الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: التكفير وما يخرج عن الإسلام
التكفير: رمي إنسان بالكفر بعد الإسلام. وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يرمي المسلم أخاه المسلم بالكفر بقوله: أيما مسلم قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. واستدل الفقهاء من ذلك علي أن من كفر مسلما فقد كفر.
وعند النظر الدقيق في تقسيم القرآن لمجتمع المدينة إلى مؤمنين وكافرين ومنافقين واختصاص كل طائفة بذكر وحكم خاص بها يتضح لنا أن رمي من أسلم وأظهر الإسلام بالكفر ممتنع شرعا حتى ولو كان منافقاً. ذلك أنه لوعد بنفاقه كافراً لما ورد النص على نعت المنافقين وتخصيصهم بهذا الوصف ولأصبح الأمر يدور بين الإسلام والكفر ولا ثالث بينهما.
وإسلام المرء مرهون بنطقه بالشهادتين، فإن شهد فقد اكتسب وصف المسلم وكل فريضة بعد ذلك من صلاة وزكاة وحج وصوم مفروض هي من واجباته كمسلم أي أنه مسلم قبل أن يأتيها، وآداؤه لهذه الفرائض ظاهراً يجزي عنه سواء كان مخلصاً في آدائها أو مرائيا، وحسابه على الله.
وقد ثبت بالخبر المتواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقي بيعة نفر من أهل المدينة على الإسلام وهم منافقون مردوا على النفاق فلم يحاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستجلي سرائرهم أو ينقب عن أحوالهم بل وكلها إلى الله الذي أنزل عليه قرآنا يتلى في شأنهم {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} . (1)
(1) التوبة:101
وبعد أن ثبت بالخبر القرآني وجود نفر من المنافقين في المدينة، وبعد أن فضحهم الله وأخرج أضغانهم ونبأ رسوله أنهم يتآمرون على الجماعة الإسلامية ويسرون بالمودة إلى الكافرين ويقولون لهم {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (1) بعد ذلك كله لم يجابه رسول الله واحدا منهم بأنه منافق بل ظل يؤمهم مع المسلمين في الصلاة ويعاملهم كمسلمين وحتى لما افتضح كبيرهم عبد الله بن أبى بن سلول وخاض مع الخائضين في حديث لإفك وما تلاه. وهم بعض الصحابة بقتلة وتقدم ابنة معبرا عن ذلك بقوله:
ائذن لي يا رسول الله بقتله فإني أكره أن يقتله غيري فلا تطيب نفسي برؤيته فأقتله فأكون قد قتلت مؤمنا بكافر.
نقول حتى بعد ذلك كله أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمس أحدا هذا المنافق بسوء قائلا: لا تفعل فيقال أن محمداً يقتل أصحابه.
وسياق هذه القصة قاطع في أن الإسلام بالشهادتين يدخل العبد ساحة الجماعة الإسلامية أما نيته فمردها إلي الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم":بعثت هاديا لا منقبا عن قلوب الناس" وكما قال لخالد بن الوليد وقد قتل رجلا ينطق بالشهادتين معتذرا عن ذلك بأن نطقه كان خوفاً فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم:"فهلا شققت عن صدره".
وقد خلت سنوات السلف في الصدر الأول طوال خلافة الشيخين أبى بكر وعمر والمسلمون على هذا النهج لا يكفر أحدهم أخاه بمعصية يرتكبها أو بنية يستبطنها إلي أن لفتهم الفتنة الكبرى بدءا بمقتل عثمان رضي الله عنه ثم خروج معاوية علي الإمام على رضي الله عنة وسير الأحداث من بعد إلي التحكيم وما وقع فيه من خديعة لصالح معاوية فقد نتج عن ذلك رد فعل ملئ بالأسى لدى بعض أنصار أمير المؤمنين علي فابتدروا إلى تكفير معاوية والحكمين بما ارتكبوه من خديعة وافتراء ودعوا عليا رضي الله عنه إلى القول معهم بكفر خصومه
(1) سورة الحشر. آية:11
فأبي رضوان الله عليه فقهاً منه بدينه أن يكفر أحدا بذنب ولو كان في شناعة ذنب معاوية ومن لف لفه. فإذا بأنصار علي المطالبين بإكفار الحكمين ومعاوية يضيفون إلى قائمة الأكفار علياً نفسه ثم سائر الصحابة وكانت فتنة الخوارج ولم يخل مذهب من المذاهب المعتبرة من تسفيه رأيهم وبيان فساده.
ولا تكاد فتنة التكفير أن يطويها مر السنين وتعاقبت القرون حتى تعود من جديد فتطل على المسلمين من خلال ما تبادله من خصوم الوهابية وأنصارها من سهام تكفير بعضهم بعضا وليس من مهمتنا أن نبين أي الفريقين هو المسؤول عن إيقاظ فتنة التكفير إلا بالقدر الذي نستظهر فيه الموقف الفكري لمحمد بن عبد الوهاب من هذه المسألة.
وموقف محمد بن عبد الوهاب واضح مفصل في كتابه"التوحيد"الذي ألفه في مطلع حياته الفكرية لدى وجودة في البصرة، ويعتبر هذا الكتاب بحق مرآة فكرة وترجمان عقيدته واعتقاده وعلى هذا الكتاب توفر سائر اتباعه بالشرح والتعليق وفيه يقول حفيده عبد الرحمن بن حسن: فصنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضل تصنيفه القريب والبعيد أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث. (1)
وأول ما يستدعي الباحث لدي مطالعة كتاب التوحيد أن مؤلفة يعالج قضايا التوحيد في ذاتها بحديث موضوعي يستهدف إضاءة جوانب هذه القضايا وضبط المعايير التي تحكم مفاهيمها وما هو أصيل فيها وما هو دخيل عليها.
وليس في هذا التحديد الموضوعي أية محاولة للحكم علي شخص بعينه أو جماعة بذاتها الأكفار.
ويسترعي انتباه الباحث كذلك أنه عالج قضايا التوحيد بإيراد النصوص الدالة على وجوب عبادة الله تعالى وحده ثم بيان مفهوم العبادة في الاعتقاد والسلوك وتحديد ما يعد من وجوه العبادة فلا يتوجه به إلا لله تعالى، وهو في كل ذلك لم يعد إيراد النص القرآني وما يجري مجراه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتصل به من فعل الصحابة الدال على فهم النص وتحديد مضمونه عملاً. ولا
(1) عبد الرحمن بن حسن ـ المقامات منشورة في الدرر السنية ج 9 ص 215
تكاد تحس بأثر للمصنف إلا من حيث ما يدل عليه استصحابه للنصوص وربطة بينها من فقه لمعني التوحيد الخالص. ذلكم هو كتاب التوحيد عمدة كتب محمد بن عبد الوهاب، وعلى نسقه جاءت مصنفاته الأخرى: إبداء النص الشرعي واستخلاص الحكم من مدلوله اللغوي على ضوء فهم الصحابة له وعملهم به دون اتهام لجماعة معينة بالكفر.
ولكن خصومه ومعارضيه لم يقفوا عند دائرة النصوص التي ساقها تحديدا لمعنى التوحيد وبيانا لحقوقه بل رأوا في إيراد الشيخ لهذه النصوص ما يحمل معني تكفير من يخالفها، وبدلا من أن يلتزموا دائرة البحث الموضوعي للوصول إلى وجه الحق في فهم هذه النصوص استبقوا إلى التشهير به ورمية بأنة يكفر المسلمين. وفي هذا الصدد يقول العاملى:
"والحاصل أن حكم الوهابيين بكفر وشرك جميع المسلمين هو أساس مذهبهم ومحوره الذي يدور علية ولا يتحاشون منه وكتبهم مشحونة بالتصريح به تصريحاً لا يقبل التأويل". (1) وقد سبق العاملي إلى ذلك غيرة أمثال أحمد زيني (2) وعلوي الحداد (3) وأخيه سليمان بن عبد الوهاب. (4) وجميل صدقي الزهاوي (5) .
وتقرأ النصوص التي أوردها الشيخ فتجدها ناطقة بأن مدار الإسلام على النطق بالشهادتين. فقد أورد حديث عبادة بن الصامت- رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. وإن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل"
1 الحسيني العاملي كشف الإرتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب ص 18،147
2 أحمد زيني دحلان. خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام:227
3 علوي بن أحمد الحداد. مصباح الأنام ص: 18
4 سليمان بن عبد الوهاب. الصواعق الإلهيه في الرد على الوهابية ص:36وهو شقيق محمد بن عبد الوهاب ويذكر بن غنام أنه تصالح عن معاداتة دعوته. انظر تاريخ نجد ص:142
5 جميل صدقي الزهاوي: الفجر الصادق ص 25
"أخرجة البخاري ومسلم. كما أورد حديثهما "فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله". (1) الأمر الذي يقطع بأنه التزم في المسألة بدلالة النص واتبع السلف في عدم القول بإكفار من نطق بالشهادتين. وأكد ذلك بما أورده بقوله:"إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف منافقين بأعيانهم ويقبل علانيتهم وبكل سرائرهم إلى الله". (2)
ولكن مجريات الأحداث بعد ذلك دفعت أنصار الشيخ وخصومه إلى تبادل الاتهام بإكفار بعضهم بعضا فهل كان ذلك يمثل من جانب الشيخ تحولا عن فكره الأول أم أن ذلك مجرد رد فعل للصراع الحربي الذي طال أمده فلجأ كل فريق إلى التشنيع على خصمه واستعمال سلاح التكفير في المعركة دون وزن للحجج والبراهين التي يثبت بها الكفر أو ينتفي.
وحتى نعرف وجه الحق في هذا التساؤل يلزمنا أن ندرك المدى الحقيقي لرد الفعل المصاحب للحروب الوهابية التي خاضها اتباع محمد بن عبد الوهاب دفاعا عن أنفسهم واستبقاء على حريتهم في أرضهم وعقيدتهم، وهي حروب اتصلت في الداخل والخارج. يكفي أن نعرف أن إمارة الرياض التي كان رأسها دهام بن دواس ظلت تقاوم الدرعية هجوما ودفاعا قرابة ثلاثين سنة وذكر أن عدد القتلى بينهم في هذه المدة نحو من أربعة آلاف رجل من أهل الرياض ألفان وثلاثمائة ومن المسلمين ألف وسبعمائة (3) فكيف بالحروب الأكبر والأخطر التي واحة فيها محمد بن عبد الوهاب واتباعه من بعده جيوش العراق تارة ومصر تارة؟ أخرى والتي أتصلت بعد موت محمد بن عبد الوهاب حتى تم تدمير الدرعية والقضاء علي الدولة السعودية الأولى على يد إبراهيم باشا الكبير عام 1233هـ (4) بعد أكثر من سبعين عاما من هجرة محمد بن عبد الوهاب إليها واتخاذها قاعدة لدعوته.
في أتون الحرب الضروس تداعت ردود الأفعال وكان كل فريق
(1) التوحيد ص 15 وما بعدها
(2)
الدرر السنية ج 7 ص 26
(3)
ابن بشر. عنوان المجد في تاريخ نجد ج 1 ص 77
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 275.
حريصا على النصر وعلى استخدام كل سلاح يؤدى به إليه. وللحق فقد بذل محمد بن عبد الوهاب جهدا واضحا للحد من آثار ردود الأفعال الناجمة عن الصراع على مفهوم القضايا والمسائل المتعلقة بالاعتقاد فسجل في رسائله إلى أمراء مكة المكرمة ما يدل على ذلك وأرسل من أتباعه من يناظر علماء مكة المكرمة وتفيض رسائله إلى أمراء مكة وعلمائها بتوقير أهل البيت وإجلالهم وإبداء الرغبة في النزول عند مقتضى الشرع من ذلك ما كتب به إلى شريف مكة عام1186هـ ردا على كتابه إليه".. المعروض لديك أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد.. أعزه الله فى الدارين وأعز به دين جده سيد الثقلين أن الكتاب لما وصل إلى الخادم وتأمل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف
…
ولما طلبتم من ناحيتنا طالب علم امتثلنا الأمر وهو واصل اليكم ويحضر في مجلس الشريف أعزه الله تعالى هو وعلماء مكة فإن اجتمعوا فالحمد لله تعالى على ذلك وإن اختلفوا أحضر الشريف كتبهم وكتب الحنابلة والواجب على كل منا ومنهم أن يقتصد بعلمه وجه الله ونصر رسوله" (1) وقد جرت المناظرة بين عالم نجد وعلماء مكة حول ثلاث مسائل: ما نسب إلى اتباع محمد بن عبد الوهاب من التكفير بالعموم وهدم القباب التي على القبور وإنكار دعوة الصالحين للشفاعة "فذكر لهم الشيخ عبد العزيز "موفد محمد بن عبد الوهاب " أن نسبة التكفير الينا زور وبهتان علينا" (2) .
ولم يأل محمد بن عبد الوهاب جهدا في التزام الموضوعية لدى توضيح مسائل التوحيد التي يراها قاعدة للإيمان نافياً ما نسبه إليه خصومه من أنه يكفر بالعموم ويوجب الهجرة إلى جماعتهم على من قدر على إظهار دينه ثم أوضح أنه "لا يكفر أحدا من المسلمين بذنب ولا يخرجه عن دائرة الإسلام "3 وإنما يبين حقيقة التوحيد بأقسامه وضده الشرك بأقسامه ويبين أنواع الكفر التي قد يقع فيها العباد ليحذروها حرصا على سلامة دينهم.
والكفر يقع لدى إخلال العبد بحق الله على وجه الجحود له أو إخلاله
(1) ابن بشر عنوان المجد. ج 1 تعليق المحقق ونص الرسالة هامش ص 76
(2)
ابن بشر. عنوان امجد المرجع السابق
(3)
الدرر السنية. ج 1 ص 30
بحق الرسول صلى الله عليه وسلم في لزوم اتباعه على وجه الاستهزاء والتكذيب.
وحق الله: توحيده، ولا يكتمل التوحيد إلا باكتمال أوصافه وهي عند ابن عبد الوهاب أنواع، إذ يرى أن التوحيد ثلاثة أنواع:
1-
توحيد الربوبية.
2-
توحيد الألوهية.
3-
توحيد الأسماء والصفات.
وإنها كلها مندرجة في شهادة التوحيد وأن ضد هذا التوحيد الشرك بأقسامه: الشرك الأكبر والشرك الأصغر والشرك الخفي وأن الوقوع في شئ من هذا الشرك يخرج الواقع فيه من الإسلام (1) .
وحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوب اتباعه فمن خالفه جاحدا برسالته أو مكذبا بها أو مستهزئا خرج من الإسلام 1هذان نوعان من أنواع الكفر التى حذر منها ابن عبد الوهاب وما نظن أحدا من ذوي العلم بالإسلام إلا حذر منها وعدا الواقع فيها كافرا.
يضاف إلى هذين النوعين من أنواع الكفر أنواع أخرى ذكرها ابن عبد الوهاب نجملها فيما يلي:
(1)
من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله الذي أظهرناه للناس وأقر أيضاً أن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر هي الشرك بالله ومع ذلك لم يلتفت إلى التوحيد ولا تعلمه ولا دخل له فيه ولا مدح الشرك ولا يزينه للناس.
(2)
من عرف التوحيد وأحبه وعرف الشرك وتركه ولكنه يكره من دخل في التوحيد ويحب من بقي على الشرك.
(3)
من سلم من هذا كله ولكن أهل بلده يصرحون بعداوة التوحيد واتباع
(1) مجموعة التوحيد - تفسير كلمة التوحيد ص 250
(2)
المرجع السابق نواقض الإسلام ص 271
أهل الشرك وساعون في قتالهم ويتعذر أو يشق عليه ترك وطنه فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بما له ونفسه فهذا أيضا كافرا (1)
ونحن نلمس في هذه الأنواع الثلاثة من أنواع الكفر التي ذكرها ابن عبد الوهاب مدى تأثره برد فعل العداوة التي حوصر بها وأتباعه ومحاولته إخراج العديد من المسلمين الذين وقفوا على الحياد في هذا الصراع عن حيادهم ليحددوا مواقفهم مع الحركة الوهابية أو مع خصومها.
ويبقى أن نقرر أنه رغم تأثر ابن عبد الوهاب بجو الصراع لدى تحديده أنواع الكفر فقد ظل في دائرة المنهج الموضوعي، إنه يحدد أنواعا للكفر ولا يرمي أناسا معينين به.
نأتي بعد ذلك إلى تبيان وجهة النظر في هذه المسألة:
وانطلاقا مما أسلفنا بيانه في مستهل هذا الفصل فإني أرى أن الإسلام منوط بشهادة: لا إله إلا الله. محمد رسول الله، فمن نطق بالشهادتين فقد أسلم، ولا يخرجه عن الإسلام معصية يرتكبها أو نية يستنبطها تخالف ما أعلنه.
ذلك هو الإسلام الذي قبله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس وخلت الأيام بالسلف عليه.
فالحديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن قالوها فقد عصموا منى دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
من ذلك يتبين أننا أمام أمور ثلاثة:
الأول: الإسلام الذي يدخل به الإنسان في إطار الجماعة الإسلامية ويستحق به وصف المسلم وتثبت له به حقوق المسلم وتجب عليه واجباته.
الثاني: الإسلام الذي يقبله الله من العبد ويكتب له به الجنة.
(1) ابن غنام ـ تاريخ نجد ص: 439
الثالث: حكم المسلم عند الإخلال بالحقوق المترتبة عليه بوصف أنة مسلم وهي حقوق: لا إله إلا الله المشار إليها في الحديث: إلا بحقها.
الأول
الإسلام الذي يدخل به العبد في الجماعة الإسلامية ويستحق به وصف المسلم. شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله فمن نطقها بإرادة الدخول في الإسلام فهو مسلم. آمن قلبه أم لم يؤمن. دليل ذلك الإذن للأعراب بأن يقولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} 1.إلى غير ذلك من الأدلة التي أشرنا إليها في مفتتح هذا الفصل.
الثاني
الإسلام الذي يقبله الله من العبد طريقا إلى الجنة: هو أن ينطق بالشهادتين مخلصا وهنا يجتمع القلب واللسان معا وعمل القلب مرجعة إلى الله وحده فليس كل من أسلم في عالم الناس كتب في عالم الغيب عند الله مسلماً.
الثالث
حقوق لا إله إلا الله محمد رسول الله وحكم الإخلال بها:
متى أسلم المرء ترتبت عليه حقوق وواجبات سواء كان مخلصاً في إسلامه أو منافقا، فإن قصر في آداء هذه الحقوق أو تراخى عوقب على تقصيره وأجبر على الأداء، وكان عقابه إجباره بوصف أنه مسلم حتى لو وصل هذا العقاب إلى إهدار دمه في حد من الحدود الموجبة للقتل فهو يقتل بوصف أنة مسلم محدود ولا يخرجه عن القتل حداً عن الإسلام إلا أن يرتد بكفر صريح.
ومتى كان ذلك كذلك فليست بنا حاجة إلى القول بكفر من أخل بحق
1 الحجرات آية:14
من حقوق لا إله إلا الله ما دام لا زال على إقراره بها مخلصا كان في إقراره أو منافقاً فهو مؤاخذ على إخلاله في الدنيا بما شرع الله من عقاب له يوصف أنه مسلم وحسابه على الله.
ذلك جملة ما أراه في هذه المسألة التي كانت من أهم مسائل الخلاف بين محمد بن عبد الوهاب ومخالفيه ولا زالت إلى اليوم.