المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: العلم بمعنى الشهادتين شرط في عصمة الدم والمال: - العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

[مدحت آل فراج]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولإثبات وصف الشرك مع الجهل وقبل قيام الحجة الرسالية

- ‌الفصل الأولالأدلة على إثبات وصف الشرك مع الجهل وقبل قيام الحجة الرسالية

- ‌المبحث الأول: فتور الرسالات قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: اقتران وصفي الشرك والجهل:

- ‌الفصل الثانيعلة ثبوت وصف الشرك قبل قيام الحجة

- ‌المبحث الأول: حجية الميثاق:

- ‌المبحث الثاني: توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية وهو الحجة عليه:

- ‌المبحث الثالث: الميثاق حجة في بطلان الشرك والعذاب عليه بعد الحجة الرسالية:

- ‌المبحث الرابع: التحسين والتقبيح العقلي للأفعال قبل بلوغ الشرائع:

- ‌الباب الثانيكيفية انتقال العبد من الشرك إلى الإسلام

- ‌الفصل الأولالأدلة من القرآن الكريم على فهم حقيقة الإسلام

- ‌المبحث الأول: الانخلاع من الشرك شرط في تحقيق الإسلام:

- ‌المبحث الثاني: الكفر بالطاغوت شرط في الإيمان بالله وحده:

- ‌المبحث الثالث: إفراد الله بالحكم شرط في تحقيق الإسلام:

- ‌الفصل الثانيالأدلة من السنة المطهرة على فهم حقيقة الإسلام

- ‌المبحث الأول: العلم بمعنى الشهادتين شرط في عصمة الدم والمال:

- ‌المبحث الثاني: اليقين والعمل بمقتضى الشهادة شرط في صحتها:

- ‌المبحث الثالث: الكفر بما يعبد من دون الله شرط في عصمة الدم والمال:

- ‌المبحث الرابع: كلمة التوحيد تعصم قائلها بشرط البراءة من الشرك:

- ‌المبحث الخامس: لب التوحيد معرفة الله:

- ‌المبحث السادس: استحالة عبادة الله بالشرك:

- ‌المبحث السابع: العلم قبل القول والعمل:

- ‌الفصل الثالثتوصيف العلماء لحقيقة الإسلام

- ‌المبحث الأول: التوحيد شرط صحة في إسلام العبد:

- ‌المبحث الثاني: التزام أحكام الإسلام شرط في قبوله

- ‌المبحث الثالث: الحنيف التارك للشرك عن قصد وعلم:

- ‌المبحث الرابع: التوحيد بالقول والعمل شرط في تحقق النجاة:

- ‌المبحث الخامس: قبول الأحكام من غير الله شرك في الألوهية والربوبية:

- ‌الفصل الرابعأركان الإيمان وحدوده

- ‌المبحث الأول: تلازم الإيمان والإسلام:

- ‌المبحث الثاني: العلم والعمل ركنا الإيمان

- ‌الباب الثالثالردة وعدم تأثير عارض الجهل فيها

- ‌الفصل الأولالأدلة من القرآن الكريم على عدم تأثير عارض الجهل في الردة

- ‌المبحث الأول: الجهل أساس النفاق وعلته:

- ‌المبحث الثاني: حكم المستهزئ بآيات الله:

- ‌المبحث الثالث: تنزيل آيات الكفار على من فعل فعلهم من المسلمين:

- ‌الفصل الثانيالأدلة من السنة المطهرة على عدم تأثير عارض الجهل في الردة

- ‌المبحث الأول: حكم الاعتراض على حكم النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الثاني: صفة الخوارج وحكمهم

- ‌المبحث الثالث: التغيظ من الصحابة دلالة على كفر صاحبه:

- ‌المبحث الرابع: فرق القدرية وحكمها

- ‌الفصل الثالثباب الردة من كتب السلف

- ‌المبحث الأول: الشرك لا يجتمع مع الإسلام

- ‌المبحث الثاني: غالب الردة تنشأ عن الجهل والاشتباه:

- ‌الباب الرابعالرد على الشبهات في قضية عدم العذر بالجهل والتأويل في أصل الدين

- ‌الفصل الأولالرد على الشبه المستدل بها خطأ من القرآن الكريم

- ‌المبحث الأول: تخصيص عموم رخصة الخطأ:

- ‌المبحث الثاني: شروط الاجتهاد:

- ‌المبحث الثالث: إثبات الضلال قبل البيان:

- ‌الفصل الثانيالرد على الشبه المستدل بها خطأ من السنة المطهرة

- ‌المبحث الأول: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة:

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الطلب من المخلوق وبين الطلب به:

- ‌المبحث الثالث: التأويل دليل على مخالفة النص الجزئي لقاعدة كلية:

- ‌الفصل الثالثتقسيم الدين إلى أصول وفروع

- ‌المبحث الأول: أصول الدين المزعومة عند أهل البدع:

- ‌المبحث الثاني: أحكام أصول الدين وبيانها بياناً شافياً قاطعا للعذر:

- ‌الفصل الرابعموقف ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب من تكفير المعين

- ‌المبحث الأول: المشرك ليس من عداد المسلمين:

- ‌المبحث الثاني: الجهل سبب غلبة الشرك على النفوس:

- ‌المبحث الثالث: الإسم الواحد يثبت وينفى بحسب ما يتعلق به من أحكام:

- ‌المبحث الرابع: تعريف الكفر الذي ينفيه هؤلاء الأئمة:

- ‌نتائج البحث

- ‌ مراجع البحث

الفصل: ‌المبحث الأول: العلم بمعنى الشهادتين شرط في عصمة الدم والمال:

الفصل الثاني

الأدلة من السنة المطهرة على فهم حقيقة الإسلام

‌المبحث الأول: العلم بمعنى الشهادتين شرط في عصمة الدم والمال:

الحديث الأول: أخرج مسلم في صحيحه: أن أبا هريرة أخبره -أي سعيد بن المسيب- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله".

. . . عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".

. . . وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله".

وعن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله". وفي رواية أنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول:"من وحد الله ثم ذكر مثله"(1). اهـ.

قلت: هذه الروايات تنص على أن القتال مشروع إلى أن "يقولوا"، وفي رواية "يشهدوا"، وفي رواية "من وحد الله"، وفي رواية " وكفر بما يعبد من دون الله"، وفي رواية أضاف "ويؤمنوا بما جئت به"، وهذه الروايات كلها تدل -بفضل الله- على أن: العلم بمعنى الشهادتين شرط في عصمة الدم والمال.

(1) راجع صحيح مسلم بشرح النووي جـ: 1 ص: 210: 212.

ص: 77

القول دليل على الاعتقاد:

أولاً معنى القول: قال صاحب لسان العرب معنى كلمة قول-: فأما تجوزهم في تسمية الاعتقادات والآراء قولاً فلأن الاعتقاد يخفى فلا يعرف إلا بالقول، أو بما يقوم مقام القول من شاهد الحال فلما كانت لا تظهر إلا في القول سميت قولاً، إذ كانت سبباً له، وكان القول دليلاً عليها، كما يسمى الشيء باسم غيره إذا كان ملابساً له وكان القول دليلاً عليه

قال شمر: تقول قوّلني فلان حتى قلت: أي: علمني وأمرني أن أقول قال: قوَّلْتني وأقْولْتني أي: علمتني ما أقول وأنطقتني، وحملتني على القول. وفي حديث سعيد بن المسيب حين قيل له: ما تقول في عثمان وعلي، فقال: أقول فيهما: ما قولّني الله -تعالى- ثم قرأ: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)[الحشر: 10] اهـ.

قلت: فهذا القول لا بد فيه من العلم. ومن هذا يعلم: أن المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" أي: حتى ينطقوا ويعلموا: لا إله إلا الله.

العلم شرط في صحة الشهادة:

وأما الشهادة: فقال أيضاً في نفس المرجع قال: ابن سيده: الشاهد: العالم الذي يبين ما علمه

وقال أبو بكر بن الأنباري: في قول المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله: اعلم أن لا إله إلا الله، وأبين أن لا إله إلا الله، قال: وقوله أشهد أن محمداً رسول الله، أعلم وأبين أن محمداً رسول الله: وقوله عز وجل: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ). قال أبو عبيدة: معنى شهد الله: قضى الله أنه لا إله إلا هو وحقيقته: علم الله وبين الله، لأن الشاهد: هو العالم الذي يبين ما علمه

وشهد الشاهد عند الحاكم: أي بين ما علمه وأظهر

وسأل المنذري أحمد بن يحيى عن قول الله عز وجل: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ). فقال: كل ما كان "شهد الله" فإنه بمعنى: علم الله، قال وقال ابن الأعرابي: معناه: قال الله ويكون معناه: علم الله ويكون معناه: كتب الله، وقال ابن الأنباري: معناه: بيّن الله أن لا إله إلا هو (1) اهـ.

(1) لسان العرب لابن منظور.

ص: 78

وقال القرطبي في قوله -تعالى-: (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)

والمعنى: ولا يملك هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وآمن على علم وبصيرة قاله: سعيد بن جبير وغيره. قال وشهادة الحق لا إله إلا الله .. (وَهُمْ يَعْلَمُونَ). حقيقة ما شهدوا به

الثانية قوله -تعالى-: (إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). يدل على معنيين.

أحدهما: أن الشهادة بالحق غير نافعة إلا مع العلم وأن التقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة.

والثاني: أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها ونحوه ما روى عن النبي، صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فادع". اهـ.

وقال ابن كثير:

هذا استثناء منقطع أي: لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له اهـ.

وقال الإمام الطبري: فقال بعضهم معنى ذلك: ولا يملك عيسى وعزير والملائكة الذين يعبدوهم هؤلاء المشركون بالساعة الشفاعة عند الله لأحد إلا من شهد بالحق فوحد الله وأطاعه بتوحيد علم منه وصحة بما جاءت به رسله قوله: (إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ) قال: كلمة الإخلاص وهم يعلمون: أن الله حق وعيسى وعزير والملائكة يقول: لا يشفع عيسى وعزير والملائكة إلا من شهد بالحق وهو يعلم الحق اهـ.

وقال ابن تيمية والشهادة: لا بد فيها من علم الشاهد وصدقه وبيانه لا يحصل مقصود الشهادة إلا بهذه الأمور (1).

وقال أيضاً رحمه الله (2) قال أبو الفرج في معنى الآية قولان: أحدهما: أنه أراد بـ"الذين يدعون من دونه" آلهتهم ثم استثنى عيسى وعزيراً والملائكة. فقال: إلا "من شهد بالحق" وهو شهادة: أن لا إله إلا الله "وهم يعلمون" بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم قال: وهذا مذهب الأكثرين. منهم: قتادة، والثاني: أن المراد بـ"الذين يدعون" عيسى وعزيراً والملائكة الذين عبدهم المشركون. لا يملك هؤلاء الشفاعة لأحد "إلا من شهد بالحق" وهي: كلمة

(1) جـ: 14 ص: 187 لمجموع الفتاوى.

(2)

جـ: 14 ص: 400: 411.

ص: 79

الإخلاص "وهم يعلمون" أن الله خلق عيسى وعزيراً والملائكة. وهذا مذهب قوم. منهم: مجاهد -إلى أن قال في ص: 409: 411 - وهذا يتناول: الشافع والمشفوع له، فلا يشفع إلا من شهد بالحق وهم يعلمون. فالملائكة والأنبياء والصالحون -وإن كانوا لا يملكون الشفاعة- لكن إذا أذن لهم الرب شفعوا. وهم لا يؤذن لهم إلا في الشفاعة للمؤمنين الذين يشهدون: أن لا إله إلا الله فيشهدون بالحق وهم يعلمون، لا يشفعون لمن قال: هذه الكلمة تقليداً للآباء والشيوخ كما جاء في الحديث الصحيح: "إن الرجل يُسأل في قبره ما تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: هو عبد الله ورسوله جاءنا بالبينات والهدى وأما المرتاب فيقول هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته". فلهذا قال: "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" وقد تقدم قول ابن عباس: يعني من قال لا إله إلا الله. يعني: خالصاً من قلبه. والأحاديث الصحيحة الواردة في الشفاعة كلها تبين: أن الشفاعة إنما تكون في أهل "لا إله إلا الله" اهـ.

وقال القرطبي: قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، أي: أنطق بما أعلمه وأتحققه: وأصل الشهادة للإخبار عما شاهد المخبر بحسه ثم قد يقال: على ما يحققه الإنسان ويتقنه وإن لم يكن شاهداً للحس لأن المحقق علماً كالمدرك حساً ومشاهدة (1). اهـ.

وقال النووي تعليقاً على هذه الروايات: وفيه أن الإيمان شرطه الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما، واعتقاد جميع ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جمع ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله:"أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به"(2). اهـ.

قلت: ومن المعلوم أن اعتقاد الشهادتين يسبقه العلم بمدلولهما -لأن الاعتقاد والتصور فرع العلم- إذ كيف يعتقد العبد اعتقاداً صحيحاً لشيء وهو جاهل بحقيقته؟!.

* * *

(1) المفهم شرح صحيح مسلم جـ: 1، أثناء شرح خطبة الحاجة للإمام مسلم.

(2)

صحيح مسلم بشرح النووي جـ: 1 ص: 212.

ص: 80