الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
نشر فضيلته بحثاً قيماً في رسالة "الطالب المسلم" التي تصدر عن جامعة محمد بن سعود في الرياض نقتطف منه ما يلي:
إن وصف حركة البعث الإسلامي والعقيدة السلفية التي دعا إليها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله بأنها حركة إصلاحٍ وتجديد في شؤون العبادات والسلوك الأخلاقي: ما هو في الحقيقة إلا تفسير لمفهوم الدعوة بجزء من تراثها.
وإلا فهي أكثر شمولاً وأبعد عمقاً في مجال التطبيق العمليّ، وممارسة السلوك في شؤون الحياة والاجتماع، بالإضافة إلى كشف كل زيغ وانحراف لا سيما ما يختص بتوحيد المعرفة والإثبات وتوحيد القصد والطلب.
فهي دعوة تحمل في صميم وجودها أبعاد تجربة شاملة نحو الممارسة الصحيحة لدور حضاريّ في تاريخ البشريّة، سبق أن قام به المسلمون العرب حتى أصبح جزءاً حافلاً من تاريخهم.
وإذا نظرنا بتأمّل واعٍ لدراسة تراث الدعوة في بعض آثارها من كتب ورسائل ومحاورات ومجادلات وما أحاط بتلك الآثار من ملامح تاريخية مسرودة، نجد حقائق مذهلة تنير لنا الطريق وتهدينا نحو معالمه.
فالإمام الشيخ إلى جانب شخصيته الواعية المضيئة يضم إلى الموعظة البليغة والمجادلة الحسنة.. طموحاً فكرياً وأماني متلهفة نحو التطبيق العملي من خلال إقامة دولة إسلاميّة قادرة على تحمّل مسؤوليات الوازع والرادع.. وهذا الاتجاه لا ينبغي أن يخضع لتجربة شك أو حوار.
ومن هنا فإن ما عاشه الإمام الداعية في مجتمعه في قلب الجزيرة العربية، وما عاشه وسمع عنه في أجزاء أخرى من الوطن الإسلاميّ من تخلّف فكريٍّ وعقيديٍّ واندثار في القيم والأخلاق والمثل، وردة مهينة إلى مفاهيم الحياة الجاهلية الأولى، وما يصحب ذلك من تمزق واضمحلال وسقوط مشين في الضلالة الوثنية، والبدع والخرافات.
وما تبع كل ذلك من تمزق في الكيان العام للبنية الاجتماعية لضبط الجماعة والإدارة والمجتمع "وهو ما يعرف بالدولة" حيث هجرت ضوابط كبح المجتمعات وألغي الحكم بالشريعة الإسلاميّة وعاد الحكم عرفيّاً يقرره وينفّذه رجل القبيلة دونما اعتراض أو احتجاج، وأصبحت الأحكام الشرعيّة وقافً على شؤون الإفتاء في العبادات، وكثيراً ما تجانب الصواب.
وأصبح المنتسبون للعلم والفتوى –إلا قليلاً منهم- يقضون جلّ أعمارهم في الانشغال بالتعليقات والحواشي، واستنباط الأسئلة الافتراضية البعيدة الوقوع والاحتمال، وأحياناً يأخذون الرشوة ويجمعون رزقهم من كتابة الحجب وبيع الأفكار المبتدعة، والترنم بقصائد المديح في الموالد والمواسم والمناسبات المفتعلة.
وافتقدت النفوس كل سمو في المعاني وشموخ في الأفعال، وعادت إلى التواضع في الأقوال، وممارسة المهانات، حتى لكأن الإسلام العظيم لم يترك أي أثر حضاريّ في تلك النفوس.
كل تلك الصور الحزينة لم تكن هي صورة للوضع في الجزيرة العربية فقط، وإنما كانت صورة متناسخة لمعظم البلاد الإسلامية، فذلك السقوط الخطير في أوحال الجاهلية، وذلك التفكك الاجتماعي، كان قدراً مشتركاً بين أبناء البلاد الإسلامية، فلم تكن العراق أو الشام أو تركيا أو المغرب مثلاً أحسن حالاً من سكان أبناء الجزيرة في المستوى الديني والاحتكام إلى الشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعندما وضحت الرؤية، وتحددت أبعاد الصورة أمام ذهنيّة الداعية فكّر في طريقة مثلى، ووسيلة مجدية، لانتشال أبناء ملته ودينه من تلك الورطة الرهيبة، فلم ير وسيلة أقرب ولا أجدى من محاولة العودة بهم إلى صفاء العقيدة في ظل حياة تستوعب حكماً عادلاً قادراً على تنفيذ خطّة إصلاح تتناول المبدأ والعقيدة والمجتمع والحياة.
ولكن كيف السبيل؟ هل يكون ذلك بمجرد الوعظ وحشد الخطب الرادعة الزاجرة أم أن ذلك يتطلب منطقاً سليماً وإرادةً واعيةً وإصراراً على فتح الحوار للتعامل في جوٍّ يتيح فرصة إيجاد التطبيق العمل؟.. وبعد أن تجمع لدى الداعية من شواهد التاريخ الماضي والحاضر أن تجربة نشر الحقيقة دون حسام أو سلطان لن يكون كافياً لمنح منطق مقبول، إن لم تتعرض الحقيقة نفسها للسلب أو التشويه أو الرفض.
فرأى أن الحكمة وحسن الدعوة أن يعتمد في دعوته على أمرين هامين:
الأمر الأول:
الأصالة والوضوح فيما يدعو إليه.. فيلتمس دعوته من النبع الصافي: كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه السلام، دون أخذ بآراء الرجال وخرصها.. وأن يفتح باب الاجتهاد الذي أغلقه الجهلة الأغبياء، والمتعصبون لمذاهبهم.
الأمر الثاني:
أن يستعين بالقدرة السلطانية على تنفيذ وحماية منطق الدعوة ومبادئها.