الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: موقفه من التوسل
انتهينا من بيان وتوضيح موقف ابن عبد الوهاب من التصوف ورفضه الصورة التي آلت إليها سلوك المتصوفة من التفاف العامة حولهم وإتيان الكثير من الأفعال الجاهلية التي نهى عنها واعتبر هذا السلوك هو ردة إلى الوثنية الأولى، ثم أوضحنا قبوله جوهر التصوف وهو السلوك الذي لا يتعارض مع الكتاب والسنة وأخذنا أمثلة على ذلك مثل التوحيد والإخلاص ـ التوكل والمحبة مع مقارنات لأقوال بعض الصوفية حول هذا المقامات وبين ما ذهب إليه ابن عبد الوهاب، ونتناول الآن التوسل المشروع وغير المشروع وبيان موقفه من هذا وذاك وميزان ذلك الكتاب والسنة.
التوسل في اللغة التقرب والوسيلة ما يتقرب به من الأعمال إلى الله عز وجل وهي أيضا المنزلة عند الملك، والدرجة والقربة، ووسل إلى الله توسيلا، عمل عملا تقرب به إليه كتوسل والواسل الراغب إلى الله يقول تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} (1) وقال تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (2) أي اطلبوا ما تتوسلون به إليه مما يقربكم إلى نيل ثوابه من فعل طاعة أو ترك معصية.
ولم يجعل الشرع للتوسل حقيقة غير الحقيقة اللغوية ففي حديث الآذان
(1) الاسراء:57
(2)
المائدة:35
"اللهم آت محمدا الوسيلة"، والمراد بها في الحديث القرب من الله تعالى وقيل الشفاعة يوم القيامة، وقيل المنزلة من منازل الجنة (1) ،والوسيلة التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة لتضمنها معنى الرغبة، وحقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة وهي القربة.
مما تقدم من تعريفات للوسيلة نجد أن الوسيلة تدو على أمور:
1.
القربة.
2.
الدرجة.
3.
المحبة.
4.
الحاجة.
5.
الرغبة.
وإن التوسل إلى الله هو التقرب إليه بالأعمال الصالحة والقرب المشروعة وعليه ليس منها مناداة الأموات، والاستغاثة بهم وسؤال الله لهم. (2)
وأما الوسيلة في عرف الناس اليوم تقع على الاستغاثة بالأموات، والتمسح والتقبيل لقبور الأولياء التي تملئ بالزائرين لتقديم القرابين ويزرفون فوق ترابهم دموع الندم والاستغفار متوسلين بأصحابها، راجين منهم العفو والغفران ومن هؤلاء المخلوقات الحافية والعارية يتخذها الناس أولياء لله المقربين ن يعلمون الغيب ويملكون الحياة والموت فلم يكن أمام ابن عبد الوهاب إلا دعوة هؤلاء إلى الرجوع إلى القرآن الكريم وتنقية الدين من هذه الأدران والخزعبلات ولكنهم كانوا يدركون أنهم لن يستطيعوا أن يغيروا ما بهؤلاء القوم بالوعظ وإقامة البرهان فحسب بل لا بد من تحكيم السيف أيضا إن عز الإقناع ولم تنفع الحجة، لذلك كانت رسائلهم إلى القبائل تسبق جيوشهم، ويقول ابن عبد الوهاب في هذا الشأن:" وهذه هي المسالة التي تفرق الناس لأجلها
(1) مجموعة التوحيد 222-226
(2)
سليمان بن سحمان النجدي ـ الهدية السنية ص 25 ط أولى وكذلك عبد الله القصيمي البروق النجدية 20-21
بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة ولأجلها شرع الجهاد. (1)
ومن الأشياء التي أثارت ثورة ابن عبد الوهاب شد الرحال من الأماكن البعيدة إلى القبور للتقرب إلى المقبورين والتوسل بهم وقراءة القرآن والأوراد على القبور، ولأرواح المقبورين والصلاة إليها واستقبالها، والبناء عليها وتجصيصها وإيقاد السرج فوقها والطواف حولها، وفي هذا يقول:" ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك، فيشتد نكير العلماء لذلك، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". (2)
ورغم إنكار ابن عبد الوهاب هذه الأفعال من ألوان التوسل والتقرب على الأولياء والصالحين من أهل القبور والإحياء إلا أنه لم ينكر التوسل المشروع وهاك الأدلة:.
مما هو متفق على جوازه أن الحي يطلب منه سائر ما يقدر عليه، سواء أكان بلفظ الاستغاثة أو بغيرها فيقول:
" فإن الاستغاثة بالمخلوق على ما يقدر عليه لا ننكرها كما قال تعالى في قصة موسى {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (3) وكما يستغيث الإنسان بصاحبه في الحرب وغيرها في الأشياء التي يقدر عليها المخلوق ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله.
ويستطرد ابن عبد الوهاب في بيان عقديته حول المشروع من الاستغاثة، مثل الاستغاثة بالأنبياء يوم لقيامة يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف، وهذا جائز في الدنيا والآخرة. مثل أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كلامك وتقول له: ادع الله لي، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه في حياته فيقول:" وأما بعد موته
(1) مجموعة التوحيد 236
(2)
ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ 527
(3)
مجموعة التوحيد:232
فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف على من قصد دعاء الله عند قبره، فكيف دعاؤه بنفسه صلى الله عليه وسلم". (1)
ويرد ابن عبد الوهاب على من يأخذ من قصة إبراهيم عليه السلام لما القي في النار واعترض له جبريل وسأله: ألك حاجة فإن مساعدة جبريل وهو كما وصفه الحق تعالى} شَدِيدُ الْقُوَى {ولو أمره الله تعالى أن يفعل أي شيء لفعل، ومثل هذا مثل رجل غني له مال كثير يرى محتاجا فيعرض عليه أن يقرضه، او أن يهب له شيئا ليقضي به حاجته، فيأبى ذلك المحتاج أن يأخذ، ويصبر حتى يأتيه الله برزق لا منة لأحد، ثم يتساءل" فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟ ". (2)
وفيما يلي نعرض لأنواع التوسل المشروع التي توافق ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله وقبلها أهل السنة والسلف الصالح:
النوع الأول: التوسل إليه بأسمائه وصفاته، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (3)
وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} . (4)
وقال عن أيوب عليه السلام: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} . (5)
النوع الثاني بالصلاة كما تقبل الدعوة.
وذلك كصلاة الاستسقاء، وصلاة الاستخارة والدليل على ذلك قوله تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} (6) ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا همه
(1) مجموعة التوحيد:232
(2)
المرجع السابق
(3)
الاعراب: 180
(4)
المؤمنون: 109
(5)
الانبياء: 83-84
(6)
البقرة: 45
أمر هرع إلى الصلاة فإنها أعظم التقرب إلى الله عز وجل.
النوع الثالث: بالتوحيد والإيمان، قال تعالى:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (1) وقال: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (2) وقال عن المؤمنين: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} . (3) وقال: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (4)
النوع الرابع: التوسل بالتسبيح:
قال تعالى في قصة يونس عليه السلام: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} . (5) فالله نجاه وقبل دعوته بتسبيحه
النوع الخامس: التوسل بذرك الأعمال الصالحة السالفة عند نزول الضر كشفه، روي البخاري ومسلم وغيرهما ـ واللفظ للبخاري ـ عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم " بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون فإذا أصابهم مطر فآووا إلى غار، فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: أنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما علم أنه قد صدق فيه".
فالوسيلة المأمور بها هي الأعمال الصالحة (6)، كما قال عز وجل اخبارا عن المؤمنين:{رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} . (7)
(1) الأنبياء:87،8
(2)
المائدة:83
(3)
آل عمران:193
(4)
آل عمران:16-17
(5)
الصافات:144
(6)
الدرر السنية جـ 1 ص144
(7)
آل عمران:16
النوع السادس: التوسل بحمد الله والصلاة على رسوله:
روى الترمذي عن فضالة بن عبيد وقال حديث حسن صحيح ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته فلم يصل على رسول الله صلى الله لعيه وسلم فقال " عجل هذا، فدعاه" قال له او لغيره " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والصلاة على رسوله، ثم ليدع بعد بما يشاء".
النوع السابع: التوسل بالقرآن:
روي عن ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} .وفاتحة سورة (آل عمران) ".وروي أيضا عن القاسم قال "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سور ثلاث: البقرة، وآل عمران، وطه".
النوع الثامن: التوسل بالصدقة، وقد كان بعض العلماء يفعله لقبول الدعوة، ويستدل بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة} (1) فإذن الصدقة من صالح الأعمال.
النوع التاسع: التوسل بالتضرع والخشية والخشوع:
قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (2) وقال بعد أن ذكر إجابته للأنبياء {كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} . (3)
النوع العاشر: التوسل بالاسرار والاخفات بالدعوة:
(1) الممتحنة: 12
(2)
الاعراف: 55
(3)
الانبياء: 90
(4)
مريم: 4-6
النوع الحادي عشر: التوسل بدعاء الصالحين:
كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري وغيره أن الصحابة كانوا إذا أجدبوا توسلوا بالعباس بن عبد المطلب وقال عمر في عام الرمادة " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فاسقنا".
فيسقون واستسقى معاوية بن ابي سفيان بالأسود بن يزيد وقد ذكر الفقهاء استحسان ذلك في باب صلاة الاستسقاء" (1) .
فالاستغاثة من أنواع العبادة وصرفها لغير الله شرك ويقول في ذلك:
" أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله..من أنواعها الدعاء والاستغاثة والاستعانة وذبح القرابين والنذور والخوف والرجاء
…
" (2) ويسوق الأدلة من القرآن على كل نوع من أنواع العبادة فيقول عن الاستغاثة والاستعانة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) ودليل الاستغاثة قوله تعالى: {ِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} (4) .
ثم يستطرد في توضيح حكم من يشرك في أنواع العبادة السابقة الذكر أحداً فيقول:" فمن صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فقد اتخذ ربا والها وشارك مع الله غيره وأو يقصده بغير ذلك من أنواع العبادة نقد تقدم من الآيات ما يدل على أن هذا هو الشرك الذي نهى الله عنه". (5) فقد بعث الله رسله وأنزل كتبه ينهى أن يدعي أحد غيره ولا من دونه ولا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة وهذا هو دين جميع الرسل ثم يقول:"لم يختلفوا فيه كما اختلفت شرائعهم في غيره."(6)
ويقسم ابن عبد الوهاب أنواع الدعاء التي تقع في أهل زمانه إلى:
(1) سليمان بن سحمان النجدي ـ الهدية السنية ص 46
(2)
الدرر السنية جـ 1 ص 91
(3)
الفاتحة:5
(4)
الأنفال:9
(5)
الدرر السنية جـ 1 ص 92
(6)
الدرر السنية جـ 1 ص 144
(1)
النوع الأول: دعاء الله وحده لا شريك له الذي بعث به رسوله.
(2)
النوع الثاني: أن يدعو الله ويدعو معه نبيا أو وليا، ويقول أريد شفاعته وإلا فأنا أعلم ما ينفع ولا يضر إلى الله لكن أنا مذنب، وأدعو هذا الصالح لعله يشفع لي فهذا الذي فعله المشركون، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتركوه ولا يدعوا مع الله أحدا لا لطلب شفع ولا نفع.
(3)
النوع الثالث: أن يقول:" اللهم أني أتوسل إليك بنبيك أو بالأنبياء أو لصالحين فهذا ليس شركا ولا نهينا الناس عنه، ولكن المذكور عن أبى حنيفة وأبي يوسف وغيرهم انهم كرهوه ولكن ليس مما نختلف نحن وغيرنا فيه". (1)
(1)
نخلص مما سبق إلى أن هناك أقساما من التوسل جائزة وصحيحة ولب هذا التوسل كأن لا يعتقد تأثيرا ولا خلقا ولا إيجادا ولا نفعا ولا ضرا إلا الله وحده لا شريك له ولا يعتقد تأثيرا ولا نفعا ولا ضرا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لغيره من الأحياء والأموات فلا فرق في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والمرسلين وكذا بالأولياء، والصالحين لا فرق بين كونهم أحياء أو أمواتا لأنهم لا يخلقون شيئا وليس لهم تأثير في شيء وإنما يتبرك بهم لكونهم أحباء الله تعالى.
(2)
إن التذرع بالتبرك والتوسل فتح باب فتنه للعوام وبعض الخواص في أهل القبور وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء أنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله ويفعلون ما لا يفعله إلا الله عز وجل حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم فأخذوا يعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع.
(3)
أن مجرد عدم اعتقاد التأثير والخلق والإيجاد والعدم والنفع والضر إلى الله لا يبرئ من الشرك فإن المشركين الذين بعث الرسل إليهم أيضا كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرزاق، بل لا بد فيه من إخلاص توحيده وإفراده في كل أنواع العبادة التي من بينها الاستغاثة والتوسل.
(1) الدرر السنية جـ 2 ص 43
(4)
أنه يجوز أن يستغيث بالمخلوق الحي فيما يقدر على الغوث فيه مثل أن يستغيث المخلوق ليعينه على حمل حجر أو يحول بينه وبين عدوه أو يدفع عنه لصا..ومن ذلك طلب الدعاء لله تعالى من بعض عباده لبعض وهذا لا خلاف في جوازه والاستغاثة الواردة في حديث المحشر من هذا القبيل، وإسناد الإغاثة هنا تكون من قبيل العمل والكسب لا الخلق والإيجاد.
(5)
أن يستغاث بمخلوق ميت أو حي فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وهذا هو الذي رفضه ابن عبد الوهاب ويقول فيه أهل العلم والتحقيق أنه غير جائز ويوصل إلى الشرك.
وصفوة القول عندي فيما يتعلق بالتوسل أن الله تعالى شرع العبادة لذاته تعالى بلا شريك أو وسيط وبين أنه الخالق النافع الضار وعلى الإنسان أن يحقق كمال العبودية لله تعالى في توحيد الألوهية والربوبية، فلا جرم أن ابن عبد الوهاب أصاب لب الحقيقة في تقريره عدم جواز طلب العبد من العبد شيئا حيا كان أو ميتا شيئا لا يملكه إلا الله، أما شبهة القائلين بان التوسل هو التوجه بالطلب إلى الله عن طريق أحد أوليائه التماسا للإجابة من الله. فقول مردود بأكثر من وجه:
الوجه الأول: أن الله تعالى أمر العباد بتوجيه الطلب المباشر إليه {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} .ولو كان توجيه الطلب عن طريق نبي أو ولي أو ملك مقرب مما يرضاه الله أو يكون سببا في إجابته الدعاء لحث على ذلك وندب إليه وهو ما لم يرد نص في كتاب الله.
الوجه الثاني: أن الله تعالى على ما وصف به نفسه في كتابه وعلى ما وصف به رسوله صلى الله عليه وسلم اقرب إلى الإنسان من حبل الوريد وأعلم بسره وجهره منه وأرحم به من والديه بل من نفسه التي بين جنبيه فأي عاقل يترك توجيه السؤال إلى الرب القريب الرحيم المجيب ويتخذ له وسيطا في الطلب والدعاء؟.
الوجه الثالث: أن التوسل بمخلوق على أنه صالح وولي هو تزكية لمخلوق على الله وقد نهى الله عن ذلك ووصف المؤمنين بأنهم لا يزكون على الله أحداً، من يدعي الصلاح ويزين للناس التبرك به والتوسل فحسبه قول الله:{فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} . (1)
(1) النجم: 32