماد دعوته فصنف هؤلاء التلاميذ من بعده عديد المصنفات والرسائل في فضل التوحيد ووجوبه ونفي الشرك بشتى مظاهره العلنية والخفية، نذكر من ذلك الرسالة القيمة التي كتبها عبد الله بن عبد الوهاب2يشرح فيها عقيدة التوحيد لدى دخوله مكه المكرمة مع الإمام سعود بن عبد العزيز في شهر المحرم عام 1218هـ 3
(1) ابن بشر. عنوان المجد في تاريخ نجد. ج1 ص 117
عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، مشاهير علماء نجد، ص: 26
عبد الرحمن العاصمي القحطاني، الدرر السنية، جـ 12. ص:19. وأيضاً:
أحمد بن حجر آل علي، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عقيدته السلفية ودعوته ص: 30
(2)
هو عبد الله محمد بن عبد الوهاب ولد بالدرعية عام 1165هـ. وأخذ العلم أبيه وتفقه في المذاهب، كان عارفا بالتفسير. وبأصول الدين والحديث وبالفقه وأصوله خلف والده في الدعوة إلى عقيدة التوحيد ومناصرة آل سعود على نشر هذه الدعوة. أخذ عنه العلم عدد كبير، كما ترك عدة مصنفات تدور كلها حول نشر العقيدة الصحيحة وكبت البدع وكان من جملة من نقلهم إبراهيم باشا من آل الشيخ إلى مصر عام 1233 وتوفى بها عام 1242هـ انظر: ابن بشر. عنوان المجد في تاريخ نجد ج1 ص 238 ص 286،عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ مشاهير علماء نجد ص 32،33 وأيضا عبد الرحمن العاصمي القحطاني. الدرر السنية. ج 12 ص 44.
(3)
ابن بشر عنوان المجد في تاريخ نجد: ج 1ص 164، وقد أورد المحقق بهامشه فاتحة هذه الرسالة مشيرا إلى أنها توجد مخطوطة في مكتبات علماء آل الشيخ وتوجد مطبوعة في الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية تأليف العلامة الشيخ سليمان بن سحمان. وذكر المحقق ما نصه: وهذه الرسالة قال فيها الكاتب الشهير محمد كرد علي الدمشقي في ص 166 من كتابه القديم والحديث طبعة مصر ما نصه (ورسالة عبد الله بن عبد الوهاب التي كتبها حين فتح الحرمين الشريفين شاهدة عدل أنه برئ من تلك الإفتراءات التي افتروها على عقائده وعقائد أبيه وبنوا عليها تلك الزلازل والقلاقل وأن مذهبه عين مذهب الأئمة المحدثين والسلف الصالحين) إلى آخر ما ذكره محمد كرد على رحمة الله=
كما عاش جيل العلماء من تلامذة محمد بن عبد الوهاب وفيا لمنهجه في الحث علي طلب العلم وربط العلم بالعمل، ولم يثنهم عن عزمهم سقوط الدرعية في يد إبراهيم باشا الكبير وزوال دولتهم الأولى، بل واصلوا العمل على إبقاء الشعلة الفكرية التي أوقدها شيخهم مضيئة في سائر الصعاب والأعاصير فلم يكد أحد رجال الأسرة السعودية وهو الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود يستعيد شيئا من سلطان الدولة على بعض أجزاء نجد حتى كان تلاميذ محمد بن عبد الوهاب وهو حفيدة عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوهاب 1.هو صاحب الجهد المتصل في نصرة دعوة
= ومن الجدير بالذكر أن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب من أولاده العلماء سليمان بن عبد الله الذي ولد عام 1200 بالدرعية وتلقى العلم عن جدة وأبيه وسائر علماء الدرعية وقت أن كانت زاخرة بالعلماء الكبار ومن مصنفات سليمان بن عبد الله كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لجدة محمد بن عبد الوهاب إلي جانب مصنفات أخرى. وقد ورد الذكر في سائر المراجع التي أرخت للحركة الوهابية ورجالها وأنه استشهد عام 1233هـ
انظر ابن بشر. عنوان المجد في تاريخ نجد ج 1ص 282 وأيضا عبد الرحمن عبد اللطيف آل الشيخ. مشاهير علماء نجد ص 31
(1)
هو عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب – علامة نجد المشهور صاحب التاريخ الحافل بالكفاح والمجدد الثاني بعد جدة ولد عام 1193هـ في بلدة الدرعية وتلقي العلم عن جدة وجملة من علماء عصرة. يصفه جامع الدرر السنية بأنة "عن الدنيا ما كان أصبره وبالسلف ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه، اختصه الله بنصر دينة والقيام بحفظ سنته ورضية لإقامة حجته"
وقد ترك عدة مصنفات في الأصول والفروع على أهل المقالات ممن غلط في الصفات. وإلي جانب مؤلفاته كان ملازما للتدريس معنيا بتلاميذه وقد أخذ عنه العلم جمع غفير.. كان من جملة رجال الدعوة الوهابية الذين نقلوا إلى مصر عام 1233 وعاش بها مع أولاده حتى عام 1241 حيث رجع إلى نجد وقد أرخ ابن بشر لعودته في هذه السنة قائلا "وفيها أقبل الشيخ العالم التحرير والبحر الزاخر الغزير مفيد الطالبين ومرجع الفقهاء والمتكلمين
…
الحافظ المتقن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب فقدم على الإمام تركي بن عبد الله ففرح به وأكرمه غاية الإكرام وانتفع بعلمه كثير من المستفيدين ثم أورد ابن بشر كيف كتب مرة إلى عبد الرحمن حسن كتابا دعا في ختامة بقولة: انه على ما يشاء قدير فأجابه " بأن هذه الكلمة يقصد بها أهل البدع شرا وكل ما في القرآن: وهو على كل شيء قدير
…
وإنما قصد أهل البدع بقولهم وهو القادر على ما يشاء أي أن القدرة لا تتعلق إلا بما تعلقت به المشيئة" وعندنا أن هذا يدل على عمق فهمة واهتمامه بالرد على كل شبهه، انظر ابن بشر عنوان المجد في تاريخ نجد ج 1 ص 27 وما بعدها وأيضا عبد الرحمن العاصمي القحطاني. الدرر السنية ج 12 ص 61
التوحيد مجاهدا بسيفة حتى وفاته عام 1285هـ.
كما كان تلاميذ محمد بن عبد الوهاب أوفياء لمنهج شيخهم في بناء المجتمع المسلم على العقيدة وحدها دون العصبية الجاهلية التي سادت نجداً قبل ظهور الشيخ فكان الكثير من تلاميذه ممن هاجروا من بلادهم إليه في الدرعية وهي محاصرة من جميع النواحي بعداء متصل مع سائر القبائل. نذكر من هؤلاء التلاميذ الذين هاجروا إلى الدعية وآثروا صحبة الفكر والعقيدة علي عزوة الأهل والقبيلة الشيخ بن غنام1.
والشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر2 الذي ضرب مثلا رفيعا في
(1) هو: حسين بن أبي بكر بن غنام الإحسائي المالكي مذهبا التميمي نسبا ولد ببلدة المبرز بالإحساء ونشأ بها وقرأ على علماء وقته في الاحساء ثم نزح من الاحساء إلى مدينة الدرعية فقدمها على الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود الشيخ محمد بن عبد الوهاب فأكرماه وأنزلاه المنزلة الرفيعة، فاستقر في الدرعية وجلس فيها لطلبة العلم يقرأون عليه علم النحو والعروض ومن مؤلفاته: كتاب التاريخ الذي سماه: روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام" وهو الكتاب الذي عكف على تحريره وتحقيقه الدكتور ناصر الدين الأسد والشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وسمياه تاريخ نجد، وقد أشرنا إليه في الفصل الثاني من الباب الأول من هذا البحث كما ترك مؤلفا آخر هو العقد الثمين في أصل الدين. أما كتابه في التاريخ فقد طبع ثلاث مرات: الأولى سنة 1331هـ في بمباي بالهند والثانية بمصر بمطبعة البابي الحلبي عام 1368 هـ والطبعة الثالثة عام 1382هـ بمطبعة المدني تحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد وهي الطبعة التي اعتمدنا عليها خصوصا في الجزء الخاص برسائل وفتاوى ابن عبد الوهاب.
انظر: ابن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد جـ 1 ص: 199وايضا عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، مشاهير علماء نجد. ص:147.
(2)
هو العالم العلامة المحقق الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر النجدي التميمي من آل معمر أمراء العيينة نزح منها واستوطن مدينة الدرعية وقرأ فيها علي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وعلى وعلي الشيخ أبي بكر بن حسين ابن غنام نزيل الدرعية وعلى الشيخ سليمان بن عبد الوهاب وبعد ذلك جلس للتدريس بمدينة الدرعية فأخذ عنة العلم خلق كثير منهم: الشهيد سليمان بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب والعالم الكبير عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد العزيز بن حمد بن معمر والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين وله عدة رسائل أجاب فيها علي أسئلة علمية لو جمعت لبلغت مجلدا ضخما ولكنها طبعت متفرقة في مجاميع الرسائل والمسائل النجدية التي طبعت بمطبعة المنار أولا ثم بمطبعة أم القرى في مكة المكرمة ثانيا- تولى قضاء الدرعية ثم وولي قضاء مكة بعد أن دخلها الإمام سعود بن عبد العزيز ثم توفي بها سنة ألف ومائتين وخمس وعشرين من الهجرة في أول شهر ذي الحجة وصلى علية تحت الكعبة المشرفة. انظر عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ مشاهير علماء نجد ص 157 وما بعدها.
صدق الالتزام بمنهج الدعوة الوهابية، وكان بحق نموذجا علميا لتحقيق فكر محمد بن عبد الوهاب في أن يجعل الإنسان المسلم حبه ومودته لن تجمعهم به رابطة التوحيد وبغضه لمن حاد الله ورسوله عملا بقوله تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ} 1فقد كان الشيخ حمد من آل معمر أهل العيينة وأمرائها وقد سبق لهم أن خرجوا محمد بن عبد الوهاب من بلدتهم على فلجأ إلى الدرعية ثم دخل أهل العيينة في جماعة التوحيد وبايعوا بن عبد الوهاب على ذلك ولكن لم يلبث أن استراب أهل الدرعية أمير العيينة عثمان بن معمر جد الشيخ حمد بوشاية أهل العيينة الذين لم يلبثوا أن قتلوا أميرهم عثمان بن معمر2 ولكن هذه الضغائن لم تمنع الشيخ حمد من أن يكون تلميذا وفيا لمحمد بن عبد الوهاب وفكره ومنهجه وكانت له اليد الطولى في الدفاع عن هذا الفكر قولا وعملا 3.
(1) سورة المجادلة: آية: 22.
(2)
ابن بشر: عنوان المجد في تاريخ نجد جـ 1 ص: 39 لدى ذكر حوادث 1163هـ.
3 وكان الشيخ حمد هو رسول الدعوة الوهابية الذي أوفدة الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى الشريف غالب شريف مكة عام 1211هـ "فجرت المناظرة بينه وبين علماء مكة المكرمة في مسألتين: مسألة قتال الموحدين الناس ومسألة دعوة الأموات وكان حمد بن ناصر يأتي لبيان حجته بالدليل القاطع والبرهان الواضح من كتاب الله وأحاديث رسوله الصحيحة وأقوال الأئمة وأتباعهم المتقدمين الأخيار فأضطرهم بذلك إلى التسليم له في المسألة الأولى والاعتراف بالحق بعد أن لجوا في المغالطة والعناد حينا ولكنهم أنكروا وجود ما ذكره لهم من مشاهير الشرك بدعوة الأموات وجحدوا أن يكون ذلك واقعا في البلاد....ومن أعجب ما قاله كبيرهم لحمد بن ناصر قوله: أنني لا أطالبك بما قاله علماء المذاهب سوى ما قال به إمامي أبو حنيفة لأنني مقلد له فيما قال فلا أسلم لسوى قوله ولو قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال ذو الجلال لأنه أعلم مني ومنك بذلك فلما انقضت المناظرة طلبوا من حمد بن ناصر بن معمر تأصيل براهينه وحججه وتسجيل ما ناظرهم به فكتب في ذلك رسالة مفيدة انظر حسين بن عنام. تاريخ نجد. ص 200.
ابن بشر. عنوان المجد في تاريخ نجد. ج1 ص 148 وتعليق المحقق بالهامش إن هذه المناظرة جرت في شهر رجب 1211 وأنه أشار إليها الشيخ محمد بن على الشوكاني حيث قال في الجزء الثاني من كتابة: البدر الطالع ص (7) ما نصه: وبلغنا أنه وصل إلى مكة بعض علماء نجد لقصد المناظرة فناظر علماء مكة بحضرة الشريف في مسائل تدل على ثبات قدمه وقدم صاحبه في الدين =
وفي نفس الوقت تابع تلاميذ محمد بن عبد الوهاب منهجه في تخريج أجيال متتابعة من التلاميذ ذوي الإخلاص والغيرة، وكان من أثر هذا التتابع أن بقي للفكر الوهابي تأثيره في مجالات الفكر الإسلامي إلى عصرنا الحاضر، وقد حرص دعاة فكر محمد بن عبد الوهاب على جمعه مسلسلا على امتداد الأجيال فصدرت مطبوعات للرسائل والكتب المتضمنة لهذا الفكر نخص منها بالذكر: مجموعة الرسائل والمسائل النجدية في ثلاثة أقسام، وقد توفر على ترتيبها أحد دعاة الفكر الوهابي فأخرجها باسم: الدرر السنية في الأجوبة النجدية1وقد حفلت بنماذج من أجوبة علماء الدعوة الوهابية على ما كان يردهم من أسئلة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي2ويستطيع الباحث من هذه الأجوبة أن يلمس وحدة الفكر في المسائل التي تعلقت بها الأجوبة رغم تعدد العلماء الذين أولوا بهذه الأجوبة على امتداد الفترة من محمد بن عبد الوهاب إلى اليوم، مما يدل على عمق تأثير محمد بن عبد الوهاب في تلاميذه وتلاميذهم من بعدهم وعلى أن هذا التأثير جاوز نطاق الجزيرة العربية إلى أنحاء شتي من العالم الإسلامي.
والحق أن ما عمق هذا التأثير الفكري وعززه، تأثير محمد بن عبد الوهاب في الجانب السياسي وهو ما سنعرض لبيانه فيما يلي.
=هذا وقد طبعت المناظرة ضمن مجلد وعنوانها: الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب.
(1)
تم طبعها عدة مرات وآخر طبعة وقعت في أثنى عشر جزءا وهى من مطبوعات دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
(2)
وتحفل هذه الأجوبة بردود على أسئلة ترد إلى علماء نجد من هيئات علمية في الخارج، مثل الجواب الذي حرره شيوخ الدعوة الوهابية جوابا لعلماء الهند على استفتائهم فيما شجر بينهم وبين العالم الهندي أبى الوفاء ثناء الله حول مسائل أخذوها عليه في تفسيره لبعض آيات القرآن الكريم. وقد جاء في جواب علماء نجد حول تفسير الاستواء "إن الذي عليه أهل السنة والجماعة قاطبة وقولهم الشامل في هذا الباب انهم يصفون الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه في كتابه ووصفه به رسوله الله صلى الله عليه وسلم ووصف به السابقون الأولون من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل" الدرر السنية في الأجوبة النجدية ح1 ص 15،16