المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: النبوات - الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

[آمنة محمد نصير]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حيَاتهُ وَمؤلفَاتهُ وَعصرُه وبيئتهُ

- ‌الفصل الأول: حياته ومؤلفاته

- ‌الفَصْل الثَاني: عصره وبيئته

- ‌الباب الثاني: المعالم الرئيسية لفكره ومنهجه

- ‌الفصل الأول: موقفه بين الاجتهاد والتقليد

- ‌الفصل الثاني: اهتمامه بالربط بين العلم والعمل

- ‌البَابُ الثَّالِث: مَوقفهُ مِنَ الغَيبيَّات

- ‌الفصل الأول: الذات والصفات

- ‌الفصل الثاني: النبوات

- ‌الفصل الثالث: البعث والجزاء

- ‌الباب الرابع: التصوف وصلته بالعقيدة

- ‌الفصل الأول: موقفه من التصوف

- ‌الفصل الثاني: التفرقة بين جوهر التصوف وأشكاله

- ‌الفصل الثالث: موقفه من التوسل

- ‌الباب الخامس: نظرته إلى دور العقيدة في بناء الفرد من خلال الجماعة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: مفهوم الجماعة المسلمة وكيف تتكون، ومدى ارتباط الإيمان بالتزام الجماعة

- ‌الفصل الثاني: التكفير وما يخرج عن الإسلام

- ‌الفصل الثالث: الجهاد في سبيل الله كركن من أركان العقيدة

- ‌الباب السادس: آثاره في الفكر والسياسة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: أثره في الفكر الإسلامي

- ‌الفصل الثاني: أثرة في السياسة

- ‌خاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الثاني: النبوات

‌الفصل الثاني: النبوات

الموضوع الثالث من مسائل الغيبيات الذي نتناوله الآن لدى ابن عبد الوهاب هو: النبوات. ومسألة النبوة وإرسال الأنبياء إلى الخلق مبشرين ومنذرين ما هو إلا جانب من وعد الله للناس ولطفه بخلقه وتبصيرهم لأمور الدين والدنيا والرجوع بالإنسان إلى منابع الإيمان الأصلية كلما زحزحته عنها الحياة أو بواعث الهوى، ثم هو وعد من الله حيث يقول تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (1) وعدد الأنبياء والرسل لا يحصيهم إلا الله سبحانه {رُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} (2) .

فأنبياء الله تعالى ورسله إلى البشر قسمان:

نبي يبثه الله تعالى إلى قومه لهدايتهم إلى الحق ورسوله يبعثه الله بكتاب إلى قومه لهدايتهم إلى الحق ودعوتهم إلى عبادة الله وحده وهي دعوة جميع الرسل والأنبياء على مر العصور يقول تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) وهذا الأمر في اختصاص الله وحده بالعبادة واجتناب الطاغوت في جميع أشكاله وألوانه حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد ذلك

(1) الإسراء: 15

(2)

النساء: 164

(3)

النحل: 36

ص: 121

يقول تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (1) .

هذه الحقائق في حق إرسال الأنبياء والرسل يطالب بها ابن عبد الوهاب أن تكون من واجب كل مسلم ومسلمة الوقوف عليها فيقول: (اعلم رحمك الله أنه واجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم ثلاث مسائل الأولى: أن الله خلقنا ولم يخلقنا عبثا، ولم يتركنا هملا، بل أرسل إلينا رسولا ومعه كتاب من أطاعه فهو في الجنة، ومن عصاه فهو في النار والدليل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} (2)

المسألة الثانية: إن أعظم ما جاء به هذا الرسول أن لا يشرك مع الله في عبادته أحدا، والدليل قوله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (3)

المسألة الثالثة: يحذر ابن عبد الوهاب من معاداة الإنباء والرسل لأنهم من اختيار الله واصطفائه والدليل قوله تعالى (4){اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} (5)

ثم يحذر ابن عبد الوهاب أن من يعبد الله لا يجوز له موالاة أعدائه حتى ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم او عشيرتهم، ولكن الواقع أن معاداة الأنبياء والمرسلين ظاهرة مع كل نبي ومرسل على مر العصور، ومطالتبهم دائما بأشياء شاقة وغير عادية، ولذلك ساند الله سبحانه وتعالى أنبياءه بالمعجزات، ويقول الله تعالى:{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} . (6)

(1) النساء: 165

(2)

المزمل: 15.16

(3)

الجن: 18

(4)

الحج:75

(5)

مجموعة التوحيد ـ المسائل الثلاث ـ ص259 وكذلك عبد الله الرويشد ـ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ جـ 1 ص357

(6)

يس: 52

ص: 122

فقد سانده الله تعالى ثم أيده بالطوفان، وكانت معجزة إبراهيم أن قلبه خلا من كل ما سوى الله.. وأنه ألقي في النار فكانت بردا وسلاما عليه، وكامن معجزة موسى عصا تتحول إلى حية جبارة، وكانت معجزة عيسى إحياء الموتى وكانت معجزة محمد كتابا هو القرآن وخلقا هو القرآن وعند هذه المعجزة نقف برهة بعد بيان بشرية الأنبياء.

وإلى جانب معجزة القرآن أيده الله بعلامات النبوة التي أعجزت الكفار وأدهشتهم مثل انشقاق القمر ومعراجه على السماء، إلى سدرة المنتهى وكفاية الله له من أعدائه وعصمته من الناس وإجابة دعائه، وإعلامه بالغيبيات الماضية والمستقبلية وتأثيره في تكثير الطعم والشراب وغيره من المعجزات التي وردت في كتب السيرة والتراجم.

بشرية الأنبياء وحكمة الله فيها:

يبين عبد الوهاب حكمة الله في إرسال الأنبياء والمرسلين من البشر عملا بقوله تعالى: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (1) حتى تتوافر الالفة ويحدث التقارب هذا من ناحية ومن ناحية الاخرى حتى يكون للمعجزة التي يجريها الله على يد نبيه لها معنى لكي تفوق بلوم المعجزة على يد ملك ليس بغريب ويقول الله تعالى في هذا الشأن {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} (2) .

أي خلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدرون الملك هو أم آدمي؟

ثانيا: بشرية الأنبياء اقتضت أن تكون صفاتهم هي عين الصفات التي يتحلى بها البشر من حيث أنهم أكمل الخلق علماً وعملاً وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقا لأن الله اختارهم وخصهم بفضائل لا يلحقهم فيها أحد وبراهم من كل خلق رذيل ويجب محبتهم وتعظيمهم ويحرم الغلو فيهم ورفعهم

(1) المؤمنون: 24

(2)

الانعام: 9

ص: 123

فوق منزلتهم، ويجوز في حقهم شرعا وعقلا النوم والنكاح والأكل والشرب والجلوس والمشي والضحك وسائر الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم الصلبة (1) .

ثالثا: بشرية الأنبياء لا تؤدي إلى نقص في تبليغ الأحكام ـ وقد تمتد إليهم أيدي الظلمة وينالهم الاضطهاد وقد يقتل الأنبياء كما أخبر الله بذلك في كتابه بقوله سبحانه {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} (2) .

رابعا: يندد ابن عبد الوهاب بالذين يدعون لأنفسهم أكثر مما يكون لدى الأنبياء فيقول: (تبرؤ الرسل من دعوى أن عندهم خزائن الله أو علم الغيب، مع أن الطواغيت في زمننا ادعوا ذلك وصدقوا وعبدوا لأجل ذلك)(3) .

خامساً: يؤكد ابن عبد الوهاب أن من بشرية الأنبياء بأن ليس لهم الأمر شيء فيقول (التحقيق بكون المخلوق ليس له من الأمر شيء ولو كان نبياً مرسلا، لسبب ما فيها من قصة ابن نوح)(4) .

سادسا: إن الذي عليه المحققون من العلماء من الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية أن الأنبياء معصومون من الكبائر وأما الصغائر فقد تقع منهم لكنهم لا يقرون عليها بل يتوبون منها ويحصل لهم بالتوبة منها أعظم مما كان قبل ذلك وجميع أهل السنة والجماعة متفقون على أنهم معصومون في تبليغ الرسالة ولا يجوز أن يستقر في شيء من الشريعة خطأ باتفاق المسلمين (5) .

سابعا: إنه لا ينكر إصابة الشيطان للأنبياء بما لا يقدح في النبوة لقوله تعالى: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} مع قوله {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} (6) .

(1) ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ ص 623 وكذلك مجموعة التوحيد ص 395

(2)

آل عمران: 112

(3)

ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ 622

(4)

المرجع السابق.

(5)

الدرر السنية ـ كتاب العقائد ـ جـ 1 ص141

(6)

الكهف: 63

ص: 124

ثامنا: شدة الحاجة على تعلم التوحيد. فإذا كان الأنبياء يحتاجون إلى ذلك ويحرصون عليه، فكيف يغيرهم ففيها رد على الجهال الذين يعتقدون أنهم عرفوه فلا يحتاجون إلى تعلمه (1) .

ثم يقول (ما عليه الإنسان من البشرية ولو كان نبيا وذلك من أدلة التوحيد)(2) .

تاسعا: يجوز الإجارة على النبي بخلاف قول كثير من الفقهاء من منعهم الإجارة بالطعام والكسوة وأن مهمة الرعي لا تنقص (كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما بعث الله نبيا إلا رعى لغنم)(3) .

عاشراً: الترحم على الأنبياء، وأنه لا ينقص من قدرهم بل هو من السنة (4) .

بعد هذا العرض والتحليل لموقف ابن عبد الوهاب من مسألة النبوة ومدى حاجة البشرية لها على مر العصور، حتى خاتم النبيين جاء بالرسالة الكافية الشافية لأمور الدين والدنيا، ثم أوضحنا رأيه في بشرية الأنبياء وضرورتها لتتلاءم مع المهمة التي أرسلهم الله من أجلها، وتعرضهم للأذى والاضطهاد من شعوبهم على طول فترات التاريخ، وكان وعد الله لأنبيائه ورسله بتأييدهم بالمعجزات ونصرهم بخوارق الأمور، وهذا ما سنتناوله بالإيضاح والتفصيل.

المعجزة:

تعريف المعجزة:

المعجزة في اللغة اسم فاعل من الاعجاز مصدر للفعل (أعجز) يقال: عجز فلان عن الأمر، وأعجزه الأمر إذا حاوله فلم يستطعه، ولم تتسع له مقدوراته وجهده.

(1) ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ 663

(2)

ابن غنام ـ 633 ـ 634

(3)

ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ ص647

(4)

ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ ص634

ص: 125

والمعجزة في لسان الشرع أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة (1) .

والمعجزة: أما حسية، تجابه الحواس، تتحدى القدر.... من هذا النوع، أي أنها كانت تقع في مجال الحس، وخاصة حاسة النظر، حيث أنها في هذا المجال تتكشف للناس على صورة تكاد تكون واحدة، لا اختلاف عليها بينهم لأن الناس لا يختلفون اختلافا بعيدا في مدلول ما يقع للحواس الأخرى من مسموعات، ومذوقات، ومشمومات، وملموسات.

يقول السيوطي: (وأكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسية

لبلادتهم، وقلة بصيرتهم

وأكثر معجزات هذه الأمة ـ الإسلامية عقلية لفرط ذكائهم، وكمال إفهامهم ـ ولأن الشريعة لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة، خصت بالمعجزة العقلية الباقية.. ليراها ذوو البصائر) (2)

وتتعدد المعجزات وتختلف كما هو معروف من تاريخ الأديان ونصوص الكتب المقدسة، أن كل نبي كان يحمل بين يديه إلى قومه آية صدقه في معجزة يلقاهم بها، متحديا على صورة لم يسبقة إليها أحد من قبل، ولم ينكشف للناس شيء من وجهها قبل أن تطلع عليهم، قاهرة متحدية.. بل إن بعض الأنبياء كان يحمل إلى قومه أكثر من معجزة ويجيء إليهم بأكثر من دليل يدل على أنه مرسل من عند الله، وهذه المعجزات التي بين يديه هي شهود عدول على صدق ما يقول، وما يدعي.

فموسى عليه السلام حمل لبني إسرائيل عصا كانت تتفجر منها المعجزات يلقى بها من يده فتنقلب حية تسعى، ويضرب بها البحر فينفلق إلى جانب تلك العصا ومعجزاتها معجزة أخرى هي يده يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء. (3)

(1) السيوطي ـ الاتفاق في علوم القرآن ـ جـ2 ص 116

(2)

المرجع السابق

(3)

ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ ص651

ص: 126

ثم معجزاته سوق آيات النقمة والبلاء على فرعون وقومه. {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلات} (1) .

وعيسى عليه السلام كان معجزته في يده، وفي فمه، واختلاف المعجزات في أجيال الناس مما اقتضته دواعي الحكمة التي جاءت المعجزات من أجلها. لهذا كان من تدبير الحكيم العليم القادر أن يكون في يد كل نبي دليل صدقه الذي لا يشاركه فيه غيره، وأن تكون معجزته التي يلقى بها الناس فريدة لم تقع في خاطر ولا تجول في تفكير.

وإذا كان لكل نبي آياته ومعجزاته التي يؤيد بها دعوى نبوته ورسالته، فما هي المعجزة أو المعجزات التي جاء بها "محمد" بين يدي رسالته.. لتقطع على الناس طريق الشك فيه، وفيما يدعيه لا شك أن معجزته صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم كما ورد في القرآن ذلك في قوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (2) .

فهذه الآية صريحة في قطع الكافرين عن البحث في آيات أخرى غير القرآن {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (3) .

وجوه إعجاز القرآن:

قبل أن نتحدث عن وجوه إعجاز القرآن ينبغي أن نقول أنه الوثيقة التي يقال عنها أنها القرآن الذي نزل على محمد.

ونسوق نصل للباقلاني يبرز فيه بعض وجوه إعجاز القرآن فيقول: " الذي يوجب الاهتمام التام بمعرفة إعجاز القرآن، أن نبوة نبينا عليه السلام بنيت على هذه المعجزة، وإن كان أيد بعد ذلك بمعجزات كثيرة"(4)

وفي موضع آخر يقول: " فأما دلالة القرآن فيهي معجزة تامة، عمت

(1) الاعراف: 133

(2)

العنكبوت: 50-51

(3)

الشعراء: 197

(4)

أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني اعجاز القرآن ـ ص10

ص: 127

الثقلين وبقيت بقاء العصرين، ولزوم الحجة بها في أي وقت منذ وجودها إلى يوم القيامة" (1) .

1.

وأبرز ما يلفت النظر ويستدعي الإنصاف أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يكتب ولا يقرأ وكذلك كان معروفا من حاله أنه لم يكن يعرف شيئا من كتب المتقدمين وأقاصيصهم وأنبائهم وسيرهم، ثم أتى بجملة ما وقع وحدث من عظيمان الأمور ومهمات السير من حين خلق آدم عليه السلام، إلى حين مبعثه.

2.

إن القرآن يتضمن الإخبار عن الغيب، وذلك مما لا يقدر عليه البشر، ولا سبيل لهم إليه (2) .

3.

إنه بديع النظم، عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي عجز الخلق عنه، ويقول في ذلك عز وجل:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا} (3) .

فالقرآن الكريم معجز في تاريخه دون سائر الكتب معجز في أثره الإنساني، معجز كذلك في حقائقه إلى يوم القيامة وفي هذا يقول الإيجي: " لا يجد الباطل إليه سبيلا.. ولا يتطرق إليه نسخ.. أي لا ينتهي حكمه بعد زمانه عليه السلام وذلك لانقطاع الوحي وتقرر أحكامه إلى يوم القيامة، ولا تحريف في أصله) (4) .

فابن عبد الوهاب تستدل ويؤكد نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من معجزة نزول القرآن الكريم قرآنا يتلى عجز الخلائق عن الإتيان بمقله ولا بآية منه نثبت به

(1) المرجع السابق ص10

(2)

المرجع السابق ـ ص48، مصطفى صادق الرافعي ـ أعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص7.ص175

(3)

الاسراء:88

(4)

عضد الدين الإيجي ـ المواقف ـ ط1 ص21، مصطفى صادق الرافعي ـ إعجاز القران والبلاغة النبوية ـ 175 وكذلك عبد الكريم الخطيب ـ اعجاز القرآن ـ ص174 ط. أولى

ص: 128

عجز الخلق أمام الخالق وما زال هذا الإعجاز يتجلى كل يوم وسيظل كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها لتتم به حجة الله على عباده منذ دعهم وتحداهم به، فيقول (وأعتقد أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده)(1) .

وفي موضع آخر يقول (وأومن بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، ولا يصلح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته)(2) .

ويستنبط بن عبد الوهاب من سور القرآن الكريم على ثبوت نبوته صىل الله عليه وسلم مثال سورة المسد (3) ، والعلق (4) ، وفي سورة القصص في تفسيره {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .

يستخلص ابن عبد الوهاب منها:

1.

التنبيه على جلالة القرآن وعظمته وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم الأمي بأخبار السابقين.

2.

التنبيه على وضوح القرآن " الحق".

3.

فيه علامة من علامات نبي الاسلام عليه السلام.

فابن عبد الوهاب يؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأن معجزة القرآن ونزوله خص بها النبي الأمين وأن القرآن الكريم كلام الله منزل غير مخلوق، وأنه أعجز الخلائق عن الإتيان بمثله ولا بآية منه وأنه يؤمن بأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأنه أعلى مراتب البشر، أقر بهذه الحقائق جميعا في إطار الشرع ومنهج السلف دون إخلال يؤدي إلى بدعة من البدع التي انتشرت في عهده وخاض معارك فكرية وحربية ضارية للقضاء عليها.

(1) الدرر السنية ـ كتاب العقائد جـ 1 ص28

(2)

المرجع السابق ص29

(3)

ابن غنام ـ تاريخ نجد ص677

(4)

المرجع السابق ص667

ص: 129

رفض ابن عبد الوهاب الإسراف في تحميل الأشخاص صفات وأحوال لا يجوز للبشر المغالاة فيها إلى حد يدخل صاحبه في الشرك فيقول للذين أسرفوا في رفع رتبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى حد يبعده عن بشريته:" هاجر إلى المدينة وبها توفي، ودفن جسمه وبقي علمه، نبي لا يعبد ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع"(1) .

ويؤكد ابن عبد الوهاب طاعة الرسول بقوله: (إن كل عمل على غير اتباع الرسول غير مقبول" (2) .

وقد هوجم ابن عبد الوهاب اشد هجوم على موقفه هذا ورمي بأشياء كثيرة منها:" وأما ما يكذب عليها سترا للحق، وتلبيسا على الخلق، بأننا نفسر القرآن برأينا، ونأخذ من الحديث ما وافق أفهامنا، من دون مراجعة شرح ولا معول على شيخ، وإنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: النبي في قبره، وعصا أحدنا انفع له منه، وليس له شفاعة أو أن زيارته غير مندوبة وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى نزل عليه {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} مع كون الآية مدنية. (3) إلى آخر ما أورده من المفتريات والتي يرد عليها بقوله:(وصورة الأمر الصحيح أني أقول ما يدعي إلا الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى في كتابه: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} (4) وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} (5) .

فابن عبد الوهاب يلتزم في اثبات النبوة للأنبياء والمرسلين كما أخبر الله عنها في كتابه وكما ورد عن نبيه صلى الله عليه وسلم دون اسراف أو تقديس لأصحاب النبوات صلوات الله عليهم يخرجهم عن بشريتهم أو يطلب منهم ما لا يطلب إلا من الله وحده الخالق الرزاق، وأن القرآن الكريم معجزة المعجزات في معناه ومغزاه ولفظه ووضوحه إلى يوم القيامه لأنه منزل من لدن حكيم عليم.

(1) سليمان بن سحمان النجدي ـ الهدية السنية والتحفة الوهابية ص 46

(2)

ابن غنام ـ تاريخ نجد ـ ص608

(3)

سليمان بن سحمان ـ الهداية السنية ـ ص46

(4)

الجن:18

(5)

الجن:21

ص: 130