الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حسين بن محمد بن عبد الوهاب
زعم بعض الخرافيين والمبتدعين أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وأجزل ثوابه، يفتري على الغزالي وابن الفارض وأمثالهما، وهمم ممن يعتقدون فيهم الولاية، فما كان من حسين إلا المسارعة لتبرئة أبيه من القول فيما ليس له به علم فذكر السؤال الذي تقدم به المعترضون مع جواب الشيخ، وكل ذلك مقرون بالأدلة والأدب الرفيع.
وفيما يلي نذكر هذا الحوار، قال هؤلاء المعترضون:
أن الإمام الغزالي من أئمة السنة ومن أكابر المصنفين، وصنف "إحياء علوم الدين" فهل تنقمون على هذا الكتاب شيئا مخالفاً لما جاء به الكتاب؟ فأجاب والدنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب أجزل الله ثوابه: " أبو حامد رحمه الله تعالى كما قال فيه بعض أئمة الإسلام: نجده مع ماله من العلم والفقه
…
وغير ذلك يذكر في كتاب الأربعين ونحوه ككتاب "المظنون به على غير أهله" فإذا طالعت هذا الكتاب وجدته: قول الصابئة المتفلسفة بعينه، وقد غيرت عباراته إلى أن قال، فإن أبا حامد: كثيراً ما يحيل على ذلك النور الإلهي وعلى ما يعتقد أنه يوجد للصوفية والعباد برياضتهم وديانتهم من إدراك الحقائق وكشفها لهم حتى يزنوا بذلك ما ورد به الشرع، وسبب ذلك أنه قد علم بذكائه وصدق طلبه ما في طريقة المتكلمين والمتفلسفة من الاضطراب –إلى أن قال- ولهذا كان كثير الذم لهذه الحوائل، وإنما ذلك لعلمه الذي سلكه والذي حجب به عن حقيقة المتابعة للرسالة، وليس هو بعلم، قال أبو يوسف: من طلب العلم بالكلام تزندق، ولهذا صار طائفة ممن يرى فضيلته وديانته يدفعون وجود هذه الكتب عنه، وأما أهل الخبرة به وبحاله فيعلمون أن هذا كله كلامه لعلمهم بمراد كلامه
ومشابهة بعضه بعضاً، ولكن كان هو وأمثاله كما قدمت، مضطربين لا يثبتون على قول ثابت، لأنه ليس عندهم من الذكاء والطلب ما يتعرفون به إلى طريق خاصة هذه الأمة من الذين ورثوا من الرسول العلم والإيمان، وهم أهل حقائق الإيمان والقرآن وهم أهل الفهم لكتاب الله والفهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا كان أبو عمرو "ابن الصلاح" يقول فيما رأيت بخطه: أبو حامد كثر القول فيه، فأما هذه الكتب-يعني المخالفة للحق- فلا يلتفت إليها، وأما الرجل فيسكت عنه ويفوض أمره إلى الله، ومقصوده أنه لا يذكر بسوء، لأن عفو الله من الناسي والمخطئ وتوبة المذنب تأتي على كل ذنب ولأن مغفرة الله بالحساب منه ومن غيره وتكفيره الذنوب بالمصائب تأتي على محق الذنوب، فلا يقدم الإنسان على انتفاء ذلك في حق معين إلا ببصيرة ولا سيما مع كثرة الإحسان والعلم الصحيح، والعمل الصالح والقصد الحسن، وهو رحمه الله يميل إلى الفلسفة لكنه أظهرها في قالب التصوف والعبارات الإسلامية، ولهذا رد عليه علماء المسلمين حتى أخص أصحابه أبو بكر بن العربي المالكي قال فيه: أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منه فما قدر، ورد عليه أبو عبد الله المازري وأبو بكر الطرطوشي وأبو الحسن "المرغيناني" رفيقه، والشيخ أبو البيان، والشيخ أبو عمرو بن الصلاح وحذر من كلامه في ذلك، وأبو زكريا "النواوي" وابن عقيل، وابن الجوزي، وأبو محمد المقدسي، وغيرهم.
وأما كتابه الإحياء فمنه ما هو مردود عليه، ومنه ما هو مقبول، ومنه ما هو متنازع فيه، وفيه فوائد كثيرة ولكن فيه موارد مذمومة، فإن فيه موارد فاسدة من كلام الفلاسفة، تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد،، فإذا ذكرت معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدوا للمسلمين فألبسه ثياب المسلمين، وقد أنكر أئمة الدين على أبي حامد هذا في كتبه، وقالوا أمرضه الشفاء1، وفيه أحاديث وآثار موضوعة وفيه أشياء من أغاليط الصوفية، وفيه أشياء من كلام العارفين المستقيمين، وفيه من أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة، ما هو أكثر مما يرد منه، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس2- انتهى ملخصاً-
1 كتاب لابن سينا.
2 راجع كتابي "حجة الإسلام في قفص الاتهام". ومن الواجب بيان أخطاء الغزالي حتى تجتنب، وحسابه على ربه.
وفيما ذكرناه يتبين لك حال هذا الرجل، وحال كتابه، في إحياء علوم الدين وهذا غاية ما نعتقده فيه، لا نرفعه فوق منزلته فعل الغالين، ولا نضعه من درجته كما وضعه بعض المقصرين فإن من الناس من يغلوا فيه، وفي كلامه الغلو العظيم ومنهم من يذمه، فيهدر محاسنه ويرى تحريق كتابه، وسمعنا أن منهم من يقول ليس هذا إحياء علوم الدين، بل إماتة علوم الدين، والصراط المستقيم حسنة بين سيئتين، وهدي بين ضلالتين1.
وورد على الإمام محمد بن عبد الوهاب سؤال هذا نصه:
بلغنا أنكم تكفرون أناساً من العلماء المتقدمين، مثل ابن الفارض وغيره، وهو مشهور بالعلم من أهل السنة. فأجاب:
أما ما ذكرت أنا نكفر ناساً من المتقدمين وغيرهم فهذا من البهتان الذي أشاعه عنا أعداؤنا ليجتالوا به على الناس عن الصراط المستقيم، كما نسبوا إلينا غير ذلك من البهتان أشياء كثيرة، وجوابنا عنها أن نقول:"سبحانك هذا بهتان عظيم" ونحن لا نكفر إلا رجلاً عرف الحق وأنكره بعد ما قامت عليه الحجة، ودعي إليه فلم يقبل وتمرد وعاند، وما ذكر عنا من أنا نكفر غير من هذا حاله فهو كذب علينا وأما "ابن الفارض" وأمثاله من الاتحادية فليسوا من أهل السنة بل لهم مقالات شنع بها عليهم أهل السنة، وذكروا أن هذه الأقوال المنسوبة إليهم كفريات منها قول ابن الفارض في التائية شعراً:
وإن خرّ للأصنام في البيت عاكف
…
فلا تعني بالإنكار للعصبية
وإن عبد النار المجوس فما انطفت
…
كما جاء بالأخبار من ألف حجة
فما عبدوا غيري وما كان قصدهم
…
سواي وإن لم يضمروا عقد نيّة
فمن أهل العلم من أساء به الظن بهذه الألفاظ وأمثالها، ومنهم من تأول ألفاظه وحملها على غير ظاهرها وأحسن فيه الظن، ومن أهل العلم والدين من أجرى
1 وهذا ما صنعته، فقد لخصت "الإحياء" فأبقيت ما فيه من الخير ومن أحاديث صحيحة وحذفت غير ذلك، ولعلي أول من صنع هذا الصنيع، وقد وجدت جميع من لخصوا هذا الكتاب كالإمام ابن الجوزي والمقدسي وجمال الدين القاسمي أبقوا فيه بعض الأحاديث الضعيفة والآراء الصوفية الخرافية ولله الحمد والمنة.
ما صدر منه على ظاهره وقال: هذه الأشعار ونحوها تتضمن مذهب أهل الاتحاد من القائلين بوحدة الوجود والحلول كقصيدته المسماة "نظم السلوك" ومثل كثير من شعر ابن إسرائيل وابن عربي وابن سبعين، والتلمساني وما يوافقهما من النثر الموافق لمعناها فهذه الأشعار من فهمها علم أنه كفر وإلحاد، وأنها مناقضة للعقل والدين ومن لم يفهمها وعظم أهلها كان بمنزلة من سمع كلاماً لا يفهمه وعظمه، وكان ذلك من دين اليهود والنصارى والمشركين، وإن أراد أن يحرفها ويبدل مقصودهم بها كان من الكاذبين البهاتين المحرفين لكلم هؤلاء عن مواضعه، فلا يعظم هؤلاء وكلامهم إلا أحد رجلين: جاهل ضال، أو زنديق منافق، وإلا فمن كان مؤمناً بالله ورسوله، عالما بمعاني كلامهم لا يقع منه إلا بغض هذا الكلام وإنكاره، والتحذير منه، وهذا كقول ابن الفارض يشير إلى الحضرة الإلهية وإلى نظرية الاتحاد ووحدة الوجود الكافرة:
لها صلاتي في المقام أقيمها
…
واشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل واحد ساجد إلى
…
حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم تكن
…
صلاتي لغيري في أدا كل ركعة
وما زلت إياها وإياي لم تزل
…
ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
إلي رسولاً كنت مني مرسلا
…
وذاتي بآياتي عليّ استدلت
وقد رفعت تاء المخاطب بيننا
…
وفي فرقها عن فرقة الفرق رفعة
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن
…
منادي أجابت من دعاني ولبت
وإن نال بالتنزيل محراب مسجد
…
فما نال بالإنجيل هيكل بعثة1
وإن خر للأصنام الخ البيت السابق، وذكر أبياتاً لابن إسرائيل وغيره، ثم قال: وحقيقة قول هؤلاء أنهم قالوا في مجموع الوجود أعظم مما قالته النصارى في المسيح، فإن النصارى ادعوا أن اللاهوت الذي هو الله اتحد مع الناسوت وهو ناسوت المسيح أو حل فيه مع كفرهم الذي أخبر الله به، كما قال:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} فهم مع هذا الكفر يقرون بأن الله خلق
1 من أبيات هذه القصيدة يشير إلى أن من عشق ليلى ولبنى وعزة من الفساق فقد عشق في الحقيقة الحضرة الإلهية والعياذ بالله.