الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأضرحة التي لا عداد لها تقام في جميع أقطاره يشد الناس إليها رحالهم ويتمسحون بها ويتذللون لها ويطلبون جلب الخير لهم ودفع الشرّ عنهم. ففي كلّ بلدة ولي أو أولياء. وفي كل بلدة ضريح أو أضرحة تشترك مع الله تعالى في تصريف الأمور، ودفع الأذى وجلب الخير وكأن الله سلطان من سلاطين الدنيا يتقرب إليه بذوي الجاه وأهل الزلفى لديه. ويرجون في تغيير القوانين وقضاء الحاجات. أليس هذا كما كان يقول مشركو العرب {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقولهم {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ؟ بل واأسفاه لم يكتف المسلمون بذلك. بل أشركوا مع الله حتى النبات والجماد فهؤلاء أهل بلدة منفوحة باليمامة يعتقدون في نخلة هناك، أن لها قدرة عجيبة من قصدها من العرائس تزوجت لعامها. وهذا الغار في الدرعية يحج إليه الناس للتبرك وفي كلّ بلدةٍ من البلاد الإسلاميّة مثل هذا، ففي مصر شجرة الحنفي. ونعل الكلشني. وبوابه المتولي1.
وفي كل قطر حجر وشجر فكيف يخلص التوحيد من هذه العقائد؟ إنها تصد الناس عن الله الواحد وتشرك معه غيره وتسيء إلى النفوس وتجعلها ذليلة وضيعة مخرفة وتجردها من فكرة التوحيد وتفقدها التسامي.
هكذا شغلت ذهنه فكرة التوحيد في العقيدة مجردة من كل شريك وفكرة التوحيد في التشريع الإسلامي فلا مصدر له إلا الكتاب والسنة.
1 شجرة الحنفي: شجرة قديمة كانت في جامع الحنفي بالقاهرة يتبرك بها. ونعل الكلشني: نعل قديمة في تكية الكلشني يزعمون أن الماء إذا شرب منها ينفع للتداوي من العشق، وبوابة المتولي بالقاهرة: أيضاً مملوءة بالمسامير يتعلق فيها الشعور والخيوط لقضاء حاجة من علقها.
أمين سعيد
قال في كتابه "سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب" هي من أحفل السير بالعظات وأغناها بالفضائل وأحقها بالبحث والفصل، والتفسير والتعليل وهي سيرة مصلح من أكرم المصلحين، ومجاهد من كبار المجاهدين وعالم من خيرة العلماء أنار
الله بصيرته وهداه سبله وألهمه التقوى فدعا أمته للرجوع إلى الله والعمل بكتابه وسنة رسوله ونبذ الشرك وعبادة القبور. انقادت إليه واقتدت به واستجابت له فأخرجها الله من الظلمات إلى النور فنجت وفازت وجنت أطيب الثمار وسمت إلى مرتبة الاختيار. ثم ذكر ولادة الشيخ وما كانت حالة الضعف والانحطاط التي سرت في جسم الدولة العثمانية وذكر أحوال الجزيرة العربية وما فيها من ظلمات الجهل ومزيد الفقر وتفشي الفوضى وفي وسط ذلك الجو القائم المربد، جو الجهل والجمود، جو ضعف الوازع الديني وتسلط الحكام واستبداد الطغاة. أشرقت من جانب نجد أنوار الدعوة الوهابية التي حمل مشعلها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب فأنارت للأمة السبيل وألهمتها رشدها فشقت طريقها واهتدت بهديها وحققت الدعوة لنجد آمالها وقد بدأت في محيطها أول ما بدأت فأنشأت لها مجتمعاً إسلامياً سليماً يؤمن بالتوحيد ويعظم شأنه ويسير على هداه ولا يدعوا مع الله أحداً، ولا يزال هذا حاله لم تتبدل ولم تتغير منذ عهد الشيخ وحتى يومنا هذا فهو يصدع بالحق ويؤمن به. وانبثقت عن هذا المجتمع دولة عربية كريمة نشأت في ظل الدعوة وآمنت بها فكانت أول دولة عربية كبرى يؤسسها العرب داخل جزيرتهم بعد دولة الخلفاء الراشدين فاتبعت طريقهم وترسمت خطاهم فسادت وشادت ووسعت حدودها وانتشرت الدعوة في بلاد العرب وبلاد الإسلام وسرى نورها في أرجائها وأقبل عليها الكثيرون وأخذوا بها وتفاعلوا معها واستجابوا لها فكانت الأمنية الكبرى لهذه النهضات التي تعم بلاد العرب وبلاد المسلمين فأحيت ميت الهمم وأيقظت خامد النفوس. وضرب الشيخ الأمثال على تجرده ونزاهته وعلى أنه لم يرد من دعوته سوى وجه الله وحده وإصلاح حال أمته وإنقاذها من ظلمات الجهالة التي كانت تغمرها. ولقي في بدء الدعوة من الأذى والعدوان والمقاومة ما يلقاه الدعاة المصلحون من قومهم فما تردد وما توقف بل صابر وثابر لم يخفه تهديد وما ثناه وعيد ولا أثرت في نفسه المغريات، فشرقت الدعوة وغربت وكثر عدد وعدد المؤمنين بها وازداد أنصارها واستقام أمرها فأزعج ذلك خصومها وأقلق أعداءها