الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الفتاح الغنيس
قال في هذا الظلام الدامس والليل الحالك الذي أحاط بالأمة الإسلامية من جميع جوانبها، حيث ساد التفكك والانهيار وانتشرت الضلالة والبدع والخرافات وسادت الشعوذة وانحدر المسلمون في المتاهات، وبزغ على الأمة الإسلامية فجر يوم جديد يتمثل في ظهور دعوة الوحيد والعودة بالإسلام إلى نبعيه الخالدين لكي يستكمل التشييد الإسلامي وتنطلق الأمة الإسلامية في ركب الحضارة من جديد، وذلك لأنه في هذا الجو الذي تكاثفت فيه الظلمات ساد جو من التعصب وأغرق الناس في الجهل والإيمان بالخرافات واعتقاداً بالقبور وبالموتى ومزارات المشايخ والأولياء، وسيطرت على عقليات الناس بعض السخافات وظهر التخلف على كل شبر من الأرض الإسلامية.
ومن قلب كل هذه الأمور والظلمات ولد محمد بن عبد الوهاب
…
ثم قال تحت عنوان "أثر دعوة الشيخ": لقد كان لهذه الدعوة الإسلامية التصحيحية أثرها البعيد المدى والواسع النطاق في العالم الإسلامي حيث تركت دعوة التوحيد والإيمان التي ناصرها رجال الشيخ من الموحدين آثارها الطيبة على جميع أنحاء العالم الإسلامي فقد تركت أثرها في كل الحركات الإسلامية التي ظهرت على أثرها في شتى أنحاء العالم الإسلامي في المغرب والعراق وبلغت الشرق الأقصى في الفلبين والملايو وأندونيسيا والهند.
وهبي الزحيلي
.
قال هذا الدكتور وهو أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة دمشق:
جهر ابن عبد الوهاب بدعوته سنة 1143هـ/1730م، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فكانت دعوته الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله1 وقد وجد اهتمامه لمسألة التوحيد التي هي عماد الإسلام والتي دخلها الفساد لدى كثير من الناس، فالتوحيد أساسه ألا يعبد إلا الله وحده بجميع أنواع العبادة وهذا هو معنى لا إله إلا الله.
فمعنى "لا إله إلا الله": أنه ليس في الوجود ذو سلطة حقيقية تسير العالم
1 الإعلام للزر كلي: 7/137، الإسلام في القرن العشرين للعقاد ص 103.
وفقاً لقوانينه التي وضعها إلا هو، ولا يستحق العبادة والتعظيم إلا هو 1 وكان توفيقاً إلهياً عجيباً لابن عبد الوهاب، وذلك التلازم بين الدعوة الجديدة وقيام الدولة السعودية، فقد ناصر وحماه وتبنى آراءه أمير الدرعية، محمد بن سعود سنة 1160هـ/1744م الذي استطاع إخضاع أكثر إمارات نجد لسلطته وأتم ابنه عبد العزيز والد سعود وفيصل توحيدها، وأقام الدولة السعودية في نجد والحجاز في النصف الثاني من القرن الثامن عشر2.
وقد تم التعاهد بين ابن عبد الوهاب وابن سعود على النصرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصيغة كانت تستعمل بين عرب الجاهلية "الدم بالدم
…
والهدم بالهدم
…
" أي دمي دمك وهدمي هدمك.
وكان من أهم مقومات نجاح ابن عبد الوهاب: أنه كان قوي التأثير في أصحابه جذاب الحديث، قادراً على إلهاب نار الحماسة في قلوب أعوانه، وعلى استثمار محبتهم العارمة للحرب في سبيل قضيته3. وقد أضاف لمبادئ ابن تيمية مجهوداً خاصاً، تجلى في تأكيده للحرب ضد البدع.
وقد دعمه الزعيم محمد بن سعود، فقام بمغامرات حربية لإقامة السنة الصحيحة4 وإعادتها ولحرص ابن عبد الوهاب الشديد على مبدأ التوحيد وتطهير المجتمع الإسلامي من شائبة الشرك والبدع، سمي هو وأتباعه ب"الموحدين" أو "أهل التوحيد""إخوان من أطاع الله" أو "أهل الفرقة الناجية"....
وسماهم خصومهم بالوهابية نسبة إليه 5، وشاعت التسمية الأخيرة بين الناس وبخاصة الأوربيين، وأخطأ بعضهم فجعل هذه الحركة الإصلاحية "مذهباً" جديداً في الإسلام تبعاً لما افتراه خصومهم، ولا سيما الترك والعثمانيون 6 ثم قال هذا الدكتور بعد كلام طويل تحت عنوان: أصالة المبادئ التي دعا إليها محمد بن
1 زعماء الإصلاح في العصر الحديث لأحمد أمين: ص 10 وما بعدها.
2 نظام الإسلام للدكتور وهبي الزحيلي: ص 491، الإسلام في القرن العشرين ص 5.
3 تاريخ الشعوب الإسلامية، بروكلمان: 4/30
4 العقيدة والشريعة، جولد تسهير: ص267.
5 بل نسبة لأبيه الشيخ اسمه محمد، واسم أبيه عبد الوهاب، وكل ذلك بقصد التضليل من هؤلاء الخصوم الضالين المضلين.....
6 الأعلام للزركلي: 7/137، زعماء الإصلاح: ص10
وإسلاميتها: إن كل منصف مخلص، متجرد واع لمبادئ الإسلام وأحكامه، لا يجد فيما دعا إليه المصلح محمد بن عبد الوهاب الداعية الكبير أي انحراف أو مجافاة أو مصادمة لما جاء به الإسلام، وإنما دعوته تمثل مبادئ الشرع الأصلية وهي إسلامية روحاً ودماً، ونزعة، ومظهر، فهي ليست بدعاً في الإسلام، ومزيتها على حد تعبير الدكتور عبد الله بن تركي مدير جامعة محمد بن سعود الإسلامية 1 لا تتمثل في شيء جديد في مبادئها، وما دعت إليه، فإنها لم تأت بجديد، ولا جديد في الإسلام، فهو أحكام ووحي نزل من عند الله تبارك وتعالى على محمد صلى الله عليه وسلم
…
ولم يبق بعد وفاته إمام إلا اقتفى أثره، واستمسك بالمحجة البيضاء التي ترك الأمة عليها.
ويتضح ذلك فيما تتلخص به آراء ابن عبد الوهاب الأساسية2:
1-
الرجوع بالإسلام إلى ما كان عليه في الصدر الأول.
2-
تلخيص توحيد مما شابه من شرك.
3-
إنكار التوسل الممنوع شرعاً بالأولياء والصالحين.
4-
طرح البدع والخرافات.
وكان من أبرز معطيات "الوهابية" في عملين كبيرين:
أولهما: أنها فتحت باب الاجتهاد في الفروع بعد أن ظل مغلقاً منذ سقوط بغداد في سنة 656 هـ.
ثانيهما: ضرورة القيام بواجب الجهاد وإحياء هذه الفريضة التي أصابها الوهن فكانت "الوهابية" ثورة عارمة على الاستبداد والضعف والانحلال الذي آل
1 من تقديم المؤلفات للشيخ محمد بن عبد الوهاب وملحق المصنفات ص 10.
2 حاضر العالم الإسلامي، للدكتور محمد زيادة ص 22 وما بعدها دائرة معارف وجدي: 10/869 وما بعدها، الاتجاهات الحديثة في الإسلام للمستشرق الانجليزي جيب: ص 57، 63 وما بعدها، ذيل الملل والنحل: ص 57، معالم الثقافة الإسلامية للدكتور عبد الكريم عثمان: ص 536-540 وانظر أيضاً الفرنسية مقال: مرجليوت في دائرة المعارف الإسلامية: 4/ 1411 النسخة الفرنسية، وكتاب الدكتور هنري لاووست "محاملة حول أفكار ابن تيمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ص 32-332، مقال رايح جمعة مجلة الفيصل عدد 15 ص 80.
إليه العالم الإسلامي1.
ولقد أعلن الإمام محمد بن عبد الوهاب مبادئه فقال2:
اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة:
الأول: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، والدليل قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو القباب.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم الشفاعة، كفر إجماعاً.
الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً.
الرابع: ما اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر.
الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر إجماعاً، والدليل قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .
السادس: من استهزأ بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .
السابع: السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر والدليل قوله تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} .
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباعه صلى الله عليه وسلم، وأنه يسعه الخروج عن شريعته، كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليهما السلام، فهو كافر.
1 العالم الإسلامي والاستعمار الثقافي للأستاذ أنور الجندي ص: 70.
2 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب القسم الخامس من الدرر السنية في الأجوبة النجدية ص: 212-214-385.