الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
قال:1 قبل أن أبدأ الحديث عن الدعوة السلفية التي قامت في أواسط القرن الثاني عشر الهجري بقيادة الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله فإنه لا بدّ من لمحة عامة عن حال الجزيرة العربية قبل هذه الدعوة السلفية فقد شهد القرن الحادي عشر الهجري والنصف الأول من القرن الثاني عشر تحولاً في المفهوم الإسلامي لحقيقة التوحيد وحقيقة الشرك بالله سبحانه وتعالى، فعبدت الأشجار والأحجار وأقيمت الطقوس الخرافية والبدع المصطنعة، وشيدت القبور وقدمت النذور لغير الله سبحانه وتعالى.
ولغربة الإسلام وغلبة الطغام راجت في المجتمع أشكال من البدع المحدثة التي ليست من الإسلام في شيء، حتى في منطلق الدعوة والرسالة. مكة والمدينة اللتين شرفهما الله تعالى بنزول القرآن ومبعث خاتم الرسل والأنبياء وراج في الناس الشعوذة والسحر وكان وراء ذلك كله علماء السوء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويروجون للعامة والدهماء الأحاديث الموضوعة المخالفة لصريح القرآن والثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه الأجواء وفي هذا المجتمع الحالك بظلمة الضلالة والبدعة والفساد قام شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب بدعوته فحارب الشرك بالله مستعيناً به وأعلنها في الملأ بأن دعاء غير الله من ملك أو نبي أو ولي، شرك بالله تعالى وان اتخذ بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم فإنه يكفر بإجماع المسلمين ودليله في ذلك كتاب الله وسنة
1 الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية، وقد اجتزأنا من محاضرته القيمة هذه الكلمات.
رسوله صلى الله عليه وسلم وما درج عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان كما حارب كثيراً من المنكرات والمحرمات في الشريعة الإسلامية من تعاطي السحر والاعتقاد في الطيرة والأنواء والاعتقاد بأن من الأيام أيام نحس وشؤم وغير ذلك مما علق بأذهان الناس واعتقدوه أمراً مباحاً ولا زالت رواسبه في أذهان العوام في كثير من البلاد الإسلامية.
ومن الأمور الأساسية التي ركزت عليها تلك الدعوة السلفية إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة. يقول الشيخ رحمه الله تعالى – باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله – والباب الآخر قوله: باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}
…
الآيات
…
ولنقتطف مما ذكر الشيخ آية من كل باب أو حديثاً ونوضحه.
أما الباب الأول
…
فقد أورد الشيخ حديث عدي بن حاتم "أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}
…
فقال له إنا لسنا نعبدهم. قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه
…
فقلت بلى.. قال: فتلك عبادتهم" رواه أحمد والترمذي وحسنة.
وشواهد الحديث من الآيات كثيرة.. فتأمل هذا الحديث العظيم. تأمل قول عدي إنا لسنا نعبدهم. ظاناً أن العبادة هي التقرب إليهم بسجود أو نذر أو ذبح وتأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم "فتلك عبادتهم"
…
ففي هذا صراحة ووضوح بأن العبادة هي الطاعة وهي الاتباع وهي التحكيم فمن أطاع الله ورسوله لم يرض بما يخالفه من الأحكام من أي مصدر كان واتخاذهم أرباباً يكون في هذا النوع فمن رضي حكماً غير حكم الله وحكم رسوله وهو عالم بذلك معتقداً صحة هذا لحكم المخالف نصاً وروحاً لحكم الله فهذا لا شكّ في كفره.
وأما الباب الثاني فإليك رأس الباب. باب قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}
…
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. في شرحه لهذه الآية في كتاب تيسير العزيز الحميد لما كان التوحيد هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله مشتملاً على الإيمان بالرسل مستلزماً له وذلك هو الشهادتان. ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم ركناً واحداً نبه في هذا الباب على ما تضمنه التوحيد واستلزمه من تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع إذ هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله ولازمها، الذي لا بد منه لكل مؤمن.
فإن من عرف أن لا إله إلا الله فلا بدّ له من الانقياد لحكم الله والتسليم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن شهد أن لا إله إلا الله ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع فقد كذب في شهادته....
ونادت الدعوة السلفية بوجوب الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر. ونادت الدعوة السلفية أيضاً بتطبيق الشريعة الإسلامية في كل شؤون الحياة وأنه لا بد من أن تكون في الناس أمة تدعوا على الخير وترشد إليه وتقلع المنكر من جذوره وتحذر منه وفق ما جاء به دين الله الذي ارتضاه لعباده.
-الدعوة تنشط من عقالها-
بينما الجزيرة العربية منغمسة في تلك الأوحال المخالفة لهدى الإسلام ولصفاء نور العقيدة الخالصة من شوائب الشرك والبدع إذا بصوت الداعي المصلح ينادي بالدعوة إلى التوحيد ويندب نفسه للذود عن الدين وتخليصه من أيدي المشركين والمبتدعين.
وقال سماحته في آخر محاضرته القيمة: لقد ظلت دعوة الشيخ المجدد رحمه الله صورة حية في حياة سكان الجزيرة العربية وغيرهم من سكان آسيا وإفريقيا كما كان كفاحه ونضاله في سبيل تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والعمل على توحيد الجزيرة العربية في كيان واحد يلم شعثها. فقد كانت الجزيرة العربية قبل دعوة هذا الإمام المصلح مجزأة في غمارات صغيرة مختلفة متناحرة يأكل قويهم ضعيفهم ويستبيح ماله وعرضه. مجتمعاً تسوده الجاهلية الجهلاء والضلالة العمياء فعبدت الأشجار والأحجار والفئران والأموات من دون الله، كانت المرأة في ذلك الزمن تأتي إلى فحل النخل وتحتضنه قائلة: يا فحل الفحول أريد زوجاً قبل الحلول وقد ذكرت كتب التاريخ أشجاراً وأحجاراً وغيرها يرتاداها الجهلة من الناس من غير نكير. فبلغت درجة من التخلف عظيمة كانت تلك الإمارات وكانت القبائل فئات متناحرة تتصرف بعقلية متعفنة وبعادات جاهليّة، فجاهد الشيخ محمد بن سعود ومن بعده من أمراء الدولة السعودية الأولى في سبيل تصحيح العقيدة ومحاربة ما ورثه الأبناء عن الآباء من مخالفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى عاد للجزيرة العربية وجهها المشرق وكان لها وضع مذهل وذلك بفضل قوة الإسلام وحمايته من قبل الحكم العادل..
هما السيف والقرآن قد حكما معاً
…
فلم يتركا زيفاً ولم يتركا خرفاً. كان الشيخ بجانبه الإمام المسلم الذي اشرب قلبه بلبان التوحيد رائدي منهج وخطة عمل فهما أخذا على عاتقهما إصلاح المجتمع الجاهلي عقيدة وسلوكاً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر. والله المسؤول أن يجمع كلمة المسلمين على الحق وأن يهدينا سواء السبيل. وأن يغرس لهذا الدين من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتهاك المبطلين – وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين-.